يتم التحميل...

أَحسِنِ المحامِلَ لأخيك

محرم

«ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه، ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا»

عدد الزوار: 33



قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلامُ) في كلامٍ له: «ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه، ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا»[1].

لقد حرِص الإسلامُ في تشريعاتِهِ وتعليماتِهِ الأخلاقيّةِ وفيما وَرَدَ عن أهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ على حِفظِ العلاقاتِ الحسنةِ بين المؤمنين، فحَثَّ الناسَ على حُسْنِ تلك العلاقة... وأكّد على المحافظةِ عليها، كما حرِص على تحصينِها مِن كلِّ ما يمكنُ أن يكونَ موجِباً للخللِ فيها. وننظرُ الآنَ إلى الأمرِ مِن جهات:

الجهةُ الأولى: أنْ يحرِصَ المؤمنُ على ألّا يكونَ سبباً في هدمِ تلك العلاقاتِ، أو تعريضِها للخلل، فمِن ناحيةٍ عليه أن يجتنبَ كلَّ ما يوجبُ إساءةَ الظنِّ بهِ أو اتّهامِهِ بالسوء، فقد وَردَ عن أبي عبدِ اللَّهِ الصادقِ (عليه السّلامُ) أنّه قال: «قال أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمَةِ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ؛ وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ، كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يَدِهِ»[2].

الجهةُ الثانية: أنْ لا يَعْجَلَ في اتّهامِ أخيه المؤمن، بل عليه التثبُّتُ والحِرصُ على معرفةِ الحقِّ في أيِّ أمرٍ وَصَلَ إلى سَمْعِهِ عنه، وهو مفادُ الآيةِ المبارَكة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[3]. وقد بيّنَتِ الآيةُ أنّ عاقبةَ هذا الفعلِ سوف تكونُ الندمَ ولَومَ النفْسِ على الاستعجالِ في الاتّهام.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنِ الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ الكاظمِ (عليه السلام)، قَال: قُلْتُ لَه: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْهُ الشَّيْءُ الَّذِي أَكْرَهُهُ، فَأَسْأَلُه عَنْ ذَلِكَ، فَيُنْكِرُ ذَلِكَ، وقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْه قَوْمٌ ثِقَاتٌ، فَقَالَ لِي: «يَا مُحَمَّدُ، كَذِّبْ سَمْعَكَ وبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ»[4].

وذلك التحذيرُ لأنَّ سُوءَ الظنِّ يَمنعُ الإنسانَ مِن فتحِ بابِ العفوِ عن خطأِ أخيه، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، فيما كَتَبَهُ لوَلدِهِ الحسنِ (عليه السلام): «ولا يَغْلِبَنَّ عليْكَ سُوءُ الظَّنِّ؛ فَإنَّهُ لَن يَدَعَ بَينَكَ وبَينَ خَلِيلٍ صُلْحاً»[5].

الجهةُ الثالثة: أنْ يَبحثَ ويفتِّشَ عنِ المحاملِ الحسنةِ التي قد تَدفعُ التُّهَمَةَ عنه، وهو ما وَردَ في حديثِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) مِنَ الحثِّ على البحثِ عن أحسنِ الوجوهِ للحَمل، وأنْ يَحذَرَ مِن أنْ يَذهَبَ به الأمرُ إلى المحتمَلاتِ السيّئةِ والمذمومةِ الموجِبةِ للفتنةِ أو النفورِ بينَ المؤمنين. فلو صَدَرَ منه فِعلٌ وحَصَلَ الشكُّ في أنهُ كان معصيةً منهُ للهِ عزَّ وجلَّ، فعليك أنْ تتحرَّزَ عنِ اتّهامِهِ بالمعصية، فلعلَّ له عُذراً لا تَعلمُ به أنت.

لذا، فالحذَرَ كُلَّ الحذَرِ منَ الاتّهام؛ فإنّ لذلك أثرَهُ على مَن يقومُ بذلك، فقد وَردَ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِذَا اتَّهَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ، انْمَاثَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ»[6].

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏2، ص362.
[2] المصدر نفسه، ج8، ص152.
[3] سورة الحجرات، الآية 6.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏8، ص147.
[5] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص79.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏2، ص361.

2021-09-02