رثاء الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده
إضاءات إسلامية
رثاء الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده
عدد الزوار: 192
لم يبق أحدٌ لم يدخل عليه الحزنُ والألمُ بقتل الحسين (عليه السّلام)، فالإمام لم يكن شخصاً، بل كان شاخِصاً إليه تشخص أعين الأُمّة كي يُنجدها من المأزق الذي حاصرها وحاصر دينها ودنياها.
ولئن تقاعس الناسُ عن إدراك ما يجب عليهم أن يفعلوه في تلك الظروف العصيبة، ولم يتمكّنوا من الإقدام على الفداء والتضحية، إلاّ أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) بتضحيته وإقدامه فجّر في نفوسهم كوامنها، فلم يحبسوا عن الإمام (عليه السّلام) نصرهم بالعواطف بعد أن فاتهم نصره بالنفوس وإن كان بعد أن خسروا وجوده الشريف، وما يحمله من معارف ومعاني ومكارم!
فكانت المراثي التي تعتبر في مثل ذلك الظرف الرهيب استمراراً لثورة الحسين، واحداً من نتائجها لمّا انطلقت الألسنُ عن صمتها.
وأوّل من أعلن الرثاء اُمّ سلمة زوجة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، التي ساهمتْ في نشر أخبار سيرة الحسين (عليه السّلام) بكثرة، فقد كانتْ تستطلعُ أخبار الحسين، فقالتْ لجارية لها:
اخرجي فخبّريني فرجعت الجارية، فقالت: قُتل الحسين!
فشهقتْ شهقةً غشي عليها، ثمّ أفاقت فاسترجعتْ، قالت: قتلوه! قتلهم الله، قتلوه! أذلّهم الله، قتلوه! أخزاهم الله.
قالت: قد فعلوها!
ملأ الله بيوتهم ـ أو قبورهم ـ ناراً.
ووقعت مغشيّاً عليها([1])!
وكان ابن عبّاس يتوقّع خبر الحسين بن عليّ (عليه السّلام) إلى أن أتاه آت، فسارّه بشيء، فأظهر الاسترجاع، قال الراوي:
فقلنا: ما حدث يا أبا العبّاس؟
قال: مصيبةٌ عظيمةٌ عند الله نحتسبها([2]).
لقد فجّرت واقعة كربلاء قرائح الشعراء، أصحاب الولاء لأهل البيت، وقد ملأت مراثيهم دواوين الأشعار وكتب الأخبار، وعرف كثير من شعراء العربية برثائهم للحسين (عليه السّلام) فقط.
وفي طليعة أهل الرثاء: خالد بن عَفران: من أفاضل التابعين كان بدمشق، وحدّثوا أنّ رأس الحسين بن عليّ (عليه السّلام) لمّا صلب بالشام، أخفى خالد بن عَفران شخصه عن أصحابه، وطلبوه شهراً حتّى وجدوه، فسألوه عن عزلته؟
فقال: أما ترون ما نزل بنا؟!
ثمّ أنشد يقول:
جاؤوا برأسك يابن بنت محمّدٍ |
|
متزمّلاً بدمائه تزميلا |
||
وكأنّما بك يابن بنت محمّدٍ |
|
قتلوا جهاراً عامدين رسولا |
||
قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا |
|
في قتلك التنزيل والتأويلا |
||
ويكبّرون بأن قُتلتَ وإنّما |
|
قتلوا بك التكبير والتهليلا([3]) |
||
|
|
|
|
|
وقيل: إنّه أوّل من رثى الإمام (عليه السّلام) ـ سليمان بن قَتّة، قال:
وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشمٍ |
|
أذلّ رقاباً من قريش فذلَّتِ |
فإنْ تبتغوه عائذ البيت تفضحوا ([4]) |
|
كعاد تعمّتْ عن هداها فضلّتِ |
مررتُ على أبيات آل محمّد |
|
فلم أرها أمثالها حيث حلّتِ |
وكانوا لنا غُنماً فعادوا رزيّةً |
|
لقد عظمت تلك الرزايا وجلّتِ |
فلا يُبعد الله الديارَ وأهلَها([5]) |
|
لقد عظمتْ منهم برغمي تخلّتِ |
إذا افتقرتْ قيسٌ جبرنا فقيرَها |
|
وتقتُلنا قيسٌ إذا النعلُ زلّتِ |
وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا |
|
سنجزيهمُ يوماً بها حيث حلّتِ |
ألم تر أنّ الأرض أضحتْ مريضةً |
|
لفقد حسين والبلاد اقشعرّتِ([6]) |
وأنشدوا لبعض الشعراء في مرثية الحسين بن عليّ (عليه السّلام):
لقد هدَّ جسمي رزءُ آل محمدٍ |
|
وتلك الرزايا والخطوب عظامُ |
وأبكتْ جفوني بالفرات مصارعٌ |
|
لآل النبيِّ المصطفى وعظامُ |
عظامٌ بأكناف الفرات زكيةٌ |
|
لهنَّ علينا حرمةٌ وذمامُ |
فكم حُرّةٌ مسبيّةٌ فاطميَّةٌ |
|
وكم من كريمٍ قد علاه حسامُ |
لآلِ رسول الله صلّتْ عليهمُ |
|
ملائكةٌ بيضُ الوجوه كرامُ |
أفاطمُ أشجاني بَنُوكِ ذَوُو العُلا |
|
وشِبتُ وإنّي صادقٌ لَغُلامُ |
وأصبحتُ لا ألتذُّ طيبَ معيشةٍ |
|
كأَنَّ عَلَيَّ الطّيباتِ حرامُ |
ولا الباردُ العذبُ الفراتُ أُسيغهُ |
|
ولا ظلَّ يهنيني الغَداةَ طعامُ |
يقولون لي صبراً جميلاً وسلوةً |
|
ومالي إلى الصبر الجميل مرامُ |
فكيف اصطباري بعد آل محمّدٍ |
|
وفي القلب منهم لوعةٌ وسقامُ |
الحسين (عليه السلام) سماته وسيرته - بتصرّف، سماحة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
([1]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 153.
([2]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 153.
([3]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 392. في ترجمة خالد بن عَفران.
([4]) البيت في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: فإن تبتغوه عائذ البيت تصبحوا.
([5]) الشطر الثاني من البيت السابق وهذا الشطر كلاهما من مختصر تاريخ دمشق لابن منظور.
([6]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 158.