إذا لم يتحلّ الإنسان بالبصيرة، فهو عرضة للخداع حتى لو كان يحملُ إيمانًا فوارًا؛ عندما يُخدع لن يكون هذا الإيمان في خدمة ذلك الهدف، لذلك يقول أمير المؤمنين في معركة صفين: "وقد فُتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر"[1].
ما أجمل كلمتي "الصبر" و"البصر"؛ وقد ركبتا من حروف مشتركة؛ لكن معنى كل واحدة مختلف عن معنى الأخرى. حينها يكون ركنا الفلاح هذان في حمل راية الهداية حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام [عنهما]" ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر" فلا يستطيع أن يرفع هذا العلم ويحمله على عاتقه إلا من تتوفر فيه هاتان الخصوصيتان؛ الأولى: البصيرة والثانية: الاستقامة. البصيرة الدينية والاستقامة الإيمانية[2]. (25/12/1375)
البصيرة:
"قد جاءكم بصائر من ربكم"؛ معنى البصائر: ، الوعي، التنبه والتيقظ، الإرشاد والتوجيه، رسم الاتجاه والوجهة "فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها" (الأنعام 104)، باستطاعتكم أن تروا هذه البصائر والدلالات الباهرة وأن تتّبعوها، فتنتفعوا بها؛ ويمكنكم أن تغمضوا أعينكم ولا تبصروا، أو تبصروا وتجحدوا فتُلحقوا الضرر بأنفسكم. 29/3/1359(19/6/1980)
إن أصعب مرحلة تَمرّ بها أية ثورة هي عندما يمتزج الحق بالباطل؛ يقول أمير المؤمنين عليه السلام بآه وألم: "ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغثٌ، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه"[3]. الحمد لله نحن لسنا في مثل هكذا مرحلة.
فالصفوف والجبهات واضحة؛ ولا تزال الكثير من الأصول والحقائق واضحة، لكن لا تركنوا إلى بقاء الأمور هكذا دائما. ينبغي أن تكونوا يقظين. ينبغي أن تتحلوا بعين البصيرة. يجب أن تعرفوا أن سواعدكم هل هي في جنب (يد) الله أم لا؟؛ وهذا ما يحتاج إلى البصيرة؛ لا تستخفُّوا بذلك.(27/6/1370)(1991/9/18)
فقدان البصيرة ضياع الطريق
إن أكثر ما يكون ضروريا للإنسان في ميادين الدفاع عن الدين هو البصيرة. فالفاقدون للبصيرة ينخدعون؛ ويصبحون في جبهة الباطل دون أن يشعروا، تمامًا كالذين كانوا في جبهة ابن زياد ولم يكونوا من الفساق والفجار إلا أنهم لم يكونوا من أهل البصيرة. (22/4/1371)
البصيرة تعني الدراية والرشد وضياء القلب. ليس معنى البصيرة العلم والتفطّن الصحافي والإذاعي والعلمي والكتابي. لا تخطئوا. يُقال أن فلانا لا نظر لديه؛ أي لا رؤية سياسية. لا يفهم ولا يدرك؛ لا قدرة لديه على التحليل. ليست البصيرة تلك الرؤية وذلك النظر (المقصود). ليس الميدان هنا ذلك الميدان الذي يتطلب التحصيل العلمي(الحوزوي) والقدرة على التحليل السياسي والتجربة في العمل السياسي ومثل هذه الأمور. فالميدان هنا يتطلب القوة المعنوية (الاقتدار المعنوي). تعني البصيرة بصيرة القلب، أي فتح عين القلب؛ بمعنى عدم الاكتراث للألاعيب المادية والدنيوية والانتقادات السياسية الهابطة، ورميها- كمنديل لا قيمة له- في سلة المهملات؛ هذه هي البصيرة. البصيرة تعنى وصل القلب بالله وارتباطه به. البصيرة ان ترى الله. ما الذي يمكن أن نراه بعين القلب؟ يمكن أن نرى الله. "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" (الانعام: 103)؛ "ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان"[4] تدركه القلوب وتراه بالإيمان. فإذا ما كانت القلوب مقفلة تكون معدومة البصيرة، فلا ترى الله. البصيرة تعني ذلك الذي يرى الله ويقاوم ويصمد. فهذان الشرطان كافيان؛ الأول: البصيرة، المعنوية، التوجه؛ والثاني: المقاومة والثبات.(20/3/1366)(10/6/1987)
البصيرة هي البوصلة وكشاف النور
البصيرة هي كشّاف النور، البصيرة هي البوصلة وهي الدليل إلى القبلة. إذا تحرّك الإنسان في الصحراء بدون بوصلة، فمن الممكن أن يصل بالصدفة إلى مكان، لكن الاحتمال ضعيف، أما الاحتمال الأكبر فهو أن يتعرّض الإنسان لمشقّاتٍ كثيرة بسبب الضياع والحيرة. إن وجود البوصلة ضروريٌّ، وخاصّة عند وجود عدوٍّ يقف في مقابله. إن افتقدتكم البوصلة، قد تجدون أنفسكم تحت حصار العدو وليس معكم العدّة اللازمة والتجهيزات المطلوبة للمواجهة، عندها لن تستطيعوا تحريك ساكنٍ. البصيرة إذن، هي البوصلة وكشّاف النور. البصيرة هي المنّور في الفضاء المظلم. البصيرة تدلّنا على الطريق. البصيرة شرطٌ لازمٌ (ضروري) لتحقيق النجاح الكامل، ولكنّها ليست شرطًا كافيًا. وبتعبير– طلاب الحوزة -: البصيرة ليست العلة التامة للنجاح؛ فهناك شروط أخرى ضرورية أيضًا؛ إلا أن البصيرة هي الشرط الضروري. وإذا ما توفرت جميع العوامل دون البصيرة فإن الوصول إلى الهدف والنجاح سيكون صعبًا جدًا.
الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1] - نهج البلاغة، خطبة 173.
[2] - في لقاء حشد من مختلف أطياف الشعب، قم، 19/10/1386هـ.ش (15/3/1997).
[3] نهج البلاغة (خطبة50).
[4] بحار الانوار، ج69، ص279