يتم التحميل...

الفضائل الأخلاقية: الحلم - العفو - الإيثار

درب الهداية

الحلم من أشرف السّجايا وأعزّ الخصال الأخلاقية، ودليل على سموّ النفس، وكرم الأخلاق، وسبب للمودة والألفة بين الناس وفي المجتمع. لأن صاحب هذا الخلق يعيش السلام دائماً مع نفسه ومع الآخرين

عدد الزوار: 340

الحلم

1- معنى الحلم:


الحلم من أشرف السّجايا وأعزّ الخصال الأخلاقية، ودليل على سموّ النفس، وكرم الأخلاق، وسبب للمودة والألفة بين الناس وفي المجتمع. لأن صاحب هذا الخلق يعيش السلام دائماً مع نفسه ومع الآخرين. والحلم هو اعتدال القوة الغضبية عند الإنسان وطمأنينة النفس بحيث لا يحرّكها الغضب بسهولة ودون مبرر، ولا يزعجها المكروه بسرعة. فالحليم إذا وقع في شيءٍ على خلاف ما تميل إليه نفسه، أو وصل إليه مكروهٌ أو أمر غير مناسب، فإنه لا يخرج عن طوره، ولا يغضب، بل يكظم غيظه ويواجه الواقع بهدوء ورويّة وحكمة.

2- فضيلة الحلم:

أ- في القرآن:
مدح الله الحلماء والكاظمين الغيظ وأثنى عليهم في محكم كتابه الكريم فقال عزّ وجلّ:
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامً1.
وقال عزّ اسمه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ2.
وقال عزّ وجلّ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ3.
وفي آية أخرى يقول: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً4.

ب- في الروايات:
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إن الله عز وجل يحب الحيِي الحليم"5.
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً وإن الرجل كان إذا تعبّد في بني إسرائيل لم يعدّ عابداً حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين"6.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت وأَنت أَهل لما قلت ستُجزى بما قلت، ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أَتممت ذلك قال فإن ردَّ الحليم عليه ارتفع الملكان"7.

سأل أحدهم الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن الحلم فقال: "هو أَن تملك نفسك وتكظم غيظك ولا يكون ذلك إلا مع القدرة"8.

3- مخاطر ترك الحلم:

ما دام الإنسان يعيش في هذه الدنيا فإن الأحداث المستجدّة والأمور المفاجئة والمواقف غير المتوقعة قد تطلّ برأسها في كل لحظة لتعكّر صفوه وتنغّص عيشه، فإذا لم يكن ذا حلم وسعة صدر في تحمّل الصعاب ومواجهة المشاكل، فسرعان ما قد تشتعل نار قوة الغضب في صدره، والتي إذا ما خرجت عن حدّ اعتدالها ومالت إلى حد الإفراط ربما أدّت بصاحبها إلى هلاك نفسه، أو فساد دينه وخراب دنياه، حيث يمكن أن توقعه والعياذ بالله في الطغيان والظلم، وهتك النواميس، وقتل النفوس المحترمة، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "أي شي‏ء أشد من الغضب؟ إن الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة"9. كما يمكن أن تؤدي إلى ضياع العقل كما قال الإمام الصادق عليه السلام: "من لم يملك غضبه لم يملك عقله"10، وإلى إطفاء نور الإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل"11. فقوة الغضب تفوق سائر القوى خطراً لأنها قد تؤدي في لحظات قليلة إلى الكثير من المفاسد والشرور، وقد تخرج الإنسان في دقائق معدودة من هذا الوجود كله، وتحرمه من سعادة الدنيا والآخرة. لذا على الإنسان المؤمن الحريص على دنياه وآخرته أن يتحلّى بملكة الحلم لكي لا يصبح أسيراً لآفة الغضب المهلكة، ولكي يتمكن من مواجهة مخاطرها المحدقة. فإذا سعى الإنسان في حركاته وسكناته إلى العمل بهدوء وسكينة، وضبط نفسه وكظم غيظه مدة وتكلّف الحلم وحمل نفسه على التصرف كذوي الحلم، فإن ذلك يفضي به لا محالة إلى الحلم. وإذا واظب على هذا الأمر مواظبة كاملة لمدة معيّنة وراقب نفسه مراقبة صحيحة، فسيتحول هذا الذي يتكلّفه إلى أمرٍ عادي بالنسبة إلى النفس وسيحصل على النتيجة المطلوبة. كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إن لم تكن حليماً فتحلَّمْ، فإنه قلّ من تشبّهَ بقوم إلا أوشك أن يكون منهم"12. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا لم تكن حليماً فتحلّم"13.

العفو

1- أهمية العفو ومنشؤه:

من أعظم الكمالات الإنسانية والفضائل الأخلاقية أن يتجاوز الإنسان عن الأشخاص الذين أساءوا إليه. فصفة العفو من الصفات الجمالية للحق تعالى والاتّصاف بها تشبّهٌ بالحق عزّ وجلّ. والإسلام أكّد كثيراً على هذه الفضيلة لأنها سببٌ رئيسيٌّ في بناء الفرد المعنوي وتكامله الإيماني، وعاملٌ رئيسي في استقرار المجتمع وثباته، وركنٌ من أركان الإصلاح وحسن التعايش بين الناس، وذهاب الضغينة والحقد فيما بينهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تعافوا تسقط الضغائن بينكم"14. لذا صار تاج المكارم كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "العفو تاج المكارم"15، لأن جذور الصّفح والعفو إنما ترتوي من ترك حب الدنيا والنفس، كما أن جذور الانتقام والغضب ترتوي من حب الدنيا والنفس والتعلّق بالشهوات والمآرب الدنيوية، التي هي أسس كل المفاسد والشرور. إذاً، العفو من أهم صفات أهل الآخرة الذين طلّقوا الدنيا والتي لم تعد تعني لهم سوى فرصةٍ للتزوّد، وساحةٍ للطاعة والعبودية. لذا تجدهم يتمسّكون بالعفو فكراً وعملاً لأن فيه رضا محبوبهم الأوحد، ولأنهم يعرفون أن حقيقة العفو هي العزّة في الدنيا والآخرة كما في الحديث: "من عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزاً في الدنيا والآخرة"16.

2- فضيلة العفو:

أ- في الآيات:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ17.
﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ18.
﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ19.
﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ20.

ب- في الروايات:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: أَلا أخبركم بخير خلائقِ الدنيا والآخرة؟ العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك وإعطاء من حرمك"21.
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الندامة على العفو أَفضل وأَيسر من الندامة على العقوبة"22.
عن أَمير المؤمنين عليه السلام أَنه قال: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه"23.
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنا أَهل بيت مروءتنا العفو عمن ظلمنا"24.

3- العفو الجميل وموارده:

صحيحٌ أن العفو جميل ولكن ليس في كل الموارد والشؤون، بل هناك حالات يكون العفو فيها قبيحاً ولا يعدّ من الفضائل. فالعفو إذا كان عنصراً مساعداً على الإصلاح والبناء، ومعيناً على خط الاستقامة ولا يلزم منه الضرر فهو مطلوبٌ ومرغوب. وأما إذا كان يشكل عنصراً مساعداً على الانحراف وتشجيعاً على تكرار الاعتداء وانتهاك الحقوق ويؤدي إلى الضرر، فهو في مثل هذه المواطن قبيحٌ وغير مرغوب. فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "جازِ بالحسنة وتجاوز عن السيئة ما لم يكن ثلماً في الدين أو وهناً في سلطان الإسلام"25. وعن الإمام السجاد عليه السلام: "حق من أساءك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو عنه يضر انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ"26. والعفو الجميل والممدوح هو العفو مع القدرة، أي حينما يكون بمقدور الإنسان أن يأخذ حقّه من المعتدي بحيث كانت الظروف ملائمة والشروط متوفرة لكنه آثر أن يعفو عنه رجاء عفو الله عنه ورغبةً في ثوابه والنجاة من عقابه. وقد حثّت الروايات عليه كثيراً حيث روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "أحسن العفو ما كان عن قدرة"27، وقال عليه السلام أيضاً: "العفو مع القدرة جنة من عذاب الله سبحانه"28.

الإيثار

1- حقيقة الإيثار:

الإيثار هو من أرفع درجات الجود والكرم. ولا يتحلّى بهذه الصفة إلا الذين بلغوا قمة السخاء، فجادوا بالعطاء وهم بأمسّ الحاجة إليه، وآثروا بالنوال وهم في ضنك العيش، لذا عدّت من أهم صفات الأبرار وشيم الأخيار كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الإيثار سجية الأبرار وشيمة الأخيار"29. والإيثار هو أن يجود الإنسان بالمال أو النفس أو الراحة أو ما إلى ذلك من النّعم مع الحاجة إليها، وتفضيل الإنسان الآخرين على نفسه، وتقديم حاجتهم على حاجته. بخلاف السخاء الذي هو عبارة عن بذل الإنسان وجوده بما لا يحتاج إليه، لذا كان الإيثار من أرفع درجات السخاء. كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الإيثار أعلى مراتب الكرم، وأفضل الشيم"30.

2- فضيلة الإيثار:

أ- في الآيات:
أثنى الله تعالى كثيراً في كتابه الكريم على الذين يؤثرون على أنفسهم فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ31.

ب- في الروايات:
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إن لله عز وجل جنة لا يدخلها إلا ثلاثة رجل حكم على نفسه بالحق ورجل زار أَخاه المؤمن في الله ورجل آثر أَخاه المؤمن في الله"32.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من آثر على نفسه آثره يوم القيامة بالجنة"33. وعن الصادقِ عليه السلام أَنه سئل ما أَدنى حق المؤمن على أَخيه فقال: "أَن لا يستأثر عليه بما هو أَحوج إليه منه"34.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "الإيثار أفضل عبادة وأجلّ سيادة"35، وقال عليه السلام أيضاً: "الإيثار أحسن الإحسان وأعلى مراتب الإيمان"36.

3- الإيثار وتربية النفس:

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "عند الإيثار على النفس تتبيّن جواهر الكرماء"37. فالإيثار يكشف باطن الإنسان ويعرّفه حقيقة نفسه. لأنه ليس من السهل أن يقدّم الإنسان حاجة أخيه على نفسه، إلا إذا تجاوز عقبة حب الذات والدنيا، وآثر عليهما الله والدار الآخرة. فالإيثار من أهم العوامل التي تساعد على ارتقاء النفس وصفائها وبلوغها الدرجات العليا، لأنها تجرّد النفس من التعلقات الدنيوية والرغبات والأهواء النفسية التي لا تزيد الإنسان عن الله سبحانه وتعالى إلا بعداً واحتجاباً. فالمطلوب من الإنسان في سيره إلى الله أن يتخفّف من أوزان وأثقال هذه الدنيا الفانية ليلحق بالصالحين الأبرار كما قال مولى الموحدين علي عليه السلام: "تخفّفوا تلحقوا"38. والتحلّي بصفة الإيثار يحتاج في البداية إلى ترويض ٍومجاهدة حتى تصبح هذه الصفة ملكةً راسخة في النفس، لذا في البداية يتكلّف الإنسان الإيثار ويجبر نفسه عليه لأن حب النفس ومصالحها ما زال موجوداً. من هنا يعتبر الإيثار من أنواع جهاد النفس أيضاً وثوابه عظيمٌ عند الله تعالى، إلى أن تطوّع النفس بشكل كامل بفعل المداومة على أعمال البرّ والإحسان فيصبح الإيثار عن طوعٍ ورضا ورغبة نفسية بعد أن كان عن كرهٍ وانزعاج.

* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الفرقان، 63.
2- فصّلت، 34.
3- آل عمران، 134.
4- الإسراء، 44.
5- الكافي ج، 2، ص 112.
6- م.ن، 111.
7- م.ن، ص 112.
8- مستدرك‏ الوسائل، ج 11، ص 291.
9- بحارالأنوار، ج 70، ص274.
10- الكافي، ج 2، ص 305.
11- م.ن، ص 302.
12- وسائل الشيعة، ج15، ص268.
13- الكافي، ج2، ص112.
14- كنز العمال، ج3، ص373.
15- ميزان الحكمة، ج1، ص805.
16- الآمالي، ص182.
17- البقرة، 219.
18- البقرة، 237.
19- النور، 22.
20- الشورى، 40.
21- الكافي، ج2، ص107.
22- م.ن، ص 108.
23- وسائل ‏الشيعة ج 12، ص 171.
24- م.ن، ص، 174.
25- غرر الحكم، ص 245.
26- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص625.
27- غرر الحكم، ص246.
28- م.ن، ص342.
29- م.ن، ص396.
30- غرر الحكم، ص395.
31- الحشر، 9.
32- الكافي، ج 2، ص178.
33- مستدرك‏ الوسائل، ج7،ص249.
34- م.ن، ص212.
35- غرر الحكم، ص 395.
36- م.ن، ص 396.
37- غرر الحكم، ص396.
38- بحار الأنوار، ج6، ص135.

2014-01-27