الثبات على المبدأ
شوال
تحتل المبادئ أهمية كبرى في حياة الشعوب والأمم نظرا لكونها مصدر الإشعاع والتوجيه في الأمة ومظهر رقيّها أو تخلّفها. وكلما سمت مبادئ الأمة كان ذلك برهانا على تحضّرها، وفي القرآن الكريم نجد مفهوما أسمى وأعظم من ذلك كله...
عدد الزوار: 302الثبات على المبدأ
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
* وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(فصّلت:30-33).
تحتل المبادئ أهمية كبرى في حياة الشعوب والأمم نظرا لكونها مصدر الإشعاع والتوجيه
في الأمة ومظهر رقيّها أو تخلّفها. وكلما سمت مبادئ الأمة كان ذلك برهانا على
تحضّرها، وفي القرآن الكريم نجد مفهوما أسمى وأعظم من ذلك كله حيث لا يشير القرآن
فقط إلى أهمية المبادئ بل إلى ضرورة الاستقامة في المبادئ والتمسك بها والثبات
عليها والدفاع عنها مهما كانت الظروف والأسباب. ولم تعرف البشرية في تاريخها أكمل
وأفضل من المبادئ الإسلامية التي بذل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كل الجهود
والتضحيات في سبيلها. فكان صلى الله عليه وآله كلما واجهته أعاصير المحن وتكالبت
عليه قوى الكفر والطغيان ازداد صمودا ومضيا في نشر رسالته وهو القائل:
"لو وضعت
الشمس في يميني، والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك دونه".
وهكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام نموذجا رائعا في هذه المدرسة المحمدية حيث
عرضت عليه الخلافة مشروطة بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخلفاء من قبله وبذلك يضمن
استمرارية حكمه وسلطانه فأبى وقال: "بل على كتاب الله وسنّة رسوله".
وعندما أعرب البعض عن وجهة نظرهم في استتباب الأمر له وضمان عدم محاربته من أحد
وذلك من خلال إعطائه الأموال للبعض وتفضيل أشراف العرب على غيرهم. قال عليه السلام
وهو يعرب عن ثباته وتمسكه بدستور الإسلام، وترفعه عن الوسائل الاستغلالية الآثمة:
"أتأمروني
أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله ما أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو
كان المال لي لواسيت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم".
وهكذا كانت مواقف أولئك الذين عاشوا مع أمير المؤمنين عليه السلام وذاقوا في سبيل
حبه أصعب وأمرّ المواقف ومع ذلك ثبتوا ولم يتراجعوا فهذا عمرو بن الحمق يخاطب أمير
المؤمنين عليه السلام فيقول: "والله يا أمير المؤمنين، إني ما أجبتك ولا بايعتك على
قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتيه، ولا إرادة سلطان ترفع به ذكري، ولكني أجبتك
بخصال خمس: انك ابن عم رسول الله، وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت
محمد، ووصيه، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله، وأسبق الناس إلى الإسلام،
وأعظم المهاجرين سهما في الجهاد؛ فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور
الطوامي، حتى يؤتى عليّ في أمر أقوي به وليّك، وأهين به عدوك، ما رأيت أني قد أدّيت
فيه كل الذي يحق عليّ من حقك؛ فقال علي عليه السلام: اللهم نوّر قلبه بالتّقى،
واهده إلى صراطك المستقيم، ليت أن في جندي مائة مثلك ".
ومن مدرسة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام يستلهم المؤمن عناوين التضحية
والثبات على المبادئ والمواقف حيث يشعر الإنسان بعظمة الله تعالى في كل لحظة يتعرّض
فيها للمصاعب ويواجه المحن والشدائد ليقف صابرا محتسبا كما وقف الحسين عليه السلام
يوم كربلاء وهو يعبّر عن رفضه لكل أشكال الظلم والخنوع لأهل الباطل:
"والله لا
أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد،... إني لا أرى الموت إلا
سعادة والحياة مع الظالمين الا برما".
وتبقى الأُمّة في كلّ زمان وعلى امتداد التاريخ بأمسّ الحاجة دائماً إلى استلهام
جهاد أولئك العظماء الأفذاذ واقتفاء آثارهم، في التمسك بالدين، والثبات والتفاني في
نصرة الحق.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
2013-08-24