عن الإمام زين العابدين عليه السلام "وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة فإن سبق كافأته وتودّه كما يودّك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً ولا قوّة إلا بالله".
حينما ينهمك المرء وينشغل في متاعب الحياة، ويراكم كلّ هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي تواجهه، فإنّه يحتاج إلى فسحة يستريح بها، ويستعيد من خلالها نشاطه وهمّته المتداعية.
وحينما ينفرد المرء وتعتلج المشاعر في نفسه، وتتضاربه الأفكار حينما يخطّط للحياة، فإنّه يحتاج لفسحة أخرى.
وحينما يضيق الصدر بما يحمل، يحتاج الإنسان إلى فسحة أيضاً، وهذه الفسحة هي الصديق والأخ في الله.
ورد في الرواية عن إمامنا الصادق عليه السلام: "لكلّ شيءٍ شيءٌ يستريح إليه، وإنّ المؤمن يستريح إلى أخيه المؤمن، كما يستريح الطير إلى شكله"([1]).
إنّ الأخ في الله هو نعمة إلهيّة على العبد، لا تقدّر بكلّ كنوز الدنيا، والتفريط بها لا يقلّ شأناً عن التفريط بأثمن النعم، كيف لا، وحال من فقد الصديق معروف لدى المجرّبين، من التعب والأرق والندامة.
لماذا نكتسب الأصدقاء؟
لا بدّ للإنسان الاجتماعي من اكتساب الصديق، ولا غنى له عنه في زحمة الحياة، كيف لا والصديق أقرب الناس إلى الصديق، وهو المعين في وقت الضيق، والمشتكى حين لا سامع من سائر الناس، ولهذا أكّد أهل البيت عليهم السلام على اكتساب الإخوان، والإكثار منهم؛ ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "عليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدّة عند الرخاء، وجُنَّة عند البلاء"([2]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإنّ المؤمنَين إذا تحابَّا في الله عزّ وجلّ وتصافيا بالله، كانا كالجسد الواحد، إذا اشتكى أحدهما من جسده موضعاً، وجد الآخر ألم ذلك الموضع"([3]).
بل إنّ لاكتساب الأخ فضلاً عمّا في نفعه للدنيا أجراً في الآخرة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جدّد أخاً في الإسلام، بنى الله له برجاً في الجنّة"([4]).
هذا مضافاً لعظيم نفعهم الأخرويّ وهو الشفاعة، أي شفاعة الأخ للأخ والصديق للصديق، وهذا هو أثمن ما يمكن الحصول عليه في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إستكثروا من الإخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة"([5]).
لا تفرّط بأخيك
لأهميّة هذا كلّه ينبغي عدم التفريط بالأصدقاء والإخوة المكتسبين في الله، ولهذا ينبغي مراعاة المشاعر بين الصديقين لكي يدوم الودّ بينهما، وسنسلّط الضوء على بعض ما يفسد الودّ، والذي ينبغي علينا تجنّبه قدر الإمكان للحفاظ على هذه النعمة الإلهيّة.
كفّ الأذى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) بحار الأنوار - العلّامة المجلسي - ج74 ص 234.
([2]) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - الحديث 155.
([3]) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج74، ص280.
([4]) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - الحديث 158.
([5]) ميزان الحكمة، ج ١، محمد الريشهري، ص ٣٩