محوريّةُ رضا الله
محرم
«كَتَبَ رجلٌ إلى الحسينِ بن عليِّ (عليهما السلام): يَا سَيِّدِي، أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَكَتَبَ (عليه السلام): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ... فَإِنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ أُمُورَ النَّاسِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ. وَالسَّلَام».
عدد الزوار: 290
عنِ الصادق، عن أبيه، عن جدِّهِ (عليهِمُ السلام)، قال: «كَتَبَ رجلٌ إلى الحسينِ بن عليِّ (عليهما السلام): يَا سَيِّدِي، أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَكَتَبَ (عليه السلام): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ... فَإِنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ أُمُورَ النَّاسِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ. وَالسَّلَام».
حالتان، وعاقبتان، تحدَّثَ عنهما الإمامُ الحسينُ (عليه السلامُ) في جوابِه:
1- حالةُ مَن يطلُبُ رضا الله، وهو غايةُ العارفِ باللهِ عزَّ وجلَّ حقَّ المعرفة، وذلك يتحقَّقُ:
أ- بالمواظَبةِ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ في كلِّ كبيرةٍ وصغيرة. فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ، فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ، فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ...».
ب- وبمخالفةِ النفسِ وهواها، فالمرويُّ عن لقمانَ (عليه السلامُ) لابنِه: «يَا بُنَيَّ، مَنْ يُرِدْ رِضْوَانَ اللَّهِ، يُسْخِطْ نَفْسَهُ كَثِيراً، وَمَنْ لَا يُسْخِطْ نَفْسَهُ، لَا يُرْضِ رَبَّه».
ج- وبالحذرِ مِن طَلَبِ رضا الناسِ إذا كان في ذلكَ سَخَطُ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا سيّما السلطانَ الجائر، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
2- حالةُ مَن يطلُبُ رضا الناس، فَيَكِلُهُ اللهُ إلى الناس، ولن يَكُفُوهُ حاجَتَهُ لعجزِهِم،أو مخالَفةِ ذلك لمصالحهم. وفي دعاءِ السَّحَرِ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلامُ) بيانٌ واضحٌ لخطورةِ ما يترتَّبُ على أن يكونَ أمرُ الإنسانِ موكولاً لسائرِ الناس. يقولُ (عليه السلامُ) مقارِناً بين الصورتَين؛ أن يكونَ أمرُ الإنسانِ موكولاً إلى الله، وأن يكونَ موكولاً إلى الناس: «وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي وَكَلَني إِلَيْهِ فَأَكْرَمَني، وَلَمْ يَكِلْني إِلَى النَّاسِ فَيُهينُوني».
ومِنَ الطُرُقِ التي تحولُ دون هذا، ما ورد في المرويِّ عنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «مَن آثَرَ مَحَبَّةَ اللهِ عَلى مَحَبَّةِ نَفسِهِ، كَفاهُ اللهُ مُؤنَةَ النّاسِ».
ومن تعاليمِ أهلِ البيت (عليهِمُ السلامُ) أن يتوجَّهَ الإنسانُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بالدعاءِ؛ ليختارَ له ما فيه رضاه، وأن يكونَ ذلك غايةَ الطلب، ففي الروايةِ أنَّ الإمامَ الحسينَ (عليه السلامُ) قَصَدَ قبرَ جدِّهِ (صلى الله عليه وآله) وهو حزينٌ كئيب، ليشكوَ إليهِ ظُلْمَ الظالمينَ له، وَوَقَفَ أمامَ القبرِ الشريف -بَعدَ أن صلّى رَكعتَين-، واندَفَعَ يشكو إلى اللهِ ما أَلَمَّ بهِ من المِحَنِ والخطوب، قائلاً: «اللَّهمَّ، إنَّ هذا قبرُ نبيِّك مُحمَّدٍ صلى الله عليه وآلِه، وأنا ابنُ بنتِ نَبيِّكَ، وَقد حضَرني مِنَ الأمرِ ما قَد عَلِمتَ. اللَّهمَّ، إنِّي أُحِبُّ المَعروفَ، وأُنكِرُ المنكَرَ، وَأَنا أسأَلُكَ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ، بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَن فيهِ، إلَّا اختَرتَ لِي مِن أمري ما هوَ لَكَ رِضىً، ولِرَسولِكَ رِضى».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين