يتم التحميل...

سورة النصر

في كنف الوحي

إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ, وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجً, فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.

عدد الزوار: 247

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا *.

1- شرح المفردات
1- دين اللَّه: الإسلام.
2- أفواجاً: جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة.
3- سبِّح: نزّه.

2- هوية السورة
نزلت هذه السورة في المدينة وآياتها ثلاث.

محتوى السورة وفضيلتها
هذه السورة نزلت في المدينة بعد الهجرة، وفيها بشرى النصر العظيم ودخول الناس في دين اللَّه أفواجاً، وتدعو النبي أن يسبح اللَّه ويحمده ويستغفره شكراً على هذه النعمة.

في الإسلام فتوحات كثيرة، ولكن فتحاً بالمواصفات المذكورة في السورة ما كان سوى "فتح مكة"، خاصة وأن العرب كما جاء في الروايات كانت تعتقد أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع أن يفتح مكة إلا إذا كان على حق... ولو لم يكن على حق فربّ‏ُ البيت يمنعه كما منع جيش أبرهة. ولذلك دخل العرب في دين اللَّه بعد فتح مكة أفواجاً.

قيل: إن هذه السورة نزلت بعد "صلح الحديبية" في السنة السادسة للهجرة، وقبل عامين من فتح مكة.

وما ذكره بعضهم من نزول هذه السورة بعد فتح مكة في السنة العاشرة للهجرة في حجة الوداع بعيد جداً. لأن عبارات السورة لا تنسجم وهذا المعنى، فهي تخبر عن حادثة ترتبط بالمستقبل لا بالماضي.

ومن أسماء هذه السورة "التوديع" لأنها تتضمن خبر وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

في الرواية أن هذه السورة لما نزلت قرأها رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما يبكيك يا عم؟

فقال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول اللّه.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه لكما تقول"1.

ظاهر السورة ليس فيه أنباء عن قرب رحلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل عن الفتح والنصر. فكيف فهم العباس أنها تنعي إلى الرسول نفسه؟

يبدو أن دلالة السورة على اكتمال الرسالة وتثبيت الدين هو الذي أوحى بقرب ارتحال الرسول إلى جوار ربّه.

في فضيلة السورة ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:"من قرأها فكأنما شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:"من قرأ (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) في نافلة أو فريضة نصره اللّه على جميع أعدائه، وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق قد أخرجه اللّه من جوف قبره، فيه أمان من حرِّ جهنم..."3.

في كنف السورة
1- نصر اللَّه تعالى

في القرآن الكريم كثير من الآيات الكريمة تضيف النصر إلى اللَّه تعالى، يقول تعالى:﴿... أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(البقرة:214).﴿... وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ...(آل عمران:126).﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ...(التوبة:25).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

وهذه الإضافة أي إضافة النصر إلى اللَّه تعالى تعني أن النصر يحتاج إلى مدد إلهي، فإن كل شي‏ء في الوجود لا يمكن له أن يستغني عن العون والمدد والتوفيق الإلهي، وهي إمدادات غيبية ترتفع عن المسائل الحسيّة، وقبل الحديث عن أنواع الإمدادات وشروطها، نتعرّض بالإشارة إلى مصطلحين قرآنيين:

الرحمة الرحمانية: هي الألطاف الإلهية الشاملة لكلّ‏ِ الموجودات، فوجود كل شي‏ء في هذا العالم بنفسه رحمة لذلك الموجود. وكذلك تعتبر كل الوسائل التي خلقت لأجل وجوده والحفاظ على بقائه رحمة له أيضاً، وهذه الرحمة تفاض وفق قوانين طبيعية عامة.

الرحمة الرحيمية: هي تلك الألطاف الإلهية الخاصة، التي يستحقها المكلَّف لحسن طاعته وامتثاله وأدائه، وهي تفاض وفق شروط وقوانين خاصة ومعينة.

ونحن نطلب من اللَّه تعالى هذا النوع الخاص من الرحمة يومياً في صلاتنا:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(الفاتحة:5).

وتشمل هذه الألطاف الإنسان في حياته الفرديّة أو الاجتماعية وتنقذه من كثير من المآزق.

وقد شمل اللَّه تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بمثل هذه الألطاف حيث يقول القرآن بحق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * َوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(الضحى:6-8).

فالإنسان المؤمن بحاجة إلى مثل تلك الألطاف الإلهية الخاصة، والنصر من اللَّه تعالى هو لطف منه على عباده المؤمنين، وهو مدد غيبي لا يتحقق إلا بشروط أقرّها اللَّه تعالى وهي:

أ- الإيمان: يقول تعالى:﴿... وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(الروم:47).

ب- العمل والجهاد: قال تعالى: ﴿... إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(محمد:7).

فقوله: (إن تنصروا) في هذه الآية، يفهم منه صريحاً أن اعطاء ومنح النصر مشروط بمن يعمل وينصر ويجاهد، والآيات الكريمة في الحث على الجهاد كثيرة، فليس الأمر كما قال اليهود للنبي موسى عليه السلام حين أمرهم بالقتال لدخول الأرض المقدّسة:﴿... فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(المائدة:24).

ج- الأمل والصدق: يقول تعالى: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب(البقرة:214).

فنلاحظ أن اللَّه تعالى أراد للمؤمنين رغم ما بهم من ضيق وضرّ وبأساء أن يأملوا نصر اللَّه فهو قريب.

ويقول أمير المجاهدين الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة:"... ولقد كان الرجل منا والآخر من عدوِّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا ومرّة لعدوّنا منا، فلمّا رأى اللَّه صدقنا أنزل لعدوّنا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقرَّ الإسلام..."4.

د- في سبيل اللَّه: أن يكون العمل والجهاد كله في سبيل اللَّه، فالنصرة لا بد أن تكون للَّه:(إن تنصروا الله).

والمجاهدة لا بد أن تكون في اللَّه:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(العنكبوت:69).

هـ إعداد العدّة: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ...(الأنفال:60).

إذن لا يتحقق المدد الغيبي والنصر الإلهي عبثاً ولا مجاناً ونحن عاكفون في البيوت كما قال اليهود لنبيهم:﴿... فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(المائدة:24).

بل لا بد من توفّر الشروط الموضوعية لكي تتحقق الألطاف الإلهية، وليست هذه الشروط من المستحيلات.

فدروس وعبر المسلمين الأوائل إلهامات مهمَّة لكي نأخذ منها المدد الواقعي.

2- النصر ودخول الناس في الإسلام
إن النصر له آثار مهمّة على النّاس المنتصر عليهم، من حيث تهيؤهم للدخول في الإسلام العظيم، فالناس مع المنتصر القوي، لا مع المنهزم الضعيف.

لذلك نرى السورة الكريمة ترتّب على النصر دخول الناس في دين اللَّه أفواجاً.

3- استمرارية النصر مشترطة
النصر يعقبه انفعالات نفسية خطيرة على المنتصرين كالعجب، والغرور، والتكبر، والاقتناع بما وصلوا إليه، إلى غير ذلك من الصفات، من هنا ولكي يستمر النصر لا بد من إزالة هذه الرذائل الأخلاقية من نفوس المؤمنين، وذلك بدوام العلاقة باللَّه تعالى، بالتسبيح والاستغفار والتوبة، وهي رمز لدوام العلاقة باللَّه تعالى والتواضع أمام نعمه.

*في كنف الوحي، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، طـ1 ،ايلول2004م ، ص89-97.


1- مجمع البيان، ج‏10، ص 554. هذه الرواية وردت بألفاظ مختلفة الميزان، ج‏20، ص‏532.
2- مجمع البيان، ج‏10، ص‏553.
3- نفس المصدر.
4- نهج البلاغة، من كلام له في وصف حربهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ج‏1، ص‏104، تحقيق الشيخ محمد عبدو، الخطبة 56.

2009-08-17