جَمالُ عاشوراء
محرم
أنَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ، وَأذِنَ إِذْناً عَامّاً، وَجِيءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُدْخِلَ نِسَاءُ الحُسَيْنِ وَصِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ (عليها السلامُ) مُتَنَكِّرَةً،
عدد الزوار: 269
روى السيّدُ ابنُ طاووس: «أنَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ، وَأذِنَ إِذْناً عَامّاً، وَجِيءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُدْخِلَ نِسَاءُ الحُسَيْنِ وَصِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ (عليها السلامُ) مُتَنَكِّرَةً، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي فَضَحَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ. فَقَالَتْ: إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ، وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَهُوَ غَيْرُنَا. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ الله بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِـمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بْنَ مَرْجَانَةَ».
لقد أسهَمَتْ السيدةُ زينبُ بموقفها هذا وبكلماتِها في خُلودِ كربلاءَ، وأعطتْ لهذه الحادثةِ بُعداً جماليّاً في كلّ ما فيه مِن مشاهدِ الألمِ، وذلك لأنها -كما يقولُ الإمام الخامنئيّ: «كانت نظرتُها (عليها السلامُ) للحوادثِ تختلفُ عن نظرةِ الآخرينَ، على الرَّغمِ مِن كلِّ المصائب». وهذا الجمالُ الذي رأتهُ زينبُ يتمثّلُ في:
1- أداءِ الواجبِ والتكليف: فهؤلاءِ الذينَ كَتَبَ اللهُ لهمُ الشهادةَ في كربلاءَ، كانت فِعلاً صادراً منهم باختيارِهم وشوقِهم؛ لأنّهم همُ الذينَ بَرَزوا للمواجَهة، فكانت فعلاً صادراً منهم بإرادةٍ تامّةٍ. ولذا، لا يكونُ إلّا جميلاً، ولذا قالت (عليها السلام): «كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ».
2- جمالِ الغايةِ المترتّبةِ على مشهدِ الطفّ: يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «كُلُّ هذه المصائبِ جميلةٌ في عينِ زينبَ الكبرى؛ لأنَّها مِنَ اللهِ وفي سبيلِ اللهِ وفي سبيلِ إعلاء كلمتِه... لأنّهُ كان في سبيلِ الله، لحفظِ الإسلام، لإيجادِ تيّارٍ على امتدادِ التاريخ، ولكي تَفهَمَ شعوبُ الأُمّةِ الإسلاميّةِ ماذا ينبغي أن تَفعلَ، كيف يجبُ أن تتحرَّكَ، وكيف يجبُ أن تَقِفَ وتصمُد. هذا هو العملُ العظيمُ للملحمةِ الزينبيّة. لقد أعزّتِ الإسلامَ والقرآن... وهذه عزّةُ وليِّ الله».
3- البعدِ الأخرويّ: فمَن يركِّزُ نَظَرَهُ على هذه الحياةِ الدنيا، يُخَيَّلُ إليهِ صورةٌ أخرى غيرُ ما كانت تراهُ السيّدةُ زينبُ، وأمّا مَن ينظرُ إلى البُعدِ الأخرويّ، فهو سوف ينظرُ إلى العدالةِ الإلهيّةِ، وقد تَمَثَّلَ ذلك في قولِها (عليها السلام): «وَسَيَجْمَعُ الله بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِـمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ».
4- التسليمِ للمشيئةِ الإلهيّة: إذا كانت مشهديَّةُ كربلاءَ مِن صنعِ اللهِ، فهي ستكونُ غايةً في الجمالِ في عينِ زينبَ العارفةِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وذلك هو التسليمُ التامُّ بالقضاءِ الإلهيّ. يقولُ الشهيدُ مرتضى مطهَّري: «ربما كانت عبارةُ أبي عبدِ اللهِ (عليه السلامُ) التي وردت في خُطبتِهِ التي ألقاها في مكَّةَ -وهي مِن أوائلِ الخُطبِ التي ألقاها-؛ ربما كانت وحدَها كافية. فقد أَورد فيها: «رضى اللهِ رضانا أهلَ البيت»؛ أي أنَّ الطريقَ الذي يختارُهُ اللهُ هو الطريقُ الذي نحبُّهُ ونرغبُه. وإذا قرأنا الجملةَ الأخيرةَ التي نَطَقَ بها أبو عبدِ اللهِ (عليه السلامُ) قبل موتِه، سنرى بروزَ هذا المفهومِ بالذاتِ مجدَّداً. لقد كان أبو عبدِ اللهِ راكباً على فرسِهِ، ومُنهَكَ القوى، وقد أصابتْهُ جراحاتٌ كثيرةٌ، وقواهُ الجسميَّةُ قد شارفتْ على النهاية، وإذا بالسهمِ الأخيرِ يأتي مِن طَرَفِ العدوِّ، فيقعُ في صدرِهِ الشريفِ، ويَسقُطُ أبو عبدِ اللهِ إلى الأرض. وفي تلك اللحظةِ يقول: «رضًى بقضائِكَ وتسليماً لأمرِك. لا معبودَ سواكَ، يا غياثَ المستغيثين».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين