من القضايا التي تحكي عن سهولة ديننا وسهولة طريق التربية الدينية والارتقاء المعنوي وبساطته، هو تسليط الضوء على دور «الأسرة» البنّاء في إصلاح الفرد والمجتمع، إذ أن إصلاح الإنسان في «الأسرة» عمليّة سهلة جدّا. عادة ما نحاول أن نصلح الفرد أو المجتمع، بينما مفتاح إصلاح كليهما هو إصلاح الأسرة. ولكن لأننا لا نسلك طريق الهداية والإصلاح بشكل صحيح، نزعم أن التربية الدينية وعملية إصلاح الفرد والمجتمع عن طريق الدين، عمليّة معقّدة وصعبة.
ينبغي علينا أن نهدف إلى إصلاح الأسر، أكثر من أن نعمد إلى ملء نواقصها عن طريق وزارة التربية والتعليم، إذ أن أساس التربية في الأسرة. إن تعليم الطفل الذي نشأ في أسرة صالحة، سهل جدّا، كما أنه سيحظى بقابلية عالية على التعلّم. لا داعي لوزارة التربية والتعليم أن تملأ أذهان الأطفال بالمحفوظات كثيرا، فبدلا من تكثير محفوظات الأطفال، حريّ بها أن تسعى قليلا في سبيل إعطاء تعليمات مدروسة وعامّة للآباء والأمهات، وتثقّف الوالدين ـ في مسار إصلاح الأسر ـ ببعض المعارف العميقة والدقيقة الدينية.
إن أولينا الاهتمام بإصلاح الأسرة وأصلحنا الأسر بنفس مقدار اهتمامنا بإصلاح الفرد أو المجتمع، عند ذلك سوف يصلح كلاً من الفرد والمجتمع بكلّ سهولة. ولكن إذا تركنا مركز الأسرة الرئيس، ثمّ عمدنا إلى إصلاح الناس عبر طرق أخرى، فسوف لا ننال غايتنا المطلوبة. فعلى سبيل المثال إذا أوصينا أفراد المجتمع بشكل مباشر أن: «لا تسرفوا! وعليكم بالنظم في المرور!» أو أوصينا مدراء المجتمع أن: «أن لا تخونوا، ولا تضيّعوا بيت المال!» أو قلنا للسياسيّين: «لا تتنازعوا معا!» فلا بأس به. ولكن الأفضل من كلّ ذلك هو إصلاح الأسر. فإن اتجهنا نحو إصلاح الأسر سوف تسدّ كلّ هذه الثغور.
ليست الأسرة الصالحة بمعنى الأسرة المنزّهة من النزاع والطلاق:
قبل أن نتحدّث عن خصائص الأسرة الصالحة، نذكر باختصار بعض الصفات والخصائص التي لا تدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة. مثلا إذاكانت الأسرة في انسجام وتفاهم بحيث لا يتحدث أفرادها عن الطلاق أبدا، ولا يتنازعون معا، فهذا لا يدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة ورقيّ كفاءتها. فلعلّ في بعض الأسر التي ليس فيها طلاق ولا نزاع، يمارس أحد الزوجين الظلم تجاه الآخر، فاستسلم الآخر للأمر الواقع وصبر على مضض، فاستتبت أمور الأسرة. ولكن لا يدلّ ذلك بالضرورة على صلاح هذه الأسرة. فلعل أحد أسباب انسجام الزوجين مع بعض بحسب الظاهر، هو أن أحد الزوجين يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر بحسن خلقه. طبعا هذا الذي يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر، هو إنسان صالح وجيّد، ولكن لا نستطيع أن نحكم على هذه الأسرة بأنها أسرة صالحة.
من هي الأسرة الصالحة؟:
ليست الأسرة الصالحة هي الأسرة التي ليس فيها نزاع فقط، بل هي الأسرة التي قد لبّيت احتياجات أفرادها الجسمية والمعنوية. لا يليق بأفراد الأسرة الصالحة أن يعانوا من نقص عاطفي وروحي، فلابدّ أن تسدّ الاحتياجات في الأسرة.
الأسرة الصالحة هي الأسرة التي تلبّي الحدّ الأقصى من احتياجات أفراد الأسرة الجسمانية والروحيّة. يجب أن تلبّى احتياجات الأولاد بشكل كامل في خضمّ العلاقة الأسرية، وكذلك ينبغي للمرأة والرجل أن ينغمرا بالمحبّة والعواطف في علاقتهما مع بعض في أجواء الأسرة. الأسرة الصالحة هي الأسرة التي يسدّ كلّ من أفرادها حوائج باقي أفراد الأسرة، لا أن يتحمّل كلّ الآخر.
صحيح أن الأجهزة والتقنية الناشرة للفساد أخذت تكتسح العالم يوما بعد يوم، ولكن إذا تربّى أولادنا في «أسر صالحة»، ليس بوسع أيٍّ من أجهزة الفساد هذه أن تفسد أولادنا، إذ قد لبّيت جميع احتياجاتهم في داخل الأسرة ولا يشعرون بنقص، من قبيل النقص العاطفي.
الفتاة التي قد نشأت في أسرة صالحة، عندما يقول لها شابّ في الشارع: «إني أحبك!»، ستعتبره شابّا سخيفا عديم الشخصية وتستغرب من إبدائه الحبّ والغرام بهذا الأسلوب السخيف، لفتاة غريبة لا يعرفها ولا يعرف صفاتها! فلا أنها لا تفرح بإبداء الحبّ هذا وحسب، بل تشمئز من هذا التصرّف، إذ قد ارتشفت من الحبّ والحنان بالقدر الكافي في أسرتها ولا تعاني من أيّ نقص عاطفيّ حتى تنخدع بإبداء حبّ سطحيّ في الشارع.
وكذلك الولد الذي قد نشأ في أسرة صالحة، لا يخطر بباله أن يتحرّش بفتاة. وإذا اضطرّ في موقفٍ ما إلى مساعدة فتاة، يقوم بذلك بكل حياء وغيرة.
الطفل الذي تعوّد على أكل ما طبخته له أمّه بكل محبّة وحنان، لن يرضى بأكل طعام هذا وذاك خارج البيت، حتى وإن أصرّوا عليه كثيرا.
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان - بتصرّف
2021-06-02