جملة من حكم و مناقب النبي إبراهيم(ع) وفيه وفاته
النبي ابراهيم عليه السلام
قال الله سبحانه: (وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
عدد الزوار: 418
قال الله سبحانه: ﴿وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
الإحتجاج عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن إبراهيم عليه السلام لما رفع في الملكوت و ذلك قول ﴿ربي وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين فرأى رجلا و امرأة على فاحشة فدعا الله عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فأوحى الله إليه يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا ينفعني طاعتهم و لست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة و لا مهيمن علي و لا على عبادي و عبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم و غفرت ذنوبهم و سترت عيوبهم و إما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين و أتأنى بالأمهات الكافرات و أرفع عنهم عذابي ليخرج أولئك المؤمنون من أصلابهم فإذا تزايلوا حق بهم عذابي و إن لم يكن هذا و لا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريد لهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي يا إبراهيم و خل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي و أنفذ فيهم قضائي و قدري ثم التفت إبراهيم عليه السلام فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء و بعضها في البر تجيء سباع الماء فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا و تجيء سباع البر فتأكل منها فيشتمل [فيشتد] بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم عليه السلام مما رأى و قال ﴿يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى هذه أمم تأكل بعضها بعضا قالَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ و اخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾.
أقول: الظاهر من الأحاديث أن رؤية الملكوت كانت بالعين و جوز بعضهم الرؤية القلبية بأن أنار قلبه حتى أحاط بها علما.
و في علل الشرائع: سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول في قول إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾ إن الله عز و جل أمر إبراهيم أن يزور عبدا من عباده الصالحين فزاره فلما كلمه قال له إن الله تبارك و تعالى خلق في الدنيا عبدا يقال له إبراهيم اتخذه خليلا قال و ما علامة ذلك العبد قال يحيي الموتى فوقع لإبراهيم أنه هو فسأله أن يحيي الموتى ﴿قالَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ على الخلة.
و يقال إنه أراد أن تكون له في ذلك معجزة كما كانت للرسل و إن إبراهيم سأل ربه أن يحيي له الميت فأمره الله عز و جل إلى أن يميت لأجله الحي سواء بسواء و هو لما أمره بذبح ابنه إسماعيل و إن الله عز و جل أمر إبراهيم بذبح أربعة من الطير طاوس و نسر و ديك و بط.
فالطاوس يريد به زينة الدنيا و النسر يريد به الأمل الطويل و البط يريد به الحرص و الديك يريد به الشهوة يقول الله عز و جل إن أحببت أن تحيي قلبك و تطمئن معي فاخرج عن هذه الأشياء الأربعة فإذا كانت هذه الأشياء في قلب فإنه لا يطمئن معي و سألته كيف قال ﴿أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ﴾ مع علمه بسره و حاله فقال إنه لما قال ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾ كان ظاهر هذه اللفظة توهم أنه لم يكن بيقين فقرره الله بسؤاله عنه إسقاطا للتهمة عنه و تنزيها له من الشك.
و في الكافي عن الحصين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالح أخبره أني شاك و قد قال إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾ و إني أحب أن تريني شيئا فكتب إلي أن إبراهيم كان مؤمنا و أحب أن يزداد إيمانا و أنت شاك و الشاك لا خير فيه.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز و جل ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ قال أخذ الهدهد و الصرد و الطاوس و الغراب فذبحهن و عزل رءوسهن و دق لحمهن في الهاون مع عظامهن و ريشهن حتى اختلطن ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا و ماء ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه قال ائتين معي بإذن الله فتطاير بعضها إلى بعض اللحوم و الريش و العظام حتى استوت الأبدان كما كانت و جاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه و المنقار فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فوقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم عليه السلام بل الله يحيي و يميت فهذا تفسيره الظاهر و تفسيره في الباطن خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك ثم ابعثهم في أطراف الأرضين حججا لك على الناس و إذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتينك سعيا بإذن الله عز و جل.
قال الصدوق: الذي عندي في هذا أنه أمر بالأمرين جميعا.
و روي: أن الطيور التي أمر بأخذها الطاوس و النسر و الديك و البط.
أقول: يجوز أن يحمل تغاير الطيور على تعدد المرات.
عيون أخبار الرضا عن ابن الجهم قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول إبراهيم عليه السلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قال الرضا عليه السلام إن الله تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل فقال ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ....ِ﴾ الحديث.
أقول: ذكر المفسرون لتأويل هذه الآية وجوها الأول ما تضمنه هذا الحديث.
الثاني أنه أحب أن يعلم ذلك عيانا بعد ما كان عالما به من جهة الدليل و البرهان لتزول الخواطر و الوساوس و في الأخبار دلالة عليه.
الثالث أن سبب السؤال منازعة نمرود إياه في الأحياء فقال أحيي و أميت أطلق محبوسا و أقتل إنسانا.
فقال إبراهيم عليه السلام ليس هذا بإحياء و قال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ليعلم نمرود ذلك و ذلك أن نمرود توعده بالقتل إن لم يحيي الله له الميت بحيث يشاهده و لذلك قال ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِيِ﴾ أي بأن لا يقتلني الجبار.
و عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام: قال سألته عن قول الله عز و جل وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ما هذه الكلمات قال هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه و هو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه فقلت فما يعني بقوله ﴿فَأَتَمَّهُنَِّ﴾ قال فأتمهن إلى القائم عليه السلام اثني عشر إماما قال المفضل فقلت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز و جل وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال يعني بذلك الإمامة و جعلها الله في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة.
معاني الأخبار مسندا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة قلت ما كانت صحيفة إبراهيم قال كانت أمثالا كلها و كان فيها أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض و لكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها و إن كانت من كافر و على العاقل ما لم يكن مغلوبا أي مريضا و صاحب علة أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز و جل و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يتفكر فيها صنع الله عز و جل و ساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات على العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها و فيها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح و لمن أيقن بالنار كيف يضحك و لمن يرى الدنيا و تقلبها بأهلها لم يطمئن إليها و من لم يؤمن بالقدر كيف ينصب أي يتعب نفسه في طلب الرزق و لمن أيقن بالحساب لم لا يعمل.
و عن أبي جعفر عليه السلام: في قول الله تعالى ﴿وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ﴾ قال أعطي بصره من القوة ما يعدو السماوات فرأى ما فيها و رأى العرش و ما فوقه و رأى الأرض و ما تحتها و فعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك و أنا لا أرى صاحبكم و الأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك.
العياشي عن عبد الصمد بن بشير قال: جمع لأبي جعفر الدوانيقي جميع القضاة فقال لهم رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فلم يعلموا كم الجزء فأبرد بريد إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد عليه السلام رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فقد أشكل ذلك على القضاة فلم يعلموا كم الجزء فأتى صاحب المدينة إلى الصادق عليه السلام و سأله عن الجزء فقال عليه السلام هذا في كتاب الله بين إن الله يقول لما قال إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى... عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً﴾ و كانت الطيور و الجبال عشرة.... الحديث.
العياشي عن أحدهما عليهما السلام: أنه كان يقرأ هذه الآية رب اغفر لي و لولدي يعني إسماعيل و إسحاق.
و في رواية أخرى عنه عليه السلام: أنه قرأ ربنا اغفر لي و لولدي قال هذه كلمة صحفها الكتاب إنما كان استغفار إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه و إنما قال رب اغفر لي و لولدي يعني إسماعيل و إسحاق و الحسن و الحسين أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
غوالي اللئالئ في الحديث: أن إبراهيم عليه السلام لقي ملكا فقال له من أنت قال أنا ملك الموت قال تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض بها روح المؤمن قال نعم أعرض عني فأعرض عنه فإذا هو شاب حسن الصورة حسن الثياب حسن الشمائل طيب الرائحة فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلا حسن صورتك لكان حسبه ثم قال هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض بها روح الفاجر فقال لا تطيق فقال بلى قال فأعرض عني فأعرض عنه ثم التفت إليه فإذا هو رجل أسود قائم الشعر منتن الرائحة أسود الثياب يخرج من فيه و من مناخيره النيران و الدخان فغشي على إبراهيم ثم أفاق و قد عاد ملك الموت إلى حالته الأولى فقال يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر إلا صورتك هذه لكفته.
علل الشرائع عن علي عليه السلام قال: إن إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم مر ببانقيا و كان ينزل بها فبات بها فأصبح القوم و لم يزلزل بهم فقالوا ما هذا و ليس حدث قالوا هاهنا شيخ و معه غلام له قال فأتوه فقالوا له يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة و لم تزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا فبات فلم يزلزل بهم فقالوا أقم عندنا و نحن نجري عليك ما أحببت قال لا و لكن تبيعوني هذا الظهر و لم يزلزل بكم قالوا فهو لك قال لا آخذه إلا بالشراء قالوا فخذه بما شئت فاشتراه بسبع نعاج و أربع أحمرة فلذلك سمى بانقيا لأن النعاج بالنبطية نقيا فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر و ليس فيه زرع و لا ضرع فقال له اسكت فإن الله عز و جل يحشر من هذا الظهر سبعين ألف يدخلون الجنة بغير حساب يشفع منهم لكذا و كذا.
أقول: بانقيا على ما في القاموس قرية بالكوفة و المراد هنا ظهر الكوفة هي النجف.
و فيه أيضا مسندا إلى الصادق عليه السلام قال: أوحى الله عز و جل إلى إبراهيم عليه السلام أن الأرض قد شكت إلي الحياء من رؤية عورتك فاجعل بينك و بينها حجابا فجعل شيئا هو أكبر من الثياب و من دون السراويل فلبسه فكان إلى ركبتيه.
أقول: المراد من قوله و من دون السراويل أنه أنقص طولا من هذه السراويل المتعارفة و هو السروال لإبراهيم عليه السلام إلا أنه كان قاصرا أن يدل على أن أول من اتخذ لبس السراويل هو إبراهيم عليه السلام.
و عنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المعراج: أنه مر على شيخ قاعد تحت الشجرة حوله أطفال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الشيخ يا جبرئيل قال هذا أبوك إبراهيم فقال فما هؤلاء الأطفال حوله قال هؤلاء الأطفال أطفال المؤمنين حوله يغذيهم.
الأمالي عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لما أراد الله تبارك و تعالى قبض روح إبراهيم عليه السلام أهبط الله ملك الموت فقال السلام عليك يا إبراهيم قال و عليك السلام يا ملك الموت داع أم ناع فقال بل ناع يا إبراهيم فأجب قال يا ملك الموت فهل رأيت خليلا يميت خليله قال فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله فقال إلهي قد سمعت بما قال خليلك إبراهيم فقال الله جل جلاله يا ملك الموت اذهب إليه و قل له هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه.
أقول: المراد بالداعي هنا الطالب على سبيل التخيير و الرضا كمن يدعو أحدا إلى ضيافة و بالناعي الطالب على سبيل القهر و الجزم فلما علم إبراهيم عليه السلام أن الأمر موسع عليه طلب الحياة ليكثر من الطاعة و العبادة.
العلل عن الصادق عليه السلام قال: إن إبراهيم عليه السلام لما قضى مناسكه رجع إلى الشام فهلك و كان سبب هلاكه أن ملك الموت أتاه ليقبضه فكره إبراهيم الموت فرجع ملك الموت إلى ربه عز و جل فقال إن إبراهيم كره الموت فقال دع إبراهيم فإنه يحب أن يعبدني حتى رأى إبراهيم شيخا كبيرا يأكل و يخرج منه ما يأكله فكره الحياة و أحب الموت فبلغنا أن إبراهيم أتى داره فإذا فيها رجلا حسن الصورة ما رآها قط قال من أنت قال أنا ملك الموت قال سبحان الله من الذي يكره قربك و زيارتك و أنت بهذه الصورة فقال يا خليل الرحمن إن الله تبارك و تعالى إذا أراد بعبد خيرا بعثني إليه في هذه الصورة و إذا أراد بعبد شرا بعثني إليه في غير هذه الصورة فقبض عليه السلام بالشام و توفي إسماعيل بعده و هو ابن ثلاثين و مائة سنة فدفن في الحجر مع أمه.
و فيه أيضا عنه عليه السلام قال: إن سارة قالت لإبراهيم عليه السلام يا إبراهيم قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر أعيننا به فإن الله اتخذك خليلا و هو مجيب لدعوتك فسأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزقه غلاما عليما فأوحى الله إليه أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة فمكث إبراهيم عليه السلام بعد البشارة ثلاث سنين و أن سارة قالت لإبراهيم عليه السلام إنك قد كبرت و قرب أجلك فلو دعوت الله عز و جل أن يمد لك في العمر فتعيش معنا فسأل إبراهيم عليه السلام ربه ذلك فأوحى الله إليه سل من زيادة العمر ما أحببت فقالت سارة سل أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت فأوحى الله تعالى إليه في ذلك فقالت سارة اشكر الله و اعمل طعاما و ادع عليه الفقراء و أهل الحاجة ففعل و دعا الناس فكان فيمن أتى رجل كبير ضعيف مكفوف معه قائد له فأجلسه على مائدته فمد الأعمى يده فتناول اللقمة و أقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا و شمالا ثم أهوى بيده إلى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه ثم تناول المكفوف لقمة ثم ضرب بها عنقه قال و إبراهيم ينظر إلى المكفوف و إلى ما يصنع فتعجب إبراهيم عليه السلام من ذلك و سأل قائده فقال هذا الذي ترى من الضعف فقال إبراهيم عليه السلام في نفسه ليس إذا كبرت أصير مثل هذا ثم إن إبراهيم عليه السلام سأل الله عز و جل حيث رأى من الشيخ ما رأى اللهم توفني في الأجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رأيت.
و عنه عليه السلام: قال إن إبراهيم عليه السلام ناجى ربه فقال يا رب كيف تميت ذا العيال من قبل أن تجعل له من ولده خلفا يقوم بعده في عياله فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم و تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك خيرا مني قال إبراهيم اللهم لا الآن طابت نفسي.
* النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-28