هل نكون من أهل الإنابة في ليالي القدر المباركة؟
في رحاب الشهر المبارك
هل نكون من أهل الإنابة في ليالي القدر المباركة؟
عدد الزوار: 210
أنا أرتعد خوفا عندما أسمع أن بعض المتديّنين بات ليالي شهر رمضان في بيته ولم يخرج إلى مسجد أو مجلس دعاء ليبكي ويتوب إلى الله وينادي ربّه «إلهي العفو»، فيصبح ويداوم كباقي الموظّفين في مؤسسة ثوريّة ودينية ثم يرجع إلى بيته ليلا وينام كالعوام ولا يتعبّد. فإنّ هؤلاء المتديّنين الذين لا يضجّون إلى الله هم في معرض الخطر. أنا لا أخاف من أهل الفسق في الشوارع بقدر ما أخاف من المتديّنين الذين لا يبكون ولا يتضرّعون إلى الله.
الآن إذا وجّه الخطاب لبعض المتدينين الضعاف الإيمان أن «ادع الله أن يجعل عاقبتك خيرا» قد يستاء ويشعر بالمهانة ويقول: «وما هی مشکلتی الآن حتى آخاف على حسن عاقبتي؟!»
إن مصيبتنا أكثر من أن تكون بسبب غير المتدينين، هي بسبب المتدينين المعجبين بديانتهم. كل مصائبنا وآلامنا من عندنا ومن قِبَلنا. لا يحقّ لأحد أن يدعي التديّن والديانة أو يحافظ على ظاهره الديني، ولكن لم يحضر في الليل في مجالس الدعاء والمناجاة، أو لم يعلُ صوت صجيجه على سجادة عبادته. وحتى أولئك الذين ترتفع أصوات ضجيجهم في جوف الليل على سجادتهم لا يدرى إلى ماذا سوف تنتهي عاقبتهم.
«خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مُتَوَجِّهاً إِلَى دَارِهِ وَقَدْ مَضَى رُبْعٌ مِنَ اللَّيْلِ ومَعَهُ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِ وَمُحِبِّيهِ فَوَصَلَ فِي الطَّرِيقِ إِلَى بَابِ رَجُلٍ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ بِصَوْتٍ شَجِيٍّ حَزِينٍ فَاسْتَحْسَنَ كُمَيْلٌ ذَلِكَ فِي بَاطِنِهِ وَأَعْجَبَهُ حَالُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ شَيْئاً فَالْتَفَتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ يَا كُمَيْلُ لَا تُعْجِبْكَ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَسَأُنَبِّئُكَ فِيمَا بَعْدُ. فَتَحَيَّرَ كُمَيْلٌ لِمُكَاشَفَتِهِ لَهُ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ وَلِشَهَادَتِهِ بِدُخُولِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَتِلْكَ الْحَالَةِ الْحَسَنَةِ، وَمَضَى مُدَّةٌ مُتَطَاوِلَةٌ إِلَى أَنْ آلَ حَالُ الْخَوَارِجِ إِلَى مَا آلَ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَكَانُوا يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ يَقْطُرُ دَماً وَرُءُوسُ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مُحَلَّقَةٌ عَلَى الْأَرْضِ فَوَضَعَ رَأْسَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسٍ مِنْ تِلْكَ الرُّءُوسِ وَقَالَ يَا كُمَيْلُ ﴿مَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً..﴾ أَيْ هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَعْجَبَكَ حَالُهُ فَقَبَّلَ كُمَيْلٌ قَدَمَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّه»([1]).
لا يعجب المتدينون بأنفسهم ولا يعوّلوا على أنفسهم
لا يعجب المتديّنون بأنفسهم ولا يعوّلوا على أنفسهم وليتضرّعوا ويضجّوا إلى الله. وحتى بعد بكائهم ومناجاتهم لا يستطيع أحد أن يضمن عاقبتهم! أحيانا يغفر الله للعاصين والمذنبين بأنّة ودمعة وتوبة مختصرة، أما نحن المتدينون الذين ننتحل التديّن ومودّة أهل البيت (عليه السلام) فقد تغلق أبواب المغفرة في وجوهنا. فيجب أن نراقب أنفسنا.
يجب أن يرى الناس بكاءكم أيها الصالحون ويتعجبوا من شدّة بكائكم. كما كان الحرّاس الشخصيّون للسيد الإمام يتعجبون من شدّة بكاء السيد الإمام. فقد نقل عنهم: أن الإمام كان يجعل منشفة بجانب سجادته في أواخر عمره، إذ لم يكن تكفيه المنشفة لتنشيف دموعه. هكذا كان إمامنا! هكذا يجب أن تتغيّر ملامح مدننا ويجب أن يتأسى الشباب المتديّنون بإمامهم وقائدهم. ليراجع بعض المتدينين الذين ليسوا أهل البكاء والإنابة أنفسهم ولينظروا أي دين هذا الذي يدّعوه لأنفسهم! فليت شعري أهم عبّاد متديّنون أم أصحاب دكاكين؟!
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) إرشاد القلوب/ج2/ص226
2022-04-18