الاستقامة ونهج المعصوم (عليه السلام)
إضاءات إسلامية
الاستقامة ونهج المعصوم (عليه السلام)
عدد الزوار: 108
الاستقامة هي الطريق الذي يكون على خطٍّ سَوِيّ، وبه شُبّه طريق الحقّ، وهذا ما أشارت إليه آيات عديدة، كقوله تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾[1], ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمً﴾[2]... واستقامة الإنسان هي لزومه المنهج المستقيم، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.
وممّا تقدّم في الدرس السابق، يتبيّن أنّ مسألة الاستقامة لا تنفكّ عن الإقرار بوحدانيّة الله تعالى لـِمَن يريد أن يصل إلى ما وعد الرحمن من النعيم الأبديّ، فهما متلازمتان، وهذا ما يدلّ عليه العطف المباشر بكلمة (ثُمَّ)، والتي تدلّ أيضاً على الاستمراريّة.
فالاستقامة هي الثبات على طريق الحقّ، واتّباعٌ للمنهج الإلهيّ الذي رسمه الأولياء الصالحون من الأنبياء والرسل وأوصيائهم عليهم السلام.
فالغاية من خلق البشر هي العبادة، ولا يتمّ ذلك إلاّ من جهة اتّخاذ الاستقامة منهَجاً، ولا يتأتّى ذلك بسهولة، ولكن بالصبر والثبات على أمور الدنيا، والتي يمكن تلخيصها بأمور ثلاثة، وهي: الصبر على البلاء، والصبر عن المعصية، والصبر على المصيبة. فمَن يجتازها، فقد وصل إلى مرحلة الاستقامة، ولا يقف عند هذا الحدّ، بل لا بدّ من المحافظة على هذه المرتبة التي وصل إليها، فصحيحٌ أنّ الوصول إلى القمّة أمرٌ صعب، إلّا أنّ المحافظة على هذا الفوز أمرٌ أصعَب بكثير، وهذا ما أشار إليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ففي مجمع البيان، روى عن أَنَس، قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية، ثمّ قال: "قد قالها ناس، ثمّ كفر أكثرهم، فمن قالها حتّى يموت، فهو ممّن استقام عليها"[3]. والمعنى: إنّ الذين قالوا: ربّنا، إقراراً بربوبيّته ووحدانيّته، ثمّ استقاموا على ولاية الأئمّة، وثبَتوا فيها إلى آخر العمر، تتنزّل عليهم الملائكة وقت الموت أو في القبر أو في تلك المواضع كلّها، ألّا تخافوا من لحوق المكروه والعقاب، ولا تحزنوا من خوْف فوات المرغوب والثواب، وأبشِروا بالجنّة التي كنتم توعَدون في الدنيا على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والروايات الدالّة على سرور المؤمن،كلّ السرور، إذا بلغ النفس الحلقوم، أكثر من أن تحصى...[4].
وهذا لا يعني أنّ الولاية هي مجرّد لفظ يتلفّظ به المرء، بل لا بدّ من العمل بما يوافق ذلك، حتّى يكون على طريق الاستقامة، وعندها يأتيه المدَد الغيبيّ الإلهيّ، فيثبت فؤاده ويأخذ بيده ليَصِل به إلى ساحة الرضا، بعيداً عن الغضب الإلهيّ، عند ذلك ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾.
النتيجة: إنّ الاستقامة بشكلٍ كلّيّ وعامّ تتحقّق من خلال أمرَين:
أولاً: الاعتقاد بإمامة المعصوم.
ثانياً: متابعة الإمام المعصوم، وهذا ما نقصده بولاية أهل البيت عليهم السلام.
إنّ معي لبصيرتي، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الفاتحة، الآية 6.
[2] سورة الأنعام، الآية 153.
[3] الشيخ الطبرسيّ، تفسير مجمع البيان، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1415 - 1995 م، ط1، ج9، ص 21.
[4] المازندرانيّ، مولي محمّد صالح، شرح أصول الكافي، تحقيق وتعليق الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421ه - 2000م، ط1، ج7، ص 74.