يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾.
إن ما يجعل كافّة أعمال الإنسان تتحلّى بالحُسن هو مضمون وجهة تلك الأعمال، حيث يمكن لعملٍ واحدٍ أن يكون في حالةٍ ما فعلًا سيّئًا جدًّا، وفي حالةٍ أخرى فعلًا حسنًا، فالمعيار الذي يجعله سيّئًا أو حسنًا هو مضمون ومغزى وجهة ذاك العمل، فمجرّد الهمس في أذن شخصٍ ما ليس بحدّ ذاته أمرًا سيئًا إلى درجة أنّه يستوجب عداوة الله ودخول جهنّم! بل ما يجعله سيّئًا إلى هذا الحدّ هو مضمون هذا الكلام الذي يقوله الإنسان وذاك الشيء الذي يتفوّه به ويُجريه على لسانه. ولا يمكن إزالة هذا السوء إلّا بتغيير مضمون الكلام الذي يُقال. وفي حياتنا أعمالٌ كثيرةٌ لا تقتضي بحدّ ذاتها أيّ حكمٍ خاصّ، بل إنّ جهة العمل ونيّتنا له ومضمونه ومغزاه هو ما يحدّد حكمه. إذا كانت نيّة العمل ومضمونه وجهته حسنةً فإنّ هذا العمل يغدو حسنًا، وإذا كانت نيّة العمل ومضمونه وجهته سيّئةً فإنّه يغدو سيئًا. إذا كان زي الحرس الثوري ممدوحًا ومرضيًّا عند الله وعند عباده الصالحين، فليست القيمة في الزيّ نفسه، بل لأنّ ارتداء هذا الزي يعني الكفاح الذي لا يعرف الكلال ضد أولئك الذين عقدوا العزم على معاداة الثورة الإسلامية ويقومون بأعمالٍ عدائيّةٍ ضدّها. فإذا انتفى هذا الكفاح وهذه النيّة، انتفت هذه القيمة أيضًا، فبدل أن يحارب أعداء الثورة فإنّه سينقضّ على شخصٍ ثوريٍّ أو إنسانٍ عاديّ، وإذا ما نشب - مثلًا - بينه وبين واحدٍ من أحبّاء الله نزاعٌ وتشابكا معًا، فإنّهما سيغفلان عن حراسة الثورة بوصفها قيمةً وينسيان محاربة أعداء الله، فماذا سيحصل لهذا الزيّ أيضًا آنذاك؟ سيسقط كلّ اعتبارٍ له، ولن يكون له أهمية تُذكر.
لقد قام بعض أعداء الثورة بارتداء هذا الزي أحيانًا، واعترضوا السيارات وطالبوا سائقيها بإبراز هويّاتهم الشخصيّة، وكانوا إذا رأوا شخصًا معمّمًا فتحوا على سيارته النار، إذًا من هنا يظهر كيف أنّ لا قيمة للزيّ بحدّ ذاته، ولا للشخص الذي يحمل بطاقة الحرس الثوري بينما هو حقيقةً عدوّ للثورة، ولا لذاك الذي هو حقيقةً عنصر من عناصر الحرس الثوري غير أنّ نيّته من الانتساب إليه هي الدوافع الشخصية والأهواء النفسية لا الحفاظ على الثورة. والأمر نفسه بالنسبة للزيّ العلمائيّ، فاكتساب العلم وارتداء زيّ العلماء ليس قيمةً مطلقة، ويجب النظر إلى مضمون هذا العمل: النيّة، والجهة، والهدف والمغزى منه، فإذا كان حسنًا يغدو العمل قيّمًا وساميًا، وإلّا كان سيّئًا! لذا، فالنجوى والهمس في الأذن حكمهما هو هذا أيضًا، فقد يهمس أحدهم في أذن آخر، ويقول له مثلًا: "انهض يا أخي لنمضِ إلى صلاة الليل، لنمضِ وننفق في سبيل الله"، وهو عملٌ حسنٌ بالطبع. وقد يهمس حينًا آخر في أذن شخصٍ ويقول له: "دعكَ يا أخي من هذا! لقد مَلَلنا من كلّ هذا القرآن وهذه الصلاة وما شابه، دعنا نذهب ونقوم - مثلًا - ببعض الأعمال الرذيلة". إذًا، فهناك فرقٌ بين نجوًى وأخرى، وليس لهما حكمٌ واحد.
تفسير سورة المجادلة، الإمام السيد علي الخامنئي
2021-10-07