إنّ العنصر الأساسي لتشكيل الأسرة هو المرأة، لا الرجل. فيمكن أن يكون هناك أسرة من دون الرجل. أي إذا افترضنا ربّ البيت غائبًا عن أسرة ما، أو كان ميتًا، فيمكن للمرأة إن كانت عاقلة ومدبّرة وربّة بيت أن تحفظ أسرتها. أمّا لو أُخذت المرأة من الأسرة، فلن يكون بمقدور الرجل المحافظة عليها. فالمرأة إذًا، هي التي تحفظ الأسرة.
السبب في أنّ الإسلام أولى كلّ هذه الأهميّة لدور المرأة في الأسرة، هو أنّ المرأة لو ارتبطت بالأسرة، وأظهرت محبّتها، وأولت الأهميّة لتربية الأولاد، واهتمّت بأولادها، أرضعتهم، وربّتهم بين أحضانها، ووفّرت لهم المؤونة الثقافيّة، والروايات، والأحكام، والقصص القرآنيّة، والأحداث المفيدة وذات العبر، وجرّعتها لأولادها في كلّ فرصة كما تغذّي أجسامهم، ستكون الأجيال في ذلك المجتمع متكاملة ورشيدة[1].
يمكن للمرأة أن تربّي أولادها على أفضل وجه. وتربية الولد على يدي أمّه ليس كالتعليم في الصفّ، (إنّما) تكون بالعمل، بالقول، بالعاطفة، بالدلال، بالحداء له، بالعيش والحياة (معه). فالأمّهات يربّين أولادهنّ من خلال العيش معهم. وكلّما كانت المرأة أكثر صلاحًا، وأعقل، وأوعى، ستكون هذه التربية أفضل[2].
يمتدّ دور الأمّ من حين الحمل إلى آخر حياة الإنسان. فالرجل الذي وصل إلى مرحلة الشباب أو تجاوزها، يكون أيضًا تحت تأثير عطف الأمّ ومحبّتها وتعاطيها الخاصّ. وإذا ما ارتقت نساؤنا بأنفسهنّ على المستوى المعرفي والفكري وعلى مستوى المعارف والمعلومات، فهذا الدور لا يمكن أن يُقاس بأيّ دور على الإطلاق، ولا بأيّ مؤثّر آخر من المؤثّرات الثقافيّة والأخلاقيّة إلى الأبد. أحيانًا يكون مستوى أمّ ما متدنّيًا من الناحية المعرفيّة، وهذا بالطبع، لا يؤثّر في مرحلة الكبر، فخطأ النقص في معلومات إنسان ما، لا يُعدّ نقصًا في تأثير الأمومة. فالأمّ تنقل إلى أولادها بجسمها وروحها ومسلكها، ثقافة قوم أو مجتمع ومعارفهم وحضارتهم وخصالهم الأخلاقيّة، علمت بذلك أم لم تعلم. والجميع هم تحت تأثير الأمّهات. والذي يصبح منهم إنسانًا سماويًّا، فبسبب الأمّ، "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"[3].[4]
علينا أن نعمل على أن يصبح الأولاد يقبّلون أيادي أمّهاتهم، والإسلام يؤكّد على هذا الأمر. وذلك كما نشاهده في العائلات الأكثر تديّنًا، وأخلاقًا وقربًا إلى المفاهيم الدينيّة. على الأولاد في الأسرة أن يكنّوا الاحترام للأمّ. ولا يتنافى هذا الاحترام أبدًا مع تلك الحالة العاطفيّة والحميميّة (التي تشكّل بينهما وحدة حال) الموجودة بين الولد وأمّه. ينبغي لهذا الاحترام أن يكون موجودًا، وينبغي للمرأة أن تُحترم داخل الأسرة[5]. وحتّى لو لم يكن هناك أمّ داخل الأسرة أساسًا. كما لو كانت زوجة غير راغبة في إنجاب الأولاد، أو لا يمكنها ذلك لسبب من الأسباب. فلا ينبغي هنا التقليل من أهميّة دور الزوجة. إذا أردنا للرجل أن يكون إنسانًا مفيدًا في المجتمع، ينبغي للمرأة داخل الأسرة أن تكون زوجة صالحة، وإلّا لما أمكن ذلك[6].
الأسرة، لقاء مطوّل مع سماحة الإمام الخامنئي، مركز المعارف للترجمة
[1] 20/2/1997.
[2] 1/5/2013.
[3] نهج الفصاحة، ح1328.
[4] 27/7/2005.
[5] 11/5/2013.
[6] 4/1/2012.