سورة الماعون
في كنف الوحي
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ, فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ, وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ , فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ,الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ,الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ, وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ.
عدد الزوار: 293
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)﴾.
1- شرح المفردات
1- الدّع: الردّ بعنف وجفاء.
2- يحضّ: "الحضّ" الترغيب.
3- ساهون: الناسون.
4- الماعون: كل ما يعين في رفع حاجة من حوائج الحياة.
2- هوية السورة
• نزلت هذه السورة في مكة1. عدد آياتها سبع.
محتوى السورة وفضيلتها
هذه السورة على رأي أكثر المفسرين مكيّة، ولحنها الذي يتحدَّث عن القيامة وأعمال منكري القيامة بمقاطع قصيرة وقارعة يؤيد ذلك.
السورة بشكل عام تذكر صفات وأعمال منكري القيامة في خمس مراحل.
فهؤلاء نتيجة لتكذيبهم بذلك اليوم، لا ينفقون في سبيل اللّه, ثم هم يتساهلون في الصلاة، ويعرضون عن مساعدة المحتاجين.
وفي سبب نزول السورة قيل إنها نزلت في أبي سفيان الذي كان ينحر في اليوم اثنين من الإبل ويطعم أصحابه، ولكن يتيماً جاءه يوماً يطلب منه شيئاً فضربه بعصاه وطرده.
وقيل إنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل في العاص بن وائل2 وفي أبي جهل وكفار قريش3.
وفي فضيلة تلاوة هذه السورة ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر قال:"من قرأ (أرأيت الذي يكذّب بالدين) في فرائضه ونوافله قبل اللّه صلاته وصيامه ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا" 4.
في كنف السورة
السورة المباركة على صغرها تحمل معاني وأفكاراً ومفاهيم مهمَّة:
1- خطورة التكذيب بالدين
فسِّر الديِّن وهو التفسير غير المشهور باتباع الملَّة أي ملّة الإسلام العظيم، وفسِّر وهو التفسير المشهور بيوم الدَّين أي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم.
وعلى كلا التفسيرين فإن اللوازم المذكورة للتكذيب بالدين تصح، فالمكذِّب بالإسلام والكافر به، والمكذِّب بالآخرة، كلاهما يحملان صفات روحية وسلوكية قبيحة.
فهناك ارتباط وثيق بين الاعتقاد من جهة والروحية والأخلاق والسلوك من جهة أخرى، فمن لا اعتقاد له باللَّه واليوم الآخر، تلاحظ فيه سلوكيات شاذة منها:
2- يدع اليتيم
والدع هو الرد بعنف، وهذا أقصى مراتب قساوة القلب، فلا يكفي الكافر في بعض حالاته من عدم الإحسان إلى اليتيم، بل يترقّى إلى أذيته بردِّه بعنف.
أما المسلم المؤمن باللَّه وبالآخرة فهو بخلاف ذلك إنه رحيم بالأيتام الذين أوصى الإسلام العظيم بهم توصيات كثيرة:
يقول اللَّه تعالى:﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...﴾(البقرة:83).
ويقول سبحانه: ﴿... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى...﴾(البقرة:177).
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
يقول أمير المؤمنين في وصيته قبل موته:"اللَّه اللَّه في الأيتام فلا تغبُّوا5 أفواههم، ولا يضيّعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول اللَّه يقول: من عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب اللَّه عزَّ وجلَّ له الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار"6.
عن أبي الدرداء قال: أتى النبي رجل يشكو قسوة قلبه.
فقال: "أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ إرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك"7.
ولقد ذمّ الإسلام آكلي أموال اليتامى
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾( النساء:10).
عن رسول اللَّه: "شر المآكل أكل مال اليتيم"8.
وعن أبي جعفر قال:"قال رسول اللَّه: يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم ناراً فقيل له يا رسول اللَّه من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى"9.
وبعض الروايات تعلِّل حرمة أكل مال اليتيم
عن الرضا فيما كتب من جواب مسائله:"حرّم أكل مال اليتيم لعلل كثيرة من وجوه الفساد.
أول ذلك إذا أكل مال اليتيم ظلماً فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن، ولا محتمل لنفسه، ولا قائم بشأنه، ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة..."10.
3- لا يحض على طعام المسكين
ومن صفات الكافر أنه ليس لديه روح التعاون، فهو لا يحض على طعام المسكين، أي لا يرغِّب نفسه أو غيره على إطعام المسكين.
ثم تنتقل السورة إلى صنف من الناس تراهم في المجتمع الإسلامي، ويدّعون الإسلام، إلا أن سلوكهم وأخلاقياتهم، تشابه أخلاق الذي يكذِّب بالدِّين، وهؤلاء تعرفهم من خلال بعض الصفات:
1- ساهون عن الصلاة مراءون بها
فهم غافلون عنها لا يهتمون ولا يبالون أن تفوتهم بالكلّية، وبالإضافة للسهو عن الصلاة هناك سهو في الصلاة ينبغي أن يتجنبه المؤمن.
فالسهو في موضوع الصلاة مراتب
أ- تركها كلّية، والمسلم التارك للصلاة كالكافر الذي قطع الصلة باللَّه تعالى.
ب- الصلاة المرائية، وهي صلاة المنافق الذي يصلِّي ليوهم الناس أنه مؤمن.
ج- التهاون بها وتضييعها وعدم الاهتمام بها، فهو يصلي مرّة ويقطع عشراً.
د- عدم الخشوع فيها.
هـ تأخيرها عن أول وقتها.
في تفسير القمي في قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين).
قال: نزلت في أبي جهل وكفار قريش، وفي قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُون).
قال: عنى به تاركون، لأن كل إنسان يسهو في الصلاة.
قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: "تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر"11.
وفي الخصال عن علي عليه السلام قال:"ليس عمل أحب إلى اللَّه عزَّ وجلَّ من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا فإن اللَّه عزَّ وجلَّ ذم أقواماً فقال: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها" 12.
وفي الإسلام توصيات كثيرة بالصلاة، فهي عمود الدين، والتي إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت رد ما سواها، وأول شيء يسأل العبد عنه يوم القيامة، وهي قربان كل تقي.
يقول الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق:"فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى اللَّه وأنك قائم بها بين يدي اللَّه فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك. ولا قوة إلا باللَّه"13.
والإمام زين العابدين لم يكن متكلّماً بهذه الكلمات فحسب بل:"كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض14 عرقا".
وفي حديث آخر:"كان علي بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا ما حرّكت الريح منه"15.
هذه هي صلاة الأئمة، صلاتهم ليست كصلاة من روى عنه أبو جعفر حيث يقول:"بينما رسول اللَّه جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال رسول اللَّه: نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني"16.
2- يمنعون الماعون
ومن صفات تاركي الصلاة المتهاونين بها، هي صفه منع الماعون، والماعون: "كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره"17 إلى غير ذلك.
عن أبي عبد اللَّه:"وقوله عزّ وجلّ (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة"18.
فالمسلم الحقيقي: هو الباذل المعطي الكريم المتصدِّق، هو صاحب روح معطاءة متعاونة، لا شحيحة بخيلة.
أنظروا إلى أئمتكم قدوتكم كيف كانوا إنهم:﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾(الإنسان:9-8).
حشرنا اللَّه مع أئمتنا، مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والتسعة المعصومين من ذريّة الحسين، وجعلنا اللَّه من المقتدين بهم، فمن اقتدى بهم ربح، ومن تخلّف عنهم غرق.
*في كنف الوحي، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، طـ1 ،ايلول2004م ، ص79-87.
1- قيل أنها نزلت في المدينة.
2- الأمثل، ج20، ص439.
3- الميزان، ج20، ص368.
4- مجمع البيان، ج10، ص546.
5- أغبّ القوم: جاءهم يوماً وترك يوماً، أي لا تجيعوهم بأن تطعموهم غبّاً.
6- فروع الكافي، ج7، ص11.
7- ميزان الحكمة، الري الشهري، مج10، ص765.
8- ميزان الحكمة، م.س، مج10، ص766.
9- ن.م، ص.
10- ميزان الحكمة، م.س، مج10، ص767.
11- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج21، ص368-369.
12- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج21، ص368-369.
13- رسالة الحقوق، للإمام زين العابدين، حق الصلاة.
14- يرفض عرفاً: يسيل عرقه ويجري.
15- بحار الأنوار، ج46، ص64.
16- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، كتاب الصلاة، باب 8 من أبواب اعداد الفرائض حديث 2.
17- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج20، ص268.
18- ن.م، ص269.