(1): ﴿الَر﴾: انظر أول سورة البقرة ﴿كِتَاب﴾: هذا كتاب، إشارة إلى القرآن الكريم
﴿أحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾: فناً وعلم﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾:
بيّن سبحانه في كتابه آيات العقيدة والأحكام والمواعظ والقصص وغيرها.
وقد دل سبحانه عباده على ذاته وشريعته بكتابين: كوني وهو الكون، وتدويني وهو
القرآن، وكل منهما يقول:
(2): ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ﴾: لأن كل من وما عداه فهو مصنوع له صانع
مثلكم، ونكرر هنا قول فولتير الذيذكرناه فيما سبق: (وجود الله فرض ضروري، لأن
الفكرة المضادة حماقات).
(3) – (4): ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ﴾: من كل مأثم ومحرم (لا تقنطوا من
رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً- 53الزمر) ﴿ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾: والفرق
بين الاستغفار والتوبة أن الاستغفار طلب الغفران عن الماضي وكفى، أماالتوبة، فإنها
تدل بصلب تكوينها اللفظي على الندم وسؤال الصح عما كان العهد القاطع على ترك
المعاصيفي المستقبل ﴿يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾: أي
في الدنيا، وليس من الضروري أن يكون حسنالمتاع رزقا وسعة، فقد يكون حرية وكرامة بأن
لا يسلط علينا باغية طاغية كإسرائيل وأنصارها، وما من شكأن الحرية أعز وأثمن من
النفس والمال ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾: يوم الحساب والجزاء ﴿وَإِن
تَوَلَّوْ﴾:خطاب لكل الناس، وأصله تتولوا، فحذفت إحدى التاءين ﴿فَإِنِّيَ أَخَافُ
عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾: حيث يقفالعبد بين خالقه للحساب خشوعاً هلوعاً.
(5): ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾: يخفون ما تنطوي عليه من العداوة
والبغضاء للرسول (ص) ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾: يظنون أن أمرهم يخفى على الله،
ولكنه تعالى فضحهم في هذه الآية وغيرها ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾: إنه تعالى يعلم كذبهم ونفاقهم، وإن حاولوا ستره بثياب
الصالحين وشعارهم.
(6): ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَ﴾: ما أودع
سبحانه في أرضه يحتاج إليه كل حي دب ويدب عليها قلّ أو كثر، ومن الضرورات
والكماليات، من الغذاء والكساء والدواء إلى أدوات الزينة ولعبة الأطفال... وأيضاً
أودع في الإنسان طاقة يسيطر بها على الطبيعة، ويكشف ما فيها من موارد
ويحولهالمصلحته وسد حاجاته. ومعنى هذا أن الرزق من الله وعلى الله، ولكن عن طريق
السعي والعمل ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَ﴾: المستودع المكان الذي
كانت فيه قبل أن تدب على الأرض، والمستقر المكان الذي قرت فيه بعد الدبيب ﴿كُلٌّ
فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾: وهو علم الله الذي لا يعزب عنه شيء.
(7): ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾: تقدم
في الآية 54 من الأعراف ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾: المراد بعرش الله سبحانه
ملكه وسلطانه، وظاهر الآية يدل على أن الماء كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض.
ومن جملة ما قرأت أن الهواء عند تكاثفه الشديد يستحيل ماء، وإذا تكاثف الماء
يصبحأرضاً، وإذا زاد تكاثفه تحول صخراً. وعلى أية حال فانه لا آية محكمة ولا رواية
ثابتة تنص على أصل الكون وعناصره. ولا شيء لدينا إلا الإيمان والإيقان بقوله تعالى:
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون-82يس) وفي مجلة عالم الفكر الكويتية
ج341 ص5: (أن الدكتور ماري الإستاد في جامعة سدني الذي يهتم اهتماماً بالغاً بالكون
وأصله قال: كل ما لدينا من معلومات لا تصحح نظرية واحدة عن الكون يدعم) وهذا
يؤكدبأن كلمة الله (كن) هي الأصل والمصدر وفي أول إنجيل يوحنا: (في البدء كان
الكلمة... وبغيره لم يكن شيء مما كان).
﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَل﴾: أي أن الله سبحانه أودع في الإنسان
وفي الأرض ما أودع ليميز بين الذين يعيشون بسبب مشروع وبين الذين يعيشون على حساب
المستضعفين، فيعاقب هؤلاء على عصيانهم، ويثيب أولئك على طاعتهم لله ورسوله ﴿وَلَئِن
قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾: إن كثيراً من المشركين رفضوا
الإيمان بمحمد (ص) لما وقع في تصورهم من أن العظام لن تعود إلى الحياة وهي رميم
ورفات .. وما أبعد بين عقل هؤلاء وعقل الإمام (ع) الذي قال: عجبت لمن أنكر النشأة
الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى.
وسأل النبي (ص) سائل: كيف يبعث الله الموتى؟ فقال: أما مررت بوادي قومك جدبا، ثم
مررت به يهتز خضرا؟ فقال السائل: بلى يا رسول الله: كذلك يبعث الله الموتى وإذن
فأين السحر؟
(8): ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ﴾: مدة ﴿مَّعْدُودَةٍ
لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾: ما الذي منع من وقوع العذاب علينا الآن إن كان حقاً
كما يقول ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ -العذاب- لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾: لأن
بأسه تعالى لا يرد عن القوم المجرمين ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ
يَسْتَهْزِؤُونَ﴾: نزل بهم العذاب الذي استخفوا به وسخروا منه(فليضحكوا قليلاً
وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون-82 التوبة).
(9)- (10): ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا
مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ...﴾: هذه الأوصاف: اليأس والكفر والفرح المذكورة
في هاتين الآيتين، وكذلك العجلة وحب المال والنساء والمتاع كما في العديد من
الآيات، هذه الأوصاف ليست ذاتية ولا تحديدا لطبيعته من حيث هي وإلا لشملت هذه
الأوصاف وعمت الأنبياءوالأئمة والأتقياء، ولما صح استثناء (الذين صبروا وعملوا
الصالحات) كما في آخر الكلام، وإنما هي تفسير لسلوك الكثير من أفراد الإنسان الذين
يتأثرون بما يحيط بهم عوامل وظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ولذا ربط سبحانه
وصف اليأس والكفر بحدوث الضراء بعد النعماء، ووصف الفرح والفخر بحدوثالنعماء بعد
الضراء، ولو كانت هذه الأوصاف ذاتية داخلية لا عرضية خارجية لكانت جنساً للإنسان أو
فصلاً لا تفارقه بحال. ومن هذا الباب قول الإمام (ع) في نهج البلاغة: إن أصابه بلاء
دعا مضطراً وإن ناله رخاء أعرض مغتراً... إن استغنى بطر، وان افتقر قنط.
(11 ): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾: فإنهم يمتازون عن
سائر أفراد الإنسان بالاستقلال في شخصيتهم، والإخلاص لدينهم، والثبات على عقيدتهم
في السراء والضراء والرضا والغضب، والفرح والترح، ويتحملون كل المشاق، والنكبات في
سبيل ما يدينون، ويقابلونها بشجاعة من غير تظلم وتأفف.
(12): ﴿فَلَعَلَّكَ﴾: يا محمد ﴿تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾: أبدا لا يترك
النبي، ولن يترك بيان الحق إلى الخلق، كيف وهو أمانة في عنقه! ولكن بعض المشركين
كانوا يستهزئون ويسخرون منه ومن القرآن إذا دعاهم إلى الإيمان، ويقترحون عليه
معجزات حسب أهوائهم تعنتاً لا استرشاداً ، فمر بخاطر النبي (ص)– كمانظن- أن يترك
دعوة هؤلاء بالخصوص يأساً منهم وكراهية أن يقولوا له: أنزل علينا كنزاً أو ملائكة
السماء وفجر العيون والأنهار تفجيراً ، فقال له سبحانه: امض في مهمتك ودعوتك
العامة، ولا تكترث بمن يسخر ويهزأ ﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾: وما عليك إلا البلاغ
وبيان الحجة والدليل ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾: يحفظ ما يقولون، ويفعل
بهم ما يستحقون.
(13) - (14): ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾: أي القرآن ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ
سُوَرٍ مِّثْلِه...﴾: تحداهم أولاً بعشر سور فعجزوا فتحداهم بواحدة فعجزوا أيضاً
ولا سر لهذا العجز إلا أن كلام الله سبحانه فوق كلام المخلوقين تماماً كما أن ذاته
وصفاته فوق ذاتهم وصفاتهم، وفي روايات أهل البيت (ع): أن الله يتجلى في كلماته.
وهذا حقوصدق لأن الكلام صفة المتكلم والإناء ينضح بما فيه. وتقدم في الآية 23 من
البقرة.
(15): ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾: متقناً ما من شك أن حب
الحياة طبيعة وغريزة في الإنسان لا يسأل عنه ولا يحاسب عليه، وأيضا ما من ريب أن من
يزرع يحصد، ومن يتاجر فن التجارة يربح، وهكذا كل من سعى لشيء سعيه يقطف ثمرة سعيه،
أو كما قال الإمام (ع): (من طلب شيئاً ناله وبعضه) ولا بأس في ذلك ما دام في نطاق
الحق والشرع، وإنما الإثم على الذين انغمسوا في الشهوات وإجترحوا السيئات.
(16): ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ﴾: لأن
الشهوات والملذات أعمت عقولهم عن الحق،وأصمت آذانهم عن دعوته ﴿وَحَبِطَ مَا
صَنَعُواْ فِيهَ﴾: في الحياة الدنيا ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾: ومعنى
الآية بجملتها أن الذين بذلوا كل ما يملكون من علم وذكاء ونشاط في سبيل غاية واحدة،
وهي مكاسبهم ومنافعهمالشخصية- لا جزاء لهم عند الله سبحانه إلا العذاب الأليم حتى
ولو انتفع الناس ببعض أعمالهم ما دام القصد منها مجرد الربح والشهرة.
(17): ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾: وهو محمد (ص) وكل من آمن به
﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾: اختلف المفسرون في تحديد هذا الشاهد وتعيينه، فمن
قائل: أنه جبريل وقائل: هو القرآن، وقائل هو علي بن أبي طالب لحديث (علي مني وأنا
من علي) كما جاء في صحيح البخاري والترمذي ومسند الإمام أحمد وخصائصالنسائي وتاريخ
الطبري والرياض النضرة وكنوز الحقائق وكنز العمال (أنظر فضائل الخمسة من الصحاح
الستةج1ص337طبعة1383) ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾: توراته ﴿إَمَامً﴾: يصلح
المؤتمين والعاملين به﴿وَرَحْمَةً﴾: لأنه يهدي للتي هي أقوم ومن ذلك البشارة بمحمد
(ص) ﴿أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾: أي بمحمد(ص) وأولئك إشارة إلى الذينّ يعملون
بدلائل الحق وبيانه كالقرآن وتوراة موسى وأنجيل عيسى ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ
الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾: ضمير به يعود إلى النبي محمد (ص) أما المراد
بالأحزاب فهم الذين أجمعوا على عداوة محمد (ص) وحربه وفي تفسير المنار والشيخ
المراغي: قال مقاتل: (الأحزاب هم بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي وآل
طلحة بن عبد الله ومن إليهم من اليهود والنصارى). ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ
مِّنْهُ﴾:المرية: الشك، وضمير﴿منه﴾: يعود لمحمد أو القرآن والخطاب في (لا تك) لكل
من سمع بالا سلام ورسالة محمد (ص) والمعنى لا ينبغي لعاقل أن يشك في الإسلام لسهولة
فهمه، وسلامة أدلته، وسعة شريعته الهادفة إلى خير الناس ورعاية مصالحهم والتيسير
عليهم والعدل فيما بينهم.
(18): ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبً﴾: وللافتراء عليه
تعالى مظاهر، منها الشرك والتحليل والتحريم بلا كتاب وسنة، والعدوان على عباد الله
وعياله ﴿أُوْلَئِكَ﴾: الذين افتروا على الله كذبا ﴿يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾:في
موقف عصيب رهيب، لا خلاص منه ومن عذابه إلا لمن أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه
﴿وَيَقُولُ الأٌشَهاُد َهؤَلاءِ الَِذِّين َكَذبُوْا عَلَى ََربِِّهم﴾: المراد
بالأشهاد الملائكة والأنبياء، يشهدون بأن هؤلاء افتروا على الله كذباً، واقصد من
ذلك أن يزداد المفترون حسرة وأنهم يستحقون اللعنة والعذاب وإلا فإن الله بكل شيء
عليم، وعلى كل شيء قدير.
(19): ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾: يصرفون الناس عن طريق الهدى
بالقوة أو بالدعايات الكاذبة﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجً﴾: أي ينعتون سبيل الله
بالاعوجاج والانحراف تماماً كما يفعل المضللون في أيامنا حيث يسمون الاستغلال
ديمقراطية والاحتكار حرية.
(.2): ﴿أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ﴾: كيف؟ ولو شاء الله
ما ترك على ظهرها من دابة، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى.
(21): ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾: قال السيد المسيح (ع): (ماذا
ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه).
(22): ﴿لاَ جَرَمَ﴾: لا محالة ﴿أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾: وفي
نهج البلاغة: وما أخسر المشقة وراءها عقاب، وأربح الدعة معها أمان من النار.
(23): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى
رَبِّهِمْ﴾: خشعوا واطمأنوا إلى عدل الله سبحانه في كل ما جرى ويجري به حكمه
وقضاؤه.
(24):﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾: المؤمن والكافر ﴿كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ
وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾: من لا يعرف الباطل من الحق أو يعرف وينحرف عن الحق
ومقالته فهو كالأعمى والأصم الذي لا ينتفع بسمع وبصر، أما من يعرف الحق ويعمل به
فهو سميع بصير يزهر مصباح الهدى في قلبه ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَل﴾: ومن يساوي
بأنف الناقةالدنبا؟.
(25) – (26): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ... ﴾: عكف قوم نوح على
عبادة الأصنام، فأرسل سبحانه إليهم نوحاً هادياً ونذيراً.
(27): ﴿فَقَالَ الْمَل﴾: الرؤساء والأدعياء: ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا
مِّثْلَنَ﴾: فكيف اختارك الله من دوننا؟ ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ
الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَ﴾: الذين لاجاه لهم ولا مال ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾: أوله
من غير نظر وروية.
(28)-(30) : ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن
رَّبِّيَ﴾: ليس المهم أن تؤمن بي الشخصيات المرموقة البارزة بل المهم أن أكون محقا
في دعوتي ورسالتي ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾: النبوة ﴿فَعُمِّيَتْ
عَلَيْكُمْ﴾: خفيت عليكم ﴿أنُلْزِمُكُمُوهَ﴾ أنكرهم على قبولها ﴿وما أَنَاْ
بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ...﴾: طلب جبابرة البغي من نوح أن يطرد المستضعفين
أنفة من الاجتماع معهم، فأبى خوفاً من الله.
(31):﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾: حتى أوزع الأرزاق على عباده
﴿وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾: حتى أخبركم بما كان ويكون ﴿وَلاَ أَقُولُ إِنِّي
مَلَكٌ﴾: حتى تكذبوني فيما أقول ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ
لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرً﴾: على إيمانهم وأعمالهم لا لشيء إلا لأنهم فقراء،
﴿إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾: إن قلت شيئاً من ذلك.
(32): ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا...﴾: لما أفحمهم بالحجة والبرهان
ضاقوا به وقالوا: إلى متى هذا النقاش والحجاج بالكلام؟ عجل بما عندك من انتقام.
(33): ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء﴾: عجّل وإن شاء أجل.
(34): ﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي﴾: ما دمتم مصرين على معصية الناصح الشفيق المحق
﴿إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ﴾: أي مهما بالغت واجتهدت في النصيحة ﴿إِن كَانَ
اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾: لا لشيء إلا لأنكم رفضتم الهداية وأصررتم على
الغواية تماماً كما أهلك سبحانه من شرب السم القاتل عن رضا وطيب نفس ورفض النهي عنه
والنصح بتركه.
(35): ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي
وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمونَ﴾: قال بعض المفسرين: هذا كلام معترض، والمراد
به محمد (ص) وقريش. وقال آخرون: هو من قصة نوح. وقال طه حسين في كتاب مرآة الإسلام:
(هذه الآية معترضة، وليست من القصة ولكنها تمت إليها بسبب، كأن المشركين من قريش قد
ارتابوا حين تليت عليهم الآيات في صدق محمد (ص)... فأمره الله أن يقول لهم: (لا
عليكم إن كنت مفترياً، فعلي وحدي تبعة ما أفتري، وأنا على كل حال بريء من جرائمكم).
وهذا قريب جدً من مقتضى الحال.
(36): ﴿وأوحى إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ
آمَنَ﴾: تفسيره على الظاهر الواضح ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ﴾: فلا تحزن.
(37): ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَ﴾ بمرأى منا وإرشادنا.
(38)-(39): ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ
سَخِرُواْ مِنْهُ﴾: والذي أثار سخريتهم بعد السفينة عن الماء ﴿ قَالَ إِن
تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ...﴾ لثقتنا بالله ووعده.
(40): ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَ﴾: بالغرق ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾: وللتنور معانٍ
في اللغة، منها وجه الأرض، وهو المراد هنا ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ - ذكراً وأُنثى- وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ﴾: احمل أهلك في السفينة ولا تحمل منهم من ننهاك عن حمله كزوجتك وبعض
أبنائك ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾: أيوحمل معه العصبة
القليلة المؤمنة.
(41): ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَ﴾: مجراها
من الجري والسير ومرساها من الإرسال والثبوت، والمعنى جريها ورسوها يكون باسم الله.
(42) – (43): ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ
ابْنَهُ...﴾: وفي الأشعار والأمثال: أولادنا أكبادنا... وقال بعض المفسرين: هو
الابن الرابع لنوح . واسمه يام، وقال مفسر آخر: بل اسمه كنعان ، وفي قاموس الكتاب
المقدس: أن كنعان هو ابن حام ابن نوح، وهو جد القبائل التي قطنت فلسطين. وتسأل: كيف
دعا نوح ابنه إلى سفينة النجاة وهو يعلم بكفره وتمرده؟. الجواب: دعاه أن يؤمن أولاً
ثم يركب، ويرشد إلى هذا قول أبيه وهو يخاطبه: ﴿وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾:
لكنه رفض أن يستجيب إلى الإيمان، ورفض الأب – على عاطفته الأبوية – أن يصحبه
كافراً، لأن الدين فوق الرحم وأعز﴿فَكَانَ﴾: ابن نوح ﴿مِنَ المُغرِقينَ﴾: وأبوه
ينظر إليه آسفاً، لا من أجل حياته، بل لموته على الكفر.
(44): ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ...﴾: أمر سبحانه الأرض أن تبتلع الماء ، والسماء أن تكف
عن الصب ، واستقرت السفينة على جبل الجودي، وانتهى الأمر بنجاة المؤمنين وهلاك
المشركين.
(45): ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾: أمر سبحانه نوحاً إن يحمل أهله والمؤمنين في السفينة إلا من
سبق عليه القول، من هؤلاء وكان الابن الذين حقت عليهم كلمة الغرق، ولكن الله، عظمت
كلمته، لم يخبر نوحاً بهلاك ابنه لسبب أو لآخر وحين غرق سأل واستعلم عن حال ولده
الغريق.
(46): ﴿قَالَ﴾: سبحانه: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾: الذين وعدتك
بنجاتهم، بل هو من الذين سبق عليهم القول، وبهذا يتبين خطأ من تخيل أنه ابن امرأة
نوح لا ابن نوح، لأن النفي هنا لم يتعلق بـ ﴿أهلك﴾: بل بوعد النجاة للابن وكيف ينسب
إلى غير نوح والله يقول بكل وضوح: (ونادى نوح ابنه)؟. ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
صَالِحٍ﴾:أي ذو عمل غير صالح ﴿فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾: هذه
الجملة تومئ إلى الشدة في الجواب ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ﴾: وهذه تومئ إلى الرفق في الجواب، ومعنى هذا أن الله سبحانه جمع في
رده على سؤال نوح بين الرفق والشدة ، فثاب نوح إلى نفسه وقال:
(47): ﴿قَالَ رَِّبي إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ
عِلْمٌ﴾: بأن ابني من الهالكين في حكمك وقضائك﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾: كل من آمن بالله حقاً وصدقاً يسأله تعالى الصفح
والرحمة حتى أتقى الأتقياء، لأن من عظم الخالق في نفسه صغر ما دونه في عينه حتى
الموت في سبيله تعالى.
(48): ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى
أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾: من المؤمنين وعلى كل مؤمن ومؤمنة من ذريتك إلى يوم
القيامة ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾: متاع الحياة الدنيا، والمراد بهذه الأمم
الكفار بدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: وما لهم من
ناصرين.
(49): ﴿تِلْكَ﴾: إشارة إلى قصة نوح ﴿مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ﴾:
الخطاب لمحمد (ص) ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ﴾: ما
سمعتموها من راو ولا قرأتموها في كتاب، وإذن هي من أنباء الغيب ووحي
السماء﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾: ادع إلى ربك، واصبر على ما
أصابك في سبيل الله، وثق بالنصر من عنده.
(50) – (52): ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا...﴾: واضح وتقدم في الآية 65 من
الأعراف ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾: مر في
الآية 3 من هذه السورة
ِ﴿يُرْسِلِ السَّمَاء﴾: المطر ﴿عَلَيْكُم مِّدْرَارً﴾: من الدر﴿وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾: كل المفسرين قالوا: كانت قبيلة عاد ذات قوة في المال
والرجال استناداً إلى ظاهر هذه الآية، وأظهر منها الآية 7 من الفجر: (ألم تر كيف
فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد).
(53):﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾: تهواها أنفسنا كما في الآية
70 من المائدة ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾: قال ابن هشام في
المغني: معنى (عن): هنا السببية والتعليل أي بسبب قولك.
(54): ﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ﴾: شتمت أصنامنا،
فاقتصت منك، وأصابتك في عقلك ورأيك.﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ
أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾.
(55): ﴿مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾: تحداهم هود وتحدى
آلهتهم أن يسرعوا إليه دون انتظار بكل ما يريدون به من أذى وضنى ثقة منه بربه
واستخفافاً بأربابهم.
(56): ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم﴾: وهو وحده يمنعكم عني
وأنا وحيد، وينصرني عليكم وأنتم أُولو عدة وعدد ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ
آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَ﴾: بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه -88 المؤمنون
﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾: على طريق الحق والعدل يمهل الظالم ولا
يهمله وهو له بالمرصاد.
(57): ﴿فَإِن تَوَلَّوْ﴾: أي فإن تتولوا معرضين عن قولي ﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم
مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾: وأديت واجبي على أكمل وجه ﴿وَيَسْتَخْلِفُ
رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾: ثم لا يكونوا أمثالكم أنذالا وأرذالاً..
(58): ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَ﴾: وهو الريح العقيم، أهلكهم عن آخرهم﴿ونَجَّيْنَا
هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّ﴾: هي النجاة الأولى من
الريح العقيم في الدنيا ﴿ونجيناهم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾: في يوم القيامة.
(59): ﴿وَتِلْكَ عَادٌ...﴾: أي تلك آثارهم وديارهم الخالية، فاتعظوا بها أيها
الجاحدون واعتبرو﴿وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾: هذا درس قرآني
إلهي للمستضعفين أن يقفوا صفاً واحداً في وجه من يستبد ويشتط في غيه وبغيه، ولو علم
الظالم أن المظلوم يستميت دون حقه لكف عنه، ومعنى هذا أن المظلوم مسؤول عن الدفاع
عن نفسه بكل ما يملك من جهد.
(60): ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: أي
فعلوا ما يتوجبون به اللعن دنيا وآخرة من الله والناس علناً وعلى رؤوس الأشهاد.
(61): ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحً﴾: تقدم بالحرف الواحد في الآية 73 من
الأعراف ونظيره هود في الآية 50 من هذه السورة، والسر أن كل الأنبياء بعثوا بكلمة
لا إله إلا الله ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾: منها خلقنا،وعليها نعيش أمداً،
ثم نعود إلى زنزانة قاتمة واجمة ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَ﴾: بمعنى العمران لا
بمعنى الاستغلالوالطغيان، ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾: أي اعبدوا
الله وحده واشكروه على نعمه وأفضاله ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ﴾:ممن أخلص له في العمل
﴿مُّجِيب﴾: لمن استجاب لأمره.
(62): ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَ﴾: كنا نثق
بك ونظن فيك كل خير، فماذا جرى لك وحلبك؟ تماماً كما قالت قريش في محمد (ص) التي
عرفته صادقاً وأميناً طفلاً وشاباً وكهلاً ﴿أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا
يَعْبُدُ آبَاؤُنَ﴾: العدوى النفسية غريزة في الحيوان والإنسان... فما أن يصيح ديك
واحد حتى يتصايح العديد من الديكة، وفي الأشعار(تثاءب زيد إذ تثاءب خالد) ويكثر
انتشار التقليد بين الناس في الآراء والمعتقدات، وبخاصة للآباء والأجداد، وبصورة
أخص في الدين سواء أكانوا يعبدون الرحمن أما الأصنام، والفرق أن التقليد الأول
سليم، لأنه على وفق العلم والحق تماماً كتقليد المريض للطبيب الناصح الماهر، أما
التقليد الثانيفجهالة وضلالة، وإلى هذا أشارت الآية170 من البقرة: (وإذا قيل لهم
اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباؤنا أولو كان آباؤهم لا
يعقلون شيئاً ولا يهتدون) ومعنى هذا أن الذين يعقلون ويهتدون يسوغ تقليدهم، ومن
المعلوم بالنص والبديهة أن مهمة الأنبياء والمصلحين هي الإرشاد إلى الحق وهداية
الذين لايقدرون على المعرفة والتمييز بين من يهدي إلى سواء السبيل، ومن ضل عنه
وأضل. قال عز من قائل: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى
فما لكم كيف تحكمون -35 يونس).
(63): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾: أخبروني ﴿إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي﴾: على
يقين من أنه أرسلني إليكم ﴿وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾: وهي النبوة ﴿فَمَن
يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾: في ترك دعوتكم إلى الحق، وتقدم في الآية
28 منهذه السورة ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾: إن سكت عن إرشادكم لأن
الساكت عن الحق شيطان أخرس كما في الحديث:
(64): ﴿وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً... ﴾: تقدم في الآية 73
من الأعراف.
(65): ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ
وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾: عقروا الناقة ولم يكترثوا فأمهلهم سبحانه3 أيام عسى أن
يندموا ويتوبوا، ولما أصروا حقت عليهم كلمة العذاب.
(66):﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا...﴾: تقدم مثله قبل قليل في الآية 58 من هذه السورة.
(67)-(68): ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ﴾: ارتجفت لها قلوبهم،
واضطربت الأرض من تحتهم، وأصبحوا جثثاً باردة هامدة، وتقدم في الآية78 من الأعراف.
(69):﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا
قَالَ سَلاَمٌ﴾: المراد بالرسل هنا ملائكة من السماء،دخلوا على إبراهيم الخليل (ع)
في صورة الآدميين، فحيوه ورد التحية، ﴿فَمَا لَبِثَ﴾: أسرع لم يتوقف ويتردد﴿أَن
جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾: مشوي، وكان إبراهيم معروفاً بحب الأضياف.
(70):﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ﴾: إلى العجل ﴿نَكِرَهُمْ﴾:
أنكرهم ولم يعرف حقيقتهم ﴿وَأَوْجَسَ﴾:أحس﴿مِنْهُمْ خِيفَةً﴾: امتنعوا عن الطعام
لأنهم ليسوا بشراً، وخاف إبراهيم منهم لأنهم ليسوا كما ظن ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ
إِنَّ﴾: ملائكة ﴿أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾: ولا نريد بك سوءاً ولا بقومك.
(71): ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾: سارة ﴿قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾: قال بعض المفسرين: ضحكت لأن
أضيافها لم يأكلوا من طعامها، وقال آخر: بل ضحكت استبشارا بهلاك قوم لوط لكثرة
فسادهم! وكل ذلك رجم بالغيب حيث لا آية منزلة ولا رواية ثابتة. وأطرف من ذلك وأغرب
ما في تفسير آخر أن جبريل مسح العجل المشوي بجناحه، فقام يدرج حتى وصل بامه
الموجودة في الدار! ولماذا هذا التكدير والتعكير لبهاء الإسلام وصفائه؟
﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ﴾: فتلد هي اسحق،
ويولد لإسحق يعقوب، وفيه دلالة أن ولد الولد ولد.
(72):﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى﴾: كلمة للتفجع والأصل يا ويلي، فأُبدلت ياء المتكلم
ألفاً، ومثلها يا عجبا يا أسفا ﴿أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ﴾: في بعض التفاسير: كان
عمرها 99 سنة، وقال الطبرسي في جوامع الجامع: 78، وفي قاموس الكتاب المقدس: 89 وكل
ما نعرفه نحن أنها كانت متقدمة في السن كما نطقت الآية، أما التحديد فعلمه عند ربي
﴿وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾: لأنه غير مألوف ومعروف
بين الناس.
(73): ﴿قَالُواْ- أي الملائكة - أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾: كيف؟ وإنما إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ﴾: أي بيت النبوة، وقد خصكم الله بالكثي
2015-12-10