يتم التحميل...

لا ضير على المعارضة ما لم تصطدم بركائز النظام أو مباديء الثورة

الحكومة الإسلامية

من كلمة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة – طهران_11/09/2009

عدد الزوار: 140

من كلمة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة – طهران_11/09/2009
لا ضير على المعارضة ما لم تصطدم بركائز النظام أو مباديء الثورة

نذكر هنا بعض الأمور من باب بيان الحقائق وتقديم النصائح، عسى أن تكون مفيدة إن شاء الله للمعنيّين بهذا الكلام، ولنا آنفًا، وخصوصًا لشبابنا الأعزّاء، وجماهير شعبنا الأعزّاء المؤمنين.

المعنيّون بهذا الخطاب هم طبعًا أشخاصٌ كانت لهم مواقعهم داخل النظام الإسلاميّ إلى حدّ الآن؛ إنّهم شخصيّات من داخل النظام، وسيبقون داخل النظام في المستقبل إن شاء الله، ويعملون ويبذلون مساعيهم وجهودهم من أجل هذا النظام. وإنّ عبارات "داخل النظام" و"خارج النظام" هذه ليست مفاهيم دعائيّة وشعارات فارغة، وليست مجرّد يافطة؛ لها مؤشّراتها العقيديّة والعلميّة. هكذا كان الحال إلى حدّ الآن، وسيبقى كذلك بعد الآن أيضًا إن شاء الله.

من يصطدم بالنظام أو مباني الثورة سيعامل كعدو
النقطة الأولى، هي حصول انقسامات ونزاعات داخل تيّار الثورة والتيار الشعبيّ الأصيل منذ بداية الثورة وإلى حدّ الآن. وكانت لبعض هذه الانقسامات والمخاصمات خسائرها، وبعضها الآخر لم يكن كذلك، إنّما ذابت وتلاشت بفضل وعي الجماهير ووعي ومسؤوليّة العناصر الناشطة في هذه التيّارات ولم تكلّف الثورة والبلاد أعباءً باهظة. هذه الاختلافات في وجهات النظر والانقسامات التي تظهر ليست كلّها من سنخٍ واحد. فبعضها ناجم عن تباين في المباني وفي العقيدة. وبعضها ليس كذلك، بل بدافع المصالح، أي إنّ الصراع فيها بسبب المصالح، وبعض هذه الانقسامات لم يكن بسبب هذه ولا تلك، إنّما القضيّة فيها قضيّة أذواق. بمعنى وجود الاختلاف في رؤى والأذواق في تنفيذ الأصول. فقد يحدث اختلاف في الأساليب، في إطار الأصول والمباني. لذلك فهي ليست كلّها من سنخٍ واحد.

حسنًا، منذ مطلع الثورة، حدثت خلافات بين هذه الفئات التي كانت كلّها إلى جانب بعضها خلال فترة ما قبل الثورة وفي سنوات الجهاد والنضال. لم يتعامل الإمام الخمينيّ (رضوان الله تعالى عليه) بطريقةٍ واحدة مع جميع هذه الاختلافات. وكما ذكرنا بالنسبة إلى منهج أمير المؤمنين، كذلك كان الحال في منهج الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه). أي إنّه بدأ العمل بالمداراة والنصيحة، لكنّه تعامل بحسمٍ حينما اقتضت الضرورة ذلك.

إحدى هذه الفئات كانت الحكومة المؤقّتة وما رافقها من مشكلات. ومن تلك الفئات الأشخاص الذين فعلوا ما فعلوا حيال لائحة القصاص. وهناك فئات بلغ بها الأمر أن قاموا بالاغتيالات وافتعلوا الاضطرابات في الشوارع. تعامل الإمام مع كلّ واحدة من هذه الحالات بطريقةٍ مختلفة. وكان الأمر ممتدًّا إلى المستويات العليا من الحكم: فهناك رئيس الوزراء، ورئيس الجمهوريّة، بل وارتفع المستوى بعد ذلك وفي السنوات الأخيرة من عمر الإمام (رضوان الله عليه) إلى ما فوق رئيس الجمهوريّة. اصطدم الإمام مع الذين شعر أنّه لا يمكن مداراتهم أكثر من هذا. وقد كان لهم جميعًا سوابق ثوريّة، وسوابق دينيّة، وكان الكثيرون منهم في مستوياتٍ عالية، لكن حدث ما حدث على كلّ حال، وحصلت هذه الانقسامات. البعض اصطدم بالإمام حقًّا. وبعضهم لم يصطدم: كان له اختلاف في وجهات النظر، لكنّه اختلاف لم يؤدِّ إلى شجار ونـزاع وانشقاق. البعض اصطدم بالإمام ولم يأخذ مداراة الإمام بعين الاعتبار. بعث الإمام لزمرة المنافقين الذين أرادوا أن يأتوا ويلتقوه رسالةً قال لهم فيها: "إذا ما عملتم بالحقّ فسوف آتي أَنا إليكم". لقد عمل وتحدّث معهم الإمام بالمداراة إلى هذه الدرجة. ولكن حينما شعر بالخطر، خصوصًا حينما أصبحت القضيّة قضيّة ترسيخ المباني الخاطئة في جسد النظام والثورة، فقد كان ذلك أشبه بالسمّ المهلِك. عندئذٍ لم يعمل الإمام بالمداراة، وتصدّى وحسم الأمور. هذا فيما يتعلّق بتلك الاختلافات الجذريّة.

أمّا الذين لديهم اختلافات على المصالح، وكانوا يضفون عليها أحيانًا صبغة عقيديّة ومبنائيّة. أيٌّ يكن الفريق - سواء الذين لديهم اختلافات في المباني والعقيدة، أو من كانت اختلافاتهم بسبب المصالح- حينما يصل الأمر درجة الصدام بالنظام والثورة والإعراض عن مباني الثورة، فسيظهر ذلك الفريق كعدوّ.

صاحب العقيدة المختلفة لا حرج عليه ما لم يتعرض للنظام
طبعًا، إذا كان لشخصٍ عقيدة مختلفة، ولم يكن يبالِ بالنظام فلن تكون مشكلة معه. يشيع البعض عبارة: "أصحاب الفكر الآخر"؛ كيف يتعامل النظام مع أصحاب الفكر الآخر؟ ليس للنظام مشكلة مع أصحاب الفكر الآخر. فهناك الكثير من حملة الفكر الآخر. الفكر السياسيّ الآخر ليس أعلى من الفكر الدينيّ الآخر1. حسنًا، لدينا الأقليّات الدينيّة وهم أصحاب فكرٍ آخر، ولديهم نوّابهم في مجلس الشورى الإسلامي، ولهم حضورهم ومشاركتهم في المناصب المختلفة. إذن، القضية ليست قضية فكرٍ آخر، إنّما هي قضية معارضة ومخالفة وتوجيه الضربات، وإشهار السيوف بوجه النظام والثورة. هؤلاء هم الذين يتصدّى لهم النظام. أما إذا كان الاختلاف اختلافًا في الأذواق والأساليب فلا؛ هذه الاختلافات ليست مضرّة، بل هي نافعة أيضًا.

النظام لا يواجه المعارضة ما دامت في إطار المباديء والأصول
لا إشكال في أن يكون لمسؤولي البلاد ومدراء شؤونها من ينتقدهم ويشير لهم إلى نقاط ضعفهم. حينما يكون المرء في ساحة تنافس ويكون أمامه من ينتقده فسيعمل بصورةٍ أفضل. ليست المسألة أنّ وجود النقّاد والذين لا يوافقون هذا الأسلوب أو ذاك مضرّ بالنظام. ولكن يجب أن تتمّ هذه العملية ضمن إطار النظام. لا إشكال في هذا؛ هذه المعارضة ليست مخالَفةً مضرّة على الإطلاق. والنظام لا يجابه مثل هذه المعارضة أبدًا. طبعًا يجب أن يتمّ النقد ضمن إطار الأصول، وأصول الثورة معروفة. أصول الثورة ليست شؤونًا ذوقيّة حتى يخرج كلّ يوم شخص من هنا أو هناك ويرفع راية الأصول والمبادئ، ثم حين ننظر في هذه الأصول نراها أجنبيّةً على الثورة. إنّ أصول الثورة هي: الإسلام، والدستور، وتوجيهات الإمام، ووصيّة الإمام، والسياسات العامة للنظام المحدّدة في الدستور والتي يجب تدوينها. ليست اختلاف وجهات النظر، واختلاف المسالك والأذواق بالشيء المعيب ضمن هذا الإطار، بل هو شيءٌ حسن، وليس مضرًّا بل مفيدًا ونافعًا. في مثل هذه الساحة من الاختلافات ليس النظام في مواجهة أحد. عندما تكون تصرّفات الأفراد ضمن إطار الأصول والمبادئ، ولا ينحازون إلى العنف ولا يفكّرون في زعزعة أمن المجتمع ولا يبتغون إفساد هدوء المجتمع -من قبيل الأعمال الدينيّة أو السيّئة كالكذب والإشاعات– فليس هناك أيّ مشكلة للنظام. هناك مخالفون ولديهم آراؤهم التي يعبّرون عنها والنظام لا يجابههم. يعمل النظام هنا على أساس أقصى حدّ من الاستقطاب وأدنى حدّ من الإقصاء. هذا هو منهج النظام، وعلى الجميع التنبّه لذلك. والذين لديهم آراء معارضة وتصوّرات تختلف عن التصوّرات الرسميّة فلهم أن يقارنوا أوضاعهم وأنفسهم ضمن هذا الإطار. إذا عارض شخصٌ أُسس النظام، وعارض أمن المجتمع، فالنظام مضطرٌّ للوقوف بوجهه.

لكن النظام سيواجه بقوة من يهدد ركائزه
إنّنا نقول عن الأشخاص الذين تُوَجَّه لهم إهانات وتُهَم إنّ لهم حقّ الدفاع عن أنفسهم. حسنًا، النظام أيضًا له مثل هذا الحقّ؛ للنظام أيضًا حقّ الدفاع عن نفسه. من الخطأ أن يتصوّر البعض أنّ النظام ولأنّه يحكم ويمسك بالسلطة السياسيّة، فيجب أن لا يدافع ويبقى بلا أيّ دفاع. ومهما وقعت ضدّه من المعارضات والمخالفات وخرق القوانين وتجاوز الحدود، يجب عليه السكوت وأن لا يقوم بردّة فعل؛ هذا غير صحيح. هذا شيء غير موجود في أيّ مكانٍ من العالم. في الاختلافات المتعدّدة التي تقع بين الأحزاب في العالم - في هذه البلدان التي تعتبر نفسها رائدة الديمقراطيّة في العالم - لا يعمد أيٌّ من تلك الأحزاب المتعارضة المتنافسة إلى معارضة أصول ذلك النظام وركائزه، وإلّا سقطت تلك الأحزاب من أعين الجماهير. لديهم أجهزة اختصاصها مراعاة دستور البلاد أو محكمة مختصّة بالدستور - على غرار مجلس صيانة الدستور لدينا - سوف ترفض تلك الأحزاب. لا يوافقون أن يأتي شخصٌ في نظامٍ معيّن ويعمل ضدّ مباني ذلك النظام ويعارضها ويبقى النظام صامتًا قاعدًا أمامه. وحتّى في أقلّ من ذلك أحيانًا يُلاحظ في هذه الأنظمة الأوروبيّة أنّها تتعامل بعنفٍ وحدّة مع أمورٍ لا تُعدّ من الأصول والركائز. إذًا، مواجهة النظام وركائز النظام والوقوف بوجهه وإشهار السيف بوجهه تستتبعه ردودٌ حادّة. ولكن أن يكون للمرء رأيٌ آخر، رأيٌ مختلف، إذا لم ترافقه هذه الإشكالات وإشكالاتٌ أخرى من قبيل توجيه التهم وبثّ الإشاعات والأكاذيب، فإنّ النظام لن يردّ بأيّ شيء. لم يكن هذا أسلوب النظام وهو ليس أسلوبه اليوم أيضًا، ولن يكون هذا أسلوبه في المستقبل إن شاء الله. هذه نقطة.

ليحذر "المسؤولون" الإنحراف الشخصي
النقطة الأخرى التي يجب على الناشطين السياسيّين، والمسؤولين ورجال السلطة، وأصحاب المسؤوليّات المختلفة والمتنفّذين الحذر منها بشدّة هي مسألة الانحراف والفساد الشخصيّ. علينا جميعًا المراقبة والحذر من ذلك. الإنسان معرّضٌ للفساد والانحراف. أحيانًا الزلّات الصغيرة تأخذ الإنسان إلى زلّاتٍ أكبر وأكبر وقد تهوي به أحيانًا إلى السقوط في أعماق الهاوية. ينبغي الحذر بشدة. لقد حذّرَنا القرآن؛ هذا التحذير موجود في القرآن بخصوص حالاتٍ متعدّدة: يقول في آيةٍ من الآيات: {ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوء أن كذّبوا بآيات الله}2، عاقبة بعض هذه الأعمال هي أن يصل الإنسان إلى الموضع الأسوأ ألا وهو تكذيب الآيات الإلهيّة. ويقول في آيةٍ أخرى: {فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه}3، أخلفوا الله ما وعدوه، وهذا ما أدّى إلى تغلغل النفاق في قلوبهم. أي إنّ الإنسان يرتكب ذنبًا فيجرّه هذا الذنب إلى ساحة النفاق؛ والنفاق هو الكفر الباطنيّ. الكافرون والمنافقون في هذه الآية القرآنيّة إلى جانب بعضهم. ويقول عزّ وجلّ في آيةٍ أخرى: {إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا}4. حين ترون بعض الناس ينهزمون أمام العدو ولا يطيقون القتال والصمود فما هذا إلّا بسبب شيءٍ ارتكبوه سابقًا. لقد أفسدوا باطنهم بالخطايا. الزلّات تفسد الإنسان. هذا الفساد يؤدّي إلى الانحراف في العمل وأحيانًا إلى الانحراف في العقيدة. وهو شيءٌ يحصل تدريجيًّا، ولا يحصل دفعةً واحدة حتّى نظنّ أنّ شخصًا ينام ليلته مؤمنًا ويستيقظ في الصباح منافقًا. لا، يحصل الأمر تدريجيًّا وقليلًا قليلًا. وعلاج هذه الحالة مراقبة الذات؛ ومراقبة الذات هي هذه التقوى. إذًا، علاجها التقوى. لنراقب أنفسنا. أقرباء الشخص أيضًا يجب أن يراقبوا. لتراقب النساء أزواجهنّ، والأزواج زوجاتهم. والأصدقاء أصدقاءهم؛ {وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}5، لنراقب بعضنا حتى لا نُبتلى. ليعظَ أبناء الشعبِ المسؤولين، وينصحوهم، ويطلبوا لهم الخير، ويكتبوا لهم، ويتحدّثوا معهم، ويبعثوا لهم الرسائل حتّى لا يزلّوا. أخطار زلَل المسؤولين أكبر على النظام، وعلى البلاد، وعلى الشعب. يشعر الإنسان بهذا أحيانًا من بعض التصريحات، وبعض المبادرات والتحرّكات؛ يشاهد الإنسان علامات مثل هذا الانحراف؛ ينبغي الإستعاذة بالله، وطلب العون منه.

النقطة الأخرى هي أنّ الشيء ذاته الذي يمكن أن يقع به الشخص - وأعني به الفساد والانحراف- قد يقع النظام به أيضًا. قد يُصاب النظام الحكوميّ الإسلاميّ السليم بالداء نفسه الذي قد يصيب الأشخاص. إنّه داءٌ يمكن أن يصيب النظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة. يبقى الاسم "الجمهوريّة الإسلاميّة"، ويبقى الظاهر ظاهرًا إسلاميًّا، والشكل شكلًا إسلاميًّا، بينما السيرة والسلوك والأداء والبرامج غير إسلاميّة. هي قضيّة صورة الثورة وسيرتها التي طرحتها على الطلبة الجامعيّين الأعزّاء في مكان ما خلال العام الماضي.

الجمهورية الإسلامية تتقدم ما تمسكت بمباديء الإمام وشعارات الثورة
تحرّك المجتمع والنظام على نحوين: تحرّك إيجابي وتحرّك سلبي. تحرّك نحو العروج والذرى، وتحرّك نحو الهبوط والسقوط.

التحرّك نحو الذرى هو أن يقترب المجتمع من طلب العدالة، ومن الدين، والسلوك الديني، والأخلاق الدينيّة. وأن ينمو داخل أجواء الحريّة، ينمو عمليًّا، وينمو علميًّا، وينمو صناعيًّا. وأن يكون في المجتمع ثمّة تواصٍ بالحقّ، وتواصٍ بالصبر. وأن يشعر المجتمع يومًا بعد يوم بمزيدٍ من الاقتدار أمام أعداء الله، وأعداء الدين، وأعداء استقلال البلاد، ويقف وقفة اقتدار أقوى وأرسخ. أن يضاعف يومًا بعد يوم من وقفته الصامدة أمام جبهة الظلم والفساد الدوليّ؛ هذا هو النموّ. هذه دلائل التحرّك الإيجابيّ للمجتمع. وهذا ما يعمِّر دنيا المجتمع وآخرته. علينا أن ننشد مثل هذا التحرّك الإيجابيّ.

أّمّا النقطة المعاكسة لكلّ هذا فهو التحرّك نحو الهبوط والسير نحو الفواصل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الهائلة بذرائع شتّى بدل السير نحو العدالة. واستخدام الحريّة من أجل الفساد، والفحشاء، وإشاعة المعاصي والمخالفات واللاأباليّة بدل استخدامها من أجل النمو العلميّ والعمليّ والأخلاقيّ. والانفعال والشعور بالضعف والتراجع أمام المستكبرين والمعتدين والناهبين الدوليّين بدل إظهار الاقتدار أمامهم. التبسّم لهم حينما يجب التقطيب في وجوههم. وغضّ الطرف عن الحقوق الخاصّة حينما يجب الثبات والإصرار عليها، سواء الحقوق النوويّة أو غير النوويّة؛ هذه علامات الانحطاط. يجب أن يكون تحرّك المجتمع نحو التعالي والقيم والرفعة ويجب أن يكون تحرّكًا إيجابيًّا. هذه التحرّكات نحو الأسفل هي تلك الأمراض التي قد يُصاب النظام الإسلاميّ بها. وهذا خطر على النظام الإسلامي؛ على الجماهير أن يكونوا يقظين. لا تكون الجمهوريّة الإسلاميّة جمهوريةً إسلاميّةً حقًّا إلّا حينما تتقدّم وفق مباني [أصول] الإمام الخمينيّ الرصينة نفسها، وبتلك الأمور نفسها التي كانت مطروحة خلال فترة حياة الإمام المباركة، وبالشعارات نفسها التي كانت تتابع حين ذاك. أينما تقدّمنا إلى الإمام بتلك الشعارات -إنّني أقول ذلك عن بصيرةٍ وقد اختبرت أوضاع هذه الأعوام الثلاثين عن كثب- حقّقنا التقدّم وكان النصر حليفنا. وكانت العِزّة في معسكرنا، وحصلنا على [مكاسب] المصالح أيضًا. وأينما تراجعنا عن تلك الشعارات وتنازلنا عنها فسحنا المجال للأعداء وأصابنا الضعف وتراجعنا إلى الوراء، لم نُصِب العزّة، وتجرّأ الأعداء علينا أكثر وتقدّموا نحونا أكثر، وخسرنا أيضًا من الناحية الماديّة. من الخطأ أن يتصوّر بعضهم أنّ علاج مشكلات البلاد -سواء المشكلات الاقتصاديّة، أو الاجتماعيّة، أو السياسيّة- هو أن يضع الإنسان سلاحه أمام العدوّ المستكبر. هذا ما يريده العدو المستكبر.

إضطرابات ما بعد "إنتخابات الرئاسة" إستهدفت ثقة الشعب بالنظام
كلّ هذه الاضطرابات التي شاهدتموها بعد الانتخابات والتي أوجدوها هم ودعموها، كانت من أجل ضرب الرصيد الشعبي للثورة وسلبها هذا الرصيد. لقد قلتُ إنّ مؤشّرَ ثقة الشعب بهذا النظام هو مشاركته بنحو أربعين مليون نسمة في الانتخابات. ومع ذلك تكرّر الإذاعات الأجنبيّة ويجاريهم البعض في الداخل للأسف، وتصرّ على أنّ ثقة الشعب بالنظام قد سُلبت! هذا جواب ذلك الكلام. قلنا هناك إنّ تصويت خمسة وثمانين بالمئة من الشعب وما يعادل أربعين مليون، ومجيأهم إلى صناديق الاقتراع، مهما كان الشخص الذي يصوّتون له -مجيؤهم في حدّ ذاته للاقتراع- دليلُ ثقة الشعب بالنظام؛ وهذه هي حقيقة القضية، وهم من أجل أن يُظهروا هذا الكلام على أنّه كذب كرّروا وكرّروا في إعلامهم أنّ ثقة الشعب قد زالت، فماذا نفعل؟ وقال بعض المتلبّسين بلباس الإخلاص: ماذا نفعل لإعادة الثقة؟

الشعب يثق بالنظام، والنظام أيضًا واثق من الشعب. وسترون إن شاء الله في الانتخابات المقبلة -التي ستقام بعد سنتين أو ثلاث - كيف سيُسجّل هذا الشعب نفسه مشاركته القويّة في الانتخابات رغم هذه الألاعيب التي مارسها المعارضون والأعداء والغافلون الداخليّون.

التصدي لمحاولات تحويل النظام إلى نظام باطنه علماني وظاهره ديني
إذًا، النقطة هي أنّنا يجب علينا جميعًا، لئلّا يتحوّل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة - وهو نظام إسلاميّ ودينيّ ويفخر بأنّه يروم التحرّك في إطار أحكام الدين والإسلام والقرآن - إلى نظامٍ لا يؤمن بالدين، أو نظام علماني على حدّ تعبير السادة؛ باطنه علمانيّ وظاهره دينيّ؛ باطنه منجذب للثقافة الغربيّة والقوى المهيمنة على تلك الثقافة، وظاهره لا يخلو من الشعائر الدينيّة والشؤون الدينيّة البسيطة. يجب أن لا يحدث هذا. يجب أن يكون النظام الإسلاميّ إسلاميًّا بالمعنى الواقي للكملة، وأن يصبح يومًا بعد يوم أكثر قربًا من المباني الإسلاميّة. هذا ما يحلّ العقد المغلقة ويعالج المشكلات، وما يمنح المجتمع العزّة والاقتدار، ويضاعف من أنصار الجمهوريّة الإسلاميّة في كلّ مكان.

بعضهم ترتعد فرائسهم عندما ينظرون إلى الأعداء وعدائهم. يرتعبون حين يشاهدون الأفواه المفتوحة الغاضبة تسيئ للجمهوريّة الإسلاميّة وتتحدّث ضدّها. لكلّ الأنظمة في العالم ولكلّ الحكومات في العالم أعداؤها وأصدقاؤها. وكذا الحال اليوم وقد كان كذلك على مرّ التاريخ. لن تجدوا حكومة تكون علاقة جميع الناس معها في داخلها أو خارجها طيّبة معها أو سيّئة معها. لا، لها مؤيّدوها ولها معارضوها. هكذا كانت حكومة الرسول أيضًا. وكذا كانت حكومة الإمام أمير المؤمنين. وكذلك حكومة معاوية ويزيد. بعضهم يؤيّد وبعضٌ آخر يعارض. وكذا الحال بالنسبة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة؛ البعض يؤيّدها وبعضٌ آخر يعارضها. لكن القضيّة هي أن نعرف من هم مؤيّدو الحكومة ومن هم معارضوها؛ هذا هو المؤشر.

لا خوف من عداء الإستكبار لنا ولا انهزام أمامهم
ثمّة حكومة يعارضها كلّ الناهبين الدوليّين، ويخالفها كلّ العتاة والجبابرة الدوليّين. تعارضها جميع الدول ذات السوابق الاستعماريّة السوداء. ويعارضها كلّ الرأسماليّين الصهاينة الخبثاء. هذه المعارضات مبعث فخرٍ لها، ويجب أن لا تخيف أحدًا. ومن هم أنصارها ومؤيّدوها؟ تؤيّدها الشعوب المؤمنة في كلّ أنحاء العالم: الشعوب المسلمة غير الإيرانيّة في أفريقيا، وفي بلدان أفريقيا الشماليّة، في المناطق المسلمة من أفريقيا، وفي آسيا حتى إندونيسيا، وماليزيا، وفي البلدان العربيّة، وغير العربيّة، وفي أوروبا، وبين الجماعات المسلمة والشعوب المسلمة.. لها أصدقاؤها ومناصروها.

في مباراة كرة القدم قبل عدّة سنوات، فاز الفريق الإيراني على الفريق المقابل. صفّق الشباب الجالسون في مقهى في أحد بلدان شمال أفريقيا حينما سجّل اللّاعب الإيرانيّ هدفًا. فقال لهم شخص: لكن هذا ليس بلدكم، وكيف لكم أن تصفّقوا للاعبٍ إيرانيّ سجّل هدفًا في مرمى الفريق المقابل وهو بدوره ليس عدوّكم؟ وكانوا يقولون له إنّ انتصار إيران هو انتصارنا حتّى في ساحة كرة القدم. هذا شيء له قيمته.

في اضطرابات ما بعد الانتخابات أصاب القلقُ المسلمين في مختلف البلدان الإسلاميّة. كانوا يسألون أصدقاءهم هنا: ماذا حلَّ بإيران؟ وكان هؤلاء يقولون لهم: لا تقلقوا ولا تخافوا؛ الجمهوريّة الإسلاميّة أقوى من هذه الأشياء. مثل هذه الدولة: هؤلاء أعداؤها وهؤلاء أصدقاؤها. يعاديها كلّ الأشرار والشمريّون6 في العالم، ويؤيّدها كلّ المظلومين في العالم؛ يؤيّدها الشعب الفلسطينيّ، والشعوب العربيّة المقاومة. نعم، تعارضها الحكومة الأمريكيّة، وتعارضها الحكومة البريطانيّة بسوابق خبثها التي تمتدّ لمئتي سنة في إيران. هذه المعارضات لا تخيف أحدًا. لكن دولةً، على العكس من ذلك، أنصارها لصوص العالم وناهبوه ومستكبروه وعتاته؛ ومعارضوها هم شعبها أو الشعوب المؤمنة والمظلومة؛ فهذا عارٌ عليها. كان للجمهوريّة الإسلاميّة إلى حدّ هذا اليوم معارضوها من قبيل أولئك المعارضين: لصوص العالم، ناهبي العالم، مستكبري العالم؛ هؤلاء هم الذين يعارضون الجمهوريّة الإسلاميّة؛ وهم الذين يحاولون مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة ومعارضتها في المحافل العالميّة؛ لكن أنصارها هم: الشعوب [في العالم]، والمجاميع الشعبيّة، والحكومات المستقلّة، ورجال السياسة المتحرّرين من السلطات، والشعوب المظلومة، هؤلاء أنصار الجمهوريّة الإسلاميّة. يجب عدم الاستسلام بسبب الخوف من مثل هذه المعارضات. على كلّ حال يجب على جيلنا الشاب أن يكون يقظًا.

للشباب: إحذروا أن يصنعوا لكم نظام إسلامي مزيف
أيّها الشباب الأعزّاء، هذا البلد بلدكم، والغد لكم. النظام المقتدر - سواء الاقتدار العلميّ، أو الاقتدار السياسيّ، أو الاقتدار الاقتصاديّ، أو الاقتدار المعلوماتيّ، أو القدرة على التحرّك في المناطق والمساحات العالميّة والدوليّة المختلفة - هو مبعث عزّةٍ لكم، مبعث فخرٍ لكم، وينبغي لكم السعي والشعور بالمسؤوليّة في سبيل استكمال مثل هذا النظام وإتمام أشواطه.

الجمهوريّة الإسلاميّة -أي هذه الجمهوريّة الإسلاميّة- التي أسّسها الإمام الخمينيّ (رضوان الله تعالى عليه) لنا وأهداها لبلادنا، بوسعها تأمين هذه الخصائص بالمعنى الحقيقيّ للكلمة: الاقتدار الدوليّ، والاقتدار السياسيّ، والعزّة، ورفاه الدنيا وعمارة الآخرة معنويًّا. ولكن احذروا من أن يصنعوا لكم نظام جمهوريّة إسلاميّة مزيّف، وهذا ما قد لاح من بعض التحرّكات التي جرت قبل عشرة أعوام، لكنّ الله تعالى دفع ذلك. وكان الشعب يقظًا ولم يسمح به. أرادوا القيام بأعمال، وإيداع شعارات الإمام في المتاحف، وكانوا يقولون صراحةً إنّها قد بليت وصارت قديمة! لا، إنّ شعارات الثورة لا تَبلى، فهي جديدة دومًا وجذّابة لأبناء الشعب. وإنّ الشعار الذي يكون لصالح المستضعفين، ولصالح العزّة الوطنيّة، والشعار الذي تكون فيه مقاومة وصمود، هو من الشعارات التي لا تبلى أبدًا، بالنسبة لأيّ شعب من الشعوب، وهي لا تبلى بالنسبة لنظامنا أيضًا.

إحذروا في يوم القدس من إستغلال الحشود للتفرقة
في الأسبوع القادم - الجمعة - هناك يوم القدس. هذه من أبرز ذكريات إمامنا العزيز، ومؤشّر انشداد ثورتنا وشعبنا لقضيّة القدس الشريف وقضيّة فلسطين. استطعنا ببركة يوم القدس إحياء هذا الاسم في العالم كلّ سنة. كانت الكثير من الحكومات والكثير من السياسات ترغب وتريد أن يُنسى اسم فلسطين وقد سعت وأنفقت الأموال من أجل ذلك. ولولا مساعي الجمهوريّة الإسلاميّة ووقوفها بكلّ قواها لمواجهة هذه السياسة الخبيثة لما كان مستبعدًا أن يستطيعوا عزل قضيّة فلسطين تدريجيًّا، وأن يجعلوها في مطاوي النسيان. والآن تعترف أجهزة الاستكبار نفسها والصهاينة الخبثاء أنفسهم ويعتقدون وينـزعجون من رفع الجمهوريّة الإسلاميّة لراية فلسطين وكونها لا تسمح بإخراج قضيّة فلسطين من الميدان عن طريق العمليّات الاستسلاميّة التي يمارسونها.

يوم القدس يوم إحياء هذه الذكرى وهذا الاسم. والسنة أيضًا سيُحيي شعبنا العظيم يوم القدس في طهران وفي كلّ المدن بتوفيق وهدي من الله عزّ وجلّ، وسيخرج في مظاهراته. وفي بلدان أخرى أيضًا يتبع الكثير من المسلمين الشعب الإيراني في يوم القدس. إنّ يوم القدس يومٌ لقضيّة القدس، وهو هنا مظهر وحدة الشعب الإيراني. احذروا من أن يحاول البعض في يوم القدس استخدام هذه الحشود [المظاهرات] للتفرقة؛ ينبغي الحذر من التفرقة. يجب مواجهة التفرقة ومعارضتها. يجب أن لا تحدث التفرقة. يستطيع الشعب الإيراني رفع راية القدس حينما يكون متلاحمًا. حاولوا طوال هذه السنوات إفساد حتى هذا الشيء، لكنّهم لم يستطيعوا والحمد لله، ولن يستطيعوا بعد ذلك أيضًا إن شاء الله.
 


1- قد يكون المقصود: أنّ أصحاب الفكر السياسيّ الآخر ليسوا بأكثر من أصحاب الفكر الدينيّ الآخر.
2- سورة الروم، الآية: 10
3- سورة التوبة، الآية: 77
4- سورة آل عمران، الآية 155
5- سورة العصر، الآية 3
6- كناية عن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله


 

2017-02-22