العوامل المؤثرة في بناء الشخصيّة الإنسانيّة
إضاءات إسلامية
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّكم لا تَقْدرون على أنْ تَسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم"
عدد الزوار: 175
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّكم لا تَقْدرون على أنْ تَسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم"[1].
إنّ الشخصيّة هي مجموع الصفات والأخلاق النفسيّة والاتّجاه الفكريّ الخاصّ بكلّ إنسان، ممّا يعطيه لوناً مميّزاً، يتمايز به عن غيره من الناس، فشخصيّة الفرد وحدة متفاعلة لمجموعة النزاعات الذاتيّة الموجَّهة نحو أهداف معيّنة، وتصدر عنها أفعال وتصرّفات وتفاعل في المحيط الذي توجد فيه. والشخصيّة مزوّدة بنزعات وطاقات وراثيّة مستعدّة للتعديل والتبدّل إذا ما توفّر لها من العوامل المحيطة ما يساعدها على التبدل، فإنْ صلحت هذه العوامل، كان الفرد صالحاً، وإن لم تكن صالحة وسليمة، فستؤثّر سلباً على الشخصيّة.
أوّلاً: العوامل المؤثّرة في بناء الشخصيّة
إنّ أهمّيّة البحث حول العناصر المؤثِّرة في الشخصيّة ترتبط بوظيفة الإنسان في الحياة، والمسؤوليّة التي ينبغي أن يؤدّيَها.
أهمّ العوامل المؤثّرة في بناء الشخصيّات وتكوينها ثلاثة، هي: الوراثة، البيئة والتربية والتعليم.
أ ـ الوراثة
تدلّ قوانين الوراثة على أنّ بعض معالم الشخصيّة وطبائعها وميولها يرثها الإنسان من آبائه.
فالوراثة هي ميل طبيعيّ في الفرع لمشابهة أصله في تكوينه الجسمانيّ، وتشمل الكائنات الحيّة كلّها (الإنسان، النباتات، الحيوانات).
نظرة الإسلام إلى الوراثة
لقد جاء في مجموعة من النصوص إشارة واضحة إلى قضيّة الوراثة: فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دسّاس"[2]، وقال أيضاً: "اختاروا لنطفكم، فإنّ الخالَ أحدُ الضجيعين"[3].
وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن تزويج شارب الخمر، والتزوج من المرأة الحمقاء والمجنونة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "شارب الخمر لا يُزوَّج إذا خطب"[4].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إيّاكم وتزويج الحمقاء، فإنّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع"[5].
ب- البيئة
وهي المحيط الاجتماعيّ، بتقاليده وقيمه وثقافاته وعاداته ومفاهيمه، مثل: البيئة العائليّة، المدرسيّة، الجهاديّة، السياسيّة، التربويّة... فالحياة الاجتماعيّة حياة تأثير وتأثّر، وكلّ إنسان يتأثّر بمن حوله ويؤثّر فيهم. قال -تعالى-، في ذمّ التأثّر بالبيئة الفاسدة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾[6].
يقول الشيخ مصباح اليزديّ (حفظه الله): "لا أحد يستطيع أن ينكر أصل تأثير البيئة الاجتماعيّة ونفوذها في تكوين شخصيّة كلّ واحد من أفراد الإنسان، وأنّ هذا التأثير والنفوذ عميق وشامل بالنسبة للأكثريّة الساحقة من الناس، فلا ريب أنّ الفرد في كثير من الأحيان تابع ومحكوم لإرادة المجتمع"[7].
شواهد من الواقع
أجواء العائلة، الجهاد، المسجد أو الحفلات والغناء وحفلات اللهو...
الأساتذة والتلاميذ، وما يحملون من أفكار، وثقافة المجتمع، الأصدقاء ومَن نخالط...
موقف الإسلام
لقد اهتمّ الإسلام بالبيئة، فحرص على إصلاحها وسلامتها من الأمراض الخُلقيّة والانحرافات الفكريّة والعقائديّة، وذلك من خلال برنامج متكامل، أهمّ ما جاء فيه:
- الحثّ على مجالسة العلماء، والابتعاد عن علماء السوء
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "خير من صاحبت ذوو العلم والحلم"[8]، وقال لقمان لابنه: "يا بنيّ، جالِس العلماء وزاحمهم بركبتيك"[9].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قالت الحواريّون: يا روح الله، مَن نجالس؟ قال: من يذكّركم اللهَ رؤيتُه، ويزيد في علمكم منطقُه، ويرغّبكم في الآخرة عملُه"[10].
- اختيار الأصدقاء
يقول أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً ولده الإمام الحسن عليه السلام: "يا بنيّ، إيّاك ومصادقة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصادقة البخيل، فإنّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصادقة الفاجر, فإنّه يبيعك بالتافه، وإيّاك ومصادقة الكذّاب, فإنّه كالسراب، يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب"[11].
- اجتناب مجالس المعصية
وهي المجالس والاجتماعات التي تُرتكب فيها المعاصي، كمجالس اللهو والغناء، والغيبة، ومجالس شرب الخمر...
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء على دين خليله وقرينه"[12].
ج ـ التربية
شجّع الإسلام على التربية وحثّ عليها، يقول – تعالى -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَ﴾[13].
1 ـ تحمّل المسؤوليّة
حمّل الإسلام الآباء والمربّين مسؤوليّة تربية أبنائهم وفق المنهج الإلهيّ، قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[14].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لئن يؤدِّب أحدكم ولده، خير له من أن يتصدَّق بنصف صاعٍ كلّ يوم"[15].
2 ـ من أسس التربية الإسلاميّة
- الاهتمام بتربية الأولاد
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "علِّموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لتسع"[16]، "إذا وعدتموهم شيئاً، ففوا لهم"[17].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "حقّ الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه، ويحسِّن أدبه، ويعلّمه القرآن"[18].
- الاهتمام بعنصري المحبّة والمودّة
المحبّة هي أساس نجاح العمليّة التربويّة، وقد أكّد الإسلام عليها في العديد من الروايات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أحبّوا الصبيان، وارحموهم"[19].
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من قبّل ولده، كتب الله له حسنة، ومن فرّحه، فرّحه الله يوم القيامة"[20].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده"[21].
- الأخلاق الحسنة
تعتبر الأخلاق من أهمّ القيم المعنويّة في الحياة، ومن أهمّ الأسس الإنسانيّة، وقد أكدَّ الإسلام على أهمّيّة الأخلاق، واعتبرها من أهمّ الفضائل التي يجب أن يتحلّى بها المسلم في حياته، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُق حسن"[22].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً"[23].
وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الهدف من بعثته هو إتمام القيم الأخلاقيّة في المجتمع، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما بُعِثْت لأتمّمَ مكارم الأخلاق"[24].
المصدر: الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج4، ص394.
[2] الطبرسيّ، الشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1392ه - 1972م، ط6، ص197.
[3] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص332.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص348.
[5] المصدر نفسه، ص354.
[6] سورة البقرة، الآية 170.
[7] اليزدي، محمّد تقي المصباح، النظرة القرآنيّة للمجتمع والتاريخ، ص49.
[8] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجندي، دار الحديث، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص238.
[9] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج1، ص204.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص39.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص199.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص375.
[13] سورة الشمس، الآية 9.
[14] سورة التحريم، الآية 6.
[15] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج21، ص476.
[16] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص341.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.
[18] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد الرضيّ بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1، ص546.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.
[20] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.
[21] المصدر نفسه، ص50.
[22] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص383.
[23] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص102.
[24] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص372.