يتم التحميل...

نِعْمَ الرَجُل

محرم

«..ولكنّ الرَّجُلَ كلَّ الرَّجُلِ، نِعْمَ الرجلُ، هو الذي جَعَلَ هواه تَبَعاً لأمرِ اللَّه، وقُواهُ مبذولةً في رضى اللَّه، يرى الذُّلَّ مع الحقِّ أقربَ إلى عِزِّ الأبدِ من العزِّ في الباطل، ويعلمُ أنّ قليلَ ما يحتملُهُ من ضرّائِها يؤدّي إلى دَوامِ النِّعَمِ في دارٍ لا تَبيدُ ولا تَنفَدُ، وأنّ كثيرَ ما يَلْحَقُهُ مِن سرّائِها إنِ اتّبعَ هواهُ يؤدّيه إلى عذابٍ لا انقطاعَ له ولا يزول؛ فذلكمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرجلُ ، فبه تَمَسَّكوا، وبسُنّتِهِ فاقتدوا إلى ربّكم. فبه فتوسّلوا؛ فإنّه لا تُرَدُّ له دعوةٌ، ولا تُخَيَّبُ له طَلِبَة».

عدد الزوار: 190



عن الإمامِ السجادِ (عليه السلام): «..ولكنّ الرَّجُلَ كلَّ الرَّجُلِ، نِعْمَ الرجلُ، هو الذي جَعَلَ هواه تَبَعاً لأمرِ اللَّه، وقُواهُ مبذولةً في رضى اللَّه، يرى الذُّلَّ مع الحقِّ أقربَ إلى عِزِّ الأبدِ من العزِّ في الباطل، ويعلمُ أنّ قليلَ ما يحتملُهُ من ضرّائِها يؤدّي إلى دَوامِ النِّعَمِ في دارٍ لا تَبيدُ ولا تَنفَدُ، وأنّ كثيرَ ما يَلْحَقُهُ مِن سرّائِها إنِ اتّبعَ هواهُ يؤدّيه إلى عذابٍ لا انقطاعَ له ولا يزول؛ فذلكمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرجلُ ، فبه تَمَسَّكوا، وبسُنّتِهِ فاقتدوا إلى ربّكم. فبه فتوسّلوا؛ فإنّه لا تُرَدُّ له دعوةٌ، ولا تُخَيَّبُ له طَلِبَة».

لقد اعتنى الإمامُ زينُ العابدينَ (عليه السلام) بتربيةِ الجيلِ الصالحِ من شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وكانت بدايةً نشأةِ الجماعةِ التي يُشارُ إليها بأنها من شيعتِهِم (عليهم السلام) في حياتِهِ (عليه السلام). ومن الأساليبِ التي اعتمدها الإمامُ -مضافاً إلى الصحيفةِ السجاديةِ ورسالةِ الحقوق- الرواياتُ الواردةُ عنه (عليه السلام) في صفاتِ القدوةِ والنموذج. وفي الروايةِ إشارةٌ إلى بعضٍ منها، وهي:

1- الهوى والقُوى في ظِلِّ أمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ : فمعرفةُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- تمكّنتْ في نفسِهِ، فانعكست طاعةً لربِّهِ، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾. وصراعُ النفسِ مع الهوى دائمٌ مستمرٌّ، فعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) لَمَّا سُئل: أين طريقُ الراحة؟ قال: في خلافِ الهوى، قيل: فمتى يجدُ عبدٌ الراحة؟ فقال (عليه السلام): عند أوّلِ يومٍ يصيرُ في الجنة.

2- الإلتزامُ الدائمُ بجانبِ الحقّ: فالعِزُّ في مُلازَمةِ الحقِّ حصراً، ولا عِزَّ دونَه، وهو بذلكَ يكونُ أفضلَ الناس، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَه‏ [أي كان شديداً عليه]، مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَه‏».

3- النظرةُ الصحيحةُ للدنيا، والسعيُ للآخرة: وتعتمدُ على عنصرَين، أحدهما فناءُ الدنيا وزوالُها، وثانيهما أنها دارُ تَزَوُّدٍ للآخرة، وكما ورد عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنما الدنيا دارُ مَجاز، والآخرةُ دارُ قرار، فخذوا مِن ممرِّكم لمقرِّكم».
ثم يختِمُ الإمامُ كلامَه بالحديثِ عن المكانةِ الخاصةِ لمن يحملُ تلكَ الصفاتِ، فهو:
1- النموذجُ القدوة: وهذا يعني الاتباعَ له مِن خلالِ التمسُّكِ به، والعملِ بما يأمرُ به، قال اللهُ تعالى : ﴿أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه‏﴾.
2- يُتقرَّبُ به إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنه مستجابُ الدعوة: والحكمةُ من التوسُّلِ بهؤلاء توثيقُ علاقةِ الحبِّ والولاءِ بين الناس وبينَهم، فيَشعرُ بالانجذابِ الروحيِّ لأولياءِ اللهِ الصالحين، ويكونُ ذلك باعثاً للاقتداءِ بهم؛ لأنَّ الإنسانَ بطبعِهِ إذا شَعَرَ أنَّ أحداً كان سبباً في قضاءِ حوائجِه، أو كان سبباً في خلاصِه من عذابٍ مرتقَبٍ أو بلاءٍ واقع، فإنَّه ينجذبُ نحوَهُ، ويستشعرُ حبَّه والأنسَ بذكرِه وذكرِ محاسنِه ومكارمِ أخلاقِه، وذلك ما يدعوه لتَمَثُّلِها والرغبةِ في الاتِّصافِ بها.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2020-09-17