يقول تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء
غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ
عَذَابًا صَعَدً﴾[1].
في هاتين الآيتين إشارات لطيفة وتعاليم رائعة، ومن يمعن التدبر أكثر قد يخرج بغير
ما سنذكره لكم، لأن القرآن نبع لا ينضب من المعارف الإلهية.
إشارات:
- فيما يتعلق بمعاني بعض الكلمات: "غدق" بمعنى الكثرة و"صعد" بمعنى
الصعب والمشكل.
- في مسألة الاستقامة ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه فسّر الاستقامة على
الطريقة بالثبات على ولاية أهل البيت عليهم السلام. ونقل عن الإمام الصادق قوله في
تفسير الآية: "معناه لأفدناهم علماً كثيراً يتعلمونه من الأئمة"([2]).
- تتضمن الآيتان أسلوب المقارنة الذي هو من أفضل الأساليب التربوية. فقد ورد في
آيةٍ: الإستقامة والمطر، وفي الآية التالية: الإعراض والعذاب، وبمقارنة هاتين
الحالتين تصبح مسألة الحق والباطل واضحة وشفافة أكثر.
- توجد إشارة أخلاقية مسلكية وهي أن الإعراض عن ذكر الله يجعل الحياة الدنيا قاسية:
﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدً﴾([3]) ويكون جزاء
الإنسان في الآخرة عذاباً عظيماً وصعباً: ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ
يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدً﴾.
التعاليم:
1- الأهم من الإيمان هو البقاء والثبات عليه : ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا
عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾.
2- من بين كل الطرق، ثمة طريق واحد فقط مقبول للحق: ﴿طرَائِقَ قِدَدًا... عَلَى
الطَّرِيقَةِ﴾.
3- أفضل طريقة للدعوة هي توضيح آثار الإيمان وبركاته: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا...
لَأَسْقَيْنَاهُم﴾.
4- لا تظهر آثار الإيمان في الآخرة فقط وإنما تظهر في الدنيا كذلك:
﴿لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقً﴾.
5- الإستقامة على طريق الحق هي ميزة، وليس لكل إستقامة قيمة، فأحياناً يكون الثبات
ناشئاً عن العناد: ﴿اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾.
6- توسيع الرزق هو أحد وسائل الإمتحان: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا *
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ (مثلما اعتبر النبي سليمان توسيع الرزق عليه وسيلة للإمتحان:
﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي﴾([4])).
7- الثبات على طريق الحق له آثار على الطبيعة: ﴿مَّاء غَدَقً﴾.
8- الرفاه سبب الغفلة: ﴿مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾.
9- لا تغترّوا بسعة رزقكم: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾.
10- إذا ما استقمتم على طريق الحق ونلتم ثوابكم فلا تظنّوا أنّ عملكم قد انتهى،
فالآن يجب أن تواجهوا امتحاناً جديداً: ﴿مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾.
11- الله عنده الرحمة وعنده العذاب: ﴿مَّاء غَدَقًا... عَذَابًا صَعَدً﴾.
12- الإعراض عن ذكر الله هو أحد عوامل الإنقياد إلى جهنم: ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن
ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدً﴾.
13- قد يكون سبب نزول المطر أحياناً وسيلة للإمتحان، فإذا ما قوبل بالجحود، فسيصبح
سبباً للعذاب: ﴿عَذَابًا صَعَدً﴾.
* الشيخ محسن قراءتي - بتصرّف
[1] سورة الجن، الآية 16-
17.
[2] تفسير مجمع البيان.
[3] سورة الجن الآية 17.
[4] سورة النمل الآية 40.