قصة مسجد الضّرار
واقعة وأحداث تبوك
كانت "المدينة" و"نجران" تُعتبران بالنسبة إلى أهل الكتاب منطقتين واسعتين ومركزيتين في شبه الجزيرة العربية، فقد كانوا يتمركزون في هاتين المنطقتين اكثر من أي مكان آخر، ولهذا اعتنق فريق من عرب الأوس والخزرج الدين المسيحي واليهودي.
عدد الزوار: 378
كانت "المدينة" و"نجران" تُعتبران بالنسبة إلى أهل الكتاب منطقتين واسعتين
ومركزيتين في شبه الجزيرة العربية، فقد كانوا يتمركزون في هاتين المنطقتين اكثر من
أي مكان آخر، ولهذا اعتنق فريق من عرب الأوس والخزرج الدين المسيحي واليهودي.
ويبدو أن "ابا عامر" والد "حنظلة غسيل الملائكة" المستشهد في غزوة اُحد، كان قد رغب
في الدين المسيحي في العهد الجاهلي، فانسلك في صفوف الرُّهبان، فلمّا ظهر نجم
الإسلام من اُفق المدينة بعد هجرة النبي اليها، واحتوى الدين الجديد الأديان
الاُخرى انزعج "أبو عامر" من هذه الظاهرة بشدة، فشرع بصدق في التعاون مع منافقي
الأوس والخزرج. وقد عرفَ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بخططهم التخريبية، وأراد
اعتقاله، فخرج "أبو عامر" من المدينة إلى مكة، ومن مكّة إلى الطائف، وهرب من الطائف
بعد سقوطها إلى الشام، واخذ يقود من هناك شبكة تجسُّسيّة لحزب المنافقين.
وقد كتب إلى المنافقين في المدينة في إحدى رسائلهم ان استعدّوا وابنوا مسجداً في
قباء في مقابل مسجد المسلمين وصلّوا فيه في أوقات الصلاة ليمكنكم- تحت غطاء أداء
الفرائض- التحدث حول الاُمور المتعلقة بالإسلام والمسلمين، وكيفية تنفيذ المؤامرات
الحزبية ضدهم.
لقد كان "ابو عامر" على غرار أعداء الاسلام في العصر الحاضر يرى أن أفضل وسيلة لهدم
واستئصال الدين في بلد يسوده الدين هو الاستفادة من نفس سلاح الدين، ومن المعلوم
أنه يمكن توجيه الضربة إلى الدين باسم الدين أكثر من أيّ عامل أو سيلة اُخرى.
لقد كان "ابو عامر" يعلم أن النبي صلّى اللّه عليه وآله لا يسمح لحزب المنافقين
بإقامة مركز لهم مطلقاً إلا إذا كان لذلك صبغة دينية، وكان تحت عنوان مسجد.
عندما كان رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يتجهّز إلى "تبوك" أتاه جماعة من
المنافقين وطلبوا منه ان يسمح لهم ببناء مسجد في محلتهم بقباء بحجة أن ذوي العلة
والحاجة لا يمكنهم أن يقطعوا المسافة بين قباء ومسجد النبي للصلاة معه صلّى اللّه
عليه وآله في الليلة المطيرة والليلة الشاتية، فأوكل النبي صلّى اللّه عليه وآله
أمر النظر في طلبهم إلى ما بعد العودة من تبوك.
غير أن حزب النفاق بادروا إلى اختيار نقطة من الأرض في قباء، واسرعوا في اقامة مركز
لهم تحت غطاء المسجد ولما عاد النبي صلّى اللّه عليه وآله من تبوك حضروا عنده
وطلبوا منه أن يصلي فيه ركعتين ليُسبغوا بذلك الشرعيّة على مركزهم، وفي هذه الاثناء
نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخبره بحقيقة هذا الأمر، وسمّاه
في آيات نزلَ بها على النبي بمسجد الضرار، ووصفه بأنه مركز بنُي لايجاد الفُرقة بين
المسلمين، والتآمر عليهم إذ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ
اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ
أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
فأمر النبيُّ صلّى اللّه عليه وآله فوراً بإحراق ذلك المسجد وتسويته بالأَرض فحرِّق
وهُدِّمَ وسُوِّيَ بالأرض وتحوَّل مكانُه إلى مزبلة فيما بعد.
إن تحريق وهدم مسجد الضرار كانت ضربة قاضية لحزب النِّفاق فمنذئذ تلاشت وشائج
وروابط ذلك الحزب الخبيث، وهلك حاميهم الوحيد عبد اللّه بن أُبي بعد شهرين من غزوة
تبوك.
ولقد كانت غزوة تبوك آخر الغزوات الإسلامية التي شارك فيها رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله إذ لم يشارك صلّى اللّه عليه وآله بعدها في أي قتال .
* اية الله السبحاني / سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم