طلب العلم ضرورة لتهذيب النفس
درب الهداية
تهذيب النفس شرطٌ أساسي لبلوغ المقامات الإنسانية الشامخة، والكمالات المعنوية الرفيعة، والسعادة الأبدية الخالصة. وهو بالدرجة الأولى تخلية النفس من الصفات والأخلاق السلبية والرذيلة والتحلي بالأخلاق الحسنة والفاضلة.
عدد الزوار: 418
تهذيب النفس شرطٌ أساسي لبلوغ المقامات الإنسانية الشامخة، والكمالات المعنوية
الرفيعة، والسعادة الأبدية الخالصة. وهو بالدرجة الأولى تخلية النفس من الصفات
والأخلاق السلبية والرذيلة والتحلي بالأخلاق الحسنة والفاضلة. والتقوى والطاعة لله
سبحانه وتعالى هما الطريق الأسلم والمنهج الأقوم لمخالفة هذه النفس وترويضها حتى
تصبح طيّعةً لأمر الحق فلا تعمل بخلاف إرادته ومشيئته، فتدخل بذلك في عباد الله
الصالحين وتصبح مؤهّلة للتحلي بالأخلاق الحميدة والصفات الإلهية. ولكن تحقق هذا
الشرط متوقفٌ على أمرٍ أساسيٍ ومهمٍ جداً، من دونه يصبح الوصول إلى هذا المقصد
الشريف أمراً متعذراً إن لم يكن مستحيلاً، وهو المعرفة الصحيحة. فالمعرفة الصحيحة
هي مقدمة لكل إصلاحٍ نفسي، وعبادة شرعية، وعمل صالح. وأما اكتساب المعرفة فطريقه
الوحيد هو طلب العلم.
طلب العلم تكليف إلهي
الإسلام هو الطريق للوصول إلى السعادة الحقيقية. وهو يمثّل مجموعة كبيرة من
التعاليم والأحكام الشرعية، والعقائدية، والأخلاقية وغيرها.. ولن يصل الإنسان إلى
مبتغاه من السعادة والكمال إلا في ظلّ الطاعة لله والالتزام التام بقوانين الحق
وأحكامه. والالتزام بالأحكام الإلهية بحاجة إلى معرفةٍ وعلمٍ بهذه الأحكام لكي
يتمكّن الفرد المسلم من تطبيقها والعمل بها فيغدو مسلماً بحق. لذا كان طلب العلم
واجباً على كل مسلم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة
على كل مسلم"1، لأنه الباب الذي من خلاله يعرف المسلم دينه، والمعرفة الصحيحة
بالدين مقدمة للإيمان الصادق والحقيقي، والعمل الصحيح والمقبول.
وعن أَمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "أَيها الناس اعلموا أَن كمال الدين طلب
العلم والعمل به، أَلا وإن طلب العلم أَوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسومٌ
مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أَهله وقد أُمرتم
بطلبه من أَهله فاطلبوه"2.
ولأن الطاعة التي هي الطريق الوحيد للنجاة من العذاب غير ممكنة من دون المعرفة بمن
تجب علينا طاعته، وبما يريده منا، كان طلب العلم واجباً كما ورد عن الإمام الكاظم
عليه السلام: "نُصِبَ الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم،
والعلم بالتعلم"3.
العلم غاية وجود الإنسان
لقد بلغ فضل العلم وأهميته إلى الحد الذي جُعل الهدف من خلق الإنسان والغاية من
وجوده في هذا العالم، فعن الإمام الصّادق عليه السلام قال: "خرج الحسين بن عليّ
عليهما السلام على أصحابه وقال: أيّها النّاس إن اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا
ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه"4.
من هنا نفهم معنى قوله تعالى حيث قال في معرض تعليله للهدف من خلق الإنسان: ﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾5، حيث فسّر بعض المفسرين6 قوله
تعالى: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ أي ليعرفون، لأنه لا عبادة من دون معرفة، فالمعرفة بالمعبود
سابقة على العبادة له، فلا يمكن أن تصحّ عبادةٌ من دون معرفة.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى العلم أول منّة امتنّ بها على آدم بعد خلقه لما للعلم
من فضلٍ وأهمية حيث قال في أول سورة أنزلها على نبيّه محمد صلى الله عليه وآله
وسلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ
الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾7، فاختصّ الله تعالى الإنسان بوصف الأكرمية لأنه
علّمه العلم وفتح له بابه، حتى جعل أمير المؤمنين علي عليه السلام قيمة المرء مقدار
ما يعلمه حيث قال: "قيمة كل امرئ ما يعلم"8.
وقد حذّر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من مغبّة الاستخفاف بالعلم أو
إهماله لأن من دونه يكون الهلاك: "اغدُ عالما أَو متعَلما أَو مستمعا أَو محباً لهم
ولا تكن الخامس فتهلك"9.
أهمية طلب العلم
1- طلب العلم وسيلة لتطبيق الأحكام والفرائض:
الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمتلك الأحكام الشاملة لكل شأنٍ أو حادثةٍ في الحياة،
ولهذا فهو البرنامج الأوحد لمخالفة النفس لأنه البرنامج الصادر عن خالق الخلائق
أجمعين الذي يعلم حاجاتنا وشؤوننا كلّها. وهذا البرنامج ليس سوى الشريعة التي هي
عبارة عن الأحكام الصادرة عن المولى القدير في كل شأنٍ من شؤون حياتنا. والطاعة لله
عزّ وجلّ لن تتحقّق إلا باتّباع هذه الشريعة والعمل بأركانها. واتّباعها يحتاج إلى
المعرفة المسبقة بأحكامها وقوانينها لكي يُصار إلى تطبيقها والالتزام بها. فالصلاة،
الصوم، والحج، والخمس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطهارات والنجاسات
وغيرها من الفرائض، كلها أحكامٌ فرضها الله تعالى علينا وحثّنا على الإتيان بها
وعدم التخلف، لأنها أصل كل سعادة ومنبع كل خير. من هنا كانت الحاجة إلى طلب العلم
وتعلّم الأحكام والمسائل الشرعية، لأنها الباب الذي من خلاله نلتزم بما فرضه الله
علينا، فنحظى بفرصة الدنوّ منه والتقرّب إليه كما قال تعالى في الحديث القدسي: "ما
تقرب إليّ عبدٌ بشيءٍ أَحب إلي مما افترضت عليه"10. أما الجهل بأحكام الله وحقوقه
علينا فإن صاحبه لا يُعذر بل سيكون الباري تعالى خصيمه يوم القيامة، فقد سُئل
الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾11،
فقال: "إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أكنت عالماً؟ فإن قال: نعم، قال:
أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلًا، قال: أفلا تعلّمت حتى تعمل؟ فيخصمه، وتلك
الحجّة البالغة"12.
2- طلب العلم وسيلة لمعرفة الأمراض الأخلاقية:
من يريد أن يهذّب نفسه عليه أولاً أن يشخّص عيوبها بدقّة، من خلال التعرّف إلى هذه
العيوب عن طريق معرفة الصفات الذميمة والأفعال القبيحة، ليتمكن لاحقاً من معالجتها.
فالمعرفة المسبقة بالأخلاق الفاضلة والصفات الرذيلة، أنواعها، مناشئها، آثارها، طرق
معالجتها، تساعد الإنسان على تشخيص عيوب نفسه واكتشاف أمراضه الأخلاقية. وباكتشافه
للمشكلة يكون قد قطع نصف الطريق ويبقى عليه النصف الآخر وهو العمل على تطهير هذه
النفس من هذه الآفات. فالمبتلى بمرض الحسد أو البخل أو الغيبة مثلاً، كيف له أن
يعرف أنه كذلك إن لم يكن على اطّلاعٍ ومعرفةٍ بهذه الأمراض وبمدى خطورتها وتأثيرها
الهدّام على إيمانه وارتباطه بالله تعالى!؟ إذاً، تهذيب النفس غير ممكنٍ من دون
المعرفة بعلل وأمراض هذه النفس. من هنا وجب على كل سالكٍ لطريق الحق والمجاهدة أن
يسلك طريق العلم أيضاً لأنه السبيل الوحيد لمعرفة الشوائب والعوائق التي تحول بين
الإنسان وربه. كالطبيب الذي يريد أن يعالج داءً ما، حيث من المتعذّر عليه أن يعطي
الدواء المناسب إذا لم يكن على علمٍ ودرايةٍ بالمرض ونوعه ليحدّد بعد ذلك كيفية
معالجته. من هنا يتعيّن على كل من يريد تهذيب نفسه وتشخيص عيوبها أن يتعرّف إلى ما
ورد عن الشارع المقدّس في تحديد العيوب النفسية وإلا فقد يجاهد نفسه ويتعبها فترةً
وهو يضاعف عيوبها من حيث لا يعلم. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "كفى بالمرء
جهلاً أن يجهل نفسه"13، لأن الجهل بالنفس منشأ كل الشرور والمفاسد.
3- طلب العلم باب الاعتقاد الصحيح:
النفس الإنسانية كما أنها بحاجة إلى التنقية والتهذيب من الرذائل والأخلاق السيئة،
هي بحاجة أيضاً إلى التنقية والتطهير من العقائد الباطلة والأفكار الخاطئة
والمنحرفة التي يمكن أن تحرف الإنسان عن جادة الحق والصواب. والعقيدة هي البناء
الفكري الذي يتضمن مجموعةً كبيرة من المسائل التي تعتبر أهم ما في حياة الإنسان ولا
يوجد أهم منها على الإطلاق، لأنها ترتبط بمصيره النهائي في الدنيا والآخرة، والتي
على أساسها سيحدّد أنه من أهل السعادة أم الشقاوة. فعلى سبيل المثال تتناول العقيدة
مسألة وجود الحياة بعد الموت.
وهذه القضية على درجةٍ عالية من الخطورة والأهمية، فإذا لم يلتفت الإنسان أو يعتقد
بوجود الحياة بعد الموت. والحساب الأخروي سيتصرّف بطريقةٍ يهمل فيها العقاب ويرتكب
الجرائم والمعاصي التي تؤدّي إلى شقائه الأبدي ودخوله نار جهنم.
فالعقائد الباطلة والأفكار الضالة أمورٌ تسبب ظلمة النفس وتحرف المرء عن صراط
التكامل المستقيم والقرب من الله. وأصحاب العقائد الباطلة لا يمكن أن يعرفوا طريق
التكامل أو أن يهتدوا إليه، بل هم تائهون في أودية الضلالة والضياع، وغير قادرين
على الوصول إلى الأهداف الإلهية السامية. وعندما يحصل خللٌ في فهم العقيدة الصحيحة
فإن ذلك سوف يؤدي إلى الوقوع في الذنوب والمعاصي ثم إلى نشوء مشاكلَ أخلاقية كثيرة.
فالعقيدة الصحيحة تقول إن الله تعالى لا يظلم أبداً ولكن الناس يظلمون أنفسهم، وإن
الله قد يسّر لكل إنسانٍ سبيل الهداية والصلاح. والإنسان عندما لا يعتقد بهذا الأمر
سوف يسيء الظنّ بخالقه وربما يعتقد والعياذ بالله أنه يظلمه، وهكذا بدل أن يلتفت
الإنسان إلى تقصيره ويعمل على إصلاح ذاته نراه يقع في مشاكل كثيرة.
والعقيدة الصحيحة تقول إن النفس باقيةٌ وإن الآخرة هي دار المقرّ التي تحيا فيها
النفس حياةً خالدة. والإنسان الذي لا يؤمن بهذه الحقيقة سوف ينطلق في الحياة على
أساس أن الدنيا هي كل شيء وربما يقول كما قال بعض الناس ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا
حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا
لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾14، عندها يرى أن عليه أن
يتزوّد بكل ما يستطيع من قوة من ملذّاتها ويندفع لإشباع رغباته الدنيوية مهما كلّف
الأمر.
العقيدة الصحيحة تقول إن الأرض لا تخلو من إمامٍ معصوم يمثل القدوة الحقيقية لكل
البشر، يقودهم نحو الصلاح والسعادة اللامتناهية، والإنسان الذي يخالف هذا الرأي لن
يبالي بوجود الإمام المعصوم، وربما يتبع غيره من الرؤساء والزعماء فيفقد بذلك
القدوة الصالحة والحقيقية ويكون مثله كمن ركب في السفينة فسارت به وهو لا يدري إلى
أي شاطىءٍ تحمله. لذا أول خطوةٍ في طريق تحقيق السعادة تكمن في التعرف إلى العقيدة
الصحيحة، وهذا يتطلب السير في طريق طلب العلم.
آداب طلب العلم
إن لطلب العلم شروطاً وأحكاماً، من دون تطبيقها ورعايتها لن تحصل الثمرة الطيّبة
المرجوّة، أو ربما نحصل على ثمرةٍ فاسدة تكون وبالاً علينا في الآخرة. فليس كل من
سلك طريق العلم نجا من الهلاك، بل يذكر القرآن الكريم لنا قصصاً عن بعض العلماء
الذين لم ينفعهم علمهم بل كان سبباً في هلاكهم أيضا: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ
فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ
أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن
تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ﴾15.
لذا على طالب العلم والمعرفة أن يلتفت إلى مجموعةٍ من الشروط والآداب، ويعمل على
مراعاتها بدقّة لكي لا تزلّ قدمه من حيث لا يشعر ولا يحتسب. ومن أهم هذه الآداب
والشروط:
1- الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
لأن الشيطان يدخل إلى مجالس العلم موسوساً لأصحابها، كلاًّ بحسب حاله، فيقول
لبعضهم؛ من هو هذا الشخص حتى يعطيكم درساً؟! ويقول لبعضهم: ليس العلم مهماً بل يكفي
النية السليمة، ويقطع الطريق على الآخرين بقوله: لن تفهموا هذه الدروس فهي تحتاج
إلى ذهنية خاصة ومقدمات كثيرة.. وعشرات المكائد الأخرى التي ابتكرها هذا اللعين
لإضلال الناس عن جادة الحق والصراط المستقيم. ونحن لن نتمكّن من التخلّص من هذه
الوساوس إلا بالاستعاذة بالله واللجوء إليه تعالى، وهذا القرآن رغم أنه كتاب
الهداية والنور فإن الله تعالى يأمر من يقرأه أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم:
﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ﴾16.
2- الطهارة من الذنوب:
قد يسلك طالب العلم الطريق الصحيح لطلب العلم ولكن بسبب التهاون في أحكام الله
وارتكابه للذنوب يقع في الضلالة بدلاً من الهداية. ومن الآثار البغيضة للذنب في طلب
العلم النسيان الذي يعدّ آفة أساسية للعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا أحسب أحدكم ينسى شيئاً من أمور دينه إلا بخطيئة أخطأها"17.
3- سلامة النية:
لأن مدار الأعمال على النيات فهي التي تعطي العمل قيمته الواقعية، فالذي يطلب العلم
للتفاخر والاستعلاء أو الظهور والجدل فإنه يجعل بينه وبين الحق حجاباً غليظاً، لأن
غاية العلم أن يصبح الإنسان عبداً حقيقياً لله. والله تعالى إنما أمرنا بطلب العلم
لنتقرّب إليه ونعبده حق عبادته. والوصول إليه لا يحصل إلا بالعبودية له وترك الهوى.
لذا على طالب العلم أن لا يكون قصده من طلب العلم إلا وجه الله، وامتثال أمره،
وإصلاح نفسه، وإرشاد عباد الله إلى معالم دينه، فلا يقصد بذلك المآرب الدنيوية،
والأغراض الفاسدة التي توجب الخذلان والمقت عند الله تعالى. عن الإمام الباقر عليه
السلام قال: "من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه
الناس إليه فليتبوّأ مقعده من النار إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها"18.
4- الصبر والتحمّل:
غالباً ما يتطلب العلم منا أن نتنازل عن الكثير من المسائل المتعلقة بنا، أو أن
نتحمل المشقّات والتعب. لذا لن ينال الإنسان شرف العلم إلا بالصبر والتحمّل. قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل
الجهل أبداً"19. بل على طالب العلم أن يبذل جهده في الاشتغال بالقراءة والمطالعة
وأن يكون طلب العلم مطلوبه ورأس ماله الدائم.
5- حسن اختيار المدرّس:
للمدرس دورٌ أساس في تربية المتعلّم وهدايته، فإذا لم يكن المعلم تقياً عادلاً
ملتزماً بأحكام الله وشريعته من الممكن أن يحرف التلميذ عن الحق. فعن أبي جعفر عليه
السلام في قول الله عزّ وجلّ ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ قال عليه
السلام: "عِلمهُ الذي يأخذهُ عَمَّنْ يأخذهُ"20.
6- التواضع للمدرّس والتأدب في محضره:
على طالب العلم أن ينظر إلى أستاذه بعين الاحترام والإجلال، وأن يتغاضى عن عيوبه
ونواقصه، فإن ذلك يجعله أكثر قدرةً على الانتفاع به وترسيخ ما يسمعه منه في ذهنه.
وعليه أن يتواضع لأستاذه، ويعظّم من شأنه، ويراعي الأدب في مجلسه فإنه لن ينال
العلم إلا بالتواضع. والتواضع في مثل هذه الحالة ليس ذلاً بل رفعة وشرف. قال الإمام
الصادق عليه السلام: "اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن
تعلّمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم
بحقكم"21.
* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- بحار الأنوار، ج1، ص 172.
2- الكافي، ج1، ص 30.
3- م.ن، ص17.
4- بحار الأنوار، ج5، ص 312.
5- الذاريات، 56.
6- تفسير المعين، ج3، ص1413.
7- العلق، 1 - 5.
8- غرر الحكم، ص42.
9- بحار الأنوار، ج1،ص195.
10- الكافي، ج2، ص 352.
11- الأنعام، 149.
12- بحار الأنوار، ج1، ص178.
13- غرر الحكم، ص233.
14- الجاثية، 24.
15- الاعراف، 175 - 176.
16- النحل، 98.
17- مستدرك الوسائل، ج11،ص 326.
18- الكافي، ج1، ص47.
19- بحار الأنوار، ج1،ص177.
20- أصول الكافي، ج1،ص49.
21- م.ن، ص 36 .