يتم التحميل...

عود على بدء

عصمة الأنبياء في القرأن

فلنرجع إلى دراسة وجود جذور عصمة النبي في كلام على (عليه السلام) حيث إنّه يصف النبي في الخطبة القاصعة بقوله:

عدد الزوار: 218

فلنرجع إلى دراسة وجود جذور عصمة النبي في كلام على (عليه السلام) حيث إنّه يصف النبي في الخطبة القاصعة بقوله:
ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيمًا أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ودلالة هذه القمة العالية من هذه الخطبة على عصمة النبي في القول والعمل عن الخطأ والزلل واضحة، فإنّ من رباه أعظم ملك من ملائكة الله سبحانه من لدن أن كان فطيمًا، إلى أُخريات حياته الشريفة، لا تنفك عن المصونية من الانحراف والخطأ، كيف وهذا الملك يسلك به طريق المكارم، ويربيه على محاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، وليست المعصية إلاّ سلوك طريق المآثم ومساوىَ الأخلاق، ومن يسلك الطريق الأوّل يكون متجنبًا عن سلوك الطريق الثاني.

إنّ الإمام أمير المؤمنين لا يصف خصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعصمة في هذه الخطبة، بل يصف آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبرهم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ودعاية". لاحظ هذا الكلام وأمعن النظر فيه هل ترى كلمة أوضح في الدلالة على مصونيتهم من الذنوب وعصمتهم عن الآثام من قوله: "لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه" أي لا يعدلون عن الحق، ولا يختلفون فيه، قولاً وفعلاً كما يختلف غيرهم من الفرق، وأرباب المذاهب، فمنهم من له في المسألة قولان، أو أكثر، ومنهم من يقول قولاً ثم يرجع عنه، ومنهم من يرى في أُصول الدين رأيًا ثم ينفيه ويتركه.

إنّ الإمام يصف آل النبي بقوله: "عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية" أي عرفوا الدين، وعلموه، معرفة من فهم الشيء وأتقنه، ووعوا الدين وحفظوه، وحاطوه ليس كما يعقله غيرهم عن سماع ودعاية".

وعلى الجملة انّ قوله (عليه السلام): "لا يخالفون الحق"، دليل على العصمة عن المعصية وقوله:"عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية" دليل على مصونيتهم عن الخطأ، وسلامتهم في فهم الدين ووعيه.

والإمام لا يكتفي ببيان عصمة آل رسول الله بهذين الكلامين، بل يصف أحب عباد الله إليه بعبارات وجمل تساوق العصمة، وتعادلها، إذ يقول:
"أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه، وأعدّ القرى ليومه النازل به، فقرّب على نفسه البعيد، وهوّن الشديد، نظر فأبصر، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده فشرب نهلاً، وسلك سبيلاً جددًا، قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلّى من الهموم إلاّ همًا واحدًا انفرد به، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره وقطع غماره، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم، قد أخلص لله فاستخلصه فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية، إلاّ أمّها، ولا مظنة إلاّ قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله. ولا أرى أحدًا نظر في هذه الخطبة، وأمعن النظر في عباراته وجمله، إلاّ وأيقن أنّ الموصوف بهذه الصفات في القمة الأعلى من العصمة. فهل ترى من نفسك انّ من لا يكون له إلاّ هم واحد وهو الوقوف عند حدود الشريعة ومن ألزم على نفسه العدل ونفي الهوى عن نفسه، أن لا يكون مصونًا من المعصية، ومعتصمًا من الزلل، كيف وقد أمكن القرآن من زمامه، فهو قائده وإمامه يحل حيث حل، وينزل حيث نزل.

قال ابن أبي الحديد: إنّ هذا الكلام منه أخذ أصحابه علم الطريقة والحقيقة وهو تصريح بحال العارف ومكانته من الله، والعرفان درجة حال رفيعة شريفة جدًا مناسبة للنبوة ويختص الله تعالى بها من يقربه إليه من خلقه.

وقال أيضًا: إنّ هذه الصفات والشروط والنعوت التي ذكرها في شرح حال العارف إنّما يعني بها نفسه، وهو من الكلام الذي له ظاهر وباطن، فظاهره أن يشرح حال العارف المطلق، وباطنه أن يشرح حال العارف المعين وهو نفسه (عليه السلام).

ثم إنّ الشارح الحديدي أخذ في تفسير هذه الصفات والشروط واحدًا بعد آخر، إلى أن بلغ إلى الشرط السادس عشر ومن أراد الوقوف على أهداف الخطبة فليرجع إليه وإلى غيره من الشروح.

هذه جذور المسألة في الكتاب والسنّة، نعم انّ المتكلمين هم الذين عنونوا مسألة العصمة وطرحوها في الأوساط الإسلامية، فذهبت العدلية من الشيعة والمعتزلة إلى جانب النفي والسلب على أقوال وتفاصيل بين طوائفهم، وقد أقام كل فريق دليلاً على مدعاه.

ولا يمكن أن ينكر أنّ المناظرات التي دارت بين الإمام على بن موسى الرضا وأهل المقالات من الفرق الإسلامية قد أعطت للمسألة مكانة خاصة، فقد أبطل الإمام الرضا (عليه السلام) كثيرًا من حجج المخالفين في مجال نفى العصمة عن الأنبياء عامة والنبي الأعظم خاصة، ولولا خوف الإطالة لأتينا ببعض هذه المناظرات التي دارت بين الإمام (عليه السلام) وأهل المقالات من الفرق الإسلامية، وإن شئت الوقوف عليها فراجع بحار الأنوار. وسوف نرجع في نهاية المطاف إلى تفسير بعض الآيات التي تمسّك بها المخالف في مجال نفى العصمة عن الأنبياء .

 

2015-04-20