الثورة الحسينيّة: المقوِّمات والنتائج
الحياة السياسية
ثار الإمام الحسين عليه السلام ليكشف للأمّة الوجه الحقيقيّ للحكّام الّذين يحكمون باسم الدِّين، وليفضح للمسلمين حقيقة الطواغيت الّذين حكموا الناس باسم خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
عدد الزوار: 379مقوّمات الثورة الحسينيّة
ثار الإمام الحسين عليه السلام ليكشف للأمّة الوجه الحقيقيّ للحكّام الّذين يحكمون باسم الدِّين، وليفضح للمسلمين حقيقة الطواغيت الّذين حكموا الناس باسم خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانت واقعة الطفّ صورة متكاملة للصراع بين الحقّ والباطل، ففيها المعصوم الّذي لا
يُخطىء، والمجرم الّذي لا يتورّع عن فعل أدنى الأفعال وأبشعها. في معسكر الإمام
الحسين عليه السلام المرأة والطفل الرضيع والصبيّ والشيخ العجوز وكلّ مظاهر السموّ
والرفعة بخلاف المعسكر المقابل.
وجاءت واقعة الطفّ كقضيّة مأساويّة مثيرة للأشجان، لتحرِّك في الأمّة ضميرها
وتعيدها نحو رسالتها وتبعث شخصيّّتها العقائديّّة من جديد. وكان من اللازم أن يقوم
بهذا الدور مجموعة من الناس تمتلك قدرات ومقوّمات تجعل دورها فاعلاً ومؤثّراً في
حياة هذه الأمّة الميتة، وكان أهمّ هذه المقوّمات - الّتي اجتمعت في ثورة الإمام
الحسين عليه السلام - ما يلي:
1- المقوّمات الشخصيّة للثائر: فالثائر الّذي يقود جبهة الحقّ كان إماما
معصوماً يمتلك كلّ المواصفات القدسيّة بنصّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما
كانت تدركه الأمّة، خصوصاً مع وجود عدد غير قليل من الصحابة الّذين عاصروا
الرسولصلى الله عليه وآله وسلم وسمعوا منه تلك الأحاديث بشأن الإمام عليه السلام.
2- قيام الحجّة: لكي لا تكون الثورة هامشيّة، فلا تعطي ثمرتها المرجوّة، فقد
كان الثائر يمتلك الوثائق الكفيلة بإضفاء المشروعيّة على هذه الثورة، وأنّها الحلّ
الوحيد والخيار الّذي لا بديل له. فقد كانت رسائل زعماء العراق إلى الإمام عليه
السلام تطلب منه القدوم بإلحاح، كقولهم: "أمّا بعد، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار
فإذا شئت فأقبل على جندٍ لك مجنّدة"1.
ولا شكّ أنّ عدم تلبية الإمام عليه السلام لهذه الطلبات سيُلزمه عليه السلام الحجّة
في تفويت الفرصة، وبالعكس فإنّ المجيء سيُلزم الأمّة الحجّة إن هي خانت.
وكذلك الحال بالنسبة إلى التهديد الأمويّ للإمام عليه السلام إن لم يبايع، ولو بايع
فإنّه في مثل هذه الحالة سيُعطي الوثيقة الشرعيّة للحكّام الأمويّين.
3- الشعار: ولكي لا تشوّه هذه الثورة ـ خصوصاً وأنّ الإمام عليه السلام قد
علم بخيانة أهل الكوفة ـ أعلن الإمام عليه السلام عن أهدافها وطرح شعاراتها ابتداءً
من المدينة حتّى يوم الملحمة الكربلائيّة. ثمّ إنّه وضع الأمّة أمام الخيارات الّتي
لا مناص منها ليجعل من ثورته الأسلوب الوحيد أمام التحدّيات الكافرة.
4- المقوّم العاطفيّ: أي عمليّة إثارة المشاعر في نفوس المسلمين الّذين لم
تحرِّك الأفكار المنطقيّة عقولهم. ويُلاحظ المقوّم العاطفي لهذه الثورة من خلال
أسلوبين:
أوّلهما: إشراك العقائل من الهاشميّات في الثورة بالإضافة إلى الأطفال، ممّا أثار في النفوس العطف وفي القلوب الانكسار مهما كانت تلك النفوس متوحّشة والقلوب قاسية.
ثانيهما: هو أسلوب التذكير والوعظ الّذي استخدمه الإمام وصحبه، فلقد ذكّر الإمام
القوم بقوله: "انسبوني من أنا، ألست ابن بنت نبيِّكم؟" ثمّ يقول: "لمَ تحاربونني،
ألسنّةٍ غيّرتها أم لبدعةٍ ابتدعتها؟".
نتائج الثورة وآثارها
إذا أردنا أن نعرف مدى نجاح الإمام الحسين عليه السلام في تحقيق أهدافه فإنّنا نلمس
انتصاره في يوم عاشوراء نفسه حيث استطاع أن يستقطب جمعاً ممّن خرج لقتاله وانضوى
تحت لواء الجيش الأمويّ، وتوالت الاستجابة لنداء الإمام الحسين عليه السلام بعد
عاشوراء حيث استطاعت هذه النهضة أن تُزلزل عروش الظالمين وتُسقط عنهم كلّ الأقنعة
أوّلاً ثمّ تؤدّي بهم إلى الانهيار والزوال.
ولم يستطع الحكم العبّاسيّ الغاشم أيضاً أن يتخلّص من شرر هذه الثورة المقدّسة.
وأصبحت الثورة على الظلم هي الشعار الأوّل لأهل البيت عليهم السلاموأتباعهم
ومحبّيهم، واستطاع المسلمون أن يصمدوا بوجه الاستعمار الصليبيّ الّذي عمّ العالم
الإسلاميّ بعد سقوط الخلافة العثمانيّة. وما الثورة الإسلاميّة في إيران إلّا أثرٌ
واحدٌ من آثار تلك النهضة المقدّسة. وعلى الرغم من ذلك فإنّ هذا لم يمنع الكثير من
المؤرّخين والحاقدين من اتّهام الثورة الحسينيّة بالفشل، بحجّة أنّها لم تحقّق
نصراً سياسيّاً آنيّاً يطوّر الواقع الإسلاميّ إلى حالٍ أحسن ممّا كان عليه قبل هذه
الثورة.
ولكي نفهم ثورة الحسين عليه السلام علينا أن نفتّش عن أهدافها ونتائجها في غير
النصر الآنيّ الحاسم، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم، وأن لا نبحث فيما
تعوّدناه في سائر الثورات، وإنّما نلتمس نتائجها في الميادين التالية:
1- تحطيم الإطار الدينيّ المزيّف: الّذي كان الأمويّون وأعوانهم يحيطون به
سلطانهم، وفضح الروح اللادينيّة الجاهليّة الّتي كانت أطروحة الحكم آنذاك، وخاصّة
بعد أن شاعت هذه الروح في جميع طبقات المجتمع، وكان الإمام عليه السلام هو الشخص
الوحيد الّذي يملك رصيداً من المحبّة والإجلال والقادر على فضح الحكّام وكشف
حقائقهم.
2- الشعور بالإثم: أثار استشهاد الإمام الحسين عليه السلام موجة عنيفة من
الشعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم استطاع نصره فلم ينصره، خصوصاً أولئك الّذي كفّوا
أيديهم عن نصره بعد أن عاهدوه على الثورة.
وقد قُدِّر لهذا الشعور بالإثم أن يبقى مشتعلاً في النفوس وحافزاً دائماً على
الثورة والانتقام، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويّين كلّما سنحت
الفرصة لهم.
3- الأخلاق الجديدة: كان لا بدّ لثورة الإمام الحسين عليه السلام من أن تدعو
إلى نموذج من الأخلاق أسمى ممّا يُمارسه المجتمع وأن تغيّر نظرة الإنسان إلى الحياة
وإلى نفسه وإلى الآخرين، ليمكن إصلاح المجتمع.
ولقد قدّم الإمام الحسين عليه السلام وآله وأصحابهم - في ثورتهم على الأمويّين -
الأخلاق والقيم الإسلاميّة العالية بكلّ صفائها ونقائها، ولم يقدّموا إلى المجتمع
الإسلاميّ هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنّما كتبوه بدمائهم وحياتهم.
لقد اعتاد الرجل العاديّ إذ ذاك أن يرى الزعيم القبليّ أو الدينيّ يبيع ضميره
بالمال، وبعرَض من الحياة الدنيا، وأن يرى الهامات تنحني خضوعاً لطاغية حقير...
وأصبح همّ المسلم دُنياه وحياته الخاصّة، يعمل لها ويكدح في سبيلها ولا يفكّر إلّا
فيها.
أمّا أصحاب الإمام الحسين عليه السلام فقد كان لهم شأن آخر حتّى قال فيهم عليه
السلام: "... أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي".
4- انبعاث الروح الجهاديّة: كانت النهضة الحسينيّة السبب في انبعاث الروح
الجهاديّة في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الخمود أو الخنوع والتسليم،
فقد حُطّمت كلّ الحواجز النفسيّة والاجتماعيّة الّتي حالت دون الثورة.
فواقع الإنسان المسلم كان يدعوه إلى الاستسلام والمساومة والدعة، فجاءت ثورة الإمام
الحسين عليه السلام، وقدّمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة لتقول له: لا تستسلم، لا
تساوم على إنسانيّتك، ناضل قوى الشرّ ما وسعك، ضحّ بكلّ شيء في سبيل مبدئك.
ونلاحظ انبعاث الروح الجهاديّة في الأمّة بعد الثورة في كلّ الثورات الّتي حملت
شعار الثأر لدم الإمام الحسين عليه السلام والّتي جاءت صدى لثورته، وكذلك في ردود
الفعل الّتي بدأت بالظهور مع دخول السبايا إلى الكوفة. فبالرغم من القمع والإرهاب
اللذين مارسهما ابن زياد مع كلّ من كان يُبدي أدنى معارضة ليزيد فإنّ أصواتاً بدأت
ترتفع محتجّةً على الظلم السائد2.
وظهرت في الشام أيضاً بوادر السخط والاستياء، الأمر الّذي جعل يزيد ينحو باللّائمة
في قتل الإمام الحسين عليه السلام على ابن زياد.
إلّا أنّ أشدّ ردود الفعل كانت تلك الّتي برزت في الحجاز، حيث انتقل عبد الله بن
الزبير إلى مكّة واتّخذها قاعدة لمعارضته للشام، وقام بتوظيف فاجعة كربلاء للتنديد
بنظام يزيد.
الإمام السجّاد عليه السلام وإكمال مسيرة النهضة
ذكر المؤرّخون أنّ موكب السبايا سار به ابن سعد، من كربلاء إلى الكوفة، وعلى رأس
الموكب الإمام عليّّ بن الحسين عليه السلام الّذي استطاع أن يواجه القتلة والمجرمين
ويقف متحدّياً جبروتهم وطغيانهم كما حصل في المواجهة بينه عليه السلام وبين ابن
زياد والّتي قال في نهايتها الإمام عليه السلام: "أبالقتل تهدّدني يا بن زياد؟ أما
علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟"3. فأمر ابن زياد
بنساء الإمام الحسين عليه السلام وصبيانه وبالإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام
ثمّ سرّح بهم في إثر الرؤوس وحملهم على الأقتاب، وساروا بهم إلى الشام، تلك المدينة
الّتي خضعت منذ فتحها بأيدي المسلمين لحكّام مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي
سفيان، فلم يشاهد الشاميون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يسمعوا حديثه
الشريف منه مباشرة، ولم يطّلعوا على سيرة أصحابه عن كثب. أمّا النفر القليل من
صحابة النبيّصلى الله عليه وآله وسلم الّذين انتقلوا إلى الشام وأقاموا فيها فلم
يكن لهم أثر في الناس بقدر ما كان يقوم به معاوية من دور لتمثيل الإسلام ورسم
معالمه كما يحلو له لدى الشاميّين.
لذا كان على الإمام السجّاد عليه السلام أن يقوم بتعريف أهل الشام إلى ما جرى في
كربلاء، وإلى حقيقة أهل بيت النبي ّصلى الله عليه وآله وسلم الّذين سُفكت دماؤهم في
الطّف، وإلى السبايا من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الّذين عندما دخلوا الشام
اعتقد أهلها أنّهم من الخارجين على الإسلام. وليس أدلّ على ذلك من تلك الحادثة
الّتي اقترب فيها شيخ شاميّ من الإمام السجّاد قائلاً له: الحمد لله الّذي أهلككم
وأمكن الأمير منكم، فجرى حوار بينهما كانت نهايته أن بكى ذلك الشيخ ورمى عمامته ثمّ
رفع رأسه إلى السماء وقال: "اللّهم إني أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد". وحين استقبل
إبراهيم بن طلحة الإمام السجّاد عليه السلام قال: يا عليّ بن الحسين، من غلب؟
والإمام عليه السلام مغطٍّ رأسه وهو في المحمل، فقال له عليه السلام: "إذا أردت أن
تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة فأذّن ثمّ أقِم"4.
لقد كان جواب الإمام عليه السلام: إنّ الصراع إنّما هو على الأذان وتكبير الله
تعالى والإقرار بوحدانيّته والإقرار بنبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وليس على
الرئاسة، وإنّ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام والصفوة من أهل بيته وأصحابه هو
سبب بقاء الإسلام المحمّديّ وثباته أمام جاهليّة بني أميّة ومن حذا حذوهم ممّن لم
يذوقوا حلاوة الإيمان والتسليم لشريعة الله سبحانه.
هذا بالإضافة إلى المواجهة العنيفة في ذلك الحوار الّذي جرى بين الإمام السجّاد
عليه السلام والطاغية يزيد عندما أدخلوا عليه في قصره رأس الإمام الحسين عليه
السلام ونساءه وأهل بيته وهم مقرّنون في الحبال والإمام زين العابدين عليه السلام
مغلول، وفي ذلك المجلس وأمام أهل الشام وبفضل بيان الإمام السجّاد عليه السلام
وكلماته تبيّن للناس أنّ بني أميّة غارقون في الإثم، وأنّ الحكم الأمويّ قد جهد في
إغوائهم وإضلالهم.
الثورات بعد كربلاء
كان من نتائج النهضة الحسينيّة - كما ذكرنا - انبعاث الروح الجهاديّة في الأمّة،
وبدأت الأمّة ترقب زعيماً يقودها. وكلّما وُجد القائد وُجدت الثورة على الظلم
الأمويّ. هذا فضلاً عن الدور الّذي قام به الإمام السجّاد عليه السلام والسيّدة
زينب عليها السلام في تعريف وبيان حقيقة ما جرى بعد أن أوهم الحكم الأمويّ الأمّة
الإسلاميّة - خصوصاً في الشام - أنّ أصحاب الثورة هم من الخارجين عن طاعة الأمير
وما شاكل ذلك.
فالثورة وتحرّكات الإمام السجّاد عليه السلام كان لهما الصدى الكبير في إشعال الروح
الجهاديّة لدى الأمّة الّتي أطلقت العديد من الثورات الّتي حملت شعار الثأر لدم
الإمام الحسين عليه السلام، ونذكر من هذه الثورات:
1- ثورة أهل المدينة
أراد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان أن يكسب رضا أهل المدينة فأرسل وفداً من أبناء
المهاجرين والأنصار إلى دمشق ليشاهدوا الخليفة وينالوا نصيبهم من هداياه. إلّا أنّ
الوفد رأى من سلوك يزيد ما يشين ويقبح.
ولمّا رجعوا إلى المدينة أظهروا شتم يزيد وعيبه، وقال عبد الله بن حنظلة (غسيل
الملائكة): لو لم أجد إلّا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم... فخلع الناس يزيد وبايعوا عبد
الله بن حنظلة وولّوه عليهم5. كما أنّهم أخرجوا عامل يزيد على المدينة
وحاصروا بني أميّة وأتباعهم.
ولمّا بلغ أمر الثورة إلى مسامع يزيد أرسل مسلم بن عقبة - السفّاك - ليقضي على ثورة
أهل المدينة. وبعد قتالٍ عنيف مع أهلها قُتِل فيه أغلب الثوّار ومنهم عبد الله بن
حنظلة ومجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفّذ قائد الجيش أوامر
يزيد باستباحة المدينة، فهجم الجند على البيوت وقتلوا الأطفال والشيوخ واستباحوا
النساء.
قال ابن كثير: "... ووقعوا على النساء حتّى قيل إنّه حبلت ألف امرأة في تلك الأيّام
من غير زوج"6. وذكر المؤرّخون أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كفل في
واقعة الحرّة أربعمائة أسرة من عبد مناف، وظلّ ينفق عليها حتّى خروج جيش ابن عقبة
من المدينة.
2- ثورة ابن الزبير وثورة التوّابين
صعّد عبد الله بن الزبير بعد واقعة كربلاء معارضته للأمويّين ودعا الحجازيّين
لمبايعته، فاستجابت له الأكثريّة الساحقة منهم. وشهد العراق أيضاً تحرّكاً جديداً
بعد الندم الّذي أخذ يقضّ مضاجع الكوفيّين نتيجة شعورهم بالإثم إذ خذلوا الإمام
الحسين عليه السلام، وتركوا نصرته بعد أن استدعوه بكتبهم إلى الكوفة. فرأوا أن
يغسلوا عارهم بالانتقام من قتلته عليه السلام فكانت ثورتهم سنة 65 للهجرة.
3- ثورة المختار
استنهض المختار ابن أبي عبيدة الثقفيّ أهل العراق لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين
عليه السلام، وبدأ بإعداد الشيعة للثورة بعد فشل ثورة التوّابين، وكاتب الإمام
السجّاد عليه السلام الّذي لم يُعلن عن تأييده الصريح له، لكنّه عليه السلام أمضى
عمله عندما ثأر من قتلة أبيه الإمام الحسين عليه السلام.
وأرسل المختار رأسي عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد إلى الإمام عليه السلام فسجد
عليه السلام شكراً لله تعالى وقال: "الحمد لله الّذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى
الله المختار خيراً"7.
ويقول بعض المؤرّخين: إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام لم يُرَ ضاحكاً منذ أنّ
استشهد أبوه إلّا في اليوم الّذي رأى فيه رأس ابن مرجانة.
هذه نماذج من الثورات الّتي تأثّرت بوضوح بروح الثورة الّتي بثّها الإمام الحسين
عليه السلام في الشعب المسلم، والّتي استمرّت طيلة الحكم الأمويّ، حتّى قضت عليه
بثورة العبّاسيّين، والّتي لم تكن لتنجح لو لم تعتمد على إيحاءات ثورة الإمام
الحسين عليه السلام واستغلالها لشعار "الرضا من آل البيت عليهم السلام".
انهيار الحكم السفياني وانشقاق البيت الأمويّ
هلك يزيد في ربيع الأوّل من سنة 64 هجريّة وهو في الثامنة والثلاثين من عمره. وكانت
صحيفة أعماله في مدّة حكمه - الّذي استمرّ ثلاث سنوات وبضعة أشهر ـ سوداء بسبب قتله
ابن بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأسر أهل بيت رسول اللهصلى الله عليه وآله
وسلم في السنة الأولى والقتل الجماعيّ لأهل المدينة في السنة الثانية وهدم الكعبة
في السنة الثالثة من حكمه.
ثمّ بايع أهل الشام ولده معاوية، إلّا أنّ حكمه لم يستمرّ أكثر من أربعين يوماً، إذ
أعلن تنازله عن العرش، ومات بعدها في ظروف غامضة حتّى قيل إنّه مات مسموماً.
فانشقّت القيادة المؤيّدة لبني أميّة على نفسها إلى كتلتين:
كتلة أيّدت زعامة مروان بن الحكم، وقد مثّل هذا الاتجاه القبائل اليمانيّة، بقيادة
حسّان الكلبيّ، بينما أيّدت قوى القيسيّين بقيادة الضحّاك بن قيس الفهري، عبد الله
بن الزبير.
وإبّان خلافة يزيد القصيرة امتدّت أيدي الكلبيّين تدريجيّاً إلى مراكز السلطة
فمارسوا ضغوطاً شديدة على القيسيّين، الأمر الّذي أزعج الضحّاك كثيراً فانتهز
الفرصة بعد موت يزيد ليبايع ابن الزبير، واشتبك الكلبيّون والقيسيّون في "مرج راهط"8
في معركة أسفرت عن انتصار الكلبيّين، فأصبح مروان بن الحكم خليفة، واستقرّت الأوضاع
المضطربة في الشام نسبيّاً.
الخلاصة
- تقوّمت ثورة الإمام الحسين عليه السلام بقائد جعله الله إماماً للمسلمين بنصّ من
الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يمتلك كلّ الأدلّة الكفيلة بإثبات
مشروعيّة ثورته.
- كانت الشعارات الّتي رفعها الإمام منذ بداية حركته صريحة واضحة؛ بحيث لا تقبل
التشويه والتزييف على مدى العصور.
- كان من نتائج هذه الثورة الّتي كان رائدها الحقّ وعدل السماء:
1- تحطيم الإطار المزيّف الّذي كان الأمويّون يحيطون به سلطانهم.
2- أثارت موجة عنيفة من الشعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم لم ينصر الإمام الحسين عليه
السلام.
3- بعثت نموذجاً من الأخلاق أسمى ممّا يمارسه المجتمع.
4- بعثت الروح الجهاديّة في الإنسان المسلم من جديد.
- أكمل الإمام السجّاد عليه السلام مسيرة الثورة وفضح بني أميّة خلال تنقّل موكب
السبايا من الكوفة إلى الشام
- كان من نتائج الثورة الحسينية حصول العديد من الثورات بعدها، ومنها: ثورة أهل
المدينة، وثورة التوّابين، وثورة المختار.
- انهيار الحكم السفيانيّ مع موت يزيد سنة 64 هجرية، بعد أن ترك صحيفة سوداء من
الأعمال السيّئة الّتي مارسها خلال حياته.
*
بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- المجالس الفاخرة في
مصائب العترة الطاهرة، السيّد عبد الحسين شرف الدين: 190.
2- ومن الأمثلة على ذلك أنّ ابن زياد صعد على المنبر وأثنى على يزيد وحزبه وأساء
إلى الإمام الحسين عليه السلام فقام عبد الله بن عفيف الأزدي وقال له: يا عدوّ الله
إنّ الكذّاب أنت وأبوك والّذي ولاّك وأبوه. يابن مرجانة، تقتل أولاد النبيّين وتقوم
على المنبر مقام الصدّيقين؟! فقال ابن زياد: عليّ به، فأخذته الجلاوزة فنادى بشعار
الأزد فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة. فلّما كان الليل أرسل إليه ابن
زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه. الإرشاد، الشيخ المفيد: 244.
3- أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين: 4/146، دار التعارف، بيروت، ط 2، 1418هـ ـ
1997م.
4- أمالي الطوسي، أبو جعفر، محمّد بن الحسن: 677، تحقيق مؤسسة البعثة، دار الثقافة،
قم، ط1، 1414هـ.
5- الكامل في التاريخ، م.س/4/3.
6- البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق علي شيري: 8/220،
دار الفكر، بيروت، 1398هـ.
7- بحار الأنوار، م. س: 45/386.
8- منطقة في شرق دمشق.