يتم التحميل...

بناء التّشكيلات السريّة

الإمام الباقر عليه السلام في كلام الولي

العمل الآخر في حياة هذا الإمام، كان عبارة عن تنظيم التشكيلات، فماذا يعني هذا؟ أي أنّ المرء يقوم بنشر تلك المعارف وذلك التغيير الثّقافيّ والمواجهة الثقافيّة داخل المجتمع كبذرٍ ينثره الإنسان في الأرض هنا وهناك.

عدد الزوار: 54

العمل الآخر في حياة هذا الإمام، كان عبارة عن تنظيم التشكيلات، فماذا يعني هذا؟ أي أنّ المرء يقوم بنشر تلك المعارف وذلك التغيير الثّقافيّ والمواجهة الثقافيّة داخل المجتمع كبذرٍ ينثره الإنسان في الأرض هنا وهناك. حسنٌ، فإنّ بعض هذا البذار سيُنبت وبعضه سيموت، وبعض ما ينبت سيُداس عليه ويزول، ولعلّ بعضه لن يُثمر كثيرًا، هذا هو حال البذر. وبعض الأحيان، كلا، فذلك المزارع الماهر الخبير والعاقل، بالإضافة إلى أنّه يبذر الحبوب، فإنّه يُحافظ عليها، فكيف يفعل ذلك؟ من خلال تجهيز أشخاصٍ وبثّهم في أرجاء العالم الإسلاميّ من أجل القضاء على الشّبهات الّتي وقع فيها أولئك الّذين تأثّروا بذلك الإعلام والتّعاليم، فيحصلون على المزيد من المعرفة ولا يقعون تحت تأثير إلقاءات العدوّ، فلا يُشتبه عليهم الأمر ويُحافظون على روابطهم فيما بينهم، فيكون ذلك ضمانة كافية لأجل أن ينمو ذلك الحبّ سالمًا في أرضٍ مستعدّة وخصبة.

وقد كان هذا الأمر من أعمال الإمام الباقر عليه السلام، حيث كان يُربّي أشخاصًا ويُعدّهم ويخصّهم بالعناية ـ التلامذة الخواص ـ ثم يربطهم ببعضهم، ويبثّهم في أرجاء العالم الإسلاميّ كأقطابٍ وأركانٍ ووكلاء ونوّاب ليتابعوا ما قام به، ويتحمّلوا أعباء التّبليغ والتّعليم الّذي قام به. وهذا التّنظيم السرّي للإمام الباقر عليه السلام، كان قد بدأ قبل عصره لكنّه تفاقم وازداد في زمانه، وبالطّبع، فقد وصل في زمن الإمام الصّادق والإمام موسى بن جعفر عليه السلام إلى أوجه، لقد كان هذا عملًا آخرًا وهو شديد الخطورة.

لهذا ترون في الرّوايات كيف أنّ بعض أصحاب الإمام الباقر عليه السلام، يُعرفون بأصحاب السرّ، كجابر بن يزيد الجعفيّ، فجابر الجعفيّ كان من أصحاب السرّ، فماذا يعني ذلك؟ إنّه من أولئك الّذين كانوا يتواجدون في أرجاء العالم الإسلامي وفي كلّ الأماكن ممّن يتحمّلون مسؤولية هداية المستعدّين والمحبّين والأخذ بأيديهم وإشباع أذهانهم. وكان الجهاز الحاكم أينما وجد هؤلاء يُعرّضهم لكلّ أشكال الضّغط والقمع. (31/07/1987)

بمطالعةٍ مختصرة يُمكن تلخيص كلّ مرحلة إمامة الإمام الباقر، الّتي امتدّت إلى تسعة عشرة سنة من عام 95 للهجرة وإلى عام 114، على الشّكل التّالي: لقد اختاره2 أبوه الإمام السجّاد عليه السلام في آخر لحظات عمره، كإمامٍ للشّيعة وخليفةٍ له، وقد سجّل هذا التنصيب في محضر سائر أبنائه وأقاربه. وأراه صندوقًا بحسب الرّوايات مليئًا بالعلم3 أو حاويًا لسلاح رسول الله وقال: "يا محمّد احمل هذا الصّندوق إلى بيتك"، ثمّ يتوجّه بالخطاب إلى الآخرين: "لا يوجد في هذا الصّندوق من الدّرهم والدّينار شيءٌ، بل هو مليءٌ بالعلم"4، وكأنّه بهذا الموقف، وبمثل هذا التّعبير، عرّف الحاضرين على إرث القيادة العلميّة والفكريّة - العلم - والقيادة الثوريّة ـ سلاح النبيّ.

من اللحظات الأولى، اتّخذ السّعي الوسيع والشّامل للإمام وأتباعه المخلصين مطلعًا جديدًا في إشاعة دعوة التشيّع الهادفة والبنيويّة. إنّ اتّساع نطاق هذه الدّعوة كان، بالإضافة إلى المناطق الّتي يسكنها الشّيعة - كالمدينة والكوفة - يشمل مناطق جديدة وخصوصًا تلك القطاعات من الدّولة الإسلاميّة الّتي كانت بعيدةً عن مركز حكومة بني أميّة، لتُضاف بذلك إلى نطاق طراز الفكر الشّيعيّ، ويُمكن ذكر خُراسان في هذا المجال أكثر من غيرها، حيث نُشاهد في الرّوايات العديدة نفوذ التبليغ والدّعوة الشيعيّة في أهل تلك المناطق5.

إنّ ما يدفع الإمام وأتباعه نحو هذه الحركة الّتي لا تعرف السّكون، في كلّ هذا السّعي المجهد ويدعوهم للقيام بهذا التّكليف الإلهيّ هو الواقع الاجتماعيّ والذهنيّ المؤسف. فهم كانوا من جهة يشاهدون أمام أعينهم كيف أنّ النّاس، وإثر التربية المضلّة والمخرّبة، كانوا يزدادون سقوطًا وغرقًا في التيّار العام الفاسد للمجتمع يومًا بعد يوم، ووصل الأمر شيئًا فشيئًا إلى حيث أنّ عامّة النّاس لم يعودوا يستمعون إلى الدّعوة المنجية للإمامة، كحال الزّعماء والمسؤولين ـ "إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا"6 ـ ومن جانبٍ آخر لم يعد هناك في هذا التيّار الانحرافيّ، الّذي أصبح كلّ شيء فيه، حتّى الدّرس والبحث والفقه والكلام والحديث والتفسير، من أجل تلبية أماني ورغبات الطواغيت الأمويين، أيّ طاقة أمل مفتوحة عليهم، ولو لم ينهض التشيّع لأجل دعوتهم وهدايتهم لأُغلق عليهم طريق الهداية كلّيًّا، "وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا"7.

على أساس الإدراك العميق لهذا الواقع الاجتماعيّ السيّئ، يُعلن الإمام موقفه العدائيّ تجاه القوى الفكريّة والثقافيّة، أي الشعراء والعلماء الّذين باعوا أنفسهم - الذين هم مختلقو الأجواء غير السّليمة على صعيد فكر المجتمع - وبإنزاله أسواط توبيخه على رؤوس هؤلاء، أحدث أمواجاً من التنبيه واليقظة، إن لم يكن على مستوى وجدانهم الميّت، ففي أذهان وقلوب أتباعهم الغافلين. وبلهجته المعترضة على كُثير الشّاعر يقول: أمدحت عبد الملك؟! فيُجيب بسذاجةٍ أو غفلةٍ وهو بصدد تبرير معصيته، قائلًا: لم أُخاطبه بإمام الهدى، بل مدحته بكلمات الأسد والشّمس والبحر والأفاعي والجبال، والأسد كلبٌ، والشّمس جسمٌ جامدٌ، والبحر جسمٌ بلا روح، والأفاعي حشراتٌ، والجبل صخرةٌ صمّاء. وهنا يتبسّم الإمام أمام هذا العذر والتبرير غير الوجيه، بطريقةٍ ذات مغزى، وهنا ينهض الكُميت - الشاعر الثوريّ والهادف - ويُنشئ واحدة من قصائده الهاشميّات8 ليضع في أذهان الحاضرين معنى المقارنة بين هذين النّوعين من العمل الفنّي، ويوصل ذلك إلى كلّ الّذين سمعوا بهذه الواقعة9.

عكرمة، التلميذ المعروف لابن عبّاس والّذي كان يتمتّع بشأنيّة ومقام عظيم بين النّاس، يذهب لرؤية الإمام عليه السلام ويقع تحت تأثير وقاره ومعنويّاته وشخصيّته الروحيّة والعلميّة، بحيث يرمي نفسه بدون إرادةٍ بين يدي الإمام عليه السلام ويقول بذهولٍ: لقد جالست عظماء كابن عباس، ولم يحدث أن جرى ما جرى معي الآن بين أيديهم. فقال الإمام في جوابه: "ويلك يا عبيد أهل الشام إنّك بين يديّ بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه"10.

وكان الإمام عليه السلام يستغلّ كلّ فرصةٍ مناسبة لتحريك مشاعر النّاس الغافلين وعواطفهم من خلال بيان زاويةٍ من الوقائع المرّة لحياة الشّيعة، وذكر الضغوط وأنواع العنف والتشدّيد الّتي كانت تُمارس على الإمام وأتباعه من قِبَل القوى المهيمنة، وبذلك كان يهزّ عروقهم الميّتة والراكدة، ويزلزل قلوبهم الفاترة أي إنّه كان يُعدّهم لتلك المواقف المتشدّدة والتحرّكات الثوريّة.

وقد أجاب رجلًا، سأله ذات يوم كيف أصبحت يا ابن رسول الله، يروي المنهال بن عمرو تلك الرواية فيقول: "كنت جالسًا مع محمد بن علي الباقر عليهما السلام إذ جاءه رجل فسلّم عليه فردّ عليه السلام، قال الرجل: كيف أنتم؟ فقال له محمّد عليه السلام : أوما آن لكم أن تعلموا كيف نحن، إنّما مثلنا في هذه الأمّة مثل بني إسرائيل، كان يُذبح أبناؤهم وتُستحيى نساؤهم، ألا وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا"11.

(وبعد هذا البيان البليغ والمحرّك يجرّ الكلام إلى القضيّة الأساس ــ أي أولوية الدّعوة الشيعيّة وحكومة أهل البيت عليهم السلام).

"زعمت العرب أنّ لهم فضلًا على العجم، فقالت العجم: وبماذا؟ قالوا: كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم عربياً. قالوا لهم: صدقتم، وزعمت قريش أنّ لها فضلًا على غيرها من العرب، فقالت لهم العرب من غيرهم: وبما ذاك؟ قالوا: كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم قرشيًّا. قالوا لهم: صدقتم؟ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على النّاس، لأنّا ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته خاصة وعترته، لا يشركنا في ذلك غيرنا فقال له الرجل: والله إنّي لأحبّكم أهل البيت عليهم السلام. قال: فاتّخذ للبلاء جلبابًا، فوالله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي، وبنا يبدأ البلاء ثمّ بكم، وبنا يبدأ الرّخاء ثمّ بكم"12.

وعلى نطاقٍ أضيق وأكثر وثاقةً، تمتّعت علاقة الإمام بشيعته بخصائص أخرى. ففي هذه العلاقات نُشاهد الإمام وكعقلٍ مفكّر في جسمٍ حيّ فيما يرتبط بالأعضاء والجوارح، وكقلبٍ نابضٍ في عمل تغذية الأجهزة والأعضاء.

إنّ النّماذج الموجودة بين أيدينا بشأن علاقات الإمام عليه السلام مع هذه المجموعة تُشير من ناحيةٍ إلى الصّراحة في مجال التّعاليم الفكريّة، ومن جهةٍ أخرى تُشير إلى الروابط والتشكيلات المدروسة بين هؤلاء والإمام.

ونجد الفُضيل بن يسار13، الذي هو من أقرب أصحاب الإمام وأصحاب سرّه، يُرافقه في مراسم الحج، فينظر الإمام إلى الحجّاج وهم يطوفون حول الكعبة، ويقول: هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة! إنّما أُمروا أن يطوفوا بها، ثمّ ينفروا إلينا ويعلنون لنا ولاءهم ومحبّتهم، ويعرضون علينا نصرتهم! ثم قرأ هذه الآية ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾14. أي لم يقل: إليها! ويوصي جابر الجعفيّ في أوّل لقاء له مع الإمام عليه السلام أن لا يُخبر أحدًا أنّه من الكوفة بل أن يتظاهر أنّه من أهل المدينة. وبهذه الطّريقة يُعلّم الإمام عليه السلام مثل هذا التلميذ الحديث - الّذي ربّما لديه قابليّات عالية لتحمّل أسرار الإمام عليه السلام والتشيّع، التي كانت قد ظهرت عليه من البداية - دروس كتمان السرّ، وهذا التلميذ المستعدّ نفسه والّذي أصبح يُعرف فيما بعد بعنوان صاحب سرّ الإمام عليه السلام، يصل به الأمر إلى أن يكون داخل جهاز الخلافة.

يقول النعمان بن بشير: "كُنتُ ملازمًا لجابر بن يزيد الجعفيّ. فلمّا أن كُنّا بالمدينة، دخل على أبي جعفر - الإمام الباقر عليه السلام - فودّعه وخرج من عنده وهو مسرور، حيث وردنا الأخيرجة (من نواحي المدينة) يوم جمعة فصلّينا الزوال فلمّا نهض بنا البعير إذا أنا برجل طويل آدم (أسمر) معه كتاب فناوله، فقبّله ووضعه على عينيه، وإذا هو من محمد بن علي (الباقر) إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب. فقال له: متى عهدك بسيّدي؟ فقال: الساعة، فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة. فقال: ففكّ الخاتم وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتّى أتى على آخره، ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً، حتّى وافى الكوفة.

يقول النعمان بن بشير: فلمّا وافينا الكوفة ليلاً بتّ ليلتي، فلمّا أصبحت أتيت جابر الجعفيّ إعظاماً له، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها وقد ركب قصبة (كما يفعل المجانين) وهو يقول: أجد منصور بن جمهور.. أميراً غير مأمور، وأبياتًا على هذا النّحو، فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئًا ولم أقل له شيئًا، وأقبلت أبكي لما رأيته، واجتمع عليّ وعليه الصبيان والنّاس، وجاء حتّى دخل الرّحبة، وأقبل يدور مع الصبيان، والنّاس يقولون: جُنّ جابر بن يزيد. فوالله ما مضت الأيام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إليّ وإليه أن انظر رجلاً يُقال له: جابر بن يزيد الجعفيّ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه. فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفيّ؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلاً له علم وفضل وحديث، وحجّ فجنّ وهو ذا في الرّحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم. قال: فأشرف عليه، فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب. فقال: الحمد لله الّذي عافاني من قتله"15.

هذا أنموذجٌ من كيفية تعامل الإمام وارتباطه مع أصحابه المقرّبين وشاهدٌ على وجود العلقة والرابطة المحسوبة بدقّة والتشكيلات، كما أنّه نموذجٌ حول موقف الحكومة تجاه هؤلاء الأصحاب. من الواضح أنّ أيادي الحكومة ـ والّتي لا تُفكّر بأكثر من الحفاظ على نفسها وسلطتها، وترسيخ موقعيّتها ـ لا تبقى في غفلةٍ مطبقة عن علاقات الإمام عليه السلام مع أصحابه المقرّبين وأنشطتهم، ولا شكّ بأنّهم سيشمّون رائحة مثل هذا الموضوع وسيسعون لكشفه ومواجهته16. وبالتّدريج يبرز نهج الاعتراض في حياة هذا الإمام عليه السلام وكذلك في الجوّ الشيعيّ العام، ويُبشّر ببداية فصلٍ جديد في تاريخ حياة أئمّة الشّيعة.

هذا وإن لم يكن في متون التواريخ الإسلاميّة وكذلك في كتب الأحاديث وغيرها، حديثٌ صريحٌ عن أنشطة الإمام الباقر عليه السلام الاعتراضيّة والحادّة نسبيًّا - وبالطبع إنّ هذا نفسه ناشئٌ من أسبابٍ وعوامل عدّة، أهمّها القمع المسيطر على الأجواء وضرورة التقيّة من قِبَل أصحاب الإمام عليه السلام الّذين كانوا المراجع الوحيدين المطّلعين على مجريات الحياة السّياسيّة للإمام عليه السلام ـ ولكن يُمكن دومًا اكتشاف عمق أداء أيّ إنسان من خلال ردود الفعل المحسوبة بدقّة من قبل أعدائه المتيقّظين. فإنّ مواجهة جهازٍ مقتدرٍ ومدبّرٍ، كجهاز هشام بن عبد الملك، الّذي عدّه المؤرّخ أكثر الخلفاء الأمويّين اقتدارًا، للإمام الباقر عليه السلام أو لأي شخص آخر بذلك الوجه العنيف، هو لا شكّ ناشئٌ من رؤيته تهديدًا لنفسه في أدائه وعمله، وعدم قدرته على تحمّل وجوده. فلا شكّ أنّه لو كان الإمام الباقر عليه السلام مشغولًا بالحياة العلميّة فحسب، دون البناء الفكريّ والتنظيميّ، لما كان الخليفة ورؤوس نظام الخليفة ليروا أنه من مصلحتهم ونفعهم أن يتصرّفوا بشدّة وعنف، أوّلًا، لأنّهم بذلك سوف يستفزّون الإمام عليه السلام لمواجهتهم بشدّة ــ لأنّهم كانوا قد شاهدوا أنموذجًا لهذه التجربة، في زمنٍ قريب، منها قيام حسين بن عليّ "شهيد الفخّ"17، وثانيًا، فإنّ مجموعة أنصار الإمام والمعتقدين به ـ الذين لم يكن عددهم قليلًا ـ كانوا سيغضبون ويسخطون على جهازهم الحاكم. خلاصة الحديث، يمكن الاستنباط من ردّ فعل نظام الخلافة الحادّ نسبيًّا في أواخر عمر الإمام الباقر، شدّة عمل الإمام عليه السلام وحدّته.

* كتاب إنسان بعمر 250 سنة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


2- الإختيار هنا بمعنى إيصائه بالتصدّي لمهام الإمامة، وتأكيد الحجيّة على الناس، لأنّ تنصيب الإمام اختيار إلهي واقعي.
3- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 229.
4- م. ن.
5- ومنها رواية أبي حمزة الثمالي: "حتى أقبل أبو جعفر عليه السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج" (العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 337)، وينقل رواية تذكر ما جرى بين أحد علماء خراسان مع عمر بن عبد العزيز وفيها عبرةً بالغة. (الكاتب)
6- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 288.
7- بحار الأنوار، ج 26، ص 253.
8- القصيدة الّتي بدأت بهذا البيت الشعري:
من لقلب متيّم مُستهام غير ما صبوة ولا أحلام
ووصلت إلى هذا البيت البليغ والقاصم والمليء بالمعرفة: ساسة لا كمن يرى النّاس سواء ورعية الأنعام (الكاتب)
9- المناقب، ج4، ص 207.
10- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص 258.
11- م.ن، ج46، ص360.
12- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 154.
13- راجع تفصيل مدح الإمام لفضيل في قاموس الرجال، ج 97، ص 345-343(الكاتب).
14- سورة إبراهيم، ص37.
15- قاموس الرجال، ج 2، ص 329-330، وبحار الأنوار، ج 46، ص 282-283 (الكاتب).
16- والذي يؤيّد هذه الحقيقة بالصراحة، غير حادثة جابر والحوادث الأخرى المشابهة لتلك الرواية، أن عبد الله بن معاوية الجعفري ينقل أيضاً رسالة تهديد حاكم المدينة للإمام الباقر عليه السلام، "روي عن عبد الله بن معاوية الجعفري قال: سأُحدّثكم بما سمعته أذناي ورأته عيناي من أبي جعفر عليه السلام أنه كان على المدينة رجل من آل مروان وإنه أرسل إليّ يوماً فأتيته وما عنده أحد من النّاس، فقال: يا معاوية إنّما دعوتك لثقتي بك، وإني قد علمت أنه لا يبلغ عني غيرك، فأجبت (فأحببت) أن تلقى عميك محمد بن علي وزيد بن الحسن عليهما السلام وتقول لهما: يقول لكما الأمير لتكفان عما يبلغني عنكما، أو لتنكران، فخرجت متوجهاً إلى أبي جعفر فاستقبلته متوجهاً إلى المسجد فلما دنوت منه تبسم ضاحكاً فقال: بعث إليك هذا الطاغية ودعاك وقال: الق عميك وقل لهما كذا؟ قال: فأخبرني أبو جعفر بمقالته كأنه كان حاضراً ثم قال: يا ابن عم قد كفينا أمره بعد غد، فإنه معزول ومنفي إلى بلاد مصر والله ما أنا بساحر ولا كاهن، ولكني أتيت وحدثت، قال: فوالله ما أتى عليه اليوم الثاني حتى ورد عليه عزله ونفيه إلى مصر وولى المدينة غيره". الخرائج والجرائح، ج2، ص559.
17- حسين بن علي ــ حسين الفخ ــ ابن علي بن الحسين بن الحسن بن الحسن المجتبى، وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن الذي خرج في زمن موسى الهادي حفيد المنصور، وفتح اسم بئر يبعد فرسخاً عن مكة.

2016-04-09