(1): ﴿طه﴾: جاء في تفسير الرازي عن الإمام جعفر الصادق (ع): (أن الطاء طهارة أهل
بيت رسول الله والهاء هدايتهم) والرسول الأعظم (ص) هو رب البيت وأبوه، وهو دون سواه
المخاطب بقوله تعالى:
(2): ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾: ومن أجل هذا نحن مع
القائلين، إن طه من أسماء النبي (ص) والمراد بالشقاء هنا التعب، وكان (ص) قد أجهد
نفسه بالعبادة حتى تورمت قدماه، فقال له سبحانه: ما لهذا نزل عليك القرآن.
(3): ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾: إلا رحمة ونورًا لمن ينشد الخير
والهداية.
(4): ﴿تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى﴾: جمع العليا،
والمذكر الأعلى، ومثله الدنا جمع الدنيا وفي الآية إيماء إلى أن لله كتابين: الأول
كتاب الخلق والإيجاد والثاني أنزله على محمد (ص) لهداية العباد.
(5) – (6): ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى... ﴾: كناية عن الاستيلاء
والتدبير، وتقدم في الآية 54 من الأعراف وغيرها.
(7): ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾: أنا
وأنت نعلم ما نضمر الآن دون الغد. والله عليم بذات الصدور الآن وبما يوسوس فيها
غدًا. لأن كل غيب عنده شهادة، وكل سر عنده علانية.
(8): ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾: لأنها تعبِّر
عن أجلّ المعاني وأكمل الصفات. وتقدم في الآية 180 من الأعراف وغيرها.
(9): ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾:؟ أجل، مرارًا وتكرارًا، أما السر لهذا
التكرار فهو أن أكثر السور والآيات التي تحدثت عن موسى نزلت في مكة حيث كان
المسلمون قلة مستضعفة يلاقون أشد الإيذاء وألوان التنكيل من المشركين أصحاب الحول
والسلطان. فتكررت قصة موسى وبني إسرائيل وإذلالهم بيد فرعون، ثم دارت عليهم
الدائرة، وكانت العاقبة لبني إسرائيل علمًا بأن فرعون أقوى وأطغى من صناديد
المشركين وأيضًا سينتصر المسلمون على المشركين لا محالة إذا صبروا واتقوا تمامًا
كما انتصر موسى وقومه على فرعون وملئه... هذا إلى أن حياة موسى كلها عِبَر منذ
ولادته وقذفه في اليم إلى قصته مع فرعون وشعيب والخضر والسامري وقومه المشاكسين
المعاكسين وارتدادهم وعجلهم وبقرته وتيههم إلى ما له أول بلا آخر.
(10): ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا
لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾: استأذن
موسى شعيبًا بالخروج إلى أُمه في مصر وسار بأهله، فولد له في الطريق ابن في ليلة
شاتية مظلمة، وكان قد ضلَّ الطريق، وحاول أن يقدح زناده فلم يخرج منه شرر، والليل
دامس والبرد قارص، فحار في أمره، وبينما هو كذلك إذ رأى نارًا، فقال لأهله: مكانكم،
أتى الفرج بوجود النار أو الهداية إلى الطريق، وما درى أنها البشرى بسعادة اللقاء
بالعلي الأعلى، وذهب ليأتي بجذوة من نار، فرجع بالنبوة ولقّب كليم الله... وهكذا
تفعل المفاجآت والمخبآت: إما إلى العلى وسدرة المنتهى، وإما إلى الدرك الأسفل
والأرذل. قال الإمام علي (ع): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران
خرج يقتبس لأهله نارًا فكلمه الله، ورجع نبيًا.
(11) – (12): ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾: دنا
موسى مما ظنَّه نارًا، فإذا هو نور أبهى من نور الشمس، وإذا بصوت رهيب: أنا ربك
﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾: تأدبًا وتواضعًا ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾:
في المكان المطهر المبارك.
(13): ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾: ولا يختار سبحانه لدينه
ووحيه إلا صفوة الأمناء، وتقدم في الآية 144 من الأعراف، ثم بيَّن سبحانه أن الدين
الذي أوحى به إلى موسى يقوم على أصُول ثلاثة: الأول التوحيد، وإليه الإشارة بقوله
تعالى:
(14): ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَ﴾: الأصل الثاني التعبد لله
وحده: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾: لا تذكر فيها شيئًا سواي.
الأصل الثالث البعث:
(15): ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَ﴾: أي أكاد أُخفي وقتها حتى
عن نفسي، مبالغة في كتمانها وعدم إظهارها، ونعطف تفسيرنا هذا على العديد من
التفاسير المضطربة لهذه الآية ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾: أخفى سبحانه
العلم بوقت الساعة ليترقب العباد وقوعها في كل حين، فيخافوا منها ويعملوا لها
ويستوفوا جزاء المقاصد والأعمال.
(16): ﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا... ﴾: لا تتبع أيه
الراشد البالغ سبيل من كذب بالبعث، فتهلك كما هلك.
(17): ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾: لكل نبي معجزة يقتنع هو بها أولاً
وقبل الناس، ثم يعرضها عليهم، وتحداهم بها وهو على عين اليقين، ولذا سأل سبحانه
موسى: ما تلك؟ على وجه التقرير والتأكيد بأنها هي عصاة بالذات التي يعرفها دون
سواها، وبعد أن
(18): ﴿قَالَ﴾: موسى ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى
غَنَمِي﴾: أضرب بها الشجر فيتساقط الورق للغنم، بعد هذا الإيقان والعيان.
(19) – (20): ﴿قَالَ﴾: له القادر المقتدر: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا
فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾: خشبة يابسة تحولت فجأة إلى حية! بأية مناسبة
وقرابة؟ ومن هنا ارتاع موسى وولى مدبرًا كما في الآية 10 من النمل.
(21): ﴿قَالَ﴾: سبحانه لموسى: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا
الْأُولَى﴾: إلى حالها كما كانت أول مرة.
(22) – (23): ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾: أدخل يدك في جيبك كما في الآية
12 من النمل ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾: من غير آفة
وعاهة، وتقدم في الآية 108 من الأعراف.
(24): ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾: ادَّعى الربوبية وذبح الأطفال،
وبطش بطشة الأشرار.
(25): ﴿قَالَ﴾: موسى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾: سأل موسى ربه رباطة الجأش
ورحابة الصدر، لأنه عصبي المزاج، وكز الفرعوني فقضى عليه، وألقى الألواح، وأخذ برأس
أخيه يجره.
(26): ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾: في هذه المهمة الشاقة التي بعثتني بها، فإن فرعون
أطغى الطغاة تمردًا، وأقوى الملوك جنودًا، وأنا لا أملك إلا نفسي وأخي... ولا أدري
كيف ذهل موسى (ع) عن عصاه التي تبتلع ملك فرعون بالكامل؟.
(27) – (28): ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾: كان في
لسانه ثقل، والمرء بأصغريه: قلبه و لسانه.
(29) – (30): ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي﴾: من أمه
وأبيه.
(31): ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾: أي ظهري، والمراد القوة.
(32) – (35): ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾: أي الرسالة، وفي بعض التفاسير أن
إعرابيًا قال: (لا أخ في الدنيا أنفع لأخيه من موسى لهرون حين سأل الله سبحانه أن
يشركه معه في النبوة). ولكن هذا الإعرابي ذهل عن العلة الموجبة لذلك، وهي العقدة في
لسان موسى. نقول هذا، ونحن على علم اليقين بأن الهدف الأساس لموسى (ع) إعلاء كلمة
الله والدين، وأنه معصوم عن الذاتية والأنانية، لكن نلوح من بعيد للعديد من الإخوان
والخلان، عسى أنة يتعظوا ويعتبروا.
(36): ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾: لقد أعطاك ربك كل ما طلبت من سعة
الصدر، وتيسير الأمر وشد الأزر وغير ذلك.
(37): ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّ﴾: أنعمنا ﴿عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾.
(38): ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ﴾: بالإلهام أو المنام ﴿مَا يُوحَى﴾: من
التدبير المحكم لسلامتك من كل مكروه ومن ذلك.
(39): ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾: ضعيه في الصندوق ﴿فَاقْذِفِيهِ﴾: القي
الصندوق ﴿فِي الْيَمّ﴾: البحر والمراد به هنا النيل، ففعلت ذلك ﴿فَلْيُلْقِهِ
الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾: يقذفه الموج إلى الشاطئ ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي
وَعَدُوٌّ لَّهُ﴾: وهو فرعون ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾: جعلتك
محبوبًا عند عدوي وعدوك ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾: أي تتم حضانتك وتربيتك
برعايتي وعنايتي.
(40): ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ﴾:
كان موسى لا يقبل ثدي امرأة، فحار فرعون، وبذل الجهد في طلب مرضعة له، فذهبت أخته
إلى قصر فرعون وقال: أنا أدلكم على من يرضعه ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾: عرضت عليه ثديها فقبله، ورضع منه، ففرح فرعون،
وأجزل لها العطاء ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسً﴾: وهو الفرعوني الذي وكزه موسى فقضى عليه،
وتأتي إليه الإشارة في الآية 15 من القصص ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾: من الخوف
الذي أصابك بعد قتل الفرعوني أن يأخذوك به ويقتلوك ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونً﴾:
امتحناك واختبرناك بالعديد من الشدائد، فوجدناك أهلاً للنبوة والرسالة ﴿فَلَبِثْتَ
سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾: إشارة إلى ما يأتي في الآية 27 من القصص وأن موسى
رعى غنم شعيب في مدين عشر سنين ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾: أتيت إلى
هذا المكان الذي أنت فيه الآن بالوقت المحدد والمقدر لنبوتك.
(41): ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾: اخترتك للوحي وتبليغ رسالتي.
(42): ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي﴾: بالمعجزات الخارقة الدالة على
رسالتكما، وأهمها العصا واليد البيضاء﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾: لا تضعفا
وتقصِّرا في الدعوة إلى الله سبحانه.
(43): ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾: في البلاد، وأكثر فيها الفساد.
(44): ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾:
هكذا يعلِّمنا رب السماء أُسلوب الدعوة ألى الحق: بالرفق واللين، لا بالقسوة
والحماقة حتى مع فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى فهل يتعظ الزاهد الطعّان والواعظ
الغضبان؟ وفي الآية 147 من الأنعام (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة) والخطاب
لمحمد (ص).
(45): ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن
يَطْغَى﴾: إنك تعلم يا إلهنا جبروت فرعون وعتّوه، ولا رادع له عن قتلنا أو التنكيل
بقومنا.
(46): ﴿قَالَ﴾: سبحانه لهما: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾:
لا تهابا سلطان فرعون وبطشه، فأنا لكما في النصر عليه، ومعكما في الحفظ منه.
(47) – (48): ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا... ﴾: تقدم في الآية 104 من الأعراف.
(49): ﴿قَالَ﴾: فرعون: ﴿فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾: قال موسى وهرون لفرعون ما
أمر الله به، فأجاب منكرًا وجود إله سواه كما في الآية 38 من القصص...
(50): قَالَ﴾: موسى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَى﴾: ربنا الذي خلق فرعون وكل الخلائق من الذرة الصغيرة إلى المجرات الكبيرة...
إلى كل شيء، وأودع في كل مخلوق ما يحفظ كيانه وبقاءه وسيره إلى حاجته والغاية التي
خلق من أجلها.
(51): ﴿قَالَ﴾: فرعون: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾: إذا كان هناك رب كما
وصفت وزعمت فلماذا الأولون عبدوا الأصنام ولم يعبدوه؟ وهذا الجواب يحمل في صلبه
الدليل على نقضه وفساده، لأنه تمامًا كقول القائل: لو كان للشمس وجود لرآها من لا
يبصر!.
(52): ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي... ﴾: لماذا تزوغ عن الجواب، وتفزع من موضوع
إلى موضوع، من كفرك وطغيانك إلى القرون الخالية... إن علمها عند الله الذي لا تخفى
عليه خافية.
(53): ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدً﴾: فراشًا ومستقرًا فأين أنت يا
فرعون من خلق ذرّة فما دونها ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلً﴾: طرقًا تسلكونها
﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء﴾: فَأنْزِلْ أنت قطرة واحدة.
(54): ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ﴾: خلق سبحانه الإنسان والحيوان، وهيأ لهما
أسباب الحياة من الأرزاق والأقوات.﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾: دلائل وبراهين على
أنه لا إله إلا الله لِّأُوْلِي النُّهَى﴾: لأرباب العقول الذين ينتهون عن القبائح
والجرائم.
(55): ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى﴾: واضح، وتقدم في الآية 25 من الأعراف.
(56): ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾: فرعون ﴿آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى﴾: عرض
موسى على فرعون المعجزات الواضحة والحجج البالغة، فرفضها كفرًا وبغيًا وعتّوًا
وتمردًا. ولماذا هذا العناد؟ للحرص على الجاه والسلطان. ولا يختص هذا بفرعون موسى
ونمرود إبراهيم، بل يشمل الكل أو الجل، كما جاء في الأشعار (كلنا يطلب ذا حتى أنا).
(57): ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾:
ضيّق موسى على فرعون، وأخذ بخناقه، ولم يدع له أي حجة أو جواب، فلجأ إلى التهم
والافتراء بأنه ساحر، يريد أن يطرد أصحاب الجاه والسلطان من مصر، ويستولي على
الملك.
(58): ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ... ﴾: لا يغرنك ما أنت فإن عندنا مثل
ما عندك وزيادة، فاجعل بيننا وبينك يومًا للمباراة.
(59): ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾:
اختار موسى يوم العيد لأنه يوم عطلة، يكثر فيه الحشود والشهود، واختار الضحى من يوم
العيد لأنه أظهر وأجمع، ويدل هذا على ثقته ويقينه، وأن الله ناصره لا محالة.
(60): ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾: جد واجتهد في جمع
السحرة، وأتى بهم حاشرون كما في الآية 112 من الأعراف.
(61): ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَى﴾: واعظًا ومحذرًا: أيها السحرة ﴿وَيْلَكُمْ لَا
تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبً﴾: لا تموهوا على أعين الناس فتظهروا الأوهام في
ثوب الحقائق ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾: فيستأصلكم الله ويهلككم ﴿بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ
مَنِ افْتَرَى﴾: على المخلوق فكيف بمن يفتري على خالق السموات والأرض؟ وكان لهذا
النداء من موسى أثره عند بعض السحرة بدليل قوله تعالى:
(62): ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾: اختلف السحرة
فيما بينهم سرًا، وفي الخفاء عن موسى وفرعون قال بعضهم: ما هذا التحذير بقول ساحر،
وعارض البعض الآخر وفي النهاية تغلَّب أنصار الضلال الذين..
(63): ﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾: إنْ مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي
أنه وهذان مبتدأ وساحران خبر، والجملة خبر ان، واللام للفرق بين ان المخففة وان
النافية ﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَ﴾:يريدان أن
يتبعهما الناس عن طريق السحر، ويتغلبا على فرعون، ويستوليا على مصر ﴿وَيَذْهَبَا
بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾: أن يتغلبا عليكم بالسحر، ويتفردا به من دونكم، ولا
يبقى لكم أي طريق للرزق والعيش.
(64): ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾: مكركم ودهاءكم ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّ﴾: ألقوا ما
في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار.
(65) – (66): ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ... ﴾: تقدم في الآية 115 من
الأعراف.
(67): ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى﴾: أن يلتبس الأمر على الناس،
ويخدعوا بهذا الظاهر المموه، ولكن الله سبحانه قطع مخافته بندائه:
(68): ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى﴾: لأنك المحِقّ وهم المبطلون.
(69) – (73): ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا... ﴾: فانتصر
الحق، وزهق الباطل، وتقدم في الآية 117 من الأعراف وما بعدها ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ
قَاضٍ﴾: افعل ما شئت، فإن الغالب بالشر مغلوب ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَ﴾: حلوة كانت أو مرة ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾: منك ومن ثوابك.
(74): ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمً﴾: يلقى الله يوم القيامة بالأوزار
والآثام ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَ﴾: حتى يجد الراحة ﴿وَلَا
يَحْيى﴾: إلا في العذاب وشدته.
(75) – (76): ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ﴾: من يلق الله
يوم القيامة بقلب سليم وعمل صالح نافع ﴿فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ
الْعُلَى﴾: في الجنة منازل ومراتب تبعًا للإخلاص والأعمال، ونحن نبتغي أعلاها
بالتضحية والاستشهاد في سبيل الله والحق.
(77) – (79): ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي... ﴾:
تقدم في الآية 50 من البقرة و138 من الأعراف و90 من يونس.
(80): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ﴾: فرعون الذي
كان يسومكم سوء العذاب، يذبح أبناءكم ويستحيي نساءكم ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ
الطُّورِ الْأَيْمَنَ﴾: يشير سبحانه بهذا إلى الوعد الذي وعده موسى بعد أن أغرق
فرعون، وهو أن يأتي موسى وبنو إسرائيل إلى جانب طور سيناء، فينزل عليه سبحانه
التوراة ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى...﴾: تقدم بالنص الحرفي في
الآية 57 من البقرة.
(81): ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾: في الطيب
من الرزق ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ
هَوَى﴾: لما ذكر سبحانه بني إسرائيل بِنِعمه الجسام، قال لهم: لا تتخذوا منها أداة
للعتو والفساد وإلا فعلنا بكم ما فعلنا بفرعون وجنوده ويدلنا التاريخ والعيان – في
الأعم الأغلب – أن المظلوم إذا قوي وانتصر على ظالمه طغى طغيانه وزيادة، ومن أصدق
من الله حديثًا: (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) أي رأى نفسه غنيًا.
(82): ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى﴾: ومع هذا فإن الله سبحانه لا يعجل بالنقمة ممن طغى وبغى، بل يمهل ويؤجل،
عسى أن يؤوب ويتوب، وهو يقبل التوبة بشروط أربعة كما في هذه الآية وهي: 1) الندم عل
ما كان، 2) الإيمان بالحق أينما كان، 3) العمل بموجب الإيمان، 4) الاهتداء أي
الاستمرار على الإيمان.
(83): ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى﴾: بعد هلاك فرعون أمر سبحانه موسى
أن يسير هو وبنو إسرائيل إلى جبل الطور، فأسرع موسى عَجِلاً ومشتاقًا إلى مناجاة
ربه، واستخلف على قومه أخاه هارون، وأمرهم أن يلحقوا به، ولذا سأل سبحانه موسى:
لماذا سبق قومه وهو أعلم، ولكن ليخبره عما أحدثوا من بعده.
(84): ﴿قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾:
لتزيدني رضا، وأزداد منك أجرًا.
(85): ﴿قَالَ﴾: سبحانه لموسى: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾:
امتحناهم ليظهروا على حقيقتهم ﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾: الذي صنع لهم العجل.
(86): ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفً﴾: واضح، وتقدم في الآية
150 من الأعراف ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنً﴾:
هل نسيتم فضله عليكم، وأخيرًا وعده بأن تصلوا إلى جبل الطور؟ ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ
الْعَهْدُ﴾: أي مدة غيابي عنكم ﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ
مِّن رَّبِّكُمْ﴾: عذابه في الدنيا والآخرة، وإذا ارتد اليهود عن دين موسى وهو قائم
على رؤوسهم، فماذا تكون الحال من بعده؟ ﴿فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي﴾: وعدتموني
بالثبات على دين الله، فنكثتم وارتددتم.
(87) – (89): ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَ﴾: نحن لا نملك أمرنا
لأنا مسيَّرون لا مخيَّرون! هكذا يلقي المجرم تبعة سلوكه على القضاء والقدر أو على
الآخرين ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ﴾: المراد
بالأوزار: الأثقال، وزينة القوم: حلي النساء الفرعونيات التي استعاروها للعرس أو
للعيد، وحملوها معهم ﴿فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾: صنع عجلاً
من ذهب بطريقة إذا مرَّ عليه الريح أحدث صوتًا، وخوارًا، وبهذا يتبيَّن لنا أن
القرآن ينسب صنع العجل إلى السامري، أما التوراة المتداولة فتسند صنع العجل إلى
هرون النبي بكل صراحة، فقد جاء في سفر الخروج أول الإصحاح الثاني والثلاثين ما نصه
بالحرف الواحد: ولما رأى الشعب –بنو إسرائيل– أن موسى أبطأ في النزول من الجبل
اجتمع الشعب على هرون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل
الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه، فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي
في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب، واتوا بها
إلى هرون، فأخذ ذلك، وصوره بالإزميل، وصنعه عجلاً مسبوكًا، فقالوا: هذه آلهتك يا
إسرائيل، فلما نظر هرون بنى مذبحًا أمامه، ونادى غدًا عيد للرب) نقلنا هذا النص
بحرفه وعلى طوله علمًا بأن هذا الموجز يضيق عنه، ولكن سنطوي الكلام حول الآيات
الآتية لوضوحها وتقدم ذكرها، ومن جهة ثانية أردنا أن يوازن القارئ أو يقارن بين نص
التوراة المنسوب إليه تعالى في حق نبيَّه المعصوم هرون، وبين نص القرآن الكريم في
هرون وقصته مع العجل، وهو قوله تعالى:
(90): ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ﴾: لعبدة العجل ﴿هَارُونُ مِن قَبْلُ﴾: أن يعود موسى:
﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ﴾: ضللتم بعبادة العجل ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ
الرَّحْمَنُ﴾: الذي خلق كل شيء ﴿فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾: في ترك العجل
وعبادته.
(91): ﴿قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾: مقيمين على عبادة العجل
﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾: جاء في تفسير الرازي نهج البلاغة، أن يهوديًا
قال للإمام عليّ (ع): (ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه؟ قال (ع): إنما اختلفنا عنه
لا فيه، ولكنكم ما جفَّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: اجعل لنا آلهة فقال:
إنكم قوم تجهلون).
(92) – (94): ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ... ﴾: تقدم في الآية 150 من
الأعراف.
(95): ﴿قَالَ﴾: موسى: ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾: ما حملك على ما صنعت؟.
(96): ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾: رأيت ما لم ير غيري
﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَ﴾:ألقيتها ولم يبيّن
سبحانه أين ألقاها، ولكن المفسرين قالوا: ألقاها عل الحلي فتحولت عجلاً!... ونحن
غير مسئولين عما لا نص فيه، فندعه في طي الكتمان.
(97) – (98): ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا
مِسَاسَ﴾: أي عقابك في الدنيا أن تكون منبوذًا من كل الناس لا مخالطة أو مكالمة أو
مؤاكلة أو أي شيء تمامًا كوحش في صحراء لا شيء فيها إطلاقً﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا
لَّنْ تُخْلَفَهُ﴾: وهو لقاؤك مع الله، وجزاؤك على ما أسلفت واقترفت ﴿وَانظُرْ
إِلَى إِلَهِكَ... ﴾:حرق موسى العجل، وألقى برماده في البحر مع القمامة على مرأى من
الذين صنعوه وعبدوه وهذي نهاية كل مزيَّف ماكر ومخادع غادر.
(99): ﴿كَذَلِكَ﴾: إشارة إلى قصة موسى وغرائبها ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾: يا محمد ﴿مِنْ
أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ﴾: من الأمم الماضية، وهي عبرة وعظة لمن يتذكر أو يخشى
﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرً﴾: القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه.
(100): 2015-12-10