يتم التحميل...

كتمان السر

أخلاقنا الإسلامية

إنّ صيانة السرّ والمبالغة في كتمانه هي فضيلة من أسمى الفضائل وخصلة من أكرم الخصال وخلّة من خلال المروءة، وآية من آي الشرف والعقل وسمة من سمات المجد والرشد. فما هو معنى كتمان السرّ؟ وما حكم إفشائه؟ وغيرها من الأسئلة التي نحاول الإجابة عنها في هذا الدرس.

عدد الزوار: 473

تمهيد
إنّ صيانة السرّ والمبالغة في كتمانه هي فضيلة من أسمى الفضائل وخصلة من أكرم الخصال وخلّة من خلال المروءة، وآية من آي الشرف والعقل وسمة من سمات المجد والرشد. فما هو معنى كتمان السرّ؟ وما حكم إفشائه؟ وغيرها من الأسئلة التي نحاول الإجابة عنها في هذا الدرس.

معنى كتمان السرّ
السِّرِّ لُغَةً: مَا يُكْتَمُ فِي النَّفْسِ، وَالْجَمْعُ أَسْرَارٌ وَسَرَائِرُ. وَأَسَرَّ الشَّيْءَ: كَتَمَهُ وَأَظْهَرَهُ فَهُوَ مِنَ الأْضْدَادِ1. قَال الرَّاغِبُ: الإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ، وَيُسْتَعْمَل فِي الأْعْيَانِ وَالْمَعَانِي2. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللّغَوِيِّ3.

وكتمان السرّ: هو أن يضبط الكلام من الإنسان عن إظهار ما يضمره ممّا يضرّ به إظهاره وإبداؤه قبل وقته. فهو الصبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره.

السرّ في القرآن الكريم
المتتبّع لآيات القرآن يجد أن كلمة السرّ ومشتقاتها قد وردت ثلاثين مرّة في أربع وعشرين سورة4.

وأبان القرآن أنّ السرّ ضدّ العلانية، يقول تعالى: ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ5. والسرّ خلاف الجهر ﴿وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرً﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ7.

والكتمان هو السرّ وخلاف الجهر والإفشاء، ففي الآية ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ8، ويقول تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ9.

وهناك آيات كثيرة حثّت على حفظ السرّ وآيات أخرى تحدّثت عن أنبياء وأولياء حفظوا أسرارهم فكانت لهم النجاة في الدنيا قبل الآخرة، نالوا خير الدنيا والآخرة. فعندما أسرَّت أمّ النبيّ موسى عليه السلام أمر ولادة نبي الله عليه السلام، وكتمت سرَّ ولادته، وألقته في اليم: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ10، كان الجزاء الإلهيّ: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون11. وحين قصَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام رؤياه على أبيه النبيّ يعقوب عليه السلام، أوصاه بحفظ السر وألاَّ يقصص على إخوته ما رآه: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ12 حَفِظَ نبيّ الله عليه السلام السرّ وعمل بالوصية وكان الجزاء الإلهيّ: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ13،﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ14.

وهذا ممّا يدلّ على ما لحفظ الأسرار من فوائد عظيمة. هذا فضلاً عن الآيات الكثيرة التي تأمر الإنسان بعدم الإكثار من الكلام، وتبيّن أنّ الإنسان محاسب على كلّ كلمة يقولها، ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ15.

موارد الكتمان
توجد موارد كثيرة لكتمان السرّ، منها ما يتعلّق بالجانب الشخصيّ والعائليّ، ومنها ما يرتبط بالجانب السياسيّ والاقتصاديّ، ومنها ما يرتبط بالجانب الأمنيّ والعسكريّ، والجانب الدينيّ:

1- الجانب الشخصيّ والعائليّ: ففيما يرجع إلى حياة الانسان اليومية والعائلية، والتي تبقى على حفظ بعض الاسرار الخاصة، والخاضعة للتبدّل والتغيّر، فمن كتم سره أمكنه تجنب الأخطاء. يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ16. ومحصّل معنى الآية الشريفة: وإذ أفضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض أزواجه حديثاً وأوصاها بكتمانه فلمّا أخبرت به غيرها وأفشت السرَّ خلافاً لما أوصاها به، وأعلم الله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّها نبّأت به غيرها وأفشت السرّ، عرف وأعلم بعضه وأعرض عن بعض آخر، فلمّا خبرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث قالت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: من أنبأك وأخبرك أنّي نبّأت به غيري وأفشيت السرّ؟ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: نبأني وخبّرني العليم الخبير وهو الله العليم بالسرّ والعلانية الخبير بالسرائر17.

ويتضح لنا من خلال مفهوم الآية أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن إفشاء الاسرار العائلية والشخصيّة، وأمر بحفظها.

2- الجانب السياسيّ والاقتصاديّ: وهو خاص بالعاملين في هذا المجال، وعليهم التحرّز من إفشاء أيّ معلومة يمكن لها أن تضرّ بمصالح المسلمين. وقد ورد في قصة نبيّ الله يوسف عليه السلام أنَّه عليه السلام ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب الإشراف على الخزانة، وذلك لعلمه أنّه إذا نجح في ترتيب اقتصاد مصر، فإنّه يتمكّن من إصلاح كثير من المفاسد الاجتماعية، كما أنّ تنفيذه للعدالة الاقتصادية يؤدّي إلى سيطرته على سائر دوائر الدولة وجعلها تحت إمرته. والنبيّ يوسف عليه السلام أخبر الملك بمؤهّلاته الإداريّة وبأنَّه حفيظ عليم، قال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ18. وهذه إشارة إلى أهمية عنصر الإدارة إلى جانب عنصر الأمانة، لكونه قرن ال‍ ﴿عَلِيمٌ مع ال﴿حَفِيظٌ‍. وكثيراً ما نشاهد الأضرار الناتجة عن الخيانة لا تقلّ بل تزيد على الخسائر الناتجة عن سوء الإدارة19. فالأمانة وكتمان الأسرار الإقتصادية، والسياسية، والإداريَّة من أبرز شروط النجاح والظفر.

3- الجانب الأمنيّ والعسكريّ: ولعلّه أكثر الموارد أهمية لكتمان السرّ، لأنّ العدوّ يستفيد من المعلومات المفشاة بسرعة، ويلحق الضرر بالمسلمين. فلا يجوز نقل وبثّ وذكر المعلومات والخطط والأسرار المتعلّقة بالعمل الجهاديّ والعسكريّ والأمنيّ مهما كان نوع وحجم تلك المعلومات، والخطط والأسرار، وعبر أيّ وسيلة كانت ولأيّ شخص كان. ولو أدّى نقل المعلومات إلى أثرٍ ما على المسيرة الجهاديّة أو كان سبباً في استشهاد أو جرح بعض الأشخاص، فإنَّ ذلك يعدّ مشاركةً في إراقة دمائهم20.

ومن جهة ثانية لا يجوز إخفاء المعلومات التي تتعلّق بالعمل الجهاديّ والعسكريّ والأمنيّ عن الجهات المعنيّة سواء طلبت تلك الجهات هذه المعلومات أم لم تطلبها من الذين يمتلكونها، بل يجب على كلّ من توافرت لديه معلومات تتعلّق بالعمل الجهاديّ، وحفظ المسيرة الجهادية أن يبلّغها للجهات المختصّة21.

معنى إفشاء السرّ
إذا كان الحفاظ على السرّ واجبًا فإن إفشاء السرّ حرام لأنّه يؤدّي إلى ضرر، فإنّ اختيار سرّيته دليل على أن إفشاءه فيه ضرر، والضرر ممنوع شرعًا - كما أن إفشاءه يكون خيانة حيث يكون السرّ أمانة، ويكون غدراً بالعهد وعدم وفاء بالوعد، إذا كان هناك وعد أو عهد بصيانته.

وبالعنوان العام كلّ سرّ تؤدّي إذاعته أو إفشاؤه إلى مفسدة سواء على المستوى الفرديّ أم الاجتماعيّ، أو العمليّ، فهذا السرّ يجب كتمانه من باب حرمة الإضرار بالنفس أو الآخرين أو إيذائهم فلا يعطى هذا السرّ إلى من يمكن أن تترتّب على إعطائه له محاذير وأضرار.

ويقابل كتمان السرّ إفشاء السرّ: أي نشره وإظهاره، وهو نقيض الحفظ والكتمان، ويطلق على عملية الإفشاء الإذاعة كما ورد في القرآن والروايات.

وقد ورد في رواية العقل والجهل "والْكِتْمَانُ وضِدُّه الإِفْشَاءُ"22.

إفشاء السرّ من الناحية الفقهية23
يختلف حكم الإفشاء باختلاف متعلّقه، فقد يحرم أو يجب. وفيما يلي نذكر موارد الحرمة والوجوب، والموارد المستثناة من حكم التحريم:

1- الإفشاء المحرم:
يحرم الإفشاء في عدة موارد نشير إليها إجمالاً، وهي:

أ- إفشاء سرّ المؤمن وإذاعته:
المراد من السرّ في هذه الموارد ما لا يرضى صاحبه بكشفه وإظهاره، سواء كان قولاً، أو فعلاً، أو حالة. وسواء كان السرّ بين اثنين أو أكثر.

ويدخل ضمن هذا الإطار المستشارون بجميع رتبهم وأعمالهم ومن لهم - بحسب مهنتهم - اطّلاع على أسرار الناس المالية والجسمية والروحية، كالعلماء لكثرة رجوع الناس إليهم وطرح مشاكلهم لهم، والأطباء، والقضاة، وموظفي البنوك ودوائر الأحوال الشخصية، ونحوهم.

وقد ورد النهي الشديد عن إفشاء سرّ المؤمن وإذاعته، وهناك روايات كثيرة في هذا المجال نكتفي بروايتين:
عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "الْمَجَالِسُ بِالأَمَانَةِ ولَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ يَكْتُمُه صَاحِبُه إِلَّا بِإِذْنِه إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَوْ ذِكْراً لَه بِخَيْرٍ"24.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: "يُحْشَرُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَا نَدِيَ دَماً فَيُدْفَعُ إِلَيْه شِبْه الْمِحْجَمَةِ25 أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَه هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلَانٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي ومَا سَفَكْتُ دَماً فَيَقُولُ بَلَى سَمِعْتَ مِنْ فُلَانٍ رِوَايَةَ كَذَا وكَذَا فَرَوَيْتَهَا عَلَيْه فَنُقِلَتْ حَتَّى صَارَتْ إِلَى فُلَانٍ الْجَبَّارِ فَقَتَلَه عَلَيْهَا وهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِه"26.

ب- إفشاء الفاحشة:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ27. إنّ الله جلّ وعزّ لا يحب أن تشيع الفاحشة بحال، سواء أكان المشيع والمذيع فاعلها أم غيره، وسواء أكانت حقاً أم باطلاً. وإشاعة الفاحشة: تعني إفشاؤها.

فقد ورد النهي عن إشاعة الفحشاء وتفسيرها بإفشاء السر في روايات عديدة، فمنها: ما روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا رَأَتْه عَيْنَاه وسَمِعَتْه أُذُنَاه فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ28.

2- ما يستثنى من حرمة الإفشاء:
استثنى الفقهاء من حرمة إفشاء السرّ عدّة موارد، يجمعها أن تكون مصلحة الإفشاء في ذلك المورد أعظم من مصلحة الستر وعدم الإفشاء، ومن تلك الموارد:

أ- الحكم والشهادة والإفتاء: يجوز إفشاء السرّ - إذا كان لازماً - عند الحاكم سواء كان الفاشي هو صاحب الدعوى أو الشاهد. بل يجب على الشاهد الإفشاء لو توقّفت الشهادة والحكم عليه، كما لو رأى الجاني حين جنايته سراً، أو أقرّ المديون بدينه عنده سراً. وكذا لو استلزم الاستفتاء ذكر شخص مع ما يختصّ به من صفة أو حالة.

ب- جرح الشهود: يجوز إفشاء ما يوجب فسق الشاهد عند الحاكم، لكي لا يحكم طبقاً لشهادة فاسدة، بل يجب لو طلب منه ذلك، لأنه من أداء الشهادة، وهي واجبة كما تقدّم.

ج- نصح المستشير: نصح المستشير واجب، فإذا استلزم ذلك إفشاء السرّ جاز، بل وجب، كما إذا أراد شخص أن يتزوج بامرأة فاستشار من يعلم بخصائصها الروحية والجسمية والاعتقادية، فأبرز المشير من خصائصها ما كان خفياً على المستشير.

د- إبطال البدع والأباطيل: إذا توقّف إبطال بدعة على إفشاء أسرار مبتدعها للناس، لكي يبتعدوا عنه ولا يضلوا بسببه جاز، بل وجب.

3. الإفشاء الواجب:
إنّما يجب إفشاء السرّ إذا كانت مصلحة الإفشاء أكثر من مصلحة الستر، كبعض الحالات التي ذكرناها في مستثنيات حرمة الإفشاء، مثل الشهادة والاستشارة وإبطال بدعة المبتدع، ونحوها مما لا يمكن حصره فعلاً.

دوافع إفشاء السرّ
لماذا نفشي الأسرار؟ وما هي الدوافع والأسباب وراء ذلك؟

1- العُجب والفخر والزهو وذلك بإظهار علمه بشيء لا يعلمه غيره.

2- من طبيعة الإِنسان حبُّه إتيان ما مُنع منه، فإنّ المحظور يُغري بارتكابه إن لم تكن هناك عصمة من خُلق أو دين.

3- النكاية أو التشهير، فإنّ إفشاء السرّ يؤذي صاحب السرّ إيذاء شديداً. والسرّ سلاح خطير قد يستعمل في الشرّ إن لم يكن هناك خلق أو دين. ونرى ذلك حين عداوة الأصدقاء أو عندما يطلق الرجل زوجته فتفشي الأسرار نكاية وحقدًا.

4- الاستفادة من هذه الأسرار التي عرفها فهي معلومات يمكن له أن ينتهزها فرصة ويستعملها في خير يفيده.

5- الخيانة، فإفشاء الأسرار والمعلومات السريّة إلى العدوّ من باب الخيانة وبيع النفس لأعداء الأمَّة.

فوائد كتمان السرّ
لكتمان السرّ فوائد عديدة تربوية وعملية نشير إلى بعضها:

1- تحقيق النصر:
إن كتمان السرّ عامل مهم في تحقيق النصر، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "الظَّفَرُ بِالْحَزْمِ والْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ والرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الأَسْرَارِ"29. معنى الحزم لغةً: ضبط الرّجل أمره وأخذه بالثقة، والمقصود من الإجالة: الإدارة.

وقد بيّن عليه السلام في هذا الحديث سبيل الظّفر بالمقاصد في ميادين النضال والمبارزة سواء كانت في المعارك واقعةً بين خصمين مع السّلاح والعتاد، أو في ميادين الحرب الباردة.
وأفاد عليه السلام أنّ مبدأ الظفر الأصليّ هو كتمان الأسرار وضبطها وحفظها من مظانّ تطلع الخصم، وإجالة الرأي إشارة إلى طرح البرامج وإقامة الإجتماعات للتشاور في شتّى جوانب النضال، فباجالة هؤلاء الرّجال آراءهم في شتّى نواحي المبارزة والقتال يتحصّل الحزم والنّظر الصّائب في العواقب، ويتمّ تنظيم الأمور بحيث تصل إلى المطلوب، وتتحقق الأهداف30.

2- الحفاظ على التوازن المعنويّ للمجتمع:
لإنّ إفشاء الأسرار قد يؤدّي إلى إيجاد حالات من البلبلة في المجتمع. يقول تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل31.

وتشير هذه الآية إلى حركة منحرفة من حركات المنافقين أو ضعاف الإيمان، تتمثّل في سعيهم إلى تلقّف أيّ نبأ عن انتصار المسلمين أو هزيمتهم، وبثّه بين الناس في كلّ مكان، دون التحقيق والتدقيق في أصل هذا النبأ أو التأكّد من مصدره، وكان الكثير من هذه الأنباء لا يتعدّى الإشاعة قد عَمَد أعداء المسلمين إلى بثّها، لتحقيق أهدافهم الدنيئة، وليسيئوا إلى معنويات المسلمين ويضروا بهم، بينما كان من واجب هؤلاء أن يوصلوا هذه الأخبار إلى قادتهم المحيطين بالأمور، القادرين على أن يوضّحوا للناس ما كان حقيقياً منها وما كان إشاعة فارغة. وهم النبيّصلى الله عليه وآله وسلم، وخلفاؤه من أئمّة أهل البيت عليهم السلامبالدّرجة الأولى، ويأتي من بعدهم العلماء المتخصّصون في هذه المسائل32.

3- نجاح الأمور:
أمرت الروايات بالكتمان في قضاء الحاجات فكيف إذا كان ما نكتمه من الأسرار فالأمر فيه أولى وآكد، فعن الإمام عليعليه السلام قال: "اَنْجَحُ الْاُمُورِ مَا اَحَاطَ بِهِ الْكتْماَنُ"33. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "استعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود"34. فالكتمان ضرورة، وواجب في كثير من الأحيان من الزاوية الشرعية لحفظ كرامة الآخرين.. وضرورة للحفاظ على النفس.. وضرورة للحفاظ على الآخرين.. وضرورة لنجاح الكثير من المشاريع التي يجب إن لا تسلّط عليها الأضواء، والملاحقات من قبل الآخرين، وتدخّلاتهم السلبية، وفضول الكثير من الناس.. وفي جلّ الناس شيء من الفضول...35.

4- توثيق الصلة بالإخوان:
كتمان السرّ يوثق صلة الإنسان بأخيه حين يحفظ أسراره، وحيث يثق الإنسان بأنّ صاحبه يحفظ أسراره يمهّد ذلك له استشاره فيما لا يحبّ أن يطلع عليه الناس.

عواقب إفشاء السرّ
إنّ انتشار السرّ فيه مخاطر عديدة منها:

1- إفشاء السرّ قد يؤدّي إلى القتل:
فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ36.

فَقالَ: "أَمَا والله مَا قَتَلُوهُمْ بِأَسْيَافِهِمْ ولَكِنْ أَذَاعُوا سِرَّهُمْ وأَفْشَوْا عَلَيْهِمْ فَقُتِلُوا"37.

2- الذلّ في الدنيا وعدم النور في الآخرة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "...يَا مُعَلَّى مَنْ أَذَاعَ أَمْرَنَا ولَمْ يَكْتُمْه أَذَلَّه الله بِه فِي الدُّنْيَا ونَزَعَ النُّورَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْه فِي الآخِرَةِ وجَعَلَه ظُلْمَةً تَقُودُه إِلَى النَّارِ..."38. وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "مَا قَتَلَنَا مَنْ أَذَاعَ حَدِيثَنَا قَتْلَ خَطَأٍ ولَكِنْ قَتَلَنَا قَتْلَ عَمْدٍ"39.

3- إيذاء الآخرين:
إفشاء السرّ يؤدّي إلى إيذاء وإهانة بحقّ الأصدقاء أو غيرهم من المسلمين، وهو من رذائل قوة الغضب إن كان منشأه العداوة، ومن رذائل قوة الشهوة إن كان منشأه تصوّر نفع ماليّ، أو مجرّد اهتزاز النفس بذلك لخباثتها40.

4- إفشاء السرّ ضرر في كثير من المجالات:
إفشاء السر موجب للضغينة، موقع في الحرج، مفرق بين الأحبة، مخرّب للأسرة، مسبّب اضطراب الأمن، ممكِّن للعدو من النيل من الإِنسان أو الجماعة، فقد يكون عند الإِنسان ثروة لو عرف الغير سرها لأغرت اللصوص أو أكثرت الحساد عليه، وقد يكون مشروع علمي لو اطّلع الغير عليه لسبقه إليه أو تخطيط حربيّ لو عرفه العدوّ لأفاد منه.

نصائح لمعالجة إفشاء السرّ
يمكن القول إنّ إفشاء السرّ يكون إمّا لطبيعة في النفس، وإمّا لإرادة الشرّ للغير، أو حبّ الخير للنفس.

وعلى الإنسان المؤمن أن يقوم بتربية نفسه على الخير والبعد عن الظُّلم في إفشاء الأسرار وحتى يعوِّد المرء نفسه على حفظ السر عليه:
أولاً: مراقبة الله وهو موقن بأنّه سبحانه مطّلع على كلّ خافية فلا يعصيه بإفشاء سرّ استؤمن عليه.

ثانيًا: حبّ الخير لكلّ مسلم ومعرفة أنّ هناك ضررًا قد يقع على صاحب السرّ إذا أظهره.

ثالثًا: استشعار الضرر الذي يقع على المسلم من جراء إفشاء سره فلربما لحقه أذى عظيمٌ من جراء إفشاء سره فقد تكون زوجة تطلّق أو موظفًا ينال منه أو قريبًا يهجر أو صديقًا فتنقطع المودة.

رابعًا: إن إفشاء السرّ مظلمة لأخيك يجدها يوم القيامة ويحاجُّك بها عند الله.

خامسًا: من صفات الأخوة المحافظة على العهد والوعد وعدم إفشاء ما يسمع من أخيه المسلم.

سادسًا: إنّك بإفشاء السرّ تفقد نعمة عظيمة وهي نعمة مشاورة الناس لك واختيارهم إياك وثقتهم فيك!.
 

* أخلاقنا الإسلامية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- راجع: الزبيدي، تاج العروس، ج6، ص 511، سرر.
2- الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، 1412هـ.، ط 1، ص 404، سرر.
3- راجع: الموسوعة الفقهية الميسرة، الشيخ محمد علي الأنصاري، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1422هـ، ط 1، ج4، ص 288.
4- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص 428.
5- سورة البقرة، الآية 77.
6- سورة النحل، الآية 75.
7- سورة الأنعام، الآية 3.
8- سورة البقرة، الآية 33.
9- سورة الأنبياء، الآية 110.
10- سورة القصص، الآية 10.
11- سورة القصص، الآية 13.
12- سورة يوسف، الآية 5.
13- سورة يوسف، الآية 56.
14- سورة يوسف، الآية 57.
15- سورة ق، الآية 18.
16- سورة التحريم، الآية 3.
17- العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص 331.
18- سورة يوسف، الآية 55.
19- أنظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 7، ص 242-243.
20- أنظر: إستفتاءات الامام الخميني، ج3، ص 53، س44.
21- أنظر: الاستفتاء الخطي من الأرشيف رقم 45261.
22- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 22، كتاب العقل والجهل، ح 14.
23- أنظر: الموسوعة الفقهيّة الميسرة، الشيخ محمد علي الأنصاري، ج 4، ص 288.
24- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 660، باب المجالس بالأمانة، ح3.
25- "ما ندى دما" في بعض النسخ مكتوب بالياء وفى بعضها بالألف وكأن الثاني تصحيف ولعله "ندى" بكسر الدال مخففا و"دما" اما تمييز أو منصوب بنزع الخافض، أي ما ابتل بدم وهو مجاز شائع بين العرب والعجم.قال في النهاية: فيه من لقي الله ولم ينتد من الدم الحرام بشيء دخل الجنة أي لم يصب منه شيئاً ولم ينله منه شيء كأنه نالته نداوة الدم وبلله، يقال: ما نديني من فلان شيء أكرهه ولا نديت كفى له بشيء وقال الجوهري: المنديات: المخزيات يقال: ما نديت بشيء نكرهه. وقال الراغب: ما نديت بشيء من فلان أي ما نلت منه ندى ومنديات الكلم، المخزيات التي تفرق. أقول: يمكن أن يقرأ على بناء التفعيل فيكون "دما" منصوبا بنزع الحافض. والمحجمة: قارورة الحجام.
26- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 370، باب الإذاعة، ح3.
27- سورة النور، الآية 19.
28- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 357، باب الغيبة والبهت، ح2.
29- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 477، حكمة رقم 48.
30- أنظر: الهاشمي الخوئي، الميرزا حبيب الله‏، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة وتكملة منهاج البراعة، ترجمة حسن حسن زاده الآملي، ومحمد باقر كمرئي، تحقيق وتصحيح إبراهيم‏ ميانجي، طهران، ‏المكتبة الإسلامية، 1400هـ، ط 4، ج 21، ص 87-88.
31- سورة النساء، الآية 83.
32- أنظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏3، ص 348.
33- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 123.
34- ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قم، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1404هـ.، ط 2، ص 48.
35- ينظر: الشيخ حسن معن، النظرات حول الإعداد الروحي، لا.م، لا.ن، لا.ت، لا.ط، ص 250.
36- سورة آل عمران، الآية 112.
37- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 371، باب الإذاعة، ح7.
38- م.ن، ص 224، باب الكتمان، ح8.
39- م.ن، ص 370، باب الإذاعة، ح4.
40- النراقي، ملا محمد مهدي، جامع السعادات، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، تقديم الشيخ محمد رضا المظفر، النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، لا.ت، لا.ط، ج 2، ص 210.

2017-03-28