يتم التحميل...

عمر النوع الإنساني وأصله

أبحاث في المجتمع

يذكر تاريخ اليهود أن عمر هذا النوع لا يزيد على ما يقرب من سبعة الآف سنة والاعتبار يساعده فإنا لو فرضنا ذكراً وانثى ( زوجين اثنين ) من هذا النوع وفرضناهما عائشين زماناً متوسطاً من العمر في مزاج متوسط في وضع متوسط من الأمن والخصب والرفاهية ومساعدة سائر العوامل والشرائط المؤثرة في حياة الإنسان...

عدد الزوار: 74

يذكر تاريخ اليهود أن عمر هذا النوع لا يزيد على ما يقرب من سبعة الآف سنة والاعتبار يساعده فإنا لو فرضنا ذكراً وانثى ( زوجين اثنين ) من هذا النوع وفرضناهما عائشين زماناً متوسطاً من العمر في مزاج متوسط في وضع متوسط من الأمن والخصب والرفاهية ومساعدة سائر العوامل والشرائط المؤثرة في حياة الإنسان ثم فرضناهما، وقد تزوجا وتناسلا وتوالدا في أوضاع متوسطة متناسبة ثم جعلنا الفرض بعينه مطرداً فيما أولدا من البنين والبنات على ما يعطيه متوسط الحال في جميع ذلك وجدنا ما فرضناه من العدد أولاً وهو اثنان فقط يتجاوز في قرن واحد ( رأس المائة ) الألف أي أن كل نسمة يولد في المائة سنة ما يقرب من خمسمائة نسمة.

ثم إذا اعتبرنا ما يصتدم به الإنسان من العوامل المضادة له من البلايا العامة لنوعه من الحر والبرد والطوفان والزلزلة والجدب والوباء والطاعون والخسف والهدم والمقاتل الذريعة والمصائب الاخرى غير العامة، وأعطيناها حظها من هذا النوع أوفر حظ. وبالغنا في ذلك حتى أخذنا الفناء يعم الأفراد بنسبة تسعمائة وتسعة وتسعين إلى الألف، وأنه لا يبقى في كل مائة سنة من الألف إلا واحد أي إن عامل التناسل في كل مائة سنة يزيد على كل اثنين بواحد وهو واحد من ألف.

ثم إذا صعدنا بالعدد المفروض أولاً بهذا الميزان إلى مدة سبعة الآف سنة (70 قرناً) وجدناه تجاوز بليونين ونصفاً، وهو عدد النفوس الإنسانية اليوم على ما يذكره الإحصاء العالمي.

فهذا الاعتبار يؤيد ما ذكر من عمر نوع الإنسان في الدنيا لكن علماء الجيولوجيا (علم طبقات الأرض) ذكروا أن عمر هذا النوع يزيد على ملايين السنين، وقد وجدوا من الفسيلات الإنسانية والاجساد والآثار ما يتقدم عهده على خمسمائة ألف سنة على ما استظهروه، فهذا ما عندهم، غير أنه لا دليل معهم يقنع الإنسان ويرضي النفس باتصال النسل بين هذه الأعقاب الخالية والأمم الماضية من غير انقطاع، فمن الجائز أن يكون هذا النوع ظهر في هذه الأرض ثم كثر ونما وعاش ثم انقرض ثم تكرر الظهور والانقراض ودار الأمر على ذلك عدة أدوار، على أن يكون نسلنا الحاضر هو آخر هذه الأدوار.

وأما القرآن الكريم فإنه لم يتعرض تصريحاً لبيان أن ظهور هذا النوع هل ينحصر في هذه الدورة التي نحن فيها أو أن له أدواراً متعددة نحن في آخرها ؟ وإن كان ربما يستشم من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء1. سبق دورة إنسانية أخرى على هذه الدورة الحاضرة، نعم في بعض الروايات

الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يثبت للإنسانية أدواراً كثيرة قبل هذه الدورة.

في التوحيد: عن الصادق عليهم السلام في حديث قال: لعلك ترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم ؟ بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر اولئك الآدميين؟2.

أقول: ونقل ابن ميثم في شرح نهج البلاغة عن الباقر عليه السلام ما في معناه، ورواه الصدوق في الخصال أيضاً3.

أصل المجتمع البشري
ربما قيل: إن اختلاف الألوان في أفراد الإنسان وعمدتها البياض كلون أهل النقاط المعتدلة من آسيا وأوربا، والسواد كلون أهل إفريقيا الجنوبية، والصفرة كلون أهل الصين واليابان، والحمرة كلون الهنود الأمريكيين يقضي بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر لما في اختلاف الألوان من اختلاف طبيعة الدماء، وعلى هذا فالمبادئ الأول لمجموع الأفراد لا ينقصون من أربعة أزواج للألوان الأربعة.

وربما يستدل عليه بأن قارة أمريكا انكشفت ولها أهل وهم منقطعون عن الانسان القاطن في نصف الكرة الشرقي بالبعد الشاسع الذي بينهما انقطاعاً لا يرجى ولا يحتمل معه أن النسلين يتصلان بانتمائهما إلى أب واحد وأم واحدة، والدليلان ـ كما ترى ـ مدخولان:

أما مسألة اختلاف الدماء باختلاف الألوان فلأن الأبحاث الطبيعية اليوم مبنية على فرضية التطور في الأنواع، ومع هذا البناء كيف يطمأن بعدم استناد اختلاف الدماء، فاختلاف الألوان إلى وقوع التطور في هذا النوع وقد جزموا بوقوع تطورات في كثير من الأنواع الحيوانية كالفرس والغنم والفيل وغيرها، وقد ظهر البحث والفحص بآثار أرضية كثيرة يكشف عن ذلك ؟ على أن العلماء اليوم لا يعتنون بهذا الاختلاف ذاك الاعتناء.

وأما مسألة وجود الإنسان في ما وراء البحار فإن العهد الإنساني على ما يذكره علماء الطبيعة يزهو إلى ملايين من السنين، والذي يضبطه التاريخ النقلي لا يزيد على ستة آلاف سنة، وإذا كان كذلك فما المانع من حدوث حوادث فيما قبل التاريخ تجزي قارة أمريكا عن سائر القارات، وهناك آثار أرضية كثيرة تدل على تغييرات هامة في سطح الأرض بمرور الدهور من تبدل بحر إلى بر وبالعكس، وسهل إلى جبل وبالعكس، وما هو أعظم من ذلك كتبدل القطبين والمنطقة على ما تشرحه علوم طبقات الأرض والجغرافيا فلا يبقى لهذا المستدل مؤيّد.

وأما القرآن فظاهره القريب من النص أن هذا النسل الحاضر المشهود من الناس ينتهي بالارتقاء إلى ذكر وانثى هما الأب والأم لجميع الأفراد أما الأب فقد سماه الله تعالى في كتابه بآدم، وأما زوجته فلم يسمها في كتابه ولكن الروايات تسميها حواء كما في التوراة (الموجودة بين الأيدي).

قال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ4.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ5.

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا6.

وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ7.

فإن الآيات ـ كما ترى ـ تشهد بأن سنة الله في بقاء هذا النسل أن يتسبب اليه بالنطفة لكنه أظهره حينما أظهره بخلقه من تراب، وأن آدم خلق من تراب وأن الناس بنوه، فظهور الآيات في انتهاء هذا النسل إلى آدم وزوجته مما لا ريب فيه وإن لم تمتنع من التأويل.

وربما قيل: إن المراد بآدم في آيات الخلقة والسجدة آدم النوعي دون الشخصي كأن مطلق الإنسان من حيث انتهاء خلقه إلى الأرض ومن حيث قيامه بأمر النسل والايلاد سمي بآدم، وربما استظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ8.

فإنه لا يخلو عن إشعار بأن الملائكة إنما أمروا بالسجدة لمن هيأه الله لها بالخلق والتصوير، وقد ذكرت الآية أنه جميع الأفراد لا شخص إنساني واحد معين حيث قال: ولقد خلقناكم ثم صورناكم، وهكذا قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ـ إلى أن قال ـ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ـ إلى أن قال ـ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ9. حيث أبدل ما ذكره مفرداً أولا من الجمع ثانيا ً.

ويرده مضافاً إلى كونه على خلاف ظاهر ما نقلنا من الآيات ظاهر قوله تعالى بعد سرده لقصة آدم وسجود الملائكة وإباء ابليس في سورة الأعراف: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا10، فظهور الآية في شخصية آدم مما لا ينبغي أن يرتاب فيه.

وكذا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً11.

وكذا الآية المبحوث عنها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء بالتقريب الذي مر بيانه، والآيات ـ كما ترى ـ تأبى أن يسمى الإنسان آدم باعتبار وإبن آدم باعتبار آخر، وكذا تأبى أن تنسب الخلقة إلى التراب باعتبار وإلى النطفة باعتبار آخر وخاصة في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الآية، وإلا لم يستقم استدلال الآية على كون خلقة عيسى خلقة استثنائية ناقضة للعادة الجارية، فالقول بآدم النوعي في حد التفريط، والإفراط الذي يقابله قول بعضهم: إن القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر ذهب إليه زين العرب من علماء أهل السنة.


الإنسان نوع مستقل غير متحول من نوع آخر
الآيات التي ذكرناها تكفي مؤونة هذا البحث، فإنها تنهي هذا النسل الجاري بالنطقة إلى آدم وزوجته وتبين أنهما خلقا من تراب فالإنسانية تنتهي إليهما وهما لا يتصلان بآخر يماثلهما ويجانسهما وإنما حدثا حدوثاً.

والشائع اليوم عند الباحثين عن طبيعة الإنسان أن الإنسان الأول فرد تكامل إنساناً وهذه الفرضية بخصوصها وإن لم يتسلمها الجميع تسلماً يقطع الكلام واعترضوا عليها بأمور كثيرة مذكورة في الكتب لكن أصل الفرضية وهي "أن الإنسان حيوان تحول إنساناً"، مما تسلموه وبنوا عليه البحث عن طبيعة الإنسان.

فإنهم فرضوا أن الأرض ـ وهي أحد الكواكب السيارة ـ قطعة من الشمس مشتقة منها وقد كانت في حال الاشتعال والذوبان ثم أخذت في التبرد من تسلط عوامل البرودة، وكانت تنزل عليها أمطار غزيرة وتجري عليها السيول وتتكون فيها البحار ثم حدثت تراكيب مائية وأرضية فحدثت النباتات المائية ثم حدثت بتكامل النبات واشتمالها على جراثيم الحياة السمك، وسائر الحيوان المائي ثم السمك الطائر ذو الحياتين ثم الحيوان البري ثم الإنسان، كل ذلك بتكامل عارض للتركيب الأرضي الموجود في المرتبة السابقة يتحول به التركيب في صورته إلى المرتبة اللاحقة فالنبات ثم الحيوان المائي ثم الحيوان ذو الحياتين ثم الحيوان البري ثم الإنسان على الترتيب هذا...

وهذه فرضية افترضت لتوجيه ما يلحق بهذه الأنواع من الخواص والآثار من غير قيام دليل عليها بالخصوص ونفي ما عداها مع إمكان فرض هذه الأنواع متبائنة من غير اتصال بينها بالتطور وقصر التطور على حالات هذه الأنواع دون ذواتها وهي التي جرت فيها التجارب فإن التجارب لم تتناول فرداً من أفراد هذه الأنواع تحول إلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان، وإنما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصها ولوازمها وأعراضها.

*قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم، العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي، دار الصفوة، ص69-76.


1- البقرة:30.
2- الصدوق: التوحيد ص 277، حديث 2، طبع إيران مكتبة الصدوق.
3- الصدوق: الخصال ص 652، حديث 54، طبع إيران مؤسسة النشر الإسلامي.
4- السجدة:7 ـ 8.
5- آل عمران:59.
6- البقرة:30 ـ 31.
7- ص:71 ـ 72.
8- الأعراف:11.
9- ص:75 ـ 83.
10- الأعراف:27.
11- الإسراء:61 ـ 62.

2009-11-04