نهج البلاغة أرقى نهج لتكامل البشرية
إضاءات إسلامية
نهج البلاغة أرقى نهج لتكامل البشرية
عدد الزوار: 123
يجب الاهتمام بتبيين شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) دائماً وفي جميع الأزمنة والسنوات. ولعل أحد طرق التعرف على هذه الشخصية العظيمة اللجوء إلى كتاب «نهج البلاغة القيم». وينبغي على المبلغين الاستعانة بهذا الكتاب المهم لتوضيح شخصية مولى الموحدين وتقديم رؤية متعالية للمعارف الدينية. سنحاول في هذا المقال الإطلالة على كتاب نهج البلاغة الشريف من وجهة نظر علماء الشيعة وغير الشيعة.
فنهج البلاغة هو سلم عروج الإنسان نحو السماء، وهو دائرة معارف إسلامية عظيمة وهو جامعة إلهية كبيرة.
صحيح أنه قد مضى حوالى الأربعة عشر قرناً على وجوده إلا أنه ما زال جديداً ولم يتعرض للنسيان والكهولة، لا بل نراه يتجدد يوماً بعد يوم ويحيى أمال العطشى للمعرفة. وصحيح أن العديد من الشروحات قد كتبت على نهج البلاغة إلا أن هذا الكتاب ما زال مجهولاً.
وقد جذب هذا الكتاب الكثير من العلماء سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين، وفيما يلي نتعرض لبعض عبارات هؤلاء العلماء:
يقول الإمام الخميني(قده) في الوصية السياسية الإلهية: «نحن فخورون أن كتاب نهج البلاغة الذي هو بعد القرآن أعظم دستور للحياة المادية والمعنوية وأسمى كتاب لتحرير البشر، وتعالميه المعنوية والحكومية أرقى نهج للنجاة هو من إمامنا المعصوم»[1].
ويقول أيضاً في رسالة وجهها إلى مؤتمر نهج البلاغة: «أما كتاب نهج البلاغة الذي هو من روحه فهو لتعليمنا نحن الغارقين في سبات الأنا والغارقين في حجاب الأنا والأنانية وهو شفاءنا وبلسم للآلام الفردية والاجتماعية، كتاب له أبعاد بحجم الإنسان والمجتمع الإنساني الكبير منذ ظهوره وعلى مرّ التاريخ مهما تقدم ومهما ظهرت المجتمعات وتوالت الدول والشعوب، ومهما ظهر المفكرون والمفسرون، والفلاسفة وغاصوا فيه وغرقوا.
فليأتِ الحكماء والفلاسفة ويحققوا في جمل الخطبة الأولى من هذا الكتاب الإلهي وليستخدموا أفكارهم العظيمة والكبيرة ويفسروا هذه الجملة القصيرة بمساعدة أصحاب المعرفة وأرباب العرفان وليطلبوا بحق إرضاء ضمائرهم من أجل الفهم الحقيقي لهذه الجملة، بشرط أن لا تخدعهم الأقوال التي ظهرت في هذا المضمار وشريطة ألا يخدعوا ضمائرهم بدون فهم صحيح ولا أن يقرؤوها ويتركوها، عندئذٍ يفهمون الأفق الواسع لفكر ابن الوحي ويعترفون بقصور نظرتهم. والجملة هي (مع كل شي لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة).. عرفوا هذا الكتاب الكبير للمجتمعات البشرية واعرضوه كمتاع يقتنيه الناس والعقول النيرة»[2].
يتحدث الإمام القائد الخامنئي في رسالة وجهها إلى ألفية نهج البلاغة، يقول: «في الواقع فإن نهج البلاغة هو كتاب التعريف بعلي بن أبي طالب(عليه السلام). لم تظهر شخصية الإمام (عليه السلام) في أي مكان كما ظهرت في كتاب نهج البلاغة. يتجلى في نهج البلاغة بشخصية الإنسان الكامل، والإنسان الكامل هو أمير المؤمنين (عليه السلام). وهذا الكتاب في المجموع هو درس حياة اجتماعية للمسلمين.
نحن اليوم في حاجة إلى نهج البلاغة أكثر من أي وقت مضى. اليوم هو يوم الاستفادة الأكبر من نهج البلاغة»[3].
يقول الأستاذ الشهيد مطهري: «أخيراً بدأ العالم الإسلامي يكتشف نهج البلاغة وبعبارة أخرى بدأ نهج البلاغة بفتح العالم الإسلامي...
يلزمنا نحن الشيعة أن نعترف بأنا ظلمنا حق من نفتخر بالتشيع له، أو على الأقل قصرنا عن أداء ما يلزمنا له من حقوق وواجبات، والتقصير هو أيضاً نوع من الظلم كأننا لم نرد أن نعرف علياً (عليه السلام)، إنما كانت أكثر مساعينا في التحقيق والبحث حول نصوص رسول الله(صلى الله عليه وآله) في علي(عليه السلام)، وفي سب وشتم الذين تجاهلوا هذه النصوص أو تغافلوا عنها، لا في معرفة شخصية نفس الإمام(عليه السلام)، كأننا في غفلة عن أن المسلك الأذفر الذي دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) الناس إلى طيبه. له من الطيب الزكي ما يدعو الناس إلى نفسه، وإنما يجب علينا أن نعرف الأريج الطيب ثم نعرف الناس به، وإنما كان داعي الله يحاول بنصوصه فيه أن يعرف الناس طيبه، ولا يريد أن يقنع جماعة من الناس بأقواله (صلى الله عليه وآله) ثم يصرفوا أعمارهم في التعريف به قبل أن يكونوا هم يعرفونه.
ليت شعري لو كان نهج البلاغة من غير الإمام(عليه السلام) كان يبقى هكذا...»[4].
وينقل الشهيد مطهري عن أحوال أستاذه المرحوم الميرزا علي الشيرازي يقول: «لقد كان فقيهاً حكيماً وأديباً وطبيباً... الدرس الوحيد الذي كان يجلس إليه بشوق ورغبة هو درس نهج البلاغة فإنه كان يطير به في آفاق لم نكن نستطيع أن ندركها جيداً. إنه كان يعيش بنهج البلاغة ويتنفس به، وقلبه ينبض به وعروقه تفور بدمه. وكان هذا الكتاب ورده الذي يلهج به ويستشهد بجمله، وكثيراً ما كان إجراء كلماته على لسانه يقارنه إسبال الدمع من عينيه على محاسنه. لقد كان اندماجه في نهج البلاغة الذي كان يقطعه عنا وعن كل شيء حوله منظراً ذا إيحاء نفسي لزيد، ولا غرو، فإن الاستماع إلى كلام القلب من ذوي القلوب خلاب ذو وقع في النفوس. إنه كان أنموذجاً صالحاً من ذلك السلف الصالح»[5].
ثم يتحدث الأستاذ الشهيد مطهري عن مرحلة ما بعد التعرف على هذا الأستاذ العظيم والكتاب القيم: «ومنذ ذلك الحين تبدلت صورة نهج البلاغة في نظري، وتعلق قلبي به وأحببته، وكأنه كتاب آخر غير الذي كنت أعرفه منذ صغري، وكأني اكتشفت عالماً جديداً»[6].
ويتحدث المحدث البارع الشيخ عباس القمي (رحمه الله) في شرح حال «الحريري» صاحب كتاب المقامات معتبراً أن المقامات كتاب قد اهتم به أهل الفضل وكتبوا شرحاً عليه وقد واظبت مرة في مطالعته حتى أدركت أن مطالعة هذه الكتب تبعث على اسوداد القلب. ومع وجود كتاب نهج البلاغة المستطاب الذي هو شرح للفصاحة والبلاغة فلا يبقى أي حاجة لمطالعة المقامات. وأما النسبة بين كلام الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وكلام غيره فكالنسبة بين الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) والناس:
علي الدّر والذهب المصفا وباقي الناس كلهم تراب[7]
وقارن الدكتور شهيدي بين المعلقات ونهج البلاغة وقال:
«منذ خمس أو ست سنوات طلب بعض الأصدقاء قراءة المعلقات عندي، قلت حينها أنني قرأت هذه القصائد مرات عديدة، والشعر الجاهلي هو أثر قيم من حيث اللفظ والتركيب أما تعابيره فقد تكون صافية وقد تكون غير ذلك، وقد تكون تارة كالنسيم للروح وقد تكون تارة أخرى كالشرر المحرق، فلم لا تتوجهون نحو نهج البلاغة، فألفاظه تمتلك صلابة الشعر الجاهلي وهي تحمل المعاني المتعالية للقرآن الكريم والسنة النبوية. ونهج البلاغة يحمل الموعظة، ويعلمنا الحياة، ويوضح لنا طريق العبودية لله تبارك وتعالى. هناك أبحاث متعددة حول نهج البلاغة ومحتواه وهناك تفاسير وشروحات متعددة وبلغات شتى لهذا الكتاب القيم، ولكن مهما كتب ومهما سيصدر من كتابات فإنها بأجمعها لن توفي حق هذا الكلام»[8].
يتحدث المرحوم السيد علي نقي فيض الإسلام حول هذا الكتاب القيم، ويقول: «بدأت مطالعة هذا الكتاب المقدس منذ سنوات متعددة. وكان يزداد شوقي لمطالعة هذا الكتاب والتفكير فيه يوماً بعد يوم. لا أبالغ إذا ما قلت بأنني لم أعد أرى سوى كتاب نهج البلاغة ولم أعد أسمع سوى كلام الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لا بل لم أجالس أحداً من الفضلاء والعلماء إلا بدأت الحديث حول عظمة هذا الكتاب وما قدمه السيد الشريف الرضي (رحمه الله) فيه»[9].
يقول العارف المشهور المرحوم السيد ابن طاووس (رضوان الله تعالى عليه) في وصيته لابنه: «فانظر إلى كتاب نهج البلاغة وما فيه من الأسرار»[10].
وينقل العلامة حسن زادة الآملي (حفظه الله) عن أستاذه ما يلي: «كان المرحوم السيد قمشتي يتحدث مراراً حول عظمة شأن نهج البلاغة ويقول: لنذهب إلى جنة نهج البلاغة ولندرس عند أمير المؤمنين(عليه السلام) لنفهم ما أراد الإمام قوله»[11].
يتحدث آية الله ناصر مكارم شيرازي عن تلك المرحلة التي وضعه فيها نظام الشاه في السجن (عام 1342هـ.ش) وقد وجد فرصة مناسبة لمطالعة نهج البلاغة: «طالعت نهج البلاغة، وكانت لي فرصة أتمكن من خلالها من المرور على هذا الكتاب بدقة وتنظيم بالأخص وأن التوفيق الإلهي قد شملني في هذا الأمر. وطالعت القسم الثاني من هذا الكتاب (الرسائل والتعاليم السياسية والأخلاقية) في تلك الأيام أدركت أن مستوى نهج البلاغة أعلى بكثير مما كنا نفكر ونعتقد.
في الحقيقة واجهت بحراً من العلم والمعرفة يتعلق بأهم مسائل الحياة الإنسانية وفي جميع الأبعاد المعنوية والمادية. هو بحر تهوج أمواجه لتلقي الجواهر عى الساحل فيغرق ساكنيه في أنواع العطايا والمواهب المعنوية والمادية إلا أن الغواصين يحصلون على مقدار أكبر. وأدركت في ذاك اليوم كم هم محرومون الأشخاص الذين لا علم عندهم بوجود هذا الأثر العظيم الذي يمدون اليد إلى الأجانب ليحصلوا على ما يريدون»[12].
ولو عدنا إلى شارح نهج البلاغة المشهور ابن أبي الحديد المعتزلي لوجدناه يؤكد في أماكن متعددة على عظمة هذا الكلام، يقول في ذيل الخطبة221:
«وينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا... واقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرة ما قرأتها قط إلا وأحدثت عندي روعة وخوفاً وعظة وأثرت في قلبي...»[13].
ويقول محمد أمين، الكاتب والمفكر المعاصر حول نهج البلاغة: «أما كتاب نهج البلاغة فهو الكتاب الذي أقامه الله حجة واضحة على أن علياً (رضي الله عنه) قد كان أحسن مثال حيّ لنور القرآن وحكمته، وعلمه وهدايته، وإعجازه وفصاحته، اجتمع لعلي في هذا الكتاب ما لم يجتمع لكبار الحكماء وأخذوا الفلاسفة، ونوابغ الربانيين من آيات الحكمة السامية، وقواعد السياسة المستقيمة، ومن كل موعظة، باهرة وحجة بالغة...»[14].
وقد كتب الأستاذ محمد دشتي في مقدمة ترجمته لنهج البلاغة: «منذ بداية الدراسة الحوزوية أخذت بمطالعة الترجمات الموجودة فأدركت النواقص الموجودة، كنت دائم التفكير في طريق حل حتى قراءة أحد كتابات جورج جرداق الذي اعترف بأن جاذبية كلمات الإمام علي(عليه السلام) قد أوجدت شوقاً في داخلي دفعني لمطالعة نهج البلاغة 200 مرة. ارتعدت من هذا الكلام وشعرت بأن ضربة قد نزلت على تعصبي الاعتقادي وبدأت أفكر لماذا يقرأ المسيحي نهج البلاغة 200 مرة وكم قرأته أنا الشيعي الذي ادعي محبة وولاية الإمام(عليه السلام)، وكم أعرف من تلك المفاهيم القيمة التي قدّمها»[15].
إذا أردنا التعرف على الثقافة العلوية الخالصة والاطلاع على السيرة الشخصية والاجتماعية والسياسية والعبادية و.. للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) فلا بد من العودة إلى نهج البلاغة.
عبد الله بن يادي - كاتب إيراني في مجلة مبلغان.
[1] مقدمة الوصية السياسية الإلهية للإمام الخميني.
[2] صحيفة الإمام، ج14، ص275.
[3] بيام وخطابه، ص105 - 109.
[4] في رحاب نهج البلاغة، الشهيد مطهري، ص13، 29، 10، 9.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.
[7] هدية الأحباب، الشيخ عباس القمي، ص141.
[8] ترجمة نهج البلاغة، د. شهيدي، المقدمة.
[9] مقدمة ترجمة نهج البلاغة، فيض الإسلام، ص7.
[10] كشف المحجة، السيد ابن طاووس، ترجمة أسد الله مبشري، الفصل16، ص13.
[11] نامه ها وبرنامه ها، ص 88.
[12] رسالة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، شرح جديد وجامع لنهج البلاغة، ج1، آية الله مكارم الشيرازي، ومؤلفين آخرين، ص34.
[13] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج11، ص153.
[14] رسالة الإمام أمير المؤمنين، شرح جديد وجامع لنهج البلاغة، ج1، ص34، 43 و44.
[15] مقدمة نهج البلاغة، ترجمة محمد دشتي، ص14.