كلمته في الاجتماع الكبير لأهالي بجنورد
خطاب القائد
كلمته في الاجتماع الكبير لأهالي بجنورد: ستاد تختي_10-10-2012م
عدد الزوار: 50

الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه المنتجبين، والسّلام على عباد اللّه الصّالحين.
اللّهمّ صلّ على عليّ بن موسى المرتضى الإمام التّقي النّقيّ وحجّتك على من فوق
الأرض ومن تحت الثّرى الصّدّيق الشّهيد صلاة كثيرة تامّة ناميةً زاكية متواصلة
مترادفة كأفضل ما صلّيت على أحد من عبادك وأوليائك.
باب الرضا
الشكر لله ـ أقولها من صميم القلب ـ على اللقاء بكم يا أهالي محافظة خراسان
الشمالية الأعزّاء، حيث إنّ مدينتكم ومحافظتكم معروفٌة بأنها "باب الرضا" ولأنّه
حصل في يوم الزيارة الخاصّة بالإمام الرّضا، هذا وإن لم نوفّق اليوم لنكون في حرم
الإمام الثامن المطهّر عن قرب، لكنّنا سلّمنا ونسلّم من هذه المنطقة التابعة لحضرته.
تُعرف هذه المنطقة اليوم باسم خراسان الشمالية وهي من مناطق خراسان المهمّة، سواءٌ
من ناحية موقعها الجغرافيّ والطبيعيّ أو من ناحية الخصائص السكّانية والبشرية
والثقافية والأخلاقية والسلوكية. فهذه الخصائص قد عرفناها منذ القدم في أهالي هذه
المنطقة المهمّة والحسّاسة. إنّ هذه المحافظةٌ بطبيعتها الجميلة ومصادرها الطبيعية
الغنية والمتنوّعة، وعمقها وغناها الثقافيّ البارز والمميّز جدّاً، وإمكاناتها
الزراعيّة الوفيرة، بالإضافة إلى ما للأنشطة المرتبطة بها من جاذبية، غير معروفة
للأسف ـ حيث إنّ الكثير من أبناء هذا البلد لم يتعرّفوا جيّداً إلى الجاذبيات
السياحية لهذه المنطقة لحدّ الآن. ومن أبرز الخصائص التردّد السنويّ لملايين الناس
المسافرين المشتاقين لعتبات عليّ بن موسى الرضا عليه آلاف التحيّة والسلام.
خراسان الشمالية،مميزات وخصائص
وبهذه الخصائص الجغرافية والإقليمية تُعتبر منطقة خراسان الشمالية ذات موقعيّة مهمة.
لكنّ الأهم منها هو الخصائص السكّانية. فلقد عرفنا أهالي هذه المنطقة ومنذ القدم
بنشاطهم وحيويّتهم في جميع الميادين. ففي جميع الميادين التي يحضر فيها النّاس بشكل
بارز، فإنّ أهالي محافظة خراسان الشمالية وأهالي بجنورد وغيرها من مناطق هذه
المحافظة، عُرفوا بحيويّتهم ونشاطهم واستعدادهم، وقد أثبتوا ذلك في جميع المواطن.
شكر واعتذار
وإنّني من هنا أوجّه الشكر لحضوركم اليوم في الشوارع حيث استشعرنا هذا النشاط
والحيوية والحضور والاستعداد في حركة أبناء هذه المنطقة في الساعة والنصف هذه التي
كنا فيها في الشارع. وقد عهدنا مثل هذا الأمر منذ القدم في أهل هذه المنطقة ـ فأقدم
الشكر وكذلك أقدّم الاعتذار. فالشباب الأعزّاء الذين كانوا في الشوارع قد تزاحموا
إلى درجة أنّني كنت في الحقيقة قلقاً وأنا في سيّارتي من شدّة الزّحام الذي كان
يعاني منه النّاس. ففي النّهاية، إنّنا شاكرون ونقدّم الاعتذار.
هذا النشاط والحيويّة مشهودان في جميع ميادين حياة هذا الشعب. في الثامن والعشرين
من شهر صفر1، الذي يتوافد فيه الناس من جميع أنحاء المحافظة إلى مرقد
عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام فإنّ زوّار بجنورد وسيّاراتهم هم الأكثر بين جميع
الأقضية. وهذا ما يعرفه المشهديّون، وأنا العبد المشهديّ أعرف ذلك أيضاً. ففي
الزيارة نستشعر هذا النشاط والحضور والاستعداد.
50 مسؤولاً وآلاف الشهداء والجرحى
وقد شوهد هذا الأمر ذاته في ميدان الدفاع المقدّس سابقاً. فقد كان هناك خمسون
مسؤولاً مميّزاً للفيالق المتعلّقة بخراسان ولفرقة جواد الأئمّة عليهم السلام
التابعة لخراسان الشمالية. 2772 شهيداً من هذه المنطقة قد قدّموا أنفسهم في سبيل
الله. لهذه المحافظة أكثر من 6000 جريحا، وكذلك الكثير من الأسرى المحرّرين
والمجاهدين والمضحّين. إنّ هذه هي روحية الحضور والجهوزية والحيوية والنشاط.

خراسان الشمالية، استعداد وامتداد علميّ
في هذه المحافظة استعدادات مشرقة. وكما أُطلعت فإنّ هذه المحافظة هي من المحافظات العشر الأول في البلد بلحاظ الاستعداد والاقتدار العلميّ. وفي الأولمبيادات العلمية فإنّها تُعتبر من الأوائل. إنّ هذه هي الاستعدادات والقابليات. وبالطبع، أنا العبد قد شاهدت بنفسي ـ أيّام دراستي في مشهد ـ نماذج من هذه الاستعدادات المميّزة والساطعة، حيث إنّ ذكرها هنا ليس ضروريّا؛ وبمشيئة الله سوف أذكرها في اجتماع العلماء والطلّاب. يتمتّع أهالي هذه المنطقة بالغيرة والتديّن وحفظ الثغور والحيويّة والنشاط والشجاعة، ومثل هذه الخصائص تُعدّ خصائص بارزة.
لماذا نذكر هذه الأمور؟ حسناً، من أجل أن يعرف أهالي المناطق المختلفة في بلدنا ما يتمتّعون به من خصوصيّات فيفخروا بها. هكذا يفتخر شباب بجنورد بأنّهم من هذه المدينة. فشباب المحافظة، من أيّ قومٍ كانوا، يفتخرون عندها بأنّهم من هذه المحافظة، ومن أبناء هذه المنطقة، ومن هؤلاء الأهالي. إنّ من المميّزات الأخرى لهذه المحافظة التآلف والتعايش الرحيم والأخويّ بين القوميات المختلفة ـ من الكرد والفرس والترك والتات والتركمان ـ حيث يعيشون بسلامٍ ومحبّةٍ وأخوّة جنباً إلى جنب، وهو أمرٌ مشهودٌ بشكل كامل في هذه المنطقة، ومثل هذا ينبغي تقديره كثيراً.
خارطة الطريق، والحياة الطيبة
حسنٌ، من هنا أدخل إلى أصل الموضوع الذي أعددته. أعزّائي، أيها الإخوة والأخوات، لقد سمعتم هذه المميّزات والخصائص. فمثل هذا النشاط والحيوية والجهوزيّة موجود منذ الثورة وإلى يومنا هذا في جميع أنحاء البلد، وهو موهبةٌ كبرى لشعب يتحرّك نحو الأمام ويصبو إلى الرقيّ ويسعى إلى الحياة الطيّبة. إنّ هذه الحالة من الجهوزيّة والنشاط والحيويّة والفعاليّة هي نعمةٌ كبرى ولكنّها غير كافية، فلأجل الذهاب إلى القمم توجد شروط أخرى. ففي البداية يجب أن يكون هناك خريطة للطريق حتى تُعلم هدفية الحركة وآفاقها، فيُرسم خطّ سيرها، ثمّ هناك الوعي المستمر والصحيح والرّصد الدائم لهذه الحركة. فمثل هذا هو أمرٌ ضروريٌّ لأيّ شعب وهو يُعدّ اليوم من القضايا الأساسيّة عندنا.
إنّني أصرّ على شبابنا الأعزّاء، بالخصوص نخبنا، أن يهتمّوا بالقضايا الأساسية
لعصرنا، فإنّنا اليوم نعدّها ضروريّة. لقد تمّ تحديد أهداف هذا التحرّك منذ بداية
الثورة. وقد ظهرت خارطة الطريق في شعارات النّاس، وكذلك في كلمات الإمام رضوان الله
تعالى عليه بصورةٍ إجماليّة، وقد تمّ تدوين هذه الخارطة على مرّ الأيّام وطيلة هذه
الأعوام الثلاثين، ونضُجت واكتملت، وها هو شعب إيران اليوم يعلم ماذا يريد ونحو أيّ
شيء يسعى.
التقدّم، مفهوم مفتاحيّ
لو أردنا أن نختصر أهداف شعب إيران في مفهومٍ واحد يمكن
أن يبيّن إلى حدّ كبير المطالب العامّة للبلد وللشعب ويعبّر عنها، فإنّ ذلك المفهوم
المفتاحيّ هو عبارة عن مفهوم التقدّم، التقدّم وفق منظار إسلاميٍّ.
والتقدّم في منطق الإسلام يختلف عن التقدّم في منطق الحضارة الغربية المادّية.
فهؤلاء يرون بعداً واحداً، وينظرون إلى التقدّم من جهةٍ واحدة هي الجهة المادّية.
فالتقدّم بنظرهم هو بالدرجة الأولى وبالعنوان الأبرز عبارة عن التقدّم في الثروة
والعلم والعسكر والتكنولوجيا. هذا هو التقدّم في المنطق الغربيّ؛ أما في المنطق
الإسلاميّ فله أبعادٌ أكثر: التقدّم في العلم والأخلاق والعدالة وسعة العيش،
والاقتصاد والعزّة والشأنيّة الدولية وفي الاستقلال السياسيّ ـ وكلّ هذه قد أُدغمت
في مفهوم التقدّم بحسب الرؤية الإسلامية ـ والتقدّم في العبودية والتقرّب إلى الله
تعالى، أي البعد المعنويّ والإلهيّ، فهذا أيضاً من التقدّم الموجود في الإسلام، وهو
الذي يُعدّ في ثورتنا هدفاً نهائياً لنا: التقرّب إلى الله.
وفي هذا التقدّم والتطوّر تمّ أخذ الدنيا بعين الاعتبار وكذلك الآخرة.
لقد علّمنا الإسلام أنّه "ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه"3.
فلا ينبغي ترك الدنيا لأجل الآخرة، كما إنّه لا ينبغي التضحية بالآخرة لأجل الدنيا.
وفي رواية أخرى يقول: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً"4، أي لا
تخطّط؟ للدنيا على أنّك ستعيش فيها عدّة أيّام بل ليكن تخطيطك لخمسين سنة. ويجب على
مسؤولي البلد ومسؤولي البرامج العامّة للنّاس أن يتوجّهوا جيّداً إلى هذا الأمر.
فلا نقول: أنّه ليس معلوماً أنّنا سنعيش لخمسين سنة أخرى، فلماذا نخطّط. كلا، بل
يجب أن تخطّط كأنّك ستبقى حيّاً إلى آخر الدنيا، كما أنّك إذا أردت أن تخطّط
لمصلحتك ونفعك، فبأيّ جدّيّة ودقّة تفعل ذلك، فقم بالتخطيط نفسه للأجيال القادمة
التي ستأتي من بعدك، "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً"5، والنقطة
المقابلة أيضاً: "واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"، فعليك إذاً أن تعمل بدقّة
تامّة لأجل الدنيا، وكذلك لأجل الآخرة. إنّ التقدّم الإسلاميّ والتطوّر في منطق
الثورة هو هذا، أي أنّه شاملٌ لجميع الأبعاد.
دور النخب والفرص المتاحة
إنّ الهدف هو التطوّر والتقدّم. غاية الأمر أنّ رصد
المراحل مرحلة فمرحلة هو أمرٌ ضروريّ، وهذا هو عمل النّخب. فما هي
ظروفنا اليوم وما هي الموانع التي تقف أمامنا؟ وما هي نقاط قوّتنا وضعفنا؟ وما هي
الفرص المتاحة أمامنا؟ وما هي التهديدات التي تحيط بنا؟ وماذا ينبغي أن نفعل؟ وكيف
يجب أن نخطّط من أجل الاستفادة من الفرص المتاحة، والوقوف بوجه خطر التهديدات؟ كلّ
هذه أعمالٌ يجب أن تنجزها النّخب في كلّ مرحلةٍ، فيضعوها في خططهم ويطلعوا الناس
عليها، لأنّ الناس يريدون أن يتحرّكوا بأعينٍ مفتوحة وببصيرة، ويعرفوا ماذا يفعلون
وإلى أين يتّجهون، فعندما يتحقّق هذا الأمر فإنّ الناس سوف ينزلون إلى الميادين
الصعبة بكلّ وجودهم.
حسنٌ، لو أردت الآن أن أحكم بشأن هذا الهدف الذي ذُكر فإنّ حكمي سيكون إيجابياً.
فطيلة عهد الثلاثين سنة للثورة، كنّا نتقدّم تقدّماً متواصلاً. وبالطبع كان هناك
صعودٌ وهبوط، وبطءٌ وتسارع، وضعفٌ وقوّة، لكنّ التوقّف لم يحصل أبداً على صعيد
تقدّم البلد والشعب نحو القمّة المقصودة. كان هناك ضعف؛ ويجب على الشعب والمسؤولين
والنّخب السياسية والعلمية والعلمائيّة أن يعزموا على إزالة كل هذا الضعف.
فلنسرّع من تطوّر البلد. ما هي الأشياء التي
تنجحنا اليوم وما هي الأشياء التي يمكن أن توجد لنا المشاكل؟ سوف أضرب مثلاً: لو
أخذتم مجموعة من متسلّقي الجبال بعين الاعتبار وهم يريدون أن يصلوا إلى القمّة
الرفيعة لهذا الجبل من أجل منافع ومفاخر. فإنّ همّهم بالدرجة الأولى سيكون التقدّم
والسعي والعمل. بالطبع، من الممكن أن تبرز مشاكل ومخاطر على الطريق. فما هو ضروريٌّ
بالنسبة لهم بالدرجة الأولى هو السعي والفعالية والتحرّك والعزم الرّاسخ وعدم اليأس
وعدم فقدان الأمل من الوصول إلى الأهداف، وعليهم أن يصبروا ويخطّطوا ويتمتّعوا
بالنّباهة والاستعداد لأجل مواجهة المشكلات.
العزم الراسخ والأمل
من الممكن في كلّ طريقٍ أن تقع مشاكل ومخاطر. وسوف أشير إلى ما حدث طيلة هذه
السنوات الثلاثين للثورة من أمورٍ، في نضال شعبنا العزيز وكيف قام شعبنا بتجاوز هذه
المشكلات. فالوسيلة والأداة الأساسية لهذه الحركة العظيمة
والكبرى هي عبارة عن هذا العزم الرّاسخ وهذا الأمل، وهذا السعي والعمل المتواصل،
وهذا التخطيط وهذه الجهوزية وهذه اليقظة. فلو وُجد مثل هذا الذخر
والوسيلة الأساسية، ولو وجدت هذه الأركان الأساسيّة، فإنّ هذه المجموعة التي هي في
حال التحرّك ـ في مثالنا هم متسلّقو الجبال، وفي الواقع هي شعب إيران ـ ستتغلب على
جميع المشكلات وسيمكنها أن تخضع جميع أعدائها. فهذا هو الأساس. فلو وُجدت هذه
الإمكانات، فلن يكون هناك أيّة مشكلة بالمعنى الواقعي التام، ولن يكون هناك خطرٌ.
فما هو الخطر الواقعيّ؟ الخطر الواقعيّ هو عبارة عن أن
يضيّع الشعب هذا الذخر الأساس، أي روحية العمل والسعي، وأن يبتلى بالكسل ويفقد
روحية الأمل ويقع في اليأس ويفقد الصبر والمقاومة ويبتلى بالاستعجال والتهوّر
ونسيان التخطيط والعبثيّة والتحيّر، فهذا هو الخطر. فلو استطاع أيّ شعبٍ
أن يحافظ على هذه الروحية المميّزة فيه والتي هي مزيج الأمل والعزم والإيمان والسعي
والحركة، فلن يكون هناك أيّة مشكلة حقيقية مقابله.
والآن لنرجع إلى ساحة إيران العزيزة وشعبها العظيم وننظر إليهما. إنّني أرغب في أن
أطبّق كل ما أقوله وأفكّر فيه على المنطق. لا أريد أن يكون كلامي مجرّد شعار. فأنا
العبد لا أوافق أبداً على الكلام الجُزاف فيما يتعلّق بالقضايا المختلفة وخصوصاً
قضايا الثورة. فلننظر إلى المنطق ما هو، وما هي الوقائع.
إنّ لشعب إيران ساحة مواجهة مع مجموعة من الأعداء، وقد بدأوا العداء بأنفسهم. وتقع
الشبكة الصهيونية الخبيثة والخطرة على رأس هؤلاء الأعداء. وللأسف، إنّ بعض الدول
الغربية، وخصوصاً أمريكا، واقع تحت تأثير هذه الشبكة. لقد بدأوا معارضتهم للثورة
الإسلامية والجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة، وقد حقدوا على هذا الشعب الذي
ثار وهم الآن كذلك. حسنٌ، في ساحة المواجهة هذه، يقف شعب إيران في جهة، وبعض القوى
الحاقدة عليه والتي تكنّ له العداء، في جهة أخرى. عندما ننظر إلى الساحة ونلقي نظرة
على شعبنا العزيز نجد أنّه شعب ذو عزمٍ وأمل واستعدادٍ أعلى، وفيه جيلٌ شابٌّ مليءٌ
بالدوافع والحماس والسّعي. فهذا الحضور لجيل الشباب يظهر في جميع الميادين: في
ميدان العلم، والذي أقرّ به العالم اليوم، وفي ميدان التكنولوجيا، وفي الميادين
الاجتماعية المختلفة، وعندما حدث ما حدث في الدّفاع المقدّس كان كذلك، وهو الآن
كذلك من ناحية الاستعدادات المختلفة.
ميثاق الأفق العشرينيّ
يمتلك شعب إيران اليوم "ميثاق الأفق العشرينيّ"6 والأدوات
الضروريّة للتحرّك نحو الأمام، والثروات الطبيعيّة والمعادن النفيسة.
إنّ ما نمتلكه من الثروات الطبيعية الأساسية في بلدنا يفوق المعدّل العالميّ العام.
لقد قلت مراراً: إنّنا نمثّل 1% من سكّان العالم تقريباً، وبلدنا يشكّل 1% من مساحة
العالم، لكنّ الثروات الأساسية التي نمتلكها هي أكثر من 1%. فبالنسبة لبعض الثروات
الطبيعية نحن الأوائل بلحاظ جميع دول العالم، كما في مصادر الطاقة ـ النفط والغاز ـ
حيث إنّنا اليوم على رأس قائمة دُول العالم. هذه خصائصنا.
إنّ إقليمنا متنوّع وبلدنا مترامي الأطراف. فكلّ ما يتناسب مع حاجاتنا موجودٌ.
لدينا طبيعة جيّدة، ومعادن جيّدة وشعبٌ جيّد، واستعدادات مهمّة، كذلك لدينا مسؤولون
شعبيّون حريصون على رأس السلطات الثلاث، ولدينا قوّات مسلّحة في جهوزيّة تامّة
ويتمتّعون بالشجاعة، ولدينا علماء حريصون ومحبّون وجامعات ومدارس مكتظّة ـ لدينا 4
ملايين جامعيّ وملايين التلامذة ـ كلّ هذا من إمكاناتنا واستعداداتنا، ويوجد العزم
والإرادة والأمل لدى شعبنا.
حركتنا في مسار صعوديّ
لقد كانت حركتنا منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا في مسارٍ صعوديّ. وإنّ نتيجة هذه
الحركة الصعودية هي التطوّر الذي تحقق وما زال حتّى يومنا هذا. وما حصلنا عليه على
مدى هذه السنوات وبملاحظة حالات العداء التي مورست ضدّنا كان مميزاً وحالات التقدم
ماثلة الجميع. كما أنّ بلدنا قد تقدّم على مستوى البنية التحتية، وكذا على مستوى
الخدمات العامّة وعلى صعيد الروحانية والمعنويات وفي العلم والتكنولوجيا. وإنّ
البُنى التحتيّة التي أصبحنا مميّزين بها وبارزين هي بالدرجة الأولى عبارة عن
الثبات السياسيّ للبلد. لقد توالت حكومات مختلفة على إدارة الأمور، وبالرغم من وجود
الخلافات في وجهات النظر والسلائق السياسية، إلا أنّ بلدنا قد حافظ على ثباته منذ
بداية الثورة وإلى يومنا هذا، وكان يتحرّك نحو الأهداف. فلم تتمكّن النزاعات
الحزبيّة والسياسيّة من زعزعة ثباته السياسيّ. ومثل هذا يُعدّ من أهم البُنى
التحتية للبلد.
وبالطبع، توجد بُنى تحتية اقتصادية فائقة الأهميّة سواء من الناحية القانونية أم من
الناحية الواقعية والعملية. فسياسات المادة 44 7 تُعد من البُنى التحتية
التشريعية. وتوجد بُنى تحتيّة في المواصلات وفي الشحن وفي الطرقات والأوتوسترادات
وخطوط القطار والخطوط الجوّيّة والألياف البصرية8، ومحطات الطاقة
والسدود. مثل هذه الأعمال كانت تُنجز منذ بداية الثورة وما زالت إلى يومنا هذا.
ويمكن القول إنّ الأغلبية الساحقة منها قد تحقّقت على أيدي شبابنا ونخبنا
والمميّزين على الصعيد العلميّ في بلدنا، فهذه الأمور ليست من الأشياء البسيطة، لقد
حقّقنا هذه الأمور بأنفسنا.
الشباب المتعلّم، أهمّ ذخائرنا
إنّ من أهمّ ذخائرنا القيّمة هو هذا الجيل الشاب المتعلّم.
وهذا الجيل هو جيلٌ شجاعٌ ومفعمٌ بالأمل والنشاط والحركة. وهنا أقول بين قوسين،
إنّ من الأخطاء التي ارتكبناها ـ وأنا العبد شريكٌ في هذا
الخطأ قضية تحديد النسل، وذلك منذ أواسط عقد السبعينات9 (هجري
شمسيّ) حيث كان ينبغي أن تتوقّف منذ ذلك الحين. بالطبع، كانت سياسة تحديد النسل في
البداية جيّدة وضروريّة لكن كان ينبغي أن تتوقّف منذ أواسط عقد السبعينات، ونحن لم
نوقف هذا الأمر، وقد كان خطأً. لقد قلت إنّ مسؤولي هذا البلد كانوا شركاء في هذه
الخطأ، وأنا العبد الحقير أيضاً شريكٌ فيه. من اللازم أن نسامَح على هذا من الله
تعالى والتاريخ. يجب الحفاظ على الجيل الشابّ. فوفق هذا المسار الحاليّ، كلّما
تقدّم بنا الزمن ـ وقد ذكرت هذا قبل مدّة في شهر رمضان ـ فإنّ بلدنا سوف يشيخ.
فعلى العوائل أن يكثروا من الولادات وأن يزيدوا من النسل.
فتحديد المواليد في العوائل والبيوتات وعلى هذا الشكل الموجود الآن هو خطأ.
فإذا ما استطعنا أن نحافظ على الجيل الشابّ الذي لدينا اليوم، للسنوات العشر الآتية
ولما بعدها من حقَب ومراحل، فَستُحلّ كل مشاكل البلد، ومع كلّ هذا
الاستعداد والنشاط والشوق الموجود في الجيل الشابّ، والإمكانات والطاقات الموجودة
لدى الإيرانيين. فنحن إذاً لا نواجه معضلة أساسية أمام التقدّم.
بالطبع، توجد مشاكل على مستوى البلد ـ سوف أشير إليها ـ، وتعاني منطقتكم منها، وعلى
رأسها قضية ارتفاع الأسعار وقضية فرص العمل، فهذه من المعضلات التي يعاني منها
الناس، وليست منحصرة بهذه المنطقة، فهي موجودة في كلّ أرجاء البلد. وقد قام
أصدقاؤنا، وقبل سفري، بإجراء استفتاءات وسألوا الناس، ورأينا أنّ ما يجري هنا هو
عين ما يجري في المناطق الأخرى. فإنّ قضية ارتفاع الأسعار وقضية فرص العمل والبطالة
من الهواجس الأساسية. هذه المشاكل موجودة، لكنّ المشاكل الأساسية والمعضلات التي
تعاني منها البلدان والتي يعجز الشعب والمسؤولون عن حلّها، ليست موجودة.
مخاطر كثيرة، تخلّصنا منها
لقد وقعت مخاطر أكبر من هذه بكثير طيلة السنوات الثلاث والثلاثين من عمر الثورة.
وقد تمكّن هذا البلد من تجاوز هذه الأخطار وإزالتها. لقد أرادوا إشعال النيران
لكنّهم لم يصلوا إلى مقاصدهم. في الدرجة الأولى، كان ما جرى في الأشهر الأولى التي
تلت انتصار الثورة، من قضية تحريك القوميات في جميع أرجاء البلد. حسنٌ، إنّ بلدنا
هو بلدٌ متعدّد القوميّات، وقد جهدوا لإشعال النّزاعات بين هذه القوميّات. وفي
منطقتكم هذه، سعت مجموعة من الشيوعيين الملحدين الذين لا يؤمنون بالدين ولا الوطن
أن يجعلوا مجموعة من المؤمنين والطيّبين التركمان10 مخالفين للثورة. فمن
الذي وقف مقابلهم؟ لقد كانت، بالدرجة الأولى، العناصر التركمانية المؤمنة نفسها.
وقد وقف العلماء التركمان النافذون ـ الذين ارتحل بعضهم عن هذه الدنيا، وبعضهم
الآخر بحمد الله ما زال حيّاً ـ بوجههم. واتّجهت مجموعة من الشباب من سائر مناطق
البلاد، من هذه المنطقة ومن غيرها، ووقفوا بوجههم. لقد كانوا يحرّضون ويشعلون
النيران ويصبّون الزيت عليها ويسعون بطرق مختلفة لتوسيع نطاق النيران.لكنّ هذه
النيران أُخمدت بواسطة شعب إيران، وفي الأساس بواسطة نفس الذين أرادوا لهم أن
يكونوا في مواجهة الثورة الإسلامية. ففي منطقة كردستان جرى الأمر على يد الأكراد
أنفسهم. فالاستشهاديون المسلمون الأكراد، والعلماء المؤمنون الأكراد كانوا في
الطليعة. وقد جرى الأمر على هذا المنوال في المناطق الأخرى. كانت هذه هي المشكلة
الأولى التي افتعلوها، ثم جاءت الحرب المفروضة وكانت لثماني سنوات، فهل في ذلك مزاح؟!
لقد أرادوا اقتلاع هذه الثورة من جذورها وإركاعها ولم يتمكّنوا.. لقد عبر الشعب هذه
المرحلة.
مواجهة سياسة الحظر
ومن ثمّ طبّقوا سياسة الحظر. أعداؤنا اليوم يضخّمون هذه القضية في الإذاعات وبعضهم
أيضاً يعينُهُم باللسان. إنّ الحظر ليس وليد اليوم والأمس، بل كان موجوداً منذ
البداية. نعم لقد تمّت مضاعفته ولكن لم يؤثّر، ثمّ بعدها فكّروا بإجراء آخر، لكنّه
لم يؤثّر. لقد كان الحظر منذ البداية. وفي يومنا هذا، أعداؤنا ـ سواء كانت حكومة
أمريكا أم بعض الحكومات الأوروبية ـ يربطون الحظر بملفّ الطاقة النووية. إنّهم
يكذبون. وفي ذلك اليوم الذي أقاموا فيه كلّ هذا الحظر، لم يكن من طاقة نووية في
البلد، ولم يكن هناك أيّ حديث عنها. إنّ ما يغضبهم من شعب إيران ويحملهم على مثل
هذه القرارات هو شموخ شعب إيران، وعنفوانه. فروحيّة
الاستقلال هذه، وروحيّة تقدير الذات، وروحية عدم الاستسلام التي تحقّقت ببركة
الإسلام والقرآن في شعب إيران، هي ما يغضبهم؛ ولأجل هذا الإسلام يسوؤهم، ولأجل هذا
يهينون نبيّ الإسلام. إنّهم يعلمون أنّه عندما يرسخ الإسلام في أيّة
دولة فإنّه يوجِد فيها روحيّة الاستقلال بحيث لا يمكن أن تتنازل أو تخضع لهم. إنّهم
يأتون بالضعفاء والجبناء على رأس الدول أو ينصّبونهم ليكونوا مطيعين لهم. وعندما
يكون هناك مكانٌ كبلدنا، يعيّن الشعب فيه المسؤولين ويكون للشعب حضورٌ ومشاركة في
جميع الساحات، فماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ فالشعب الذي يؤمن بالمبادئ الإسلامية
ويستلهم الروحيّة ببركة الإسلام لن يتنازل لهم، لهذا هم غاضبون. وها هم اليوم
يطلقون عليها اسم الطاقة النوويّة! ويتظاهرون بأنّه لو انصرف شعب إيران عن الطاقة
النووية فإنّ الحظر سيرتفع. إنّهم يكذبون. إنّهم يفرضون أنواع الحظر، انطلاقاً من
البغض والحقد الموجود فيهم. كلّ هذا الحظر الذي إذا نظر إليه جميع العقلاء
والمنصفون في العالم لرأوا أنّها أعمالٌ غير منطقيّة وفي الواقع وحشية، هو عبارة عن
حرب ضدّ شعبٍ. وبالطبع، إنّ شعب إيران سوف ينتصر بتوفيق الله في هذه الحرب.
مشاكل الغرب وتصرّفه الصبيانيّ
بالطبع، سوف يوجدون المشاكل، وبعضهم يزيد من هذه المشاكل بسبب افتقاده للتدبير11
ـ وهؤلاء موجودون ـ ولكنّ هذا ليس بالأمر الذي لا يمكن للجمهورية الإسلامية حلّه.
وبتوفيق الله سيتجاوز شعب إيران جميع هذه المشكلات. لقد استطاع شعب إيران ومسؤولو
البلد أن يحلّوا ما هو أكبر وأصعب من هذه الأمور، وإنّ هذه ليست بشيء يُذكر. وعندما
يحدث أدنى مشكلة فإنّهم يظهرون الفرح. وفي هذه الأيّام الأخيرة التي اضطربت فيها
أسعار العملة الصعبة والرّيال، تصدّر هذا الخبر وكالاتهم الإعلاميّة وقد عبّروا عن
فرحهم بصراحة. فلم يراعوا الأصول والوقار الدبلوماسيّ، بل عبّروا عن فرحهم بطريقة
صبيانية وطفوليّة بأنّهم ولّدوا لشعب إيران مشكلةً وكذلك للجمهورية الإسلامية، وقد
صرّحوا بذلك. لقد نزل مجموعة من الناس لمدّة ساعتين أو ثلاث في شارع طهران، وأحرقوا
بعض مستوعبات القمامة، أمّا هم، فمن ذلك الجانب من العالم، أظهروا فرحهم بأنّ هناك
شغب، هناك شغب! فهل أنّ وضعنا أسوأ أم وضعكم [أيها الأوروبيون]؟ ها قد مرّ نحو سنة
وشوارع الدول الأوروبية الأساسية مليئة بالمظاهرات ليلاً ونهاراً، ففي فرنسا توجد
مظاهرات وفي إيطاليا وإسبانيا وإنكلترا وفي اليونان.
إنّ
مشكلتكم أشدّ تعقيداً بدرجات من مشكلتنا. إنّ اقتصادكم قد وصل إلى طريقٍ مسدود،
وأنتم تفرحون لأنّ اقتصاد إيران صار ضعيفاً؟ أنتم تعساء، وتتّجهون نحو الركود
والتلاشي والانهيار. إنّ الجمهورية الإسلامية لن تتداعى مع هذه المشكلات.
إنّ المشاكل الأساسية اليوم تحيق بالغربيين أنفسهم. والآن نجد أنّ من القضايا التي
تُطرح بالدرجة الأولى في انتخابات الرئاسة الأمريكية، هي المشكلات الاقتصادية،
فالناس هناك في معاناة ولا حيلة لهم؛ والطبقات الضعيفة عندهم تُسحق. وتلك الانتفاضة
المسمّاة بانتفاضة الـ 99%12 هي واقع. بالطبع، هم يعمدون إلى القمع، فمن
يعاني اقتصادياً هو دولهم، وعندما يحدث هنا ما هو أقلّ من ذلك وأصغر يظهرون الفرح!
فليعلموا أنّ الجمهورية الإسلامية، بفضل الله وحوله
وقوّته، سوف تتغلّب على هذه المشكلات. وهم سوف يذوقون الحسرة والندامة مرّة أخرى،
بسبب الهزيمة التي سيلحقها بهم شعب إيران. إنّ المشكلات ستزول بحول الله
وقوّته وبوعي الشعب وتدبير المسؤولين. هناك وظيفة ومسؤولية، فالشعب يتحمّل مسؤوليات
وكذلك المسؤولون، وعلينا جميعاً أن نعمل بتكليفنا. فعندما نؤدّي تكليفنا سوف تنطلق
الأعمال. إنّ لوعي الشعب دوره، فانظروا إلى طهران، عندما نزلت مجموعة من الناس باسم
البازاريين إلى الشوارع وتسبّبوا بالشغب، كيف أصدر البازاريون المحترمون العارفون
بالزمان بياناً مباشرةً، وأعلنوا فيه أنّ أولئك يكذبون وهم ليسوا منّا، هذا هو
العمل الصحيح. فلو أن الناس بشرائحهم المختلفة تُظهر الوعي واليقظة في الوقت
المناسب (التنبه للموقعية الزمانية) وإدراك حساسية اللحظة، فهذا عمل له قيمة كبيرة،
كان هذا العمل الذي أنجز ذا أهميّة. لقد كان كلامي في فتنة الـ 88 13 هو
هذا.
ففي تلك الفتنة جاءت مجموعة من الناس بعد عدّة أيّام من الانتخابات العظيمة وأعلنوا
معارضتهم، فاستغلّ بعض الناس هذه الفرصة وحملوا السلاح وجرّوا الأمور إلى الفتن
والاضطرابات، وأطلقوا النيران على مركز التعبئة. وكان
كلامنا هو: إنّ على الذين تمّت تلك الأعمال باسمهم أن يصدروا بياناً، وفي نفس الوقت
يعلنوا فيه أسفهم، فقد كان عليهم أن يقولوا إنّ هؤلاء ليسوا منّا ولكنّهم لم يفعلوا.
فلو فعلوا ذلك لكانت الفتنة قد اجتُثّت بصورةٍ أسرع، ولما جرت تلك
القضايا اللاحقة. إنّ هذا الوعي والحساب الدقيق للوقت والالتفات إلى اللحظات
الحسّاسة، من الخصائص المميّزة والمهمّة التي على شعبنا أن يلتفت إليها في جميع
الموارد. فيجب على كلّ واحد أن يظهر حساسيّته في الوقت
اللازم، أينما استشعر العداء والتآمر من الأعداء. هذا من جانب الشعب.
التخطيط والتعاضد والوحدة
أمّا من جانب مسؤولي الدّولة، فإنّ عليهم أن يحقّقوا الوحدة المطلوبة والتعاضد
والتلاحم والتخطيط وتحمّل المسؤولية وتشخيصها وعدم التلاوم، والحفاظ على الحدود
الدستورية فيما بينهم. فلا يوجد في دستورنا نقصٌ. فدور المجلس معروفٌ، وكذلك
الحكومة ورئيس الجمهورية والسلطة القضائية؛ فلكلٍّ وظائفه وعليه أن يعمل بها. يجب
أن يتواسوا ويتعاونوا وأن تكون كلمتهم واحدة، "إنّ لسان المواساة القلبية أمرٌ
آخر، فالمواساة أفضل من أن يكون لسانكم لساناً واحداً"14.
ونحن بحمد الله لا نعاني من مشكلة في هذا المجال، فمسؤولو الدولة حريصون. نحن جميعاً
بشر، ونخطئ وتصدر عنّا الأخطاء، لكنّ جميع الأخطاء قابلة للجبران. لحسن الحظ، إنّ
المسؤولين حريصون، فهذا الحرص والعناية لدى رؤساء السلطات وفي هيكلياتها ليس قليلا،
والحرص الشديد على مصير النظام ليس قليلا أيضاً، فجميعهم حريصون ومحبّون وسوف
يتقدّم العمل إن شاء الله، وها هم الآن مشغولون ببذل المساعي.
مسارنا، قد يغيِّر مسار العالم
إنّ وصيّتي هي أن لا ننسى أنّ العمل والسعي والأمل والصبر والتخطيط من لوازم الحركة
على هذه المسارات المهمّة. إنّ المسار الذي نتحرّك عليه
هو مسارٌ مهمّ، وهي مسيرة يمكن أن تغيّر مصير العالم، مثلما أنّها تغيّر تاريخ
المنطقة. وها أنتم تشهدون. فمن الذي كان يتصوّر وقوع مثل هذه الأحداث
المهمّة في هذه المنطقة المهمّة والحسّاسّة من شمال أفريقيا وغرب آسيا ـ هذه
المنطقة التي يحبّ الأوروبّيّون أن يسمّوها بالشرق الأوسط ـ لقد حدثت، ولم تنتهِ
فصولاً. والأحداث التي تجري هي مضرّة للغرب، وخصوصاً أمريكا، وهي تهدّد الكيان
الصهيونيّ. أما الترّهات التي يصدرها مسؤولو الكيان الصهيونيّ فليست ذات أهمية حتّى
نردّ عليها. فهم يتحدّثون بمقدار، والغربيّون كذلك، وفي الأساس إنّهم الأمريكيون
وأذنابهم؛ وليس للأوروبيين دوافع بهذه الدرجة. إنّ اتّباع الأوروبيين لأمريكا في
هذه القضيّة ليس عاقلاً وحكيماً، فهم يقدّمون أنفسهم ضحيةً وقرباناً لأمريكا
ويرتكبون الحماقة. ليس لدى شعبنا ذكرى سيّئة عن كثير من الدول الأوروبّية. نحن ليس
لدينا ذكريات سيّئة عن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. ولكن بالنسبة لإنكلترا، نعم، لدينا
الكثير من الذكريات السيّئة، فنحن نسمّي إنكلترا، إنكلترا الخبيثة. لكنّ هذا الأمر
لا ينطبق على الدول الأوروبية الأخرى. وبهذا العمل الذي يقومون به ـ التبعيّة
لأمريكا ـ والذي بنظرنا ليس فيه أي حكمة أبداً، فإنّهم يستجلبون عداء شعب إيران،
فيجعلون أنفسهم مبغوضين ومرفوضين في أعين الشعب الإيرانيّ.
تجاوز العقبات، والعمل بالتكليف
إنّنا سنتجاوز هذه العقبات. وإنّ شعبنا هو أشجع وأقدر من أن يعثَر على هذه الطرق.
إنّنا منذ 33 سنة ونحن ماضون على هذه الطريق بالرغم من هذه المشكلات، وكلّ يومٍ
تزداد عضلاتنا قوّةً وتزداد جهوزيّتنا، وتصبح تجربتنا أكثر قيمةً. فلسنا نحن من يقع
بل أنتم. فأنتم من خلال استجلاب نفور الشعب الإيرانيّ، توجدون لأنفسكم المشاكل.
إنّهم يخطئون. فإنّ شعب إيران سوف يتجاوز هذه الأمور.
بالطبع إنّ شرط ذلك هو: ثبات أفراد الشعب على اختلاف شرائحهم وآحادهم، وجهوزيتهم
وصمودهم ووعيهم ومعرفتهم بالزمان، كما كان الأمر في جميع مراحل ما بعد الثورة وإلى
يومنا هذا. وعلى المسؤولين أن يعملوا بتكليفهم. وكونوا على ثقة بأنّ القضايا سوف
تتقدّم وفق أمنية الشعب، وسوف تزول المشاكل الاقتصادية.
بالطبع إنّ أساس القضية اليوم هو عبارة عن الإنتاج الوطنيّ. إنّ العلاج الأساسيّ
والبنيويّ هو عبارة عن الإنتاج الوطنيّ. ذاك الشيء الذي طرحناه في
شعار السنة: الإنتاج الوطنيّ والعمل والرأسمال الإيرانيّ.
فهذا ما يقضي على الغلاء وهذا ما يزيد الإنتاجيّة ويوجد فرص العمل، ويقضي على
البطالة ويشغّل الرساميل الوطنية ويقوّي روحية استغناء الشعب الإيرانيّ.
فعلى مسؤولي الدولة، بمختلف المستويات، أن يولوا قضية الإنتاج الوطنيّ العناية
اللازمة مهما أمكنهم. بالطبع، إنّ خطابنا يتوجّه بالدرجة الأولى إلى المسؤولين
الأساسيين في المستويات العليا للدولة، سواء في المجلس أم الحكومة، لكن على الجميع
(في المستويات الأدنى وعلى مستوى المحافظات) أن يلتفتوا أيضاً.
في هذه المحافظة، وكغيرها من المحافظات، يجب أن يكون
توجّه المسؤولين فيها ـ سواء نوّاب المجلس أم ممثّلي الحكومة ـ نحو رفع المشكلات،
والذي يتمركّز بالدرجة الأولى حول قضية الإنتاج وتوظيف الإمكانات المحلّية.
ولا شكّ بأنّ هذه المحافظة مع وجود المياه والأرض الخصبة والطبيعة المتناسبة مع
الزراعة والدواجن والثروة الحيوانية، يمكنها أن ترفع الكثير من الاحتياجات خارج هذه
المحافظة أيضاً، ومع وجود الصناعات التي تستوعب الكثير من الأيدي العاملة ـ
الصناعات الكبرى في هذه المحافظة موجودة ويمكنها أن تلعب دوراً مهمّاً بشأن اليد
العاملة ـ سوف تزداد فرص العمل والإنتاجية والحماس والنشاط الشعبيّ. إنّ هذه أمور
يجب أن تحوز على اهتمام مسؤولي هذه المحافظة.
لقد طال حديثنا وما كنت أرغب أن أعطّلكم إلى هذا الحدّ تحت هذه الشمس، أيّها الإخوة
والأخوات الأعزّاء. بالطبع، الكلام كثير، وهو لم ينتهِ، لكن في الأيّام الآتية وفي
المناطق المختلفة لضيافتكم يا أهالي هذه المحافظة الأعزّاء، سوف أتعرّض له. سوف
أذكر ما أراه مفيداً لكم من القضايا الكثيرة أثناء اللقاء بالشباب والعلماء
والمسؤولين في مختلف الميادين، في الثقافة والعلوم والتعبئة، ومع الشرائح المختلفة
وفي بعض المدن. نسأل الله تعالى أن ينزل عليكم بركاته.
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد أنزل بركاتك ورحمتك وفضلك وعافيتك على أهالي هذه المحافظة.
اللهمّ! احفظ الشباب. اللهمّ! اقطع أيدي الأعداء.
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد ثبّت أقدامنا على الطريق الذي ترضاه ويرضى عنه أولياؤك.
اللهمّ! احشر أرواح شهدائنا الأعزّاء، والروح المطهّرة لإمام الشهداء مع أوليائك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- 28صفر ، يوم وفاة
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وشهادة الإمام الحسن المجتبىعليه السلام، وفي
هذه المناسبة يتوافد الناس إلى مرقد الإمام الرضا عليه السلام للزيارة والعزاء من
مختلف مناطق خراسان مشياً على الأقدام وفي الحافلات، وأكثر زوار المحافظة ـ حسب
كلام القائد ـ هم من تلك المدينة.
2-نوع من الفنون الرياضية الرائجة في تلك المنطقة تعتمد لباساً خاصاً ويعبَّر عنها
بـ"كشتى چوخه".
3-الحديث مروي عن الإمام الصادقعليه السلام، المحجة البيضاء، 6/418.
4-الحديث مروي عن أمير المؤمنين وعن الإمام الحسنعليه السلام وعن الإمام الصادقعليه
السلام، الوسائل، ج12، ص 49.
5-من لا يحضره الفقيه، ج3، ص156، ح 3559.
6-ميثاق الأفق العشريني: رؤية متكاملة للتنمية والتقدُّم مدتها 20 عاماً، تضم خططاً
تنموية شاملة في مختلف المجالات،. (راجع خطاب النخب).
7-فقرة في دستور الجمهورية الإسلامية بعنوان (الأصل "44") تُحدد فيه القطاعات
العاملة في الاقتصاد، وقد وُضعت بناءً عليه، عام 2005، وبطلب من سماحة القائد، رزمة
من السياسات التفصيلية.
8-fiber optics
9-أي عقد التسعينات الميلادي من القرن الماضي.
10-التركمان: مجموعة عرقية من الشعوب التركية، تعيش في تركمنستان وشمالي شرقي إيران
وأفغانستان.
11-حسب سياق الكلام، ربما يقصد بعض الأفراد في الداخل، بسبب قصر نظرهم وضعف تدبيرهم.
12-حركة 99٪، أطلقت على الحركات الاحتجاجية التي قامت في الولايات المتحدة
الأميركية ضد الثراء الفاحش على حساب غالبية الشعب الساحقة والتمييز، واتخذت شعاراً
لها "احتلوا وول ستريت" أي البورصة، ولها دلالة رمزية حيث يمتلك 1٪ من الأثرياء 36٪
من الثروات. وتمثل هذه الحركة 99٪ من الشعب، وقد امتدت إلى بلدان أخرى مشابهة،
وأصبحت حركة عالمية.
13-فتنة عام 1388 ش [2009]، حدثت بعد الانتخابات الرئاسية في إيران، بحجة [إدعاء]
التزوير في الانتخابات، حيث أعقب ذلك موجة شغب واضطرابات مصحوبة بتظاهرات مدعومة من
جماعات أعداء الثورة من الداخل والخارج، وبعد سلسلة اضطرابات وتصرفات مهينة لبعض
مجالس العزاء في طهران يومي التاسع والعشر من محرم، أدت إلى ردة فعل قوية ومعاكسة
من قبل الشعب؛ إذ خرج بالملايين في كل إيران وأعلن ولاءه للنظام الإسلامي وحاكمية
ولاية الفقيه، وأحبط أهم محاولة قادها الغرب وعملاؤه للإطاحة بالنظام من الداخل.
14-بيت شعر من ديوان "مولوي".