المواساةُ لأهلِ البيتِ (عليهمُ السلام)
محرم
﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
عدد الزوار: 227
﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[1].
تتحدّثُ الآيةُ المبارَكةُ عن اليهودِ الذين كانوا يكتمون الآياتِ، وذلك محارَبةً منهمْ للنبيِّ (ص)، وهذا الذنبُ العظيمُ كان يَعقُبُهُ إظهارُ الفرحِ منهم على نجاحِهِم في هذا الإخفاء، فكانوا يفرحون بهذه الجرأةِ على اللهِ -عزَّ وجلَّ- ومخالفةِ أوامِرِه، ويرغبون بسماعِ كلماتِ الثناءِ عليهم على تخلّفِهِم عن القيامِ بما يجبُ عليهم.
والفرَحُ بارتكابِ المعصيةِ هو ذنبٌ يضافُ إلى الذنبِ الذي يجترئ فيه الإنسانُ على خالِقِه، فطائفةٌ من الناس لا تَشعُرُ بالندمِ والحياءِ ممّا ارتَكبت من الإثم، بل هي على درجةٍ من الغرورِ والإعجابِ بالنفْسِ، بحيثُ تفرحُ بما فَعلت، بل تتبجّحُ به وتتفاخر.
قال تعالى واصفاً بعضَ مَن كان في زمنِ النبيِّ (ص): ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[2]. وعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ اللهَ أخفى سخطَهُ في معصيتِه، فلا تَستصغِرَنَّ شيئاً مِن معصيتِه ، فربّما وافقَ سخطَهَ وأنتَ لا تعلم»[3].
ولذا، على مرتكبِ الذنبِ أن يَستحضرَ اليومَ الذي سوفَ يُسألُ فيه عن ذنبِهِ -ولو كان صغيراً-، فعن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يا بنَ مسعود، لا تُحقِّرَنَّ ذنباً، ولا تُصَغِّرنَّه، واجتنب الكبائر؛ فإنَّ العبدَ إذا نَظَرَ يومَ القيامةِ إلى ذنوبِهِ دمعتْ عيناهُ قيحاً ودماً، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً﴾[4]»[5].
ومِن أعظمِ تجلّياتِ الفرحِ بالمعصيةِ هو فَرَحُ بني أميّةَ بقتلِهِمُ الحسينَ (صلواتُ اللهِ عليه)، وفي زيارةِ عاشوراء: «إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الأَكْبادِ ... وَهَذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الحُسَيْنَ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ، اللّهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالعَذابَ الأَليم»[6].
ولذا، كان تأكيدُ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلامُ) على إحياءِ ذِكرِ الحسينِ (عليه السلام)، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلامُ) قال: «كان عليُّ بنُ الحسينِ (عليهما السلامُ) يقول: أيّما مؤمنٍ دمعتْ عيناهُ لقتلِ الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلامُ) دمعةً حتى تسيلَ على خدِّه، بوّأَهُ اللهُ بها في الجَنّةِ غُرَفاً يسكُنُها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعتْ عيناهُ حتى تسيلَ على خدِّهِ فِينا لأذًى مَسَّنا مِن عدوِّنا في الدنيا، بوّأَهُ اللهُ بها في الجَنّةِ مُبَوَّأَ صدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مَسَّهُ أذًى فينا فدمعتْ عيناهُ حتى تسيلَ على خَدِّهِ مِن مضاضةِ ما أوذيَ فينا، صَرَفَ اللهُ عن وجهِهِ الأذى، وآمَنَهُ يومَ القيامةِ مِن سخطِهِ والنار»[7].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة آل عمران، الآيتان 188.
[2] سورة التوبة، الآيتان 81.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج70، ص349.
[4] سورة آل عمران، الآيتان 30.
[5] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص452.
[6] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص775.
[7] الشيخ ابن قولويه، كامل الزيارات، ص100.