من كلمة
الإمام الخامنئي في أول لقاء له بأعضاء "مجلس الشورى" الثامن 10/06/2008
"نيابة الشعب" مبدأ إسلامي أصيل
يجب أولاً إيضاح نقطة تأسيسية هي أن حالة نيابة الشعب لها جذور جد عميقة
في الفكر الإسلامي. قضية هذه النيابة ليست قضية اتباع للعرف الدارج في العالم، و
لأن في العالم انتخابات و ديمقراطية لذا يجب علينا أن لا نتخلف عن العالم. نظير بعض
هذه البلدان التي ترون أنها تصطنع شكلاً ظاهرياً للديمقراطية و تؤسس شيئاً باسم
مجلس الشورى ليست له أية حقيقة.. و كذلك الحال في الأنحاء التي تقام فيها انتخابات.
أساس أفكارنا ليست من هذا القبيل. لدينا أسس واضحة. الولاية في الرؤية الإسلامية
خاصة بالله. أي لا يوجد لأي إنسان ولاية على إنسان آخر. ليس لدينا في الإسلام أن
يأتي زيد و هو أنا مثلاً و يقول لعمرو و هو أنتم مثلاً: يجب عليك أن تعمل بما أقوله
أنا.
ليس لأحد ولاية على غيره. الولاية لله. و إذا رسم الله لهذه الولاية منفّذاً محدداً
واضحاً فسيكون هذا المنفذ منفذاً إلهياً مقبولاً يمكن اتباعه. و قد رسم الله تعالى
هذا المنفذ وتم تحديده في الإسلام.
القانون و التنفيذ يجب أن يكون طبقاً للمعايير و الضوابط الإلهية. أي يجب أن يتفقا
ولا يتعارضا مع الأحكام الإسلامية أو مع الكليات والقواعد العامة المعروفة
والمفهومة عن الإسلام. والأفراد المسؤولون عن التنفيذ لهم مميزات و خصائص معينة:
يجب أن يكونوا عدولاً، غير فاسقين؛ الخصائص المرسومة في دستورنا - و الدستور هو
الشكل التنفيذي و قناة العبور نحو الشيء الذي رسمته لنا الولاية الإلهية.
و مسألة الأقلية و الأكثرية بطبيعة الحال مسألة ضرورية. مع أنه لا يوجد لدينا في
الإسلام شيء محدد نرجّح بموجبه الأكثرية على الأقلية حينما تختلف الآراء، إلا أنه
شيء لا بد منه في مختلف الشؤون الإنسانية. حينما يتخذ خمسة أشخاص قراراً حول شيء
معين، و يتفق ثلاثة منهم على قرار يرتبط بمصير الخمسة جميعهم، فعلى الشخصين الآخرين
أن يذعنا بطبيعة الحال. هذا شيء عقلائي بيّن يقبله الإسلام و يمضيه.
إذن، الولاية التي لكم اليوم - و التشريع ولاية - ولاية إلهية، و لها جذورها في
الولاية الإلهية. إنها تنبع و تنبثق من الولاية الإلهية. هذا هو معنى الديمقراطية
الدينية التي ننادي بها. معناها أن يكتسب النائب في مجلس الشورى الإسلامي بالطريق
المحدد في الدستور كقناة لإعمال الولاية الإلهية.. أن يكتسب ولاية تعدُّ تكليفاً و
واجباً عليه. إذن، ما يصادق عليه في مجلس الشورى الإسلامي واجب الاتباع بالنسبة لي
أنا الشخصي والنوعي ولا بد أن أعمل وفقاً له. هذا المبنى مبنى إسلامي.
• وجوب إحترام إختيار الشعب لممثليه
حينما تنظرون للمسألة من زاوية نظر البعيدين عن هذا المبنى الإسلامي
تجدون في نظرتهم الكثير من التناقض والتهافت. ذات يوم حينما تكون أصوات الجماهير
لصالح جماعة معينة تكتسب أصوات الشعب والحالة الجمهورية أهمية بالغة.
" و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين". إذا
أعطي لهم الحق قبلوا به.
و إذا كانت نظرة أصحاب الحق، أي أولئك الجماهير الذين يريدون تسليم هذه الولاية
لشخص معين طبقاً للدستور - طبقاً للشيء المدوّن في الدستور المستمد من الكتاب و
السنة - خلافاً لرأيهم في يوم من الأيام عندئذ يتغير اسم هذه الأصوات الجماهيرية و
هذه الحالة الجمهورية إلى نزعة عوام و نزعة كتلة! و تُقدم الشروح التفصيلية حول خطأ
آراء العامة من الناس. و تلاحظون أحياناً في بعض الكتابات أن أصحابها يسوقون آراء
بعض الكتّاب منذ القرن الثالث و الرابع للهجرة، و إلى فلان من الكتّاب المسلمين، و
إلى عصرنا هذا، و كذلك آراء برتراند رسل، و غوستاف لوبون، و... حول أخطار آراء
العامة و هيمنتهم، و فلان قال إن آراء العامة خاطئة و مغلوطة أساساً! أي إن الفكرة
تنقلب تماماً. "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن
يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين". إذا قيل لهم تعالوا وأعملوا حسب معايير الكتاب
والسنة - حسب المبنى الذي ذكرناه - يعرضون و يرفضون، أما إذا انتهى الأمر لصالحهم
فتراهم يذعنون و يقبلون! ثم يقول القرآن: "أفي قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون أن
يحيف الله عليهم ورسوله". إنهم مرضى. المرض في المصطلح القرآني: " في قلوبهم مرض"
هو الأهواء النفسية التي تسيطر على إرادة الإنسان. هذه حالة تختلف عن النفاق. "في
قلوبهم مرض" حالة أخرى غير حالة النفاق. طبعاً قد تنتهي في بعض الأحيان إلى النفاق.
"أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا"، أم أنهم شكوا في المباني و الركائز الإسلامية." أم
يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله" أم يخافون أن يظلمهم الله و رسوله؟ لماذا لا
يوافقون أساس الحق و كلام الحق على كل حال؟
ليس في الفكر الإسلامي مثل هذه الأمور. يقوم الفكر الإسلامي على أساس متين نابع من
ولاية الله، حيث يمنح الله تعالى و بأسلوب محدد و مدوّن في دستور الجمهورية
الإسلامية الناس حقَّ أن يفوّضوا حقاً معيناً من حقوقهم لشخص معين و كأنهم يقولون
له: أنجز لنا المهمات الفلانية. الناس يمنحون هذا الحق لأشخاص معينين عبر أصواتهم
في المجلس، و في رئاسة الجمهورية، و في المواطن ذات الصلة بأصوات الناس. هذا هو
أساس الديمقراطية الدينية إذن.. أساس أصيل و عميق يؤمن به الناس حقاً.