ولادة النبي إبراهيم(ع) وكسر الأصنام وحال أبيه وما جرى له مع فرعون
النبي ابراهيم عليه السلام
قال الله سبحانه أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ...
عدد الزوار: 593
قال الله سبحانه ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ أي لم ينته علمك الذي حاج إبراهيم أي خاصمه وهو نمرود بن كنعان وهو أول من تجبر وادعى الربوبية وهذه المحاجة.
روي عن الصادق عليه السلام: أنها بعد إلقائه في النار.
و قوله ﴿أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ أي محاجته ومخاصمته مع إبراهيم طغيان وبغيا باعتبار الملك الذي آتاه الله والملك هنا عبارة عن نعيم الدني وهو بهذا المعنى يجوز أن يعطيه الله الكافر والمؤمن وأما الملك بمعنى تمليك الأمر والنهي وتدبير أمور الناس وإيجاب الطاعة على الخلق فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد ولا يكون إلا للنبي وأهل بيته الطاهرين العالمين بما يحتاج إليه الأمة من أول أمرها إلى آخرها.
و قد ذكرت في بعض مؤلفاتي مباحثة مع بعض علماء العامة قلت له الشيطان يأمر بكل منكر وينهى عن كل معروف قال نعم قلت الإمام يجب أن يكون نقيضا للشيطان يأمر بما ينهى عنه الشيطان وينهى عما يأمر به الشيطان فقال نوافق على هذا القول فقلت وهذا لا يكون إلا إذا كان الإمام عالما بجميع الأوامر والنواهي الإلهية وإلا كان الشيطان أعلم منه ولم يكن على طرف نقيض مع الشيطان ومن ادعيتم لهم الإمامة ليسوا على هذه الصفة بالإجماع على ما تواتر من قول الثاني كل الناس أفقه مني حتى المخدرات في الحجاب وقول الأول عند أغاليطه إن لي شيطانا يعتريني إذا زغت فقوموني وإذا ملت فسددوني وأما الثالث فحاله في الجهل أوضح من أن يذكر فعلى هذا الملك الذي وثبوا عليه وتقمصوه لم يكن ملك آتاهم الله حتى أوجب على الناس طاعتهم مع أنه لو كان الأمر كذلك يلزم الحرج على المكلفين لأن الأول في زمن خلافة ذهب إلى مذاهب وفتاوى في الأحكام لم يذهب إليها الثاني وعمل بضدها فكيف يجب متابعة الرجلين مع ما بينهما من التضاد والخلاف في الأقوال والأفعال ؟
و روي في تفسير قوله تعالى ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ﴾ أنه: قال رجل للصادق عليه السلام ملك بني أمية أ هو من الله تعالى فقال عليه السلام إنه ملك لنا من الله ولكن بنو أمية وثبوا عليه وغصبوه منا كمن كان له ثوب فجاء رجل فغصبه منه ولبسه فبلبسه له لم يصر ملكا له ولا ثوبه.
و المراد بالملك هنا هو معناه الثاني وأما الملك بمعناه الأول فلا مانع من تمكين الله سبحانه لهم منه كما أعطى ملوك الكفار والسلاطين الظالمين وكانوا من الفريقين.
و قوله الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ المراد بالإماتة هنا إخراج الروح من بدن الحي من غير جرح ولا نقص بنية ولا إحداث فعل يتصل بالبدن من جهته وهذا خارج عن قدرة البشر.
و قوله ﴿أَنَا أُحْيِي﴾ بالتخلية من الحبس ﴿وَأُمِيتُ﴾ بالقتل وهذا جهل منه لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت والموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به ولا يقدر عليه سواه ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ أي تحير عن الانقطاع بما بان له من ظهور الحجة فإن قيل فهلا قال له نمرود فليأت بها ربك من المغرب.
قيل إنه لما رأى الآيات علم أنه لو اقترح ذلك لأتي به تصديقا لإبراهيم فكان يزداد بذلك فضيحة على أن الله سبحانه خذله ولطف لإبراهيم ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. عن ابن عباس أن الله سبحانه سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته فأهوى إليها ليأخذها فطارت في منخره فذهب ليستخرجها فطارت في دماغه فعذبه الله بها أربعين ليلة ثم أهلكه.
تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه قال: ليهنئكم الاسم قيل ما هو قال ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ وقوله فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ ليهنئكم الاسم.
أقول: الشيعة اسم تسمى الشيعة به ولقبوا به أنفسهم وأما الرافضة فاسم سمانا به المخالفون وجاء في الحديث أنه اسم للمؤمنين من قوم موسى سموا به لأنهم رفضوا فرعون وقومه فذخر الله سبحانه هذا الاسم لنا معاشر الشيعة.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام: إن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال في هذه البلاد ولم يخرج بعد إلى الدنيا قال ينبغي أن نفرق بين الرجال والنساء ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يظهر حملها فلما حانت ولادتها قالت يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك وكانت في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها فاعتزلت في غار ووضعت إبراهيم وقمطته ورجعت إلى منزله وسدت باب الغار بالحجارة فأجرى الله لإبراهيم لبنا من إبهامه وكانت تأتيه أمه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني فقالت يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك فلما خرجت أمه من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربي ما زال ولا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب فلما نظر إلى المشرق وقد طلع القمر قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال ﴿قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها في الدنيا قال هذا أكبر وأحسن فلما تحركت وزالت كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش وأراه الله ملكوت السماوات والأرض فعند ذلك ﴿قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والْأَرْضَ حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ فجاء إلى أمه وأدخلته داره وجعلته بين أولادها فنظر إليه آزر فقال من هذا الذي بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس قالت هذا ابنك ولدته وقت كذ وكذا حين اعتزلت فقال ويحك إن علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان يتخذ الأصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده فيبيعونها فقالت أم إبراهيم لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لن وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديد وكان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع إخوته فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض ويقول من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحمام ويقول لها تكلمي فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه ولم يدعه يخرج ﴿حاجَّهُ قَوْمُهُ﴾ فقال إبراهيم ﴿أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدانِ﴾.
وقال عليه السلام: في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.
وفيه أنه خرج نمرود وجميع أهل مملكتهم إلى عيد لهم وكره أن يخرج إبراهيم عليه السلام معهم فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم فيقول له كل وتكلم فإذا لم يجبه اتخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن معه من العبيد نظروا إلى الأصنام متكسرة فقالوا ﴿مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ فقالوا هاهنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم وهو ابن آزر فجاءوا به إلى نمرود فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل أمه وذكرت أنها تقوم بحجته فدعا نمرود أم إبراهيم فقال لها ما حملك على أن كتمتيني أمر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل فقالت أيها الملك نظرا مني لرعيتك فقال وكيف ذلك قالت لأني رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت إن كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله ويكف عن أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدن وقد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس بصواب رأيها ثم قال لإبراهيم ﴿مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا قال فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾.
فقال الصادق عليه السلام: ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم لأنه إنما قال فعله كبيرهم هذا إن نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا.
فاستشار نمرود قومه في إبراهيم فقالوا له أحرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.
فقال الصادق عليه السلام: كان فرعون إبراهيم وأصحابه لغير رشدة فإنهم قالوا لنمرود أحرقوه وكان فرعون موسى وأصحابه لرشدة فإنه لما استشار أصحابه في موسى ﴿قالُوا أَرْجِهْ وأَخاهُ وأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾.
فحبس إبراهيم وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم في النار برز نمرود وجنوده وكان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار فجاء إبليس واتخذ لهم المنجنيق لأنه لم يقدر أحد أن يتقارب منه وكان الطائر من مسيرة فرسخ يحترق فوضع إبراهيم في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال ارجع عما أنت عليه ولم يبق شيء إلا طلب إلى ربه وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة يا رب خليلك إبراهيم يحرق فقال الله عز وجل أما إنه إن دعاني كفيته وقال جبرئيل يا رب خليلك ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فإن دعاني أجبته فدعا إبراهيم عليه السلام ربه بسورة الإخلاص يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك قال فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة فقال إبراهيم أما إليك فل وأما إلى رب العالمين فنعم فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله وأسندت أمري إلى الله وفوضعت أمري إلى الله فأوحى الله إلى النار كُونِي بَرْداً وسَلاماً فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال ﴿سَلاماً عَلى إِبْراهِيم﴾َ فانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار وهو في روضة خضراء ونظر إليه نمرود فقال من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله إبراهيم فقال عظيم عن عظماء أصحاب نمرود إني عزمت على النار أن تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه ونظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخة يحدثه فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم وكان الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال ولما قال الله تبارك وتعالى للنار كُونِي بَرْداً وسَلاماً لم يعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ﴿وَ نَجَّيْناهُ ولُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِين﴾َ إلى الشام وسواد الكوفة.
أقول قال الرازي اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه أحدها أن الله تعالى أزال منها ما فيها من الحر والإحراق وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق وثانيها الله سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة بدن السمندر وبحيث لا يضره المكث في النار وثالثها أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه.
قال المحققون والأول أولى لأن ظاهر قوله ﴿يا نارُ كُونِي بَرْدا﴾ً أن نفس النار صارت باردة.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لما ألقي إبراهيم في النار نزل جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه.
و في التفسير أنه لما ألقى نمرود إبراهيم عليه السلام في النار وجعلها الله برد وسلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك قال ربي الذي يحيي ويميت قال له نمرود أنا أحيي وأميت قال إبراهيم كيف تحيي وتميت قال أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد وأقتل واحدا فكنت أمت وأحييت فقال إبراهيم إن كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليه السلام والكافران نمرود وبختنصر واسم ذي القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد وأول منجنيق عمل في الدنيا منجنيق عمل لإبراهيم عليه السلام بسور الكوفة في نهر يقال له كوفي وفي قرية يقال لها قنطانا.
علل الشرائع: سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز وجل ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ﴾ من هم فقال عليه السلام قابيل يفر من هابيل والذي يفر من أمه موسى والذي يفر من أبيه إبراهيم والذي يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان.
أقول: قال الصدوق طاب ثراه إن موسى عليه السلام يفر من أمه خوفا أن لا يعرفها حق تربيتها له وقيل إنها كانت مرضعة ترضعه في بيت فرعون قبل وقوعهم على أمه وكانت كافرة وأما أبو إبراهيم فالمراد عمه وإلا فأبوه تارخ كان من المسلمين.
وعن أبي عبد الله عليه السلام: أنه لما أضرمت النار على إبراهيم عليه السلام شكت هوام الأرض إلى الله عز وجل واستأذنته أن تصب عليها الماء فلم يأذن الله عز وجل لشيء منها إلا الضفدع فاحترق منه الثلثان وبقي منه ثلث.
وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: يا أبا إسحاق إن في النار لواديا يقال له سقر لم يتنفس منذ خلقه الله وإن أهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن لذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن في الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه وإن في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ أهل ذلك الشعب من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن في ذلك القليب لحية يتعوذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنه وقذره وما أعد الله في أنيابها من السم لأهله وإن في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة واثنان من هذه الأمة قال قلت جعلت فداك من الخمسة ومن الاثنين قال فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ويهودا الذي هود اليهود وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الأمة أعرابيان.
أقول: يعني به الأول والثاني وسماهما أعرابيان لما فيهما من الجفاء
وعن الرضا عليه السلام قال: لما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه برد وسلام وقال عليه السلام لما ألقاه الله في النار أنبت الله في حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة وأنبت حوله من أنواع الأشجار ما لا يوجد في الفصول الأربعة من السنة.
كتاب المحاسن رفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام: أن هاتفا هتف به فقال يا علي بن الحسين أي شيء كانت العلامة بين يعقوب ويوسف فقال لما قذف إبراهيم في النار هبط جبرئيل بقميص فضة فألبسه إياه ففرت عنه النار ونبت حوله النرجس فأخذ إبراهيم عليه السلام القميص فجعله في عنق إسحاق في قصبة من فضة وعلقها إسحاق في عنق يعقوب وعلقها يعقوب في عنق يوسف عليه السلام فقال له إن نزع هذا القميص من بدنك علمت أنك ميت وقد قتلت فلما دخل عليه إخوته أعطاهم القصبة وأخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقته على وجه يعقوب بالأردن فقال ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾.
العياشي عن الحرث عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن وجعل تابوتا من خشب وأدخل فيه رجلا ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ثم جعل في وسط التابوت عمود وجعل في رأس العمود لحما فلما رأت النسور اللحم طارت بالتابوت والرجل فارتفعت فمكث ما شاء الله ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي على حاله ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حاله ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى إلا الماء ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حاله ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى شيئا ثم وقع في ظلمة لم ير ما فوقه وما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضة فلما نظرت الجبال إليه وقد أقبلت منقضة وسمعت حفيفها فزعت وكادت أن تزول مخافة أمر السماء وهو قول الله ﴿وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ﴾.
الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثى يعني قرية من قرى الكوفة وكان أبوه من أهله وكانت أم إبراهيم وأم لوط أختين وهما ابنتان للاحج وكان لاحج نبيا منذر ولم يكن رسول وإن إبراهيم لزوج سارة وهي ابنة خالته وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة فملكته إبراهيم عليه السلام فقام فيه وأصلحه ولما كسر أصنام نمرود وأمر بإحراقه ولم يحترق أمرهم أن ينفوه من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بما يشتهيه وماله فحاجهم إبراهيم فقال إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى أن الحق لإبراهيم فخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه من بلادهم إلى الشام إلى بيت المقدس فعمل تابوت وجعل فيه سارة وشد عليه الأغلاق غيرة منه عليه ومضى حتى خرج من سلطان نمرود ودخل في سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فقال العاشر لإبراهيم افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه فقال إبراهيم قل ما شئت فيه من ذهب وفضة حتى نعطيك عشره ولا تفتحه فأبى العاشر إلا فتحه وغضب إبراهيم عليه السلام فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر ما هذه منك قال إبراهيم هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حاله وحالك فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فقال إبراهيم عليه السلام لا أفارق التابوت فحملوه مع التابوت إلى الملك فقال له افتح التابوت فقال إبراهيم إن فيها حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد لا أفتحه بجميع ما معي فغضب الملك على إبراهيم لعدم فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم وجهه عنه وعنها غيرة وقال اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي فلم تصل يده إليه ولم ترجع إليه فقال له الملك إن إلهك هو الذي فعل بي هذا فقال نعم إن إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك فادع إلهك أن يرد علي يدي فإن أجابك فلم أتعرض لها فقال إبراهيم إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك عليها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم غيرة وقال اللهم احبس يده عنها فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم إن إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد أفعل فقال إبراهيم أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله فقال له الملك نعم فقال إبراهيم اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده فرجعت إليه فلما رأى الملك ذلك عظم إبراهيم عنده وأكرمه واتقاه وقال له انطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة وهو أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما فأذن له إبراهيم فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل فسار إبراهيم بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما له وهيبة فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار ولكن اجعله أمامك وعظمه فإنه مسلط ولا بد من آمر في الأرض بر وفاجر فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك فقال له الملك أشهد أن إلهك لرقيق حليم كريم وأنت ترغبني في دينك فودعه الملك وسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا عليه السلام في أدنى الشامات ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا فابتاع إبراهيم هاجر من سارة عليه السلام فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام.
أقول: بقي في هذا المقام أمور لا بد من التنبيه عليها الأمر الأول اختلف علماء الإسلام في أب إبراهيم عليه السلام قال الرازي في تفسير قوله تعالى ﴿وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر ومنهم من قال اسمه تارخ قال الزجاج الاختلاف بين النسابين أن اسمه تارخ ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن وذكر له وجوها منها أن والد إبراهيم عليه السلام كان تارخ وآزر كان عما له والعم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنهم قالوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ومعلوم أن إسماعيل كان عما ليعقوب وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا.
ثم قال قالت الشيعة إن أحدا من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان كافر وذكروا أن آزر كان عمه واحتجوا على قولهم بوجوه الحجة الأولى أن آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه منها قوله تعالى ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾. يعني أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد ويدل عليه أيضا.
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.
وقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ فلا يكون أحد أجداده منهم.
و أيضا أجمع الإمامية رضوان الله عليهم على إسلام والد إبراهيم عليه السلام وحينئذ فالأخبار الدالة على أنه كان مشركا أباه حقيقة محمولة على التقية.
الأمر الثاني في قول إبراهيم إِنِّي سَقِيمٌ واختلف في معناه على أقوال أحدها أنه نظر في النجوم فاستدل بها على وجه حمى كانت تعتوره فقال إني سقيم أي حضر وقت ذلك المرض فكأنه قال إني سأسقم.
و ثانيها أنه نظر في النجوم كنظرهم لأنهم يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك إني سقيم فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه.
و ثالثها أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص واتصاله بآخر على وجه مخصوص.
فلما رأى إبراهيم عليه السلام تلك الأمارة قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى سبحانه.
و رابعها أن معنى قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي سقيم القلب والرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام ويكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوه والذي ورد في الأخبار هو أنه عليه السلام أوهمهم بالنظر في النجوم لموافقتهم وقال إني سقيم تورية وجاء في الأخبار تجويز الكذب والتورية لأجل التقية.
و في حديث صحيح أنه قال ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ يعني بما يفعل بالحسين عليه السلام لأنه عرفه من علم النجوم يعني من نجم الحسين عليه السلام لأن الأنبياء والأئمة عليهم السلام كل واحد له نجم في السماء ينسب إليه كما ورد في الحديث.
إن زحل نجم أمير المؤمنين عليه السلام فلا يقال إنه نحس كما يقوله الناس.
الأمر الثالث قوله عليه السلام هذا رَبِّي وقيل في تأويله وجوه الأول أنه عليه السلام إنما قال عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل ورأى الكوكب فأعظمه نوره وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال هذا ربي على سبيل الفكر فلما غاب علم أن الأفول لا يجوز على الإله فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق وكذلك كان حاله في رؤية القمر والشمس قال في آخر كلامه ﴿يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه وفي بعض الأخبار إيماء إليه.
الثاني أنه كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ولكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة فكأنه أعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال ويؤيده بعد ذلك ﴿وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ﴾.
الثالث أن يكون المراد هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم إن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده وقوله تعالى ﴿وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً﴾.
الرابع أن يكون المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار.
الخامس أن يكون القول مضمرا أي يقولون هذا ربي.
السادس أن يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال الدليل ساد قوما هذا سيدكم على وجه الهزء.
السابع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه فمال إلى طريق يستدرجهم به إلى استماع الحجة وذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع أن قلبه كان مطمئنا بالإيمان فكأنه بمنزلة المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان على وجه المصلحة لإحياء الخلق بالإيمان.
الأمر الرابع وجه الاستدلال بالأفول على عدم صلاحيتها للربوبية.
قال الرازي الأفول عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره.
و إذا عرفت هذا فلسائل أن يقول الأفول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة وعلى هذا يكون الطلوع أيضا دليلا على الحدوث فلم ترك إبراهيم عليه السلام الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول في إثبات هذا المطلوب على الأفول.
و الجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث وإلا فإن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معروض دعوة الخلق كلهم إلى الإله لا بد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الأفاضل من الخلق وأما دلالة الأفول فكانت على هذا المقصود وأيضا قال بعض المحققين الهوى في حظيرة الإمكان.
أقول وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام فإن الخواص يفهمون من الأفول الإمكان وكل ممكن محتاج والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة فلا بد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال ﴿وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى﴾ وأما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة فكل متحرك محدث وكل محدث محتاج إلى القديم القادر فلا يكون الأقل إلها بل الإله هو الذي احتاج إليه هذا الأقل وأما العوام فإنما يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول فإنه يزول فورا ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ومن كان كذلك فإنه لا يصلح للإلهية فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله ﴿لا أُحِبُّ الْآفِلِين﴾ مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين وفيه دقيقة أخرى وهي أنه عليه السلام كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب أهل النجوم إذا كان في الربع الشرقي ويكون شاهدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثر وأما إذا كان غربي وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقص ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزا عن التدبير وذلك يدل على القدح في إلهيته فظهر أن على قول المنجمين للأفول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الإلهية انتهى.
الأمر الخامس تأويل قوله عليه السلام ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ وقد ذكروا له وجوها الأول ما ذكره علم الهدى نور الله ضريحه وهو أن الخبر مشروط غير مطلق لأنه قال ﴿إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ ومعلوم أن الأصنام لا تنطق فما علق على المستحيل فهو مستحيل فأراد إبراهيم توبيخهم بعبادة من لا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشيء فإذا علم استحالة النطق علم استحالة الفعل وعلم باستحالة الأمرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة وأن من عبدها ضال مضل ولا فرق بين قوله إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لأنهم لا ينطقون ولا يقدرون.
و أما قوله ﴿فَسْئَلُوهُمْ﴾ فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط والنطق منهم شرط في الأمرين فكأنه قال ﴿إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره من فعل هذا الفعل فيقول زيد فعل كذ وكذ ويشير إلى فعله يضيفه السائل إلى زيد وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسئول نفي الأمرين عن زيد وتنبيه السائل على خطئه في إضافته إلى زيد.
الثاني أنه لم يكن قصد إبراهيم عليه السلام إلى أن ينسب الأمر الصادر عنه إلى الصنم وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على وجه تعريضي وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وأنت تحسن الخط أنت كتبت هذ وصاحبك لا يحسن الخط فقلت له بل كنت أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك.
الثالث أن إبراهيم عليه السلام غاظته تلك الأصنام حيث أبصرها مصفقة مرتبة فكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته وحطمه له والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه.
الرابع أنه قال على وجه التورية لما فيه من الإصلاح.
روي في الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا كذب على مصلح ثم تلى ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾ ثم قال والله ما سرقو وما كذب ثم تلى ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ فقال والله ما فعلو وما كذب.
و هذا إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يعقلون وبقيت وجوه أخر لا نطول الكتاب بذكرها1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-29