الارتباط بالله تعالى
درب الهداية
إذا أردنا أن نختصر الهدف الأساس للإسلام ولكلّ الأديان السماوية بكلماتٍ بسيطةٍ يمكن أن نوجزها بجملةٍ واحدة هي: ربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى وبعالم الآخرة. هذا الارتباط الذي يتجلّى من خلال معرفة الله والإيمان به
عدد الزوار: 712
هدف الإسلام
إذا أردنا أن نختصر الهدف الأساس للإسلام ولكلّ الأديان السماوية بكلماتٍ بسيطةٍ
يمكن أن نوجزها بجملةٍ واحدة هي: ربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى وبعالم الآخرة.
هذا الارتباط الذي يتجلّى من خلال معرفة الله والإيمان به: "أوّلُ الدّين معرِفَتهُ
وكمال معْرِفتِه التّصديق1 بِه وكمالُ التّصديق به توحيدُه"2.
الإنسان هو الوحيد من بين جميع مخلوقات الله الذي استحقّ هذه الكرامة والمنزلة لما
حباه الله تعالى من نعمة العقل:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾3، وأفاض عليه من روحه:
﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ
مِن رُّوحِي﴾4، فاستحقّ بذلك لقب خليفة الله في الأرض:
﴿وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾5.
فالارتباط بالله هو الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان، والغاية التي من أجلها أوجد
في هذه الحياة الدنيا. وقد سخّر الله تعالى للإنسان كلّ شيء، ووهبه كلّ ما يلزمه
ويحتاجه لبلوغ هذا المقصد الشريف:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم
مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾6.
الدنيا ليست هي الهدف
ولم تكن هذه الحياة الدنيا الفانية
والزائلة بحالٍ من الأحوال مستقرّ الإنسان الدائم وهدفه النهائيّ، بل هي بمثابة
الممر الإجباريّ والمعبر الوحيد إلى المقصد النهائيّ والنعيم الباقي، وهي مزرعة
الآخرة التي فيها يكون الزرع وفي الآخرة حصاده:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾7،
وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: "إنّما الدّنيا دار ممرّ والآخرة دار
مستقرّ، فخذوا من ممرّكم لمستقركم" 8. وهو عزّ اسمه لم يسخّرها للإنسان
إلّا لأجل بلوغ هذا الهدف السامي دون سواه، فهذه الدنيا هي فرصة الإنسان الوحيدة
والسانحة والتي من خلالها يمكنه أن يعرج الى جنة الآخرة ولقاء الحق:
﴿وَابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾9. ونصيب الإنسان من الدنيا هو ما قسمه
الله له وقدّره له من رزقٍ فيها، من الصحة والمال وغيرهما من النّعم التي يفترض أن
يسخّرها الإنسان لدار بقائه. فعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "لا تنس صحتك
وقدرتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة" 10.
وأمّا الذين نسوا الآخرة، ورضوا بمتاع الحياة الدنيا وزينتها، فقد ظلموا أنفسهم
واستحقّوا العقاب الإلهيّ لأنّهم استبدلوا الدنيا بالآخرة، فكان العذاب من نصيبهم
مرّتين؛ عند فراقهم للحياة الدنيا، وعند دخولهم النار:
﴿إَنَّ الَّذِينَ لاَ
يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ
بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾11.
معنى الارتباط بالله تعالى
الارتباط بالله سبحانه وتعالى يعني
حضوره الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه أبداً، والتوجه إليه دائماً. فلا نعبد
غيره، ولا ندعو سواه، ولا نطلب حوائجنا إلّا منه. فالإنسان عندما يدرك أنّ الله
تعالى خالقه وهو مالكٌ لكلّ شيء وبيده كلّ شيء وله الأمر كلّه وهو ربّ العالمين،
فمن الطبيعيّ أن يتوجّه إليه بالعبودية والتسليم:
﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ﴾12. وحضور الله تعالى في حياتنا يتحقّق من خلال أمرين أساسيّين
هما:
- الإيمان.
- والعمل الصالح.
وبمراجعة الآيات الشريفة التي تحدثت عن شروط الفوز بالجنة والنجاة من العذاب، نجد
أنّ الإيمان والعمل الصالح هما العاملان الأساسيان بل الوحيدان لأنّ إيمان الإنسان
بشيءٍ هو الدافع والموجه نحوه. فمن آمن بالله عزَّ وجلَّ توجّه إليه وطلبه وسلك
طريقه:
﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ
الدَّرَجَاتُ الْعُلَى *جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى﴾13.
﴿وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾14.
ومن سياق هذه الآيات وغيرها الكثير التي وصفت أهل الجنة وشروط الدخول إليها، ومن
خلال التأكيد المتكرّر على العمل الصالح عند ذكر أهل الجنّة من المؤمنين، نجد أنّ
الإيمان دون العمل الصالح لن يكون كافياً للفوز بالجنة ولقاء الحقّ، فالإيمان شرطٌ
أساسيّ في التوجه إلى الله. وكلّما ازداد الإيمان قوي التوجه إلى الله أكثر. والعمل
الصالح بدوره وسيلةٌ لتثبيت هذا الإيمان في القلب والازدياد منه:
﴿فَمَن كَانَ
يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
رَبِّهِ أَحَدً﴾15.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ
صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ﴾16.
كلّ ما في الوجود يدعو إلى الله
إنّ من له أدنى إلمام بتعاليم الإسلام وأحكامه يعلم أنّ الأصل الأوّليّ والمحور المركزيّ الذي تدور حوله جميعها هو تحقيق الارتباط الصحيح والعميق بالله تعالى.
1- الآيات
الآفاقية والأنفسية:
فنحن إذا تأملنا في السماوات والأرض وفي جميع الحقائق التي ذكرت في
الإسلام من قبيل الجنة والنار والآخرة والأنبياء والأوصياء، لوجدنا أنها جميعها
بمنزلة الآيات الدالّة على الله سبحانه وتعالى. فهي آيات الحقّ سبحانه التي تدفع
وتوجّه الإنسان نحو المبدأ الأول لتجعل تفكيره وتوجّهاته مركّزة وسائرة باتّجاه
المطلوب، والتي تهدف إلى ربط الإنسان فكرياً وعقائدياً وقلبياً بالحقّ سبحانه،
فيزداد إيمان الإنسان بالله ويقوى تعلّقه به أكثر:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي
الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ
يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾17.
﴿إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ
لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾18.
﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم
بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾19.
2- الأحكام والتشريعات الإلهية:
وإذا جئنا إلى الأحكام المنبثقة من تعاليم الإسلام، من عباداتٍ وطاعات،
وأوامرَ عليه السلامونواهٍ، لوجدنا أيضاً أنّ كل حكم فيها إنّما يهدف إلى ربط
الإنسان بالحقّ تعالى. فما تشريع الصلاة، والصوم، والحجّ، والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، والجهاد، والخمس، وغيرها من الأحكام إلّا لإحكام هذه العلاقة بين
الإنسان وخالقه. فعندما يلتزم الإنسان بأوامر الحقّ الشرعية وأحكامه العملية وينتهي
عن نواهيه فهو في حالة ارتباط به، كونه ينفّذ أوامره وينتهي عن نواهيه . والحكمة من
هذه الأحكام الإلهية والهدف منها ربط الانسان عملياً بالحقّ.
إذاً، فالحقائق التي هي آياتٌ والأعمال التي هي طاعاتٌ وقربات، كلها تريد أن تُحكِم
العلاقة بين الإنسان وخالقه، وليس الإسلام سوى هذا. وإنّ أية سعادة أخرى إنّما تنبع
من هذه السعادة الواقعية، ودونها لا يبقى للسعادة معنىً سوى الوهم.
اللطف الإلهيّ
من عناية الله بعباده ورحمته بهم،
ولبيان الأحكام والحقائق الإلهيّة وكشفها للناس حتّى يكونوا على بيّنة من أمرهم،
وليعرفوا الهدف من وجودهم، ولإتمام الحجة عليهم فلا يقولوا:
﴿رَبَّنَا لَوْلَا
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ
وَنَخْزَى﴾20 كان لا بدّ من أمرين أساسيين لكي تكتمل الحجّة على الناس
هما:
1- الأنبياء والرسل:
أرسل الله عز وجل رسله إلى الناس وبعث فيهم الأنبياء مبشّرين ومنذرين لهدايتهم
وإخراجهم من ظلمات الحيرة والشقاء إلى نور السعادة والتوحيد، ولتخليص الناس من
مستنقع الدنيا وفسادها ليصلوا إلى أعلى مراتب الرقيّ والكمال الإنسانيين. فخاطبوا
فطرة الإنسان وتوغّلوا في أعماق رغباته وبيّنوا له الطريق: "فبعث فيهم رسله وواتر
إليهم أَنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم
بالتبلِيغ ويثيروا لهم دفائِن العقول"21، فكان هدفهم الأساسي هداية
الإنسان إلى الله وإيصاله إلى السعادة الحقيقة بجوار الرب الودود. وحمّلهم عز وجل
القوانين والتشريعات اللازمة التي تضمن للناس في حال التزموا بها الوصول إلى هذا
الهدف السامي والفوز العظيم:
﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾22.
2- الفطرة الإنسانية:
ومن عناية الله تعالى أيضاً ورحمته الواسعة بعباده، أن خلق الإنسان
وكوّنه بنحوٍ خاص وطريقةٍ فريدة، ليسهّل عليه عناء البحث عن مطلوبه من جهة، ولإتمام
الحجّة عليه من جهة أخرى فلا يتذرّع بعدها بالحجج الواهية والأعذار البالية، حيث
زوّده تعالى بفطرة التوحيد؛ وهي بمثابة النداء الباطني والتوجّه المعنوي الذي جعله
الله تعالى داخل كل إنسانٍ ليهتدي من خلاله إلى ما تريده روحه وتبحث عنه. وهي من
أهم القوى التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، فهي تحثّه دائماً وتطلب منه
التوجّه إلى مصدر كل كمالٍ وأصل كل جمالٍ ومنبع كل سعادة، وقد أودعها الله نفس كل
إنسان بعد أن أخذ منها صكّ الاعتراف أنه ربها وخالقها وإلهها الأوحد:
﴿فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾23. ولمّا سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن
قوله تعالى:
﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَ﴾، ما تلك الفطرة؟
قال عليه السلام: "هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد"24.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ
مولود يولد على الفطرة يعني المعرفة بأَنَّ الله عز وجل خالقه كذلك قوله:
﴿وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ﴾"25.
* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-التصديق، الإيمان.
2-نهج البلاغة، خطبة 39.
3-الحج، 46.
4- الحجر، 29.
5- البقرة، 30.
6- لقمان، 20.
7- النحل، 30.
8- غرر الحكم، ص 149
9- القصص، 77
10- معاني الأخبار، تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 139.
11- يونس، 7 و8.
12- الانعام، 102.
13- طه، 75 - 76.
14- النور، 55.
15- الكهف، 110.
16- البقرة، 62.
17- فصلت، 53.
18- آل عمران، 190.
19- الرعد، 2.
20- طه، 134.
21- بحار الأنوار، ج11، ص61.
22- الطلاق، 10 - 11.
23- الروم، 30.
24- الكافي، ج2، ص12.
25- م.ن، ص 13.