معادن العلم ومنابعه
إضاءات إسلامية
ما دام علم الأئمة عليهم السلام متميزاً فلا بد أن تكون مصادر ومنابع هذا العلم متميزة، لأن الطريق العادي وهو التعلم من الناس لا يخلو من شوائب ونقصان، بل كيف يكون هادياً للناس من يأخذ العلم منهم؟!
عدد الزوار: 128ما دام علم الأئمة عليهم السلام متميزاً فلا بد أن تكون مصادر ومنابع هذا العلم متميزة، لأن الطريق العادي وهو التعلم من الناس لا يخلو من شوائب ونقصان، بل كيف يكون هادياً للناس من يأخذ العلم منهم؟! فلا بد من وجود مصادر أخرى صافية ليس فيها أي شائبة من نقص أو جهل أو خطأ، حتى تكون الهداية صحيحة ومأمونة وتامة، وقد تعددت المنابع التي استقى منها أهل البيت عليهم السلام علومهم وإن كانت ترجع بحقيقتها إلى مصدر واحد هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسنذكر بعضا منها:
1-العلم الموروث:
فقد ورثوا علم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعلوم الأنبياء عليهم السلام، وهذا ما تؤكد عليه الروايات الكثيرة منها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "سمعته يقول أنا لو كنا نفتى الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ولكنها آثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم"([1]).
وفي الحديث المشهور عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفى فيه بعث إلى علي عليه السلام فلما جاء أكبّ عليه فلم يزل يحدثه ويحدثه قال فلما فرغ لقياه فقالا بما حدثك صاحبك قال حدثني بباب يفتح ألف باب كل باب يفتح ألف باب"([2]). فهذه الرواية تخبرنا عن وراثة أمير المؤمنين عليه السلام لعلم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
وفي حديث آخر قال أبو عبد الله عليه السلام: "إن سليمان عليه السلام ورث داود عليه السلام، وإن محمداً صلى الله عليه وآله ورث سليمان عليه السلام، وإنا ورثنا محمداً"([3])
2- الكتب الخاصة عندهم عليه السلام:
في الرواية المروية عن أبي عبد الله عليه السلام يقول: "إن عندي الجفر الأبيض".
قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال عليه السلام: "زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم والحلال والحرام، ومصحف فاطمة([4])، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر".
قال: قلت: وأي شى في الجفر الأحمر؟
قال عليه السلام: "السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل"([5]).
وكلمة الحلال والحرام الواردة في الرواية هي إشارة إلى الصحيفة الجامعة المذكورة في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سمعته يقول عندما ذكر ابن شبرمة في فتيا أفتى بها: "أين هو من الجامعة إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله بخط علي عليه السلام فيها جميع الحلال والحرام حتى أرش الخدش"([6]).
3-العلم الحادث:
في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "... إن العلم الذي يحدث يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة"([7]).
فهم عليهم السلام يستزادون من العلم، وتبين رواية أخرى عن أبي الحسن الأول موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كيف تكون الاستزادة حيث يقول: "مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله"([8]).
وهذا غير الوحي الذي ينزل على خصوص الأنبياء وإنما هذا الذي تعبر عنه الروايات بأنه نقر في الأسماع.
وهناك روايات تذكر الاستزادة في كل ليلة جمعة كما في الرواية عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن أرواحنا وأرواح النبيين توافي العرش كل ليلة جمعة فتصبح الأوصياء وقد زيد في علمهم مثل جم الغفير من العلم"([9]).
وهناك روايات تتحدث عن كونهم عليهم السلام محدَّثون من قبل الملائكة ففي رواية عن أخرى أرسل أبو جعفر عليه السلام إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون([10]).
وهذا العلم الحادث ليس من قبيل التشريع، لأن التشريع تم عند رسول الله صلى الله عليه وآله ولا تشريع بعده، ولكنه من قبيل التشخيص والتطبيق وما شابه ذلك...
فهذه بعض من منابع علومهم الشريفة التي كرمهم الله بها لكي يكونوا هداة الأمم إلى سبيل الرشاد.
معرفة أهل البيت عليهم السلام، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص319.
([2]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص325.
([3]) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص224
([4]) المصحف في اللغة هو الكتاب، فالمقصود بمصحف فاطمة كتاب فاطمة، وليس هو مصحف بمعنى القرآن.
([5]) شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني، ج5، ص339
([6]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج62، ص33
([7]) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص264
([8]) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص264
([9]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص152.
([10]) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص270