يتم التحميل...

بشارات نبوة الخاتم (صلى الله عليه وآله) في العهد القديم

إضاءات إسلامية

بشارات نبوة الخاتم (صلى الله عليه وآله) في العهد القديم

عدد الزوار: 97


 
البشارة الأولى: حين جمع يعقوب (عليه السلام) أبناءه،
وأراد أن يخبرهم بما يؤول إليه أمرهم في آخر الأيام، قال لهم: «لا يزول قضيب من يهوذا أو مشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون ويكون له خضوع شعوب»[1].

فقد بين لهم أنه عند شيلون ينتهي حكم بني يهوذا وشريعتهم، ويكون الأمر كله بيده، وتعمل الأمم والشعوب بطاعته وشريعته، وهذا واضح.

إلا أن الأمر المهم بيان من هو المقصود بكلمة شيلون، وما هي مواصفاته، بعدما تبين أن حكم بني يهوذا (أي بني إسرائيل) حكم مؤقت ينتهي بمجيئه، وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء الكتاب المقدس.

إنما وقع الخلاف بينهم في كيفية تطبيق هذه النبوءة على شخص أو أشخاص معينين، قال الآباء اليسوعيون، تعليقا على هذه العبارة: «النص ومعناه موضوعا جدل حاد، يدور الكلام على مجيء رجل تكتنفه الأسرار (وتطيعه الشعوب) فالنبوءة تنتظر ملكا مسيحيا مثاليا»[2].

ولهذا فقد ترجم بعضهم كلمة شيلون في النص بـ(إلى أن يأتي صاحبها)، وبدل عبارة ويكون له خضوع الشعوب، ورد في الترجمة السبعينية والسريانية والفلغاتا «وإياه تنتظر الأمم»[3].

وأما المعنى الحرفي لكلمة «حتى يأتي شيلون» هو «إلى أن يأتي من له الأمر»[4].

فالمراد بالنبوءة إذن مسيح آخر الزمان، ويرى اليهود أنه لم يأت بعد، وأما المسيحيون فحاولوا تطبيقها على السيد المسيح (عليه السلام)، ظنا منهم أنه آخر مبعوث للبشرية، وافترضوا أن شيلون لقب له (عليه السلام)، رغم اعترافهم بأنها لم تستعمل كلقب له في غير هذا المورد، وأنها ليس لها معنى واضح ككلمة[5].

وإذ أخذنا بعين الاعتبار أن السيد المسيح لم يرسل إلى جميع الأمم، بل أرسل إلى خصوص بني إسرائيل، كما صرح نفسه بذلك، ويشهد به كتاب الأناجيل، وتقدمت النصوص الدالة على ذلك، تبين أن العبارة غير ناظرة إليه أصلا، لأن من له الأمر هو من تنتظره الأمم.

ولما لم يرسل من الأنبياء إلى جميع الأمم سوى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، دل ذلك على أنه المراد بالنبوءة.

وسيزداد هذا الأمر وضوحا، عند ملاحظة البشارة الثانية من بشائر العهد القديم.

وقد يقال: إن هذه العبارة لا تدل على أن من له الأمر ليس من سبط يهوذا، فهي كما تحتمل أن لا يكون شيلون من نسله، تحتمل كذلك أن يكون منهم، فإرادة السيد المسيح (عليه السلام) غير بعيدة، وتتعين عند قيام القرائن عليها.

إلا أن هذا الكلام غير صحيح، لأنه بالإضافة إلى ما تقدم، من اختصاص دعوته ببني إسرائيل، وعموم دعوة شيلون المذكور، فإنه مخالف لصريح كلام المسيح، حين أنكر أن يكون مسيح آخر الزمان من نسل يهوذا، فقد جرت محاورة بينه وبين الفريسيين، أجمع عليها الإنجيليون، تقول: «وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع، قائلا ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو؟ قالوا له ابن داود، قال فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك، فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه، فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجرؤ أحد أن يسأله بتة»[6].

وهذه العبارة الأخيرة ذات دلالة مهمة، على ما لم يجرؤوا على سؤاله إياه، فإنهم خافوا من توضيح الأمر الذي عرفوه، ولا يريدون كشفه أمام الملأ، وهو يتعلق بمسيح آخر الزمان الموعود.

كما أن امتناعهم عن سؤاله فيما بعد لا يصح، إلا إذا حمل على هذا المعنى، حيث إن سيرته الثابتة في الأناجيل الأربعة تدل على عدم توقفهم عن سؤالهم وتحديهم له، وجرأتهم عليه، وتواضعه أمامهم.
 
البشارة الثانية: يخاطب الله تعالى فيها موسى (عليه السلام)،
فيقول: «أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به أنا أطالبه»[7].

لقد حاول المسيحيون أن يطبقوا هذه النبوءة على السيد المسيح (عليه السلام) أيضا، وهي محاولة يائسة بدورها، ذلك أنها ذكرت مجموعة مواصفات لهذا النبي، لا ينطبق شيء منها على السيد المسيح (عليه السلام)، وهذه المواصفات هي:
ألف: أنه من إخوة بني إسرائيل وليس منهم، وأما السيد المسيح فيرون أنه من نسل يهوذا.
باء: أنه مثل موسى (عليه السلام)، بمعنى أنه صاحب شريعة، والكتاب المقدس يصرح أنه ليس في بني إسرائيل نبي كموسى، وأنه أفضلهم على الإطلاق، خصوصا في النسخة السامرية للتوراة[8].
وأما السيد المسيح فلم يكن صاحب شريعة حسب زعمهم، وأنه كان يتعبد وفق الشريعة الموسوية، ويأمر أصحابه بذلك.
جيم: أن الله تعالى يجعل كلامه في فم هذا النبي، ومعنى ذلك أن معجزته الدالة على نبوته، عبارة عن قوانين وأحكام تشريعية، يمكنها الثبات مع الزمان، وليست مجرد تصرف في عالم التكوين، لا يتسنى الاطلاع عليها إلا لمن عاينها، كما هو الحال في معجزات السيد المسيح (عليه السلام).
دال: إن بني إسرائيل مأمورون بالتزام هذه الأوامر الجديدة، التي عبر عنها بأنها كلام الله، وبمراجعة الأناجيل الأربعة يتبين أنها خالية عن كل ما يمت إلى هذا الكلام بصلة.

وهذه كلها مواصفات لا تنطبق إلا على نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، فهو المقصود بها حتماً.
  
سماحة الشيخ حاتم إسماعيل

[1] سفر التكوين: 49/10
[2] العهد القديم، ص145، تعليقة رقم(6)
[3] السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم، ج1، ص276
[4] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، ص121
[5] التفسير الحديث للكتاب المقدس، سفر التكوين، ص251
[6] إنجيل متى: 22/ 41-42
[7] سفر التثنية: 18/ 18-19
[8] سفر التثنية: 34/ 10-12

2021-06-02