يتم التحميل...

رسالة الإمام علي عليه السلام لأحد ولاته

رجب

من الرسائل التي بعثها الإمام علي عليه السلام إلى ولاته تلك الرسالة التي تحتوي على أرقى التعاليم في السياسة التربويّة والمناهج الأخلاقيّة والسلوكيّة وهي رسالته إلى واليه على البصرة عثمان بن حُنَيْف، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها.

عدد الزوار: 328

رسالة الإمام علي عليه السلام لأحد ولاته
المناسبة: ولادة الإمام علي عليه السلام


نبارك للإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف وولي الأمر في غيبته الإمام الخامنئي مدّ ظلّه العالي وللمسلمين جميعاً لا سيما المجاهدين ذكرى ولادة أمير المؤمنين ومولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. من الرسائل التي بعثها الإمام علي عليه السلام إلى ولاته تلك الرسالة التي تحتوي على أرقى التعاليم في السياسة التربويّة والمناهج الأخلاقيّة والسلوكيّة وهي رسالته إلى واليه على البصرة عثمان بن حُنَيْف، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها.

وها هو أمير المؤمنين عليه السلام ذلك الحاكم لدولة تمتدّ من خراسان إلى مصر، يضع لنفسه ولحكّام ولاياته برنامجاً في السلوك وكيفيّة الاقتداء بالأسوة الحسنة، وممّا جاء في هذه الرسالة:

"أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ (أطباق الطعام)، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ (فقيرهم) مَجْفُوٌّ (غير مدعوّ) وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ‏ (القضم: الأكل بأطراف الأسنان) مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ.

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ. أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ (الطِّمر:الثوب البالي؛ والطِّمران: الإزار والرداء) وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ. أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ. فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ. وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً (عظيم البطن من الأكل) وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى (جَوعى) وَأَكْبَادٌ حَرَّى (عطشى)، أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ؟ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا (أكلُ الشّاة ما بين يدَيها بمقمّتها أي بشفتيها)؛ تَكْتَرِشُ (تملأ كرشها) مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا.

طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا (يقال: يعرك الأذى بجنبه أي يحتمله) بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى (النعاس) عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ (أي زالت) بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ، ﴿..أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22، فَاتَّقِ اللهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُك".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2015-05-04