يتم التحميل...

قوات الحرس على طريق الحسين

الثورة الإسلامية

قوات الحرس على طريق الحسين : تحمي حركة الثورة نحو أهدافها

عدد الزوار: 75

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في ذكرى ميلاد الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس الثوري ــ الزمان ــ : 4/7/2011م.
قوات الحرس على طريق الحسين : تحمي حركة الثورة نحو أهدافها

االعناوين الرئيسية
الإمام الحسين ؛ التجسيد الأكمل لمفهوم "قوّات الحرس"
خروج الإمام الحسين كان عملا بالتكيف الديني
تضحيات الحسين (ع) حفظت دين الإسلام
تضحيات الحسين(ع) لا نظير لها
قوات الحرس ثابتة على طريق الحسين (ع)
حالة " الحرس " : تطور وتكامل رغم المعوقات
حراسة الثورة حراسة الحركة الثورية التقدمية
الثورة الإسلامية تفتح فصلا جديدا في تاريخ العالم
العدو يخشى تحول الثورة الإسلامية أنموذجا للشعوب
ضرورة اليقظة وعدم الانشغال بالخلافات الداخلية

بسم الله الرحمن الرحيم

مبارك لكم هذه الذكرى أيها الحرس الأعزّاء وجميع أعضاء هذه الأسرة الثورية المباركة. بالإضافة إلى هذا، ها هنا أعياد طيلة هذا الشهر المبارك تُذكّرنا بمفاخر كبرى، وشهر شعبان المبارك نفسه الذي هو شهر المغفرة وشهر الرحمة وشهر التذكّر والتوسّل جدير بتقديم التبريك والتهنئة لجميع المؤمنين.

الإمام الحسين ؛ التجسيد الأكمل لمفهوم "قوّات الحرس"
إنّه لابتكار مُلفتٌ أن يتمّ اختيار يوم باسم الحرس يرتبط بالمولد السعيد لسيّد الشهداء سلام الله عليه، فهو ابتكارٌ طافح بالمعنى والتوجيه. ينبغي تقديم الشكر للذين خطرت على ذهنهم هذه الفكرة منذ البداية وأرادوا توجيهنا إلى هذا المعنى. إنّ إطلاق عنوان "قوّات الحرس" هو مدعاة كبيرة: إنّه حراسة الثورة الإسلامية وهذا ما سنتعرّض له باختصار.

هذا المعنى معنى الحرس بجميع أبعاده وكلّ أدواته ووسائله المُمكنة يتجسّد في الوجود المقدّس لسيّد الشهداء سلام الله عليه. لا يعني ذلك أنّ الآخرين لم يفعلوا أو لم يريدوا، لكن الأنموذج الكامل لهذا التحرّك قد تحقّق بكل معانيه في مرحلة إمامة سيد الشهداء سلام الله عليه طيلة عشر سنوات. فجميع الطرق التي كان يمكن لسبط النبي أن يستفيد منها لأجل حفظ تراث الإسلام العظيم الذي هو ميراث جدّه وأبيه وأتباعه المُخلِصين نجدها مشهودة في حياة سيد الشهداء، من حيث التبيين والإنذار والحركة الإعلامية التبليغية وإيقاظ وجدان العناصر الخاصّة وجعلهم مُستشعرين للأمور، هؤلاء الذين نعبّر عنهم بالخواصّ في تلك الخطبة في منى. كل تلك الأمور كانت على مرّ حياة سيّد الشهداء، وبعد وقوفه بوجه انحرافٍ كبير قاصداً مواجهته بالنفس...

خروج الإمام الحسين كان عملا بالتكيف الديني
لم يكن الإمام الحسين عليه السلام غافلاً عن مصير هذه الحركة، كلا، كانت كلّها تعبّر عن الإمام. قضية معرفة الإمام واطّلاعه الواسع أعلى من هذه الكلمات التي يمكن أن تأتي على أذهاننا، بل هي تعني رسم خطّة عمل وعدم الاستسلام ودعوة الناس إلى النصرة. عندما تبرز جماعة وهي جماعة أهل الكوفة وتعلن أنّها حاضرة للمضي إلى جنب هذا الجليل على هذا الطريق، فإنّه يستجيب لمطالبهم ويتحرّك نحوهم، ولاحقاً لا يشعر بالندامة أثناء الطريق. عندما ينظر المرء في كلمات الإمام سلام الله عليه، يرى أنّه كان عازماً وجازماً على إتمام هذا العمل. فوقوف الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام مقابل حركة انحرافية استثنائية بخطرها في ذاك الزمان يمكن أن يُعدّ درساً؛ وهو ما كرّره عليه السلام ؛ أي أنّه أسند عمله إلى تعاليم الإسلام: إنّ رسول الله قال: "مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلّاً لِحُرُمِ اللهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ مُخَالِفاً لِسُنَّة رَسُولِ اللهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ عليه بِفعل ولا قول كَانَ حَقاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَه"1. فقد بيّن عليه السلام هذا. أي إن تكليفي هو هذا، يجب عليّ أن أُظهر المعارضة بما أقوم به، ويجب أن أتقدّم على طريق المعارضة والصمود وليكن المصير ما يكون، فإذا كان المصير هو الانتصار فما أَحسَنَه، وإذا كانت الشهادة فما أحسنها أيضاً، أي إنّ الإمام الحسين عليه السلام تحرّك على هذا النحو.

تضحيات الحسين (ع) حفظت دين الإسلام
وهذا ما أضحى إيثاراً كاملاً وحفظاً للإسلام. هذا التحرّك نفسه هو الذي حفظ الإسلام وجعل القيم باقية ثابتة في المجتمع. ولو لم يتقبّل مثل هذه المخاطرة ولم يتحرّك ويقدّم ويبذل دمه ولم تحصل تلك الفجائع العظيمة لحرم النبي وابنة أمير المؤمنين وأبناء أهل البيت لما بقيت هذه الواقعة في التاريخ. فمثل هذه الحادثة هي التي كان من الممكن أن تقف بوجه ذلك الانحراف العظيم، فقد كان ينبغي وبهذا النحو من العظمة إحداث صدمة بوجه ذاك الانحراف في ذهن المجتمع والتاريخ؛ وقد حصل. هذه هي تضحية الإمام الحسين عليه السلام.

تضحيات الحسين(ع) لا نظير لها
وبالطبع إنّ ذكر هذا باللسان سهلٌ. فما قام به الإمام الحسين عليه السلام كان عملاً استثنائياً، وأبعاده تفوق بكثير ما يمكن أن ندركه بحسابات اليوم. فغالباً ما نغضّ النظر عن أبعاده ودقائقه. ذات مرّة تحدّثتُ بالتفصيل عن صبر الإمام الحسين عليه السلام. لم يكن صبره منحصراً في تحمّل العطش والصبر على مقتل الأصحاب، فمثل هذا صبرٌ سهلٌ. الصبر الأصعب هو أن يسمع أصحاب النفوذ والاطلاع والاحترام يقولون له لا تفعل هذا، وهذا عملٌ خاطئ وخطر، وهم يبثّون الشكّ والتردّد، ومن هم هؤلاء؟ إنّهم أمثال عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هذه الشخصيات البارزة الكبرى في ذاك الزمن المميّز، وهم من أبناء الشخصيات المهمّة في الإسلام .

فقد كانوا يقولون: لا تفعل هذا. وبالرغم من كل ذلك، لو لم يكن فيه ذلك العزم وتلك الإرادة والثبات، لكان سيقول في نفسه: "لم يعد الأمر من تكليفي، فهؤلاء هكذا يقولون، والدنيا هكذا تتحرّك، فلنقل وندع الأمور". إنّ الذي يقف ولا يرتجف قلبه ويمضي على هذا الطريق وفي وجه كل هذه التصريحات، وفي الواقع، تلك الوساوس والتشكيكات واختلاق الطرق الشرعية، هو الذي يستطيع أن يوجد مثل هذا التحوّل العظيم. وقد تشبّه إمامنا الجليل بهذا المجال واقتفى أثر سيد الشهداء، حيث قلت ذلك ذات يوم ولا أريد الآن أن أدخل في هذا البحث لأنّ شرحه مفصّل... هذه هي حراسة الإمام الحسين.

قوات الحرس ثابتة على طريق الحسين (ع)
إنّ قوّات الحرس في الواقع بمثل هذه العنوان أرادت بمنتهى الدقّة أن تقول إنّنا نريد أن نسلك هذا الطريق. حسنٌ جداً، مباركٌ ومهمٌّ جداً وعظيم ومناسب. من الممكن أن يأتي بعض الأشخاص من متتبّعي العيوب والمدقّقين ليقولوا إنّ هذا الخطأ قد حصل في هذا المكان الفلاني، وإنّ فلاناً قد تصرّف بهذه الطريقة. ويمكن الإشكال على جميع التيّارات والوحدات والأشخاص والشخصيات الحقيقية والحقوقية؛ لكنّنا إذا نظرنا بإنصافٍ إلى حركة قوّات الحرس من اليوم الأوّل إلى يومنا هذا، فإنّنا سنرى وللإنصاف أنّ قوّات الحرس قد عملت بكلامها، وبالحقّ والإنصاف كانت هذه القوات ثابتة على هذا الطريق. يأتي الأشخاص ويذهبون، لكن تلك الهوية الجمعية تبقى محفوظة وثابتة.

حالة " الحرس " : تطور وتكامل رغم المعوقات
لقد ذكرتُ في آخر لقاءٍ لي مع أعزّائي الحرس هذه المسألة المهمّة وهنا أكتفي بالإشارة، وهي أنّني قلت إنّ الأجيال المتعاقبة على الحرس، والأجيال الآتية يجب أن تسعى وتتقدّم خطوة إلى الأمام على الأجيال السابقة؛ أي أنّ العالم في حالة تطوّر وتكامل، والحركة حركة تكاملية، لهذا من المناسب أننا لو كنا نتوقّع شيئاً وننتظره فليكن تحرّك ذلك الشاب الذي ينتسب إلى الحرس اليوم من حيث المعرفة والبصيرة والتضحية والاستعداد للقيام بالعمل وإتقانه وحسن إنجازه وهي خصائص أظهرها الحرس طيلة هذه السنوات متقدّماً خطوة على ما سبقه.

عندما ينظر المرء إلى الحرس اليوم سيجد أنّ الكيفية تحسّنت وهذا ممكنٌ؛ لا تقولوا كيف يمكن أن يكون ذلك. كلا، إنّه ممكنٌ بشكلٍ كامل. أنظروا أنتم إلى تلك الظروف التي كانت في تلك الأيام: كانت هناك حرب، وكان العدوّ جاثماً على أرضنا- سواءٌ قبل الحرب المفروضة لمدّة ثماني سنوات، حيث كان هناك الحضور المسلّح لأعداء الثورة، أم بعد بدء الحرب، فكلّ هذا كان يُمثّل عاملاً وحافزاً قوياً من أجل حضّ الناكلين والإتيان بهم إلى قلب الصراع العجيب والهائج. واليوم لا توجد حرب [عسكرية]، بل توجد حربٌ أكثر دقّة وأشد خطورة، والاطّلاع على أعماق هذه الحرب يتطلّب قدرات أعلى وذكاءً أكبر. إذا شاهدنا اليوم أشخاصاً ينزلون إلى هذا الميدان ويبذلون المساعي ويجاهدون ويصمدون ببصيرة وسط الميدان لكان من اللازم أن نقول إنّ هذا ليس بأقل من الأول بلحاظ الدافع والعمل. فمن يعمل بشكل أفضل فما أحسن! وفي المستقبل يمكن أن يكون كذلك، ويجب أن تكون الهمّة هكذا.

حراسة الثورة حراسة الحركة الثورية التقدمية
أقول اليوم إنّ هويّة الحرس المترجمة بالحراسة، لا ينبغي أن نتلقاها بطريقة محافِظة. فالحرس يعني الحفظ؛ وهذا الحفظ يمكن تفسيره بطريقة محافظة2. فنقول إنّ علينا المحافظة على الوضع الموجود للثورة؛ وأنا لا أقول هذا. فإنّ حفظ الثورة لا يعني حفظ الوضع القائم. لماذا؟ لأنّ الثورة بذاتها هي حركة تقدّمية وهذا التقدّم متسارع، فإلى أين يتّجه؟ إنّه يتّجه نحو الأهداف المرسومة. والأهداف لا تتبدّل. هذه هي الأصول والقيم التي ينبغي الثبات عليها وبذل النفس في سبيلها وهي الأصول والقيم التي تمّ تشخيصها في الأهداف. الهدف النهائي هو التسامي والتكامل والقرب الإلهي، والهدف الأدنى صناعة الإنسان؛ والهدف الأدنى من ذلك إيجاد المجتمع الإسلامي بكلّ خصائصه وآثاره التي تُعدّ إقامة العدالة منه، وكذلك التوحيد والمعنويات. هذه هي الأهداف. وهي ليست قابلة للتبديل؛ أي إننا لا نستطيع أن نأتي بعذرٍ لنقصّر ونقلّل من ذاك الهدف، فنقول حسناً، إننا ذات يوم كنا نريد إقامة العدل، والآن نقول إنّ ذلك غير ممكن فلنسعَ لإقامة أنصاف العدالة. كلا، العدالة هي هدفٌ، والتوحيد، واستقرار الشريعة الإسلامية بشكل كامل، هذه هي أهداف، وهي غير قابلة للتبديل. ولكن من حيث توجيه التحرك نحو هذه الأهداف، فإنّ السرعة يمكن أن تزداد وتنقص وكذلك يمكن تغيير الأساليب ويمكن كذلك تبديل التدابير. وفي هذه الجهة إنّ الثورة تقدّمية وتسير نحو الأمام. فحفظ الثورة يعني حفظ تلك الحالة، التقدّمية والتكاملية. حراسة الثورة تكون بهذا المعنى، فلو إنّنا نظرنا بهذه الطريقة وفهمنا الحرس على هذا النحو، فإنّ تلك المرونة والدقّة والحماس الموجود في حركة الحرس ستتضاعف.

إن شباب اليوم لا يكتفي بالمظاهر التي يوجد الكثير منها نسبياً في مجتمعنا الآن، بل يتوجّه إلى الأعماق والمضامين والسيرة ويسعى نحوها. فأنواع الإيمان العميق وتزايد الوعي، أشياءٌ يجب أن نسعى إليها... فهذا هو الحرس بالمعنى الصحيح والكامل، حراسة الحركة الثورية والتقدّم الثوري.

تحركان ضروريان لإنجاز مهمة " الحرس "
لو أردنا لهذا العمل أن يتحقّق يجب علينا أن ننجز تحرّكين في الحرس: التحرّك الأوّل داخليٌّ، وذلك على صعيد التكامل الذاتي. والتحرّك الثاني يرتبط بتطوّر وتكامل جزء في كل النظام والثورة؛ وهو ما يتعلق بالتأثير في الخارج. وهذان التحرّكان يجب أن يتحقّقا ويسيرا بموازاة بعضهما بعضاً. فلو غفلنا عن التحرّك الأوّل لا نكون قد أنجزنا ذاك التحرّك التقدّمي والتكاملي والتصاعدي في داخل مجموع قوّات الحرس وأسرة الحرس، وسيصاب التحرّك الثاني الذي يرتبط بتأثير الحرس في تقدّم مجموع الثورة (أي الكل) بالفشل. وأيّ تحرّكٍ يحصل لن يكون صحيحاً لأنّ: (شعر مترجم معناه ): فاقد الشيء لا يعطيه.

أ ــ تحرك باتجاه الذات ماديا ومعنويا
لهذا فالتحرّكان ضروريان: ذاك التحرّك الداخلي وهو ما أشار إلى أبعاده قائد الحرس المحترم وهو صحيحٌ وأنا أؤيّده، فيجب القيام بتلك الأعمال. وللتحرّك الداخلي بُعدان مادي ومعنوي. البُعد المعنوي هو التوجّه إلى القيم بالمعنى الحقيقي للكلمة أي تشخيص العلائم والشواخص القيمية للحرس وعرض النفس والآخرين على هذه المعايير بقصد التقدّم والصيرورة الصحيحة والكاملة نحو تلك الأهداف؛ هذا هو بُعده المعنوي. أمّا بُعده المادي فهو تلك الأعمال الجيدة التي يتمّ إنجازها في الحرس على صعيد التشكيلات والبُعد العلمي والأبحاث، والبُعد المتعلّق بالإنتاجية والتصنيع والبُعد المتعلّق بالتدريبات العسكرية وأمثالها. فكلّ هذه ينبغي أن تُنجز إلى جنب بعضهابعضاً. وهناك ستتحقّق في الحرس مجموعة حيّة مليئة بالنشاط، مفعمة بالشباب لا طريق للهرم والشيخوخة إليها والتي لحسن الحظ قد تهيّأت اليوم أرضيتها وبنيتها التحتية وخبراتها ودوافعها ولله الحمد. هذا ما يمكن تسميته بالتحرّك الداخلي. ومثل هذه المجموعة ستكون مجموعة تُمثّل شاخصاً وأنموذجاً واضحاً. ومن الممكن أن لا ينتسب بعض شبابنا وأهلنا إلى الحرس لكنّهم سيختارون مثل هذا الأنموذج لحياتهم؛ أنموذج المعنويات الصحيحة وأنموذج الفكر والتدبير والخط الصحيح والحركة الصحيحة في مجالات البناء.

ب ــ توجيه الطاقات خدمة للثورة
وبعدها يصل الدور إلى تأثير هذا التحرّك على مجموع الثورة. وهذا ما سيحصل من تلقاء ذاته. فعندما توجد مجموعة حيّة مفعمة بالنشاط والحيوية والتقدّم والالتصاق الشديد بالمباني والأصول والقِيم في النظام، وتكون في حالة من الحراك والحيويّة وتحيط بجميع الأبعاد، وتحضر في جميع الأماكن وتتمتّع بالبصيرة والتأثير فإنّ هذا سيكون له لزاماً تأثير مصيري في تقدّم المجموع. وهذا بالطبع لا يختصّ بالحرس؛ هذا بذاته ما أقوله في الحوزات العلمية وللمؤسسات الحكومية، غاية الأمر أن درجة ووزن كلٍّ منها ليس كغيره؛ فلكلٍّ موقعيته ووزنه. وأنا الآن أتحدّث عن الحرس ونحن بحاجة ماسّة إلى هذا التحرّك البنّاء والتقدّمي والتكامليّ؛ أي إنّ الإسلام اليوم بحاجة إلى هذا التحرّك.

الثورة الإسلامية تفتح فصلا جديدا في تاريخ العالم
إنّ حركة نظام الجمهورية الإسلامية قد تركت أثرها في العالم وهو تأثيرٌ عميقٌ وأضعفت القوى الاستكبارية والشيطانية وفتحت أمام الأُمم طرقاً جديدة. وقد بدأ فصلٌ جديدٌ في العالم، وهو ما لا يُرى له نظير.

بالطبع أنا العبد، قد شاهدتُ أو قرأتُ طيلة حياتي، في عمر الشباب، التاريخ والتحوّلات المختلفة التي حصلت في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقتنا. هذه الثورات التي وقعت في الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية، تلك الثورات اليسارية في عقد الستينات من القرن العشرين أي قبل حوالي 50 سنة كلها شاهدناها لم نكن نجهل ماهية السوابق التاريخية لمثل هذه التحوّلات وكيفيتها، كلا لقد شاهدناها. ولكن ما يحدث اليوم لا سابقة له ولا نظير. في تلك الأحداث التي وقعت في الستينيات الميلادية سواءٌ في أفريقيا أم أمريكا اللاتينية أم بعض الدول الآسيوية ما كان يجري عبارة عن انتصار حزبٍ أو منظّمة وسيطرتها على مصير شعبٍ، وكانوا يُطلقون عليها الثورات الشعبية رغم التوجّهات المادية والماركسية التي لا وجود فيها لله أو الروحانية؛ لكنّ شعبيتها كانت في الأغلب عبارة عن قيام حزبٍ بانقلابٍ وسيطرته على الأمور. فهذه الأحزاب والأنظمة التي يُطلق عليها الأنظمة الثورية التي سيطرت على الأمور في شمال أفريقيا جميعها وصلت إلى السلطة من خلال الانقلابات، كجمال عبد الناصر والقذافي وغيرهما. لم تكن حركة شعبية وثورية بالمعنى الحقيقي. أمّا ما يحدث اليوم فهو نزول الناس بأبدانهم وأرواحهم إلى الميدان؛ وهذه هي الشعوب. من الممكن أن يكون للأحزاب حضورٌ ما أو تأثيرٌ معيّن، ولكن من هو في الميدان ليس عبارة عن مجموعة عسكرية أو انقلابية، بل هي تجمّعات شعبية وجماهيرية وهي في نفس الوقت ذات دوافع توحيدية وإلهية: بنداء الله أكبر وصلاة الجماعة. ولندَع كل تلك الدعايات الأمريكية والصهيونية تُنكر ما تُنكر، فليفعلوا ذلك، فالواقع لا يتبدّل بالإنكار لأنّه هكذا، وهذا ما لا سابقة له. إلى الحد الذي شاهدناه في العهود الثورية وسمعناه وقرأنا عنه لا يوجد سابقة لمثل هذا الشيء مع هذه الشمولية، فهذا أمرٌ جديد، أي إنّ تاريخ المنطقة ويتبعها تاريخ العالم يطوي صفحة جديدة، مفتتحاً فصلاً آخر. فماذا نفعل هنا؟

نحن لا نريد أن ندّعي أبداً ونقول إنّ الثورة الإسلامية كانت صاحبة الفضل في كلّ شيء فبعض الناس لديهم حساسية بأن يُقال إن منشأ هذه الثورات هو الثورة الإسلامية، كلا، إنّنا في الأصل لا ندّعي مثل هذا الأمر وليس بالضرورة أن نفعل ذلك؛ لكنّ القضية هي أنّ هذه الحركة التي بدأناها نحن شعب إيران قبل ثلاثين سنة، أو اثنين وثلاثين سنة، نشاهدها عياناً مع اختلافات إقليمية وداخلية وجغرافية وتاريخية في العالم الإسلامي في عدّة دول. وأنا قد ذكرتُ أنّ هناك أمواجاً لاحقة ستشمل مناطق بعيدة جداً، وسيتحقق هذا الأمر وهو ما يبعث فينا الحماس والبشرى؛ وهو يشير إلى أنّ أملنا بالمستقبل يجب أن يزداد.

العدو يخشى تحول الثورة الإسلامية أنموذجا للشعوب
بالطبع، إنّ العدوّ يعمل بكلّ طاقته على هذه القضية. لا يريد لهذا الأنموذج أن يتجسّد أمام أعين الشعوب الإسلامية، فيقول أنظروا إلى إيران أين وصلت. ولكن شاؤوا أم أبوا، رضوا أم لم يرضوا لقد وقع هذا الأمر. ونفس هذه الأعمال العلمية والتقنية والبحثية التي تقومون بها أنتم، والمنظّمات الأخرى للقوات المسلّحة وما يُنجَز خارج القوّات المسلّحة في الجامعات ومراكز الأبحاث المختلفة في بلادنا، كلّها أمور ترسم آفاق المستقبل بشكلٍ دقيق؛ أي أنّ كلّ واحدٍ من هذه الأعمال يترك بصماته الواضحة على المستقبل. فهذه هي التي تُعين لمن سيكون المستقبل. وهذا بالطبع ببركة الإسلام والروحية الثورية، هذه الروحية التي ينبغي تقويتها. لهذا، فإنّ علينا أن نتلقّى حراسة الثورة بهذا المعنى، بمعنى التحوّل والتطوّر والتقدّم.

ضرورة اليقظة وعدم الانشغال بالخلافات الداخلية
من الأمور التي ينبغي أن نتوجّه إليها الآن في الميادين والساحات هي أن نحذر من أن تتورّط الأجهزة الثورية بالأعمال غير المفيدة، بل والمُضرّة أحياناً، بهذه الحركة التقدّمية؛ وأحدها هذه الخلافات التي كنتُ أركّز عليها. أحياناً، قد ينبعث تيارٌ مقابل الثورة من أجل القضاء عليها، ومن الطبيعي هنا أنّ مسؤولية كلّ واحدٍ منّا أن ينبري للدفاع. فالثورة تدافع عن نفسها كموجودٍ حيٍّ؛ لأنّ الثورة التي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها في أوقات الفتن وفي حالات نشوء الانقلابات المختلفة السياسة والعسكرية وأمثالها ليست ثورة حيّة. وهذه الثورة حيّة، لهذا فإنّها تدافع عن نفسها وتنتصر، وليس فيها أي تراجع، مثل ما شاهدناه قبل سنتين. فأحياناً تكون القضية هكذا، وأحياناً بالعكس، لا تكون عبارة عن مواجهة حركة انقلابية؛ بل هناك اختلاف في الأخلاق والسلائق والعقائد أحياناً، فمثل هذه الأمور ينبغي إخمادها قدر الإمكان، ويجب التقليل من هذه الأمور مهما أمكن، لأنّ إشعال خلافات الرأي أمر مضرٌّ.

لو تفوّه أحدٌ بكلامٍ خاطئ هل يجب أن ينبري له أحد ويردّ عليه أم لا؟ حسناً، أجل، هذا أمرٌ واضح. فالرد على الكلام الخاطئ له أسلوبه وطريقته وعمله. أحياناً يتفوّه أحدٌ بكلامٍ خاطئ فنأتي نحن مثلاً لننشر هذا الكلام الخاطئ في مئات الأماكن ونجعله شعاراً ونعلن أنّ هذا الشخص الفلاني قد قال الخطأ الفلاني حتى يعلم الجميع به؛ هذا خطأٌ واشتباه. إنني لست مخالفاً لأيّ تحرّك توضيحي من أي شخص أو مؤسسة، بل إنّني أحبّ ذلك وأؤمن بمسألة التبيين. فبالأصل، إنّ من استراتيجياتنا الأساس في العمل ومنذ البداية قضية التبيين. فالتبيين لازمٌ، لكن ذلك لا يعني أن ننشغل بخلافاتنا الداخلية، فالتفتوا. وعلى الجميع أن يتوجّهوا وخصوصاً الحرس. فإنّ إلهاب الأجواء ليس أمراً مناسباً أبداً على صعيد الحوادث السياسية والفكرية وغيرها. وأنتم جميعاً ولله الحمد تمتلكون البصيرة والوعي ولا بدّ أنّكم مطّلعون على الأحداث، والآن ترون هذه الأوضاع الموجودة في البلد حيث وللأسف هذا يقوم ضد ذاك، وذاك يقوم ضدّ هذا، ويبدأون بإرضاء الأجهزة الخارجية وإدخال السرور إلى قلوبها؛ وهنا يشرع أولئك بإصدار التحليلات بشأننا ليقولوا بوجود اختلافات في البين وأنّ الكلّ سيزول وينقرض. فيُكرّرون أمانيهم بشكلٍ دائم. حسناً، من الواضح أنّ هذه القضية نقطة ضعفنا ولا ينبغي أن تستمرّ أو تزداد. فيجب الالتفات إلى هذه الأمور ويجب أن تكون الحركة متينة وصلبة ومستدلة وموفّقة. فلو كان هناك اختلافٌ في الآراء بين الأشخاص فليكن البيان بالاستدلال. وقد قلتُ إنّني أعتقد وأؤمن بالتبيين. في أيّام النضال كان خلافنا مع اليساريين والماركسيين الذين كانوا يناضلون في ذلك الوقت على هذه القضية حيث كنّا نقول إنّ علينا أن نُبيّن وهم لم يكونوا يؤمنون بذلك، بل كانوا يقولون شيئاً آخر ويفسّرون الأمور على طريقتهم. لقد كان عمل الثورة من الأساس مبنياً على التبيين والإيضاح والبيان المنطقي والاستدلالي والبعيد عن الضجيج والصخب. فلو دخل الصخب والفوضى سيخرّب على الكلام المنطقي. ومن الممكن أن نجذب أربعة أشخاص لكننا سنطرد أربعة أذكى. هذا هو كلامنا وقولنا.

إنّ التحرّك ينبغي أن يكون تقدّمياً وهو يحتاج إلى أشياء كثيرة. وأنا هنا قد دوّنت أموراً، منها التلاحم في صفٍّ واحد، وهي قضية الوحدة التي تعرّضنا لها:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)3. فيجب أن نكون بناءً مُحكماً وجداراً حصيناً لا يمكن النفوذ من خلاله، نقف في مقابل هجوم الأعداء.

توجيهان لشباب " الحرس " :
1 ــ إعملوا بهمة وأمل كي تتقدموا
فاعلموا أمرين أيّها الشباب الأعزّاء الموجودون في الحرس، والمشايخ، والطلاب الشباب، والمؤمنون، والنشطون العاملون في مكتب الممثلية. الأول، أنّ لكم جميعاً أعمالاً كثيرة. فشباب الحرس وكذلك المشايخ المحترمون، أمامكم الكثير من العمل الذي ينبغي أن يُنجز. الثاني، أن تعلموا أنّه لو بذلتم الهِمّة فإنّكم حتماً ستتمكّنون من إنجاز هذه الأعمال ولن يطول الزمن حتى تروا فجأة أنّكم أصبحتم في مكانٍ أعلى، فإنّ التقدّم أمرٌ حتمي. فما إن يوجد السعي والهمّة والأمل حتى يتحقّق التقدّم حتماً، فهذا ليس فيه تراجع. ويجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في مجموع الحرس ككلّ. وبالطبع، فإنّ الخطّة المختلفة في متن تشكيلات الحرس تُعدّ أمراً لازماً ودائماً يجب إنجازه وهو ما يُنجز الآن وبشكلٍ جيّد أيضاً. وأملنا أن يعينكم الله تعالى. فلنكتفِ اليوم بهذا المقدار، آملين من الله أن يشملكم بلطفه.

2 ــ اهتموا بأمور عوائل شهدائكم
وأذكر هذا الآن للمسؤولين المحترمين في الحرس لأنّكم تشكّلون الأغلبية في هذا اللقاء، بأنّ من الأعمال الضرورية جداً – والتي ذكّرتُ بها الآن القائد العام للحرس – أن تتابعوا أمور عوائل شهدائكم؛ وأهمّ وأفضل ما في هذه المتابعة هو التلطّف والسؤال عن الأحوال والاستطلاع؛ وليس هذا كلّه عبارة عن تقديم المساعدات؛ فالكثير منهم ليسوا بحاجة إلى المساعدات، لكنّهم بحاجة إلى المحبّة والملاطفة والمواكبة والمواساة... والجميع بحاجة إلى هذا الأمر من الأعلى إلى الأسفل، والكلّ يحبّون أن يكونوا مورد عناية ولطفٍ. بعض شهدائنا الشامخين وبحمد الله أضحت شُهرتهم عامّة والجميع يعرفهم. لكنّ الكثير من الشهداء ليسوا كذلك، وإن كانوا معروفين عند أهل السموات، والملائكة تعرفهم جيداً ولكنّهم ليسوا معروفين جيداً في وسطنا، فاهتمّوا بهم وتابعوا أمورهم وأملنا إن شاء الله أن يتوجّه الأصدقاء إلى القيام بعملٍ منسجمٍ ومُدوّن في هذا المجال.

أملنا أن يحفظكم الله ويشملكم بأدعية ولي العصر أرواحنا فداه ويُرضي عنّا وعنكم روح إمامنا الجليل المُطهَّر وأرواح شهدائنا المطهرين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- بحار الأنوار، ج44، ص382.
2- يظهر من سياق الخطاب أن قصده: أن لا ننظر إلى هوية الحرس بطريقة رجعية متأخرة.
3- سورة الصف، الآية 4.

 

2017-02-24