الإمام الخميني (قدس سره) يحدد لنا أسباب ضياع القدس وفلسطين..
لقد وجّه الامام الخميني (قدس سره) الامة الاسلامية نحو القضية المحورية، فلسطين قلب الامة والقدس قلب فلسطين، لان هذين المعلمين يمثلان قضية التحدي التي في احد بعديها مؤشرات الضعف الذي يعتري المسلمين وفي البعد الاخر مؤشرات الاستكبار وامارات مشروعه للهيمنة على الامة ومقدراتها، وفي البعد الاول فإن الواقع الذي حاول الامام الخميني (قدس سره) ان يكشفه لامة الاسلام انه لولا الضعف والوهن والانقسام والتبعية والتشرذم في عالم المسلمين وبين صفوفهم لما استطاع حفنة من اليهود المطرودين من عالم الرحمة والمشتتين في الاصقاع والقليلي العدد ان يجتمعوا ويتآمروا على الامة ويخططوا للانقضاض عليها من خلال التواجد في قلبها وبناء القاعدة للانطلاق نحو دولها واماراتها وكياناتها مقدمة للسيطرة على الارض والثروات والمقدرات، وقد ركز الامام الخميني (قدس سره) على الاسباب الكبرى والرئيسية التي تقف وراء ما حصل، والتي تمثلت اساساً في الحكام والرؤساء والملوك والزعماء والامراء والحكومات والادارات والسلطات والانظمة الحاكمة في دول المسلمين، وهو بذلك يريد ان يضع الامور في نصابها ويؤشر الى مكامن الداء الحقيقية دون مواربة ودون مهابة احد، لان القضية لا تحتمل ذلك، ففلسطين ضاعت والامة ضعيفة والمستقبل لا يبشّر بالخير في حال التقاعس عن القيام بواجب المجابهة والمواجهة مع الكيان المختلق »اسرائيل« فإما ان هؤلاء الخونة والعملاء يفتضحون فتنتبه الشعوب الى ضرورة تغييرهم او مجانبة مشاريعهم ومقرراتهم، واما انهم يستيقظون على وقع الخطر الداهم ليس فقط على الشعوب وانما على الانظمة والحكام جراء بقاء »اسرائيل« التي تريد في نهاية المطاف حكاماً عبيداً لها، وعلى كل الاحوال لم يكن الامام الخميني (قدس سره) ليعوّل كثيراً على الحكام طالما انه يعرف طبيعة العلاقة بينهم وبين الدول الداعمة ل»اسرائيل«، فإما انهم صنيعة تلك الدول وإما انهم يخشون غضبها وسخطها، وعلى كل الاحوال قد يجد الحكام المبررات التي تبدو مقنعة بحسب الظاهر حول انعدام مشاريع المواجهة ضد »اسرائيل«، لكن الشعوب لديها هامش اوسع من التحرك ووجدانها اكثر صحوة، وهي اقل اهتماماً بردود الفعل من قبل المستكبرين، وايضاً فان الشعوب المسلمة تعشق القدس وتحنّ الى ربوعها، لذا فان هذه الشعوب كانت وما زالت تتطلع الى القيادات الاصيلة الانتماء التي تعيش حالة الصدق في علاقتها مع حقوق الامة، ومع تطلعات الشعوب والاجيال والجماهير، كما ان افراد المسلمين يتلوعون ألماً وكمداً مما يحصل، ومن التخاذل والانقسام اللذين يعتريا جسم الامة، ويروعهم ذلك المشهد الدامي في فلسطين دون القدرة على القيام بردة فعل سوى التنهد وإطلاق الزفرات، فهم يعيشون حالة تشابه الاسر بفعل القيود الكثيرة المضروبة حولهم والمانعة لهم من ملامسة القضية الفلسطينية بجدية، فهم على مقربة من فلسطين إلا إنهم يبدون على مسافة آلاف الاميال منها، انهم قريبو المسافة من حيث المكان بعيدو المسافة من حيث القدرة على الوصول ليس فقط الى المكان بفعل الاحتلال وانما ايضاً بفعل احتلال اخر يسيطر على الافواه والانفس والعقول والارادات، ليمنعها جميعاً من ان تعبّر عن مكنوناتها، هذي هي الحال التي كانت عليها الامة، وما زالت كذلك في بعض اجزائها، وقد حاول الامام الخميني (قدس سره) ان يبيّن هذا الواقع من خلال كلماته التي قالها منذ عقود من الزمن ليضيء شمعة في طريق مستقبل الامة ويساعدها في ازاحة العوائق والعثرات، فهو الإمام الذي ذاب في أمته وغطت عباءته كل امالها ودارت عمامته حول جميع الامها وأومأ بطرف عصاه الى حل مشاكلها، كانت الامة في كل بصيرته وبصره، ولم يكن له هم وشاغل سوى معالجة مشاكلها والمطالبة بحقوقها والتأكيد على قضاياها الكبرى دون ان يهاب أحداً لان الحق سلطان والمطالب به قوي ومنطقه جارف وعزيمته يجب ان لا يحول دونها او يقف في طريقها اية قوة طالما انه يطالب بحق مغتصب فالسالب للحق هو الذي يجب ان يخاف ويخاف صاحبه...
وإذا عدنا إلى الأسباب التي يمكن أن نستقرأها من كلمات الامام الخميني (قدس سره) والتي تقف وراء المشهد المأساوي والسوداوي في حاضر الأمة وواقعها والتي يمكن وفي حال عدم تجاوزها أن تؤسس لما هو أسوأ في المستقبل، إن هذه الأسباب بحسب رأي الامام تعود في غالبها الى الخيانة والمهانة والجبن والضِعة والتآمر من قبل كثيرين من الحكام المتقلدين للسلطة في بلاد المسلمين والذي يعملون عادة للحفاظ على عروشهم من خلال التنازل عن عرش الامة، وكذلك على تقوية مواقعهم على حساب قوة الامة وعنفوانها وهم يستمدون حضورهم وبقاءهم من العدو الذي سلب وما زال خيرات شعوبهم وثرواتهم، كما انهم يعملون لاستدامة شباب سلطاتهم على حساب شباب الامة ونضارتها وهذه هي كلمات الامام واضحة جلية تبين اهم الاسباب التي آلت الى خسارة فلسطين ومنها:
1ـ ان الحكام ليسوا ممثلين حقيقيين لشعوبهم فهم متسلطون او مستبدون وانهم غير مدينين بدين الاسلام حقاً وانهم غير متوحدين فيما بينهم وكذلك فإنهم غير لائقين للتصدي للمسؤوليات الكبرى في دولهم وبين شعوبهم والتي نصّبوا انفسهم للتصدي لها وبعضهم يعمل على التخريب والتفرقة بين فئات شعوبهم او بين دول المسلمين.
وفي هذه الابعاد يقول الامام الخميني (قدس سره): «فلو كان حكام البلدان الاسلامية ممثلين حقيقيين للناس، مؤمنين بأحكام الاسلام ومنفذين لها، واضعين الاختلافات الجزئية جانباً، كافين ايديهم عن التخريب والتفرقة متحدين فيما بينهم لما استطاعت حفنة من اليهود الاشقياء ان يفعلوا كل هذه الافاعيل مهما كان الدعم الذي تقدمه لهم امريكا وانكلترا، فما نراه من قدرتها (أي «اسرائيل») وممارستها انما هو بسبب تهاون وعدم لياقة المتصدين للحكم على الشعوب المسلمة«.
2ـ الخلافات الحادة القائمة بين قيادات الدول الاسلامية هي التي تحول دون علاج المشكلة بعد ان كانت سبباً في حصولها.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «انها اختلافات قادة الدول هي التي تعقد المشكلة الفلسطينية وتحول دون حلها«.
3ـ عمالة بعض القادة للاستكبار وانانيتهم واستئثارهم بالحكم واستسلامهم وعدم تحريكهم ساكناً ازاء ما يتعرض له المسلمون وخصوصاً في فلسطين.
وفي ذلك يقول الإمام رحمهم الله: «ان اختلاف وعمالة بعض رؤساء البلدان الاسلامية لا يعطيان الفرصة والإمكانية لسبعماية مليون مسلم في ان يحلوا مشكلة القضية الفلسطينية التي تمثل اشد مصائبنا«.
كما يقول رحمهم الله: «ان الأنانية والعمالة واستسلام بعض الحكومات العربية للنفوذ الأجنبي المباشر يمنع عشرات الملايين من العرب من إنقاذ فلسطين من يد الاحتلال الإسرائيلي«.
4ـ التشتت والانهزام النفسي لبعض القادة الذي يدينون للاستكبار في الحفاظ على عروشهم ويدفعون ثمن ذلك ترسيخ الاوضاع المأساوية في بلاد المسلمين.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «ان كثيراً من حكومات البلدان الاسلامية ونتيجة للانهزام النفسي او لعمالتها تنفد المخططات الخيانية والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للاسلام والتي تهدف الى ترسيخ هذه الاوضاع المأساوية للمجتمع الاسلامي والى تسليط «اسرائيل» على ارواح واموال واراضي الامة الاسلامية«.
5ـ انشغال اغلب الحكومات بالمفاوضات السياسية التي لا طائل منها والتي لا يمكن ان تؤدي الى علاج القضية الفلسطينية في حين ان الجهاد هو الحل.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «ان اكثر الحكومات مشغولة بالقيام، والقعود والمفاوضات التي لا نتيجة منها تاركين المجاهدين الفلسطينيين الشجعان الذين يقاومون «اسرائيل» برجولة لوحدهم«.
6ـ تساهل بعض الرؤساء العرب، وعدم اهتمامهم بالقضية الفلسطينية ولا بما يعانيه الشعب الفلسطيني.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «ان جميع المشاكل التي يعاني منها اخواننا في القدس طوال هذه المدة انما هي نتيجة لتساهل الرؤساء العرب«.
هذا من جهة الحكّام والاسباب المتعلقة بهم كأشخاص وممارسات وما يعتري اوضاعهم وما يحول دون توحدهم والتي ادت الى مزيد من الاهمال والنسيان والتهاون بقضية فلسطين، اما من جهة الشعوب وشرائحهم المختلفة لا سيما النخب والعلماء فهناك ايضاً الاسباب التي ترتبط بهم والتي هي بإزائهم، صحيح ان المشاكل الكبرى والاساسية ناتجة عن واقع الحكام وتقاعسهم وتخاذلهم واحياناً خيانتهم وعمالتهم الا ان ذلك لا يلغي ولا ينفي المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الشعوب وبالاخص على الطليعة فيها من النخب السياسية والاعلامية والثقافية وبالاخص العلماء الذين يجب ان يأخذوا بايدي شعوبهم ويوجهوهم نحو القضايا المصيرية فطالما ان الحاكم لم يمارس دور الموجه والمرشد السياسي للشعب وللناس نحو اهم القضايا والمسائل فان هذه المهمة تصبح على عاتق العلماء والمثقفين حتى لو كانوا خارج اطار السلطة او كانوا يخشون السلطات الحاكمة، وعلى هذا الصعيد حدد الامام الخميني (قدس سره) عدة اسباب ترتبط بواقع الشعوب والجماهير اذكر اهمها:
1ـ عدم الاعتماد على الاسلام والقران والاعتماد على المعسكر الشرقي او الغربي، وذلك خلاف المفروض بحسب مفهوم النص الالهي بضرورة الكفر بالمعسكرات المادية وبالطاغوت والايمان بالله وبرسالته والاعتماد عليه سبحانه وعلى تعاليم دينه:
يقول الامام الخميني (قدس سره): «لو ان الشعوب المسلمة وبدلاً من الاعتماد على المعسكر الشرقي او الاخر الغربي اعتمدت على الاسلام ووضعت تعاليم القرآن النوارنية والتحررية نصب اعينها وعملت بها لما وقعت اسيرة للمعتدين الصهاينة«.
2ـ التفرق والتشرذم والخلافات بين المسلمين والتلهي بالمسائل الخلافية غير الحساسة وترك الساحة واخلائها للاستكبار ومشاريعه مما اضعف قدرة هذا العدد الضخم والهائل من المسلمين واطمع فيهم ثلة من الصهاينة الحاقدين.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «لو اجتمعت هذه القدرة أي قدرة المائة مليون عربي فإن امريكا لن تستطيع ان تفعل شيئاً«.
ويقول ايضاً: »ان الاختلافات هي التي سببت وجود الصهاينة هنا وأتاحت لهم الفرصة لتثبيت انفسهم«.
3ـ التهاون والتقاعس وعدم القيام بأي فعل او عمل في سبيل تغيير الواقع من قبل المسلمين، الذين كانوا أهل كلام واقوال وتصريحات وبيانات وخطابات في حين ان أعداءهم كانوا أهل فعل وحركة ومبادرة.
يقول الامام الخميني (قدس سره): »يجب ان أقول ان أعداء الإسلام كانوا رجال عمل لا كلام والمسلمون كانوا رجال كلام لا عمل فلو كان الأمر يخرج عن حدود الكلام لما عجز اكثر من مائة مليون عربي إلى هذه الدرجة عن مواجهة إسرائيل«.
4ـ الاتكال على الحكومات وانتظار مبادراتها وقراراتها وعدم المبادرة الى اتخاذ ما يناسب الموقف.
يقول الامام الخميني (قدس سره): «ان الشعوب إذا ما توقعت ان تبادر هذه الحكومات إلى الوقوف بوجه إسرائيل والقوى الأخرى فإنها واهمة بذلك«.
وهكذا يمكن استخلاص النتائج التالية:
أولاً: ان الأسباب الرئيسية التي تقف وراء أزمات المسلمين او التي تحول دون علاجها وبالأخص قضية فلسطين هو واقع غالبية الحكام في بلاد المسلمين.
ثانياً: هناك أسباب أخرى ترتبط بالشعوب وبطلائعها النخبوية تتمثل بعدم المبادرة والقيام وعدم الالتزام بأحكام الدين وهذا ما يعمّق المشكلة ويفاقم الأزمة.
ثالثاً: ان الحكام كما الشعوب معنيون بتغيير أوضاعهم من اجل الاتجاه نحو تصحيح الواقع وعلاج المشاكل وإلا فالأمور ستبقى على حالها بل هي مرشحة لمزيد من التدهور والتأزم.
إعداد ونشر مركز الإمام الخميني الثقافي، بتصرّف
2020-05-18