إنّ الإشراف على العمل يُعدّ أمراً هامّاً في شتّى الأمور ومن شأنه ضمان استثمار الفرص بطريقةٍ مُثلى، كما يساهم في رفع كفاءة الإمكانيّات الموجودة، ويُعدّ عاملاً مساعداً لوليّ أمر المؤسّسة أو العائلة في أداء مهامّه.
لذا، يجب على الإنسان مراقبة نفسه وجميع تصرّفاته، فيصلح ما كان غير لائقٍ منها. من هنا، أكّد الإمام عليّ عليه السلام على هذا الأمر بقوله: "مَن حاسَبَ نَفسَهُ، وَقَفَ عَلى عُيوبِهِ، وأحاطَ بذُنوبِهِ، واستقالَ الذّنوبَ، وأصلَحَ العُيوبَ"([1]) .
والإشراف الصحيح على الأعمال في مؤسّسةٍ ما، سوف يُصلحها ويؤدّي إلى رفعة رأس المسؤول عنها أمام مَنْ هم أعلا منه رتبةً. وعلى العكس من ذلك، فإنّ فقدان الإشراف الصحيح على الأعمال، سيؤدّي إلى حدوث خللٍ فيها، وبالتالي فسادها، ويعدّ علامةً على ضعف الإدارة وسوء التدبير.
ولا بدّ أن تكون الرقابة على الأعمال بالعلن والخفاء في آنٍ واحدٍ، ففي تعاليمنا الدينيّة يوجد أخبارٌ تشير إلى أهمّيّة الرقابة الخفيّة، وتأثيرها الكبير على نجاح الأعمال. أمّا الرقابة الخفيّة التي أشار إليها القرآن الكريم، فهي على مستوىً عالٍ من الدقّة، لدرجة أنّها تدرك أحاسيس الإنسان وأفكاره الباطنيّة، حيث قال تعالى في كتابه المجيد: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾([2]) .
فالرقابة الخفيّة عن طريق الرقابة والتفتيش، لها دورٌ فعّالٌ في تشخيص الطاقات الكامنة، ورفع مستوى العطاء، وكذلك من شأنها كشف الانتهازيّين والمتصيّدين في الماء العكر، والمتملّقين، وتمييز الصالحين والمخلصين في العمل عن غيرهم. وما أكثر الذين يرتدون ثياب الصُّلحاء، لكنّهم يكنُّون في أنفسهم المكر والأحقاد، كما أنّهم في الوقت نفسه حمقى ومتحجّرون، حيث ينظرون إلى الحياة من زاويةٍ ضيّقةٍ.
لذلك فإنّ تقويم الأمور، حسب آراء هؤلاء، أمرٌ مخالفٌ للصواب والمنطق. وللإمام عليّ عليه السلام كلامٌ رائعٌ في هذا المجال في عهده إلى مالك الأشتر النخعيّ، حينما نصحه بحسن اختيار عمّاله، حيث قال: "ثُمَّ لا يَكُن اختِيارُكَ إِيّاهُمْ عَلَى فِراسَتِكَ واسْتِنامَتِكَ وحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِراساتِ الوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، ولَيْسَ وَراءَ ذلِكَ مِن النَّصِيحَةِ والأَمانَةِ شَيءٌ، ولكِنِ اختَبِرهُمْ بِما وُلُّوا لِلصّالِحِينَ قَبلَكَ، فَاعمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كانَ فِي العامَّةِ أَثَراً، وأَعرَفِهِمْ بِالأَمانَةِ وَجْهاً"([3]) . كما جاء في هذا العهد - أيضاً -: "ثُمَّ انظُرْ فِي أُمُورِ عُمّالِكَ، فَاستَعْمِلهُمُ اختِباراً، ولا تُوَلِّهِمْ مُحاباةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُما جِماعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيانَةِ. وتَوَخَّ مِنهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَياءِ" إلى أن قال: "ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمالَهُمْ، وابْعَث الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ والْوَفاءِ عَلَيهِمْ، فَإِنَّ تَعاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُم عَلَى اسْتِعمالِ الأَمانَةِ والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ"([4]).
وروى الريّان بن الصلت أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إذا وَجّهَ جَيشاً فَأمَّهُم أميرٌ، بعثَ مَعهُ مِن ثِقاتِهِ مَن يَتَجَسَّسُ لَهُ خَبرَهُ"([5]) .
إذن، الرقابة التي أُشير إليها في هذه الروايات تختصّ عموماً بالمؤسّسات والمراكز العامّة، وكذلك فهي من البديهيّ تشمل المكوّن الأصغر في المجتمع، كالأسرة، إذ يمكن تطبيق تلك التعاليم فيها حسب الظروف الزمانيّة والمكانيّة.
فن التدبير في المعيشة - رؤية قرآنية روائية ، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص435.
([2]) ق: 16.
([3]) الرضي، نهج البلاغة، م. س، ج 3، الرسالة 53، ص 98-99.
([4]) الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج3، الرسالة53، ص95.
([5]) مسند الإمام الرضا عليه السلام، تحقيق عزيز الله عطارديّ خبوشانيّ، منشورات مكتبة الصدوق، 1406هـ.ق، ص76.