قل هو الله أحد
تفسير القرآن الكريم
جواباً عن الأسئلة المكررة التي طرحت من قبل الأفراد والجماعات بشأن أوصاف الله سبحانه تقول الآية:
عدد الزوار: 625
﴿قُلْ
هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدٌ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ
يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾.
جواباً عن الأسئلة المكررة التي طرحت من قبل الأفراد والجماعات بشأن أوصاف الله
سبحانه تقول الآية:
﴿قُلْ
هُوَ اللّهُ أَحَدٌ﴾
..
الضمير (هو) في الآية للمفرد الغائب ويحكي عن مفهوم مبهم، وهو في الواقع يرمز إلى
أن ذاتة المقدّسة في نهاية الخفاء، ولا تنالها أفكار الإنسان المحدودة وإن كانت
آثاره أظهر من أي شيء آخر، كما ورد في قوله تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ﴾
(فصلت، الآية: 53).
ثمّ بعد الضمير تكشف الآية عن هذه الحقيقة الغامضة وتقول: (الله أحد).
و(قل) في الآية تعني أَنْ أَظهر هذه الحقيقة وبيّنها.
عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام قال بعد بيان معنى "قل" في الآية
(وهو الذي ذكرناه): "إن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك.
فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار. فأشر أنت يا محمّد إلى إلهك الذي
تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه. فانزل الله تبارك وتعالى:
﴿قُلْ
هُوَ اللّهُ أَحَدٌ﴾،
فالهاء تثبيت للثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس".
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل
بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئاً أُنصر به على الأعداء. فقال: قل: يا هو، يا من لا
هو إلاّ هو. فلمّا أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا
علي عُلمت الاسم الأعظم".
وكان علي عليه السلام يذكر الله تعالى بهذا الذكر يوم صفين. فقال له عمار بن ياسر:
يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات؟ قال: "اسم الله الأعظم وعماد التوحيد...".
"الله" اسم علم للباري سبحانه وتعالى. ومفهوم كلام الإمام علي عليه السلام أن جميع
صفات الجلال والجمال الإِلهية أُشير إليها بهذه الكلمة. ومن هنا سميت باسم الله
الأعظم.
هذا الاسم لا يطلق على غير الله، بينما أسماء الله الأُخرى تشير عادة إلى واحدة من
صفات جماله وجلاله مثل: العالم والخالق والرازق، وتطلق غالباً على غيره أيضاً مثل:
(رحيم، وكريم، وعالم، وقادر...).
ولفظ الجلالة مشتق من معنى وصفي. قيل من "وله" أي تحيّر، لأنّ العقول تحير
في ذاته المقدّسة. وفي ذلك ورد عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال: "الله
معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق، ويؤله إليه، والله هو المستور عن درك الأبصار،
المحجوب عن الأوهام والخطرات".
وقيل: إن لفظ الجلالة مشتق من "آله" بمعنى عبد، والإِله: هو المعبود. حذفت همزته
وادخل عليه الألف واللام فُخص بالباري تعالى.
ومهما يكن الأصل المشتق منه لفظ الجلالة، فهو اسم يختص به سبحانه ويعني الذات
الجامعة لكل الأوصاف الكمالية، والخالية من كل عيب ونقص.
هذا الاسم المقدّس تكرر ما يقارب من "ألف مرّة" في القرآن الكريم، ولم يبلغه
أي اسم من الأسماء المقدّسة في مقدار تكراره. وهو اسم ينير القلب، ويبعث في
الإِنسان الطاقة والطمأنينة، ويغمر وجوده صفاء ونور.
"أحد": من الواحدة، ولذلك قال بعضهم: أحد وواحد بمعنى واحد، وهو المتفرد
الذي لا نظير له في العلم والقدرة والرحمانية والرحيمية، وفي كل الجهات.
وقيل: إنّ بين "أحد" و"واحد" فرق هو إن "أحد" تطلق على
الذات التي لا تقبل الكثرة لا في الخارج ولا في الذهن. ولذلك لا تقبل العدّ ولا
تدخل في زمرة الأعداد، خلافاً للواحد الذي له ثان وثالث، في الخارج أو في الذهن.
ولذلك نقول: لم يأت أحد. للدلالة على عدم مجيء أي إنسان. وإذا قلنا: لم يأت واحد
فمن الممكن أن يكون قد جاء اثنان أو أكثر.
ولكن هذا الإِختلاف لا ينسجم كثيراً مع ما جاء في القرآن الكريم والرّوايات.
وقيل: في "أحد" إشارة إلى بساطة ذات الله مقابل الأجزاء التركيبية الخارجية
أو العقلية (الجنس، الفصل، والماهية، والوجود). بينما الواحد إشارة إلى وحدة ذاته
مقابل أنواع الكثرة الخارجية.
وفي رواية عن الإِمام الباقر عليه السلام قال: "الأحد المتفرد، والأحد والواحد
بمعنى واحد، وهو المتفرد الذي لا نظير له، والتوحيد الإِقرار بالوحدة وهو
الإِنفراد".
وفي ذيل الرّواية هذه جاء "إن بناء العدد من الواحد، وليس الواحد من العدد. لأن
العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين. فمعنى قوله: الله أحد. أي المعبود
الذي يأله الخلق عن إدراكه والإِحاطة بكيفيته، فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه".
وفي القرآن الكريم "واحد" و"أحد" تطلقان معاً على ذات الله سبحانه.
ومن الرائع في هذا المجال ما جاء في كتاب التوحيد للصدوق: أنّ أعرابياً قام يوم
الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول: إن الله واحد؟
فحمل النّاس عليه وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب (أي
تشتت الخاطر)؟ فقال: أمير المؤمنين عليه السلام: "دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي
هو الذي نريده من القوم".
ثمّ قال: يا أعرابي، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام. فوجهان منها لا
يجوزان على اللّه عزّوجلّ، ووجهان يثبتان فيه. فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول
القائل: واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في
باب الأعداد. أمّا ترى أنّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة؟ وقول القائل: هو واحد من
النّاس يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز (قوله على اللّه) لأنّه تشبيه، وجلّ
ربّنا وتعالى عن ذلك.
وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه، فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه،
كذلك ربّنا. وقول القائل: إنّه عزّوجلّ أحديّ المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في
وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّوجلّ".
وباختصار: اللّه أحد وواحد لا بمعنى الواحد العددي أو النوعي أو الجنسي بل
بمعنى الوحدة الذاتية. بعبارة أوضح: وحدانيته تعني عدم وجود المثل والشبيه والنظير.
الدليل على ذلك واضح: فهو ذات غير متناهية من كلّ جهة، ومن المسلم أنّه لا يمكن
تصور ذاتين غير متناهيتين من كلّ جهة. إذ لو كان ثمّة ذاتان، لكانت كلتاهما
محدودتين، ولما كان لكل واحدة منهما كمالات الأخرى. (تأمل بدقّة).