آداب الليالي والأسحار
في رحاب الشهر المبارك
هي الغنائم من الليالي والأيام، فلياليه أفضل الليالي، كيف لا وفيها ليلة القدر، و ليلة القدر خير من ألف شهر، فما هي آداب الليالي الأسحار الرمضانيَّة المباركة؟
عدد الزوار: 312
تمهيد:
هي الغنائم من الليالي والأيام، فلياليه أفضل الليالي، كيف لا وفيها ليلة القدر، و
ليلة القدر خير من ألف شهر، فما هي آداب الليالي الأسحار الرمضانيَّة المباركة؟
1- التهجُّد والدعاء
فعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم :"... وتوبوا إلى الله من ذنوبكم.
وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنَّها أفضل الساعات ينظر الله عزَّ
وجلَّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبِّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم
إذا دعوه. أيُّها النَّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهور كم
ثقيلة من أوزار كم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره أقسم
بعزَّته أن لا يعذِّب المصلِّين والساجدين، وأن لا يروِّعهم بالنَّار يوم يقوم
النَّاس لربِّ العالمين"1.
ولمن يراجع كتب الأدعية والزيارات، يرى أعمال الليالي في شهر رمضان، فلكلِّ ليلة
عملها الخاص وأدعيتها الخاصة، وصلاتها أيضاً.
وأهمُّ أدعية السَّحر: دعائَي البهاء وأبي حمزة الثمالي رحمه الله تعالى، وكذا
الدعاء المعروف(يا عدَّتي)، و(دعاء يا مفزعي ) وهو أكثر الأدعية اختصاراً، ومن
أدعية السَّحر الدعاء المعروف باسم دعاء إدريس صلى الله عليه وآله وسلم.
2- إحياء ليالي القدر
وهي أعظم الليالي التي ينبغي أن يحسن استغلالها فهي ليلة القدر، فعن أبي عبد الله
الصادق عليه السلام، قال له بعض أصحابه: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال
عليه السلام :"العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"2.
فهي ليلة الثواب المضاعف، التي كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا أقبلت
لياليها طوى فراشه واجتهد في الانقطاع إلى الله تعالى: فعن أبي بصير قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام :"كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا دخل العشر
الأواخر شدَّ الميزر، واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرَّغ للعبادة"3.
وعن زرارة: عن أبي جعفر عليه السلام أنَّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم سئل عن
ليلة القدر؟ فقام خطيباً فقال بعد الثناء على الله عزَّ وجلَّ:"أمَّا بعد،
فإنَّكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأنِّي لم أكن بها عالما، اعلموا
أيُّها النَّاس، أنَّه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح فصام نهاره، وقام ورداً من
ليله، وواظب على صلاته، وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز
بجائزة الربِّ عزّ وجلّ. قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام : فازوا والله بجوائز
ليست كجوائز العباد"4.
3- السحور
وهو من المستحبَّات الأكيدة، وهو الذي يقوِّي الصائم على الصوم، عن الإمام الصادق
عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال:"قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم
: تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار، وبالنَّوم عند القيلولة على قيام الّليل"5.
وللقيام إليه أجر كبير، فعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :"السحور بركة"6،
وعن الإمام الصادق عليه السلام حينما سأاه بعض أصحابه عن السحور لمن أراد الصوم،
أواجب هو عليه؟ فقال عليه السلام :"لا بأس بأن لا يتسحر إن شاء، وأمَّا في شهر
رمضان فإنَّه أفضل أن يتسحر، نحبُّ أن لا يترك في شهر رمضان"7.
ولا ينبغي ترك السحور ولو بشرب الماء، لكي لا يفوت فضله وما فيه من صلاة الله تعالى
على المتسحِّر، فعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه و آله وسلم :"تسحَّروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على
المتسحِّرين"8.
وعن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم أنَّه قال:"إنَّ الله تبارك وتعالى
وملائكته يصلُّون على المتسحِّرين والمستغفرين بالأسحار، فليتسحَّر أحدكم ولو بشربة
من ماء"9.
ماذا نتسحر؟
ندبت الرِّوايات الشَّريفة إلى أصناف معينة يستحبُّ التسحُّر عليها، وأولها التمر،
والسويق وهو القمح المبلول بالماء أو اللبن، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال:"أفضل
سحوركم السويق والتمر"10.
وكذلك يستحبُّ الزبيب، فعن الإمام الباقر عليه السلام :"كان رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم يفطر على الأسودين، قيل: رحمك الله وما الأسودان؟ قال: التمر
والماء والزبيب والماء، ويتسحر بهما"11.
4- الوصال في الليلة الأولى
فقد كان إتيان الأهل في ليالي شهر رمضان في أول الإسلام محرَّماً على المسلمين، ثمَّ
أحلَّ الله لهم ذلك، وتشير بعض الرِّوايات إلى رجحان إتيان الأهل في الليلة الأولى
من شهر رمضان خلافاً لسائر الشهور.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه عن آبائه عليه السلام أنَّ علياً
عليه السلام قال:"يستحبُّ للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله عزَّ
وجلَّ:
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾"12.
وداع شهر رمضان
كما استقبلنا شهر الله تعالى بالدعاء عند رؤية الهلال، وتهيَّأنا له من آخر أيام
شهر شعبان المعظَّم، فعلينا وداع شهر الله تعالى بخير وداع، وذلك باستغلال آخر
لياليه المباركة بالتقرُّب إلى الله تعالى ما أمكننا منها، وكذا العمل لكي لا يمضي
الشهر المبارك علينا بدون أن تُعتَق رقابنا من النَّار، ويغفر الله تعالى لنا ما
ارتكب من الذنوب فيما سلف، وهذا ما يستشفُّ من خلال الإطلاع على مضامين الأدعية
الواردة في وداع شهر الله تعالى، وعن إمامنا ومولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى
فرجه الشريف أنَّه كتب إلى محمَّد بن عبد الله بن جعفر الحميري في جواب مسائله، حيث
سأله عن وداع شهر رمضان، متى يكون؟ قد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: يقرأ في آخر
ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه، إذا رؤي هلال شوال: التوقيع:"العمل
في شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإن خاف أن ينقص الشهر جعله
في ليلتين"13.
وعمل ليلة الوداع موجود في كتب الأدعية والزيارات، ومن أهمَّ الأدعية في هذه الليلة
الدعاء الوارد في الصحيفة السجاديَّة للإمام زين العابدين عليه السلام، وهو الدعاء
الخامس والأربعون منها، وأوله:"أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ،
وَلاَ يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَآءِ، وَيَا مَنْ لاَ يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى
السَّوآءِ، مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ، وَعُقُوبَتُكَ عَـدْلٌ،
وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ، إنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَآءَكَ بِمَنٍّ، وَإنْ
مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّيا تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ
أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ...".
*اداب الصوم , سلسلة الاداب والسنن, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- المجلسي-محمَّد
باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 93 ص 357
2- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية
1414 ه.ق.- ج 10- ص 351
3- م.س- ج 10- ص 352
4- م.س- ج 10- ص 303
5- م.س- ج 10- ص 144- 145
6- م.س- ج 10- ص 143
7- م.س- ج 10- ص 142- 143
8- م.س- ج 10- ص 144
9- م.س- ج 10- ص 145- 146
10- م.س- ج 10- ص 146
11- م.س- ج 10- ص 146
12- م.س- ج 10- ص 349
13- م.س- ج 10- ص 364