يتم التحميل...

بعث موسى وهارون(ع) إلى فرعون وتفصيل الأحوال إلى وقت غرق فرعون وقومه

النبي موسى عليه السلام

قال الثقة علي بن إبراهيم (وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ) قال كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية فقال فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ ونَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ)...

عدد الزوار: 172

أما الآيات الواردة فيه فكثيرة وأما الأخبار فمستفيضة.

قال الثقة علي بن إبراهيم ﴿وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ قال كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية فقال فرعون ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ ونَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ فقال الذين آمنوا لموسى قد أوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل أولادن ومن بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لإيمانهم بموسى فقال موسى ﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.

و ذلك أنه لما سجد السحرة آمن الناس بموسى فقال هامان لفرعون إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فجاء إليه موسى فقال له خل عن بني إسرائيل فلم يفعل فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا فيها الخيام.

فقال فرعون لموسى ادع ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان وهم فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فقال له هامان إن خليت بني إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك فقبل منه ولم يخل عن بني إسرائيل.
فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فأكلت كل شي‏ء لهم من النبت والشجر حتى كادت تجرد شعرهم ولحاهم فجزع فرعون من ذلك جزعا شديد وقال يا موسى ادع ربك أن يكف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد فلم يدعه هامان أن يخلي عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة فقال فرعون لموسى إن دفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل.

و قال أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان فلم يخل عن بني إسرائيل.

فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم.

و يقال إنها تخرج من أدبارهم وآذانهم وآنافهم فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاءوا إلى موسى فقالوا ادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك.

فلما أبوا أن يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما فكان القبطي يراه دم والإسرائيلي يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء وإذا شربه القبطي يشربه دما فكان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فمك وصبه في فمي فكان إذا صبه في فمه تحول دما فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فقالوا لموسى لئن رفع عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل فلما رفع عنهم غدرو ولم يخلوا عن بني إسرائيل. فأرسل الله عليهم الرجز وهو الثلج الأحمر ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعو وأصابهم ما لم يعهدوه من قبل فقالوا لموسى ادع لنا ربك بما عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن بك ولنرسلن معك بني إسرائيل فكشف عنهم الثلج فخلوا عن بني إسرائيل.

فلما خلي عنهم اجتمعوا إلى موسى وخرج موسى من مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد نهيتك أن تخلي عن بني إسرائيل فقد استجمعوا إليه فجزع فرعون وبعث فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ وخرج في طلب موسى.
أقول: إن فرعون كان يستعبد الناس ويعبد الأصنام بنفسه وكان الناس يعبدونها تقربا إليه.

و قيل كان يعبد ما يستحسن من البقر.

و روي أنه كان يأمرهم أيضا بعبادة البقر ولذلك أخرج السامري لهم عجلا.

و أما الطوفان فقيل هو الماء الخارج عن العادة.

و قيل: هو الموت الذريع.

و قيل: هو الطاعون بلغة اليمن أرسل الله ذلك على بكارته آل فرعون في ليلة فلم يبق منهم إنسان ولا دابة.

و قيل: هو الجدري وهم أول من عذبوا به فبقي في الأرض.

و اختلف في القمل أيضا فقيل هو صغار الجراد الذي لا أجنحة لها.

و قيل: صغار الذر.

و قيل: دواب سود كالقراد.

و قيل: هو السوس الذي يخرج من الحنطة.

تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: لما بعث موسى عليه السلام إلى فرعون أتى بابه فاستأذن عليه فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب مفتحة ثم دخل على فرعون فأخبروه أنه رسول رب العالمين وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل فقال ﴿أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ أي قتلت الرجل وأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ يعني كفرت نعمتي فتجاوبا الكلام إلى أن قال موسى ﴿أَ ولَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ‏ءٍ مُبِينٍ قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فلم يبق من جلساء فرعون شخص إلا هرب ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك فقال فرعون أنشدك الله والرضاع إلا كففتها عني ثم نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ فأخذ فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه فقام إليه هامان فقال بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملإ الذين حوله ﴿إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ.

و كان فرعون وهامان قد تعلما السحر وإنما غلبا الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المدائن حاشرين وجمعوا ألف ساحر واختار من الألف ثمانين فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فإن غلبنا موسى فما عندك قال أشارككم في ملكي قالوا فإن غلبنا موسى وأبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس بسحر آمنا به وصدقناه فقال فرعون فإن غلبكم موسى صدقته أنا أيضا معكم وكان موعدهم يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار وجمع فرعون الخلق والسحرة وكانت له قبة طولها في السماء سبعون ذراع وقد كانت لبست بالفولاذ المصقول وكانت إذا وقعت عليها الشمس لم يقدر أحد أن ينظر من لمع الحديد ووهج الشمس فقالت السحرة لفرعون إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولم يبلغ سحرنا السماء وضمنت السحر في الأرض فقالوا لموسى ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ف قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وعِصِيَّهُمْ فأقبلت تضطرب مثل الحيات ﴿ف قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فنودي ﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسه وفتحت فاه ووضعت شدقتها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت والتقمت عصي السحرة وحبالهم وانهزم الناس حين رأوا عظمها فقتل في الهزيمة من وطي الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل وامرأة وصبي ودارت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون وهامان في ثيابهم وشاب رأسهما من الفزع ومر موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله ﴿خُذْه ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى فرجع موسى ولف على يديه عباءة ثم أدخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً لما رأوا ذلك ﴿قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وهارُونَ فغضب فرعون من ذلك وقالَ ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فقالوا له ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن حتى أنزل الله عليهم الطوفان والجراد والضفادع والدم فانطلق عنهم.

فأوحى الله إلى موسى ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر وجمع فرعون أصحابه وبعث في المدائن حاشرين وحشر الناس وقد تقدم مقدمته في ستمائة ألف وركب هو في ألف وألف وخرج كما حكى الله عز وجل ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ وكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فلما قرب موسى من البحر وقرب فرعون من موسى ﴿قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فقال موسى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أي سينجيني فدنا موسى من البحر فقال له انفرق فقال له البحر استكبرت يا موسى أن تقول لي أنفرق لك ولم أعص الله طرفة عين وقد كان فيكم العاصي فقال له موسى فاحذر أن تعصي وقد علمت أن آدم أخرج من الجنة بمعصيته وإنما لعن إبليس بمعصيته قال البحر عظيم ربي مطاع أمره فقام يوشع بن نون فقال لموسى يا رسول الله ما أمرك ربك فقال بعبور البحر فأقحم فرسه الماء وأوحى الله إلى موسى ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه فكان كل فرق كالطود العظيم فضرب له في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق فكان قد ارتفع الماء وبقت الأرض يابسة طلعت فيها الشمس ويبست ودخل موسى البحر وكان أصحابه اثني عشر سبطا فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق وكان الماء قد ارتفع على رءوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا موسى أين إخواننا فقال لهم معكم في البحر فلم يصدقوه فأمر الله البحر فصار طرقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون وأقبل فرعون بجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لأصحابه أ لا تعلمون أن ربكم الأعلى قد فرج لكم البحر فلم يجسر أحد أن يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء فتقدم فرعون فقال له منجمه لا تدخل البحر وعارضه فلم يقبل منه وأقبل إلى فرس حصان فامتنع الفرس أن يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل عليه السلام وهو على ماديانة فتقدمته ودخل فنظر إلى الرمكة فطلبه ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه وآخر من خرج من أصحاب موسى أمر الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليه مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فأخذ جبرئيل كفا من حمأة فوضعها في فيه ثم قال ﴿آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ.
و ذلك أن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر وهووا من البحر إلى النار وأما فرعون فنبذه الله وحده وألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه وليكون لمن خلفه آية ولئلا يشك أحد في هلاكه وأنهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة.

و قال الصادق عليه السلام: ما أتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا كئيبا حزين ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمره الله بنزول هذه الآية ﴿آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ نزل عليه وهو ضاحك مستبشر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أتيتني إل والحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون قال ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فأخذت حمأة فوضعتها في فيه ثم قلت له ﴿آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وعملت ذلك من غير أمر الله خفت أن تلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت فلما كان الآن وأمرني ربي الله أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت وعلمت أن ذلك كان رضا لله تعالى.

و قوله ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ فإن موسى عليه السلام أخبر بني إسرائيل أن الله قد غرق فرعون فلم يصدقوه فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا.

علل الشرائع وعيون الأخبار بإسناده إلى إبراهيم الهمداني قال: قلت للرضا عليه السلام لأي علة أغرق الله فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده قال لأنه آمن عند رؤية اليأس والإيمان عند رؤية اليأس غير مقبول وذلك حكم الله في السلف والخلف قال الله عز وجل ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقيل له آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وقد كان فرعون من قدمه إلى قرنه في الحديد فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع ثقله بالحديد مرتفع وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة ولعلة أخرى أغرقه الله عز وجل وهي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته.

أقول: هذان الوجهان ذكرهما العلماء في أول الوجوه وذكروا وجوها أخر منها أنه لم يكن مخلصا في هذه الكلمة بل إنما تكلم بها توسلا إلى دفع البلية الحاضرة.

و منها أن ذلك الإقرار كان منبئا عن محض التقليد.

أ لا ترى أنه قال ﴿لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ.

و منها أن أكثر اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ولذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى في جسده فكأنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية وكل من اعتقد ذلك كان كافرا.

و منها أنه أقر بالتوحيد فقط ولم يقر بنبوة موسى فلذا لم يقبل منه.

و فيه عنه عليه السلام: في قول فرعون ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى من كان يمنعه قال منعته رشدته ولا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء إلا أولاد الزنى.

أقول: الرشدة طيب الولادة وفرعون لم يتولد من الزنى ومن ذلك جاء في الأخبار الصحيحة أن الألوف الذين حضروا واقعة الطفوف كانوا ما بين ولد زنية وحيضة ولعل التفصيل إشارة إلى من أعان على القتال تبين فيه نصب العداوة لأهل البيت عليه السلام.
و ورد أنه لا يبغضهم إلا ولد من الزنى.

و أما من حضر وكثر السواد ولم يقاتل فهو ممن حمل به في الحيض.

و في قصص الأنبياء عن العبد الصالح عليه السلام قال: كان من قول موسى حين دخل على فرعون اللهم إني أدرأ بك في نحره وأستجير بك من شره وأستعين بك فحول الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفا.

و روى الصدوق قال غار النيل على عهد فرعون فأتاه أهل مملكته فقالوا أيها الملك أجر لنا النيل قال إني لم أرض عنكم ثم ذهبوا فأتوه فقالوا أيها الملك نموت ونهلك ولئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك قال اخرجوا إلى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه ولا يسمعون كلامه فألصق خده بالأرض وأشار بالسبابة وقال اللهم إني خرجت إليك خروج العبد الذليل إلى سيده وإني أعلم أنك تعلم أنه لا يقدر على إجرائه أحد غيرك فأجره قال فجرى النيل جريا لم يجر مثله فأتاهم فقال لهم إني قد أجريت لكم النيل فخروا له سجد وعرض له جبرئيل عليه السلام فقال أيها الملك أعني على عبد لي قال فما قصته قال عبد لي ملكته على عبيدي وخولته على مفاتيحي فعاداني وأحب من عاداني وعادى من أحببت قال لبئس العبد عبدك لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم قال أيها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعا بكتاب ودواة فكتب ما جزاء العبد الذي يخالف سيده فأحب من عادى وعادى من أحب إلا أن يغرق في بحر القلزم قال أيها الملك اختمه فختمه ثم دفعه إليه فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل عليه السلام بالكتاب فقال خذ هذا ما استحققت به على نفسك وهذا ما حكمت به على نفسك.

أقول: قد أوردوا شبهة في هذا المقام وهو أنه يلزم من إجراء الماء مثلا على يدي فرعون إغراء قومه وغيرهم باتباعه وقبول قوله.

و هذا غير جائز على الحكيم ولم أر من تعرض للجواب عنها لأنها شبهة فاسدة في نفس الأمر إلا أن الشبهات كلها من هذا الباب فلزم التعرض للجواب عنها مع أنها لا اختصاص لها في هذا الباب المورد بل جارية في موارد كثيرة كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
و الجواب عنها من وجوه الوجه الأول أن الأمور التي يظهر بطلانها على العامة والخاصة ومن أعمل العقل فيها لا إغراء للناس في وجوده وذلك أن ربوبية فرعون كان أمرا باطلا تدركه العقول والأوهام والأفهام ومن طاوعه عليها لم يكن منها على يقين ولهذا قالوا له لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك.

فظهر أن سجودهم له وقولهم بربوبيته إنما هو مستند إلى أطماع الدني واعتباراته والهرب من شره وعذابه الذي كان يوقعه لغيرهم وقد أطاعوا في متابعته الأهواء والوساوس الشيطانية وما كانت التقية تبلغ بهم إلى ذلك الحد وارتكاب الأقوال الباطلة.

و بالجملة فقوله لهم أنا ربكم الأعلى أمر ظاهر البطلان وحينئذ فإجراء ماء النيل مثلا لا يلزم منه إغراؤهم بالقول بربوبيته.

نعم إذا وقع التحدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام بأمر من الأمور الدالة على صدق دعواهم لا يجوز إجراؤه على يد المبطل من غيرهم.

و لهذا لما ادعى الإمامة في زمن الكاظم عليه السلام جماعة من إخوته وبني عمه كان يتحداهم بالجلوس وسط النار مع أن دخول النار والجلوس فيها مبتذل في هذه الأعصار لكثير من عوام مذهبنا مذهب المخالفين.

الوجه الثاني أن الله سبحانه أقسم بعزته أنه لا يضيع عمل عامل ومن يرد حرث الدنيا في ذلك العمل يؤته منه ومن يرد حرث الآخرة يؤته منها.

و من هذا جاء في الأخبار أن إمهال الشيطان إلى يوم القيامة وتسلطه على بني آدم وما أعطاه الله سبحانه مما طلب إنما سبب عبادته في السماء.

كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إنه عبد الله في السماء ستة آلاف سنة لا يدري أ من سني الدنيا أم من سني الآخرة.

و أما فرعون فجاء في الأخبار أن الله سبحانه أمهله أربعمائة سنة يدعي فيها الربوبية لأنه كان حسن الأخلاق سهل الحجاب وما جلس على مائدة إلا كان فيها الأيتام والمساكين.

روي عن علي عليه السلام: إنما أمهل الله فرعون في دعوته لسهولة أذنه وبذل طعامه فجوزي في الدنيا على أعماله.

و كون ذلك الجزاء مستلزما لنقص الغير مما يمكن الاحتراز عنه لا يمنع منه لأن جزاء إبليس على عمله استلزم تسلطه على بني آدم لكنه لا يئول إلى جبرهم بل هم مختارون في الطاعة.

و هذا الوجه يجري في موارد كثيرة وذلك أن كفار الهند وغيرهم إذا تعبدوا لله سبحانه بزعمهم يجري على أيديهم الأفعال الغريبة كالإخبار عن الغائبات ونحوها. ومثل جماعة من أهل الخلاف يجري على يدي جماعة من مشايخهم جزاء لعبادتهم ما لا يجري على يدي غيرهم من أهل الله الوجه الثالث أن فرعون وهامان كانا حاذقين في السحر وبه غلبا على قومهما فلعل تلك الأفعال الغريبة كانت مستندة إلى السحر ولا ينافيه سجوده وتضرعه لله تعالى ودعاؤه.

فإن السحرة لا يخلو سحر من سحرهم عن الآيات والأدعية وإن ضموا إليها أمورا أخر.

فلعل جريان النيل كان من ذلك العلم ويجري أيضا في غيره من الموارد في الكفار والمخالفين.

الوجه الرابع أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون طريق التكليف مقرونا بالألطاف والتوفيقات ومحفوفا بالابتلاء والاختبار ومعارضات العقول والأوهام ليتميز المؤمن من غيره والمجاهد من القاعد ومن يغلب الهوى عليه ممن يجري على مقتضى العقول وبزوال الأوهام.

و ذلك أن الله سبحانه أرسل إلى فرعون وقومه وموسى وهارون الحجج القاطعة والآيات الباهرة والألطاف الإلهية والتوفيقات الربانية ولو عملوا فيها بمقتضى العقول وتجردوا عن الأوهام والشكوك لكانت موجبة لإيمانهم.
و أما الذي جرى على يد فرعون من الأمور الغريبة فكان من باب الابتلاء والاختبار لقومه.

و هذا مما ليس فيه إغراء ولا يوجب لفرعون ربوبية ولا نبوة.

و هذا أيضا يجري في غيره من الموارد الكثيرة في طبقات الكفار والمخالفين.

فإن كون عبد السلام البصري مثلا يلزم الحيات ويدخل مع تلاميذه النار ويفعل الأفعال الغريبة لا يوجب أن يكون مذهبه على الحق ولا أن تكون طريقته هي المثلى لأن كثيرا من كفار الهند وغيرهم يصنعون ما هو أغرب وأعجب.

الوجه الخامس أن الحكمة الإلهية قد جرت بأنه إذا أكمل الحجة على عباده وأقام فيهم البراهين وأكمل فيهم العقول وأرسل إليهم الأنبياء ولم يبق لهم عذر فإن أطاعوه وقبلوا الإيمان به وبرسله جازاهم في الدني والآخرة وإن أبوا إلا العناد واللجاج وتكذيب الآيات والرسل أمهلهم وأملى لهم واستدرجهم وكلما ازدادوا في الطغيان زادت عليهم النعم وهم يحسبون أنه من صنيع الله إليهم وإحسانه عليهم.

كما قال عز شأنه ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فما كان يصنعه جل وعز إلى فرعون وقومه من نعم الدنيا كان من باب الإملاء والاستدراج.

و هكذا الحال في بعض الموارد فإن الكوفي أبا...

كان يقول في مجلس الكوفة قال علي وأنا أقول يعني خلافا لقوله.

و لا شك أن قول علي عليه السلام هو حكم الله تعالى وأن غيره يكون حكم الشيطان فقد جعل نفسه وفتواه شريكا لله تعالى ومع ذلك أمهله الله تعالى واستدرجه في نعم الدني والاعتبار عند الملوك والسلاطين واعتماد الناس على أقواله ومذاهبه في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة.

و الناس يظنون أن ذلك من ألطاف الله سبحانه عليه وليس هو إلا استدراج وجزاء لأعماله.

فإنه حكي عنه أنه قام الليل من نصفه ومن أوله إلى آخره عابدا داعيا مدة عشرين سنة وهكذا حال أصحابه من باقي الفقهاء الأربعة.

و بقيت وجوه كثيرة لا نطيل الكتاب بذكرها.

علل الشرائع: سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن يوم الأربعاء والتطير منه فقال عليه السلام آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق ويوم الأربعاء غرق الله فرعون ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان ويوم الأربعاء أظل قوم فرعون العذاب.

و عن أبي جعفر عليه السلام: لما رجع موسى إلى امرأته قالت من أين جئت قال من عند رب تلك النار قال فغدا إلى فرعون فو الله لكأني أنظر إليه طويل الباع ذو شعر أدم عليه جبة من صوف عصاه في كفه مربوط حقوه بشريط نعله من جلد حمار شراكها من ليف فقيل لفرعون إن على الباب فتى يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الأسد خل سلاسله وكان إذا غضب على أحد خلاها فقطعته فخلاه وقرع موسى الباب الأول وكانت تسعة أبواب فلما قرع موسى الباب الأول انفتحت له الأبواب التسعة فلما دخل جعلن يبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء فقال فرعون لجلسائه أ رأيتم مثل هذا قط فلما أقبل إليه ﴿قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً... الآية فقال فرعون لرجل من أصحابه قم فخذ بيده وقال للآخر اضرب عنقه فضرب جبرئيل عليه السلام بالسيف حتى قتل ستة من أصحابه فقال خلوا عنه قال فأخرج يده فإذا هي بيضاء قد حال شعاعها بينه وبين وجهه وألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه أن يا موسى أقلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان.

و عن ابن أبي عمير قال: قلت لموسى بن جعفر عليه السلام أخبرني عن قول الله عز وجل لموسى ﴿اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ويَخْشى فقال أما قوله لَيِّناً يعني كنياه وقولا يا أبا مصعب واسمه الوليد بن مصعب وأما قوله ﴿يَتَذَكَّرُ ويَخْشى فإنما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عز وجل أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية العذاب أ لا تسمع الله عز وجل يقول ﴿حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينًَ فلم يقبل الله إيمانه وقال ﴿آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: قال كان على مقدمة فرعون ستمائة ألف ومائتي ألف وعلى ساقته ألف ألف فدخلوا البحر وغرقو وقوله ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول نلقيك على نجوة من الأرض لتكون لمن بعدك علامة وعبرة.
و عن أبان الأحمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ﴿وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ فقال كان إذا عذب رجلا بسطة على الأرض على وجهه ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض فتركه حتى يموت.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: التسع آيات الله التي أوتي موسى عليه السلام فقال الجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والعص ويده.

و عنه عليه السلام: شاطئ الواد الأيمن الذي ذكره الله في كتابه هو الفرات والبقعة المباركة هي كربلاء والشجرة هي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أقول: يعني نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظهر من تلك الشجرة.

العياشي عن عاصم رفعه قال: إن فرعون بنى سبع مدائن يتحصن فيها من موسى عليه السلام وجعل فيها آجاما للأسد فلما بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة ورأى الأسود تبصبصت وولت مدبرة قال ثم لم يأت مدينة إلا فتح الله له بابها إلى قصر فرعون الذي هو فيه فقعد على بابه وعليه مدرعة من صوف ومعه عصاه فلما خرج الآذن قال له موسى استأذن على فرعون فلم يلتفت إليه فأكثر عليه فقال له الآذن أ ما وجد رب العالمين من يرسله غيرك فغضب موسى فضرب الباب بعصاه فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلا انفتح حتى نظر إليه فرعون وهو في مجلسه فقال أدخلوه فدخل عليه وهو في قبة له ارتفاعها ثمانون ذراعا ﴿فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ وكان لها شعبتان فإذا هي حية قد وقع إحدى الشعبتين في الأرض والشعبة الأخرى في أعلى القبة فنظر فرعون إلى جوفه وهو يلتهب نيران وأهوت إليه فأحدث وصاح يا موسى خذها.

و روىالعياشي عن يونس بن ظبيان قال: قال إن موسى وهارون حين دخلا على فرعون ولم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح كانوا ولد نكاح كلهم وإن كان فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما ﴿ف قالُوا أَرْجِهْ وأَخاهُ وأمروه بالتأني والنظر ثم وضع يده على صدره قال وكذلك نحن لا يقصدنا بشر إلا كل خبيث الولادة.

تفسير الإمام الحسن العسكري قال: إن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه قل لبني إسرائيل جددوا توحيدي وأمروا بقلوبكم ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد عبيدي وإمائي وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين وقولوا اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء يتحول لكم أرضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا أ تورد علينا ما نكره وهل فررنا من فرعون إلا من خوف الموت وأنت تقحم بنا هذا الماء بهذه الكلمات وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحن وهو على دابة له وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء فقال نعم فوقف وجدد توحيد الله ونبوة محمد وولاية علي والطيبين من آلهما كما أمر به ثم قال اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ثم أقحم فرسه فركض على متن الماء حتى بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضا فقال يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان ومغاليق أبواب النيران ومستنزل الأرزاق وجالب على عبيد الله وإمائه رضاء المهيمن الخلاق فأبو وقالوا نحن لا نسير إلا على الأرض فأوحى الله إلى موسى اضرب بعصاك البحر وقل اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته ففعل فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج فقال موسى عليه السلام ادخلوا قالوا الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها فقال الله يا موسى قل اللهم بجاه محمد وآله الطيبين جففها فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت وقال موسى ادخلوا قالوا يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر أب وإن دخلنا رام كل فريق تقدم صاحبه فلا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق على حده لأمنا ما نخافه فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضع ويقول اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين لنا الأرض فصار فيه تمام اثني عشر طريق وجف الأرض بريح الصبا فقال ادخلوها قالوا كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين فقال الله عز وجل فاضرب كل طود من الماء بين هذا السكك فضرب وقال اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت هذا الماء طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فحدث طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فلما دخلوا جاء فرعون وقومه فدخلوا فأمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقو وأصحاب موسى ينظرون إليهم ثم قال الله عز وجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كان الله تعالى فعل كله بأسلافكم لكرامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعا موسى دعاء تقرب بهم أ فما تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد وآله وقد شاهدتموه الآن.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بين قوله ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما وبين أخذ فرعون أربعون سنة.

قال الثعلبي: قال العلماء بأخبار الماضين لما كلم الله موسى وبعثه إلى مصر خرج وليس معه زاد ولا سلاح وكان يستعين بالصيد وببقول الأرض ولما قرب من مصر أوحى الله إلى أخيه هارون يبشره بقدوم موسى ويخبره أنه جعله لموسى وزير ورسولا معه إلى فرعون وأمره أن يمر يوم السبت لغرة ذي الحجة متنكرا إلى شاطئ النيل ليلتقي في تلك الساعة بموسى.

فخرج هارون وأقبل موسى عليه السلام فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس فاتفق أنه كان يوم ورود الأسد الماء وكان لفرعون أسد تحرسه في غيضة محيطة بالمدينة من حولها.

و كان فرعون إذ ذاك في مدينة حصينة عليها سبعون سورا في كل سور رساتيق وأنهار ومزارع وأرض واسعة في ربض كل سور سبعون ألف مقاتل ومن وراء تلك المدينة غيضة تولى فرعون غرسها بنفسه ثم أسكنها الأسد فنسلت وتوالدت حتى كثرت ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه وجعل خلال تلك الغيضة طرقا تفضي من يسلكها إلى أبواب المدينة فمن أخطأ الطريق وقع في الغيضة فأكلته الأسود وكانت الأسود إذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها ثم تصدر مع الليل فالتقى موسى وهارون يوم ورودها فلما أبصرتهما الأسد مدت أعناقه ورءوسها إليهم وشخصت أبصارها نحوهم وقذف الله تعالى في قلوبها الرعب فانطلقت منهزمة نحو الغيضة وكان لها ساسة يسوسونه ويحرسونها من الناس.

فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون ولم يشعروا من أين أتوا فانطلق موسى وهارون في تلك المسبعة حتى وصلا إلى باب المدينة الأعظم الذي هو أقرب أبوابها إلى منزل فرعون وكان منه يدخل ويخرج فأقاما إليه سبعة أيام.

فكلمهما واحد من الحراس وزيرهم وقال لهما هل تدريان لمن هذا الباب فقال موسى إن هذا الباب وما فيها لرب العالمين وأهلها عبيد له فسمع ذلك الرجل قولا لم يظن أن أحدا من الناس يفصح بمثله فأسرع إلى كبرائه الذين هم فوقه فقال لهم سمعت اليوم قولا من رجلين هو أعظم عندي مما أصابنا في الأسد وما كانا ليقدما على ما قدما عليه إلا بسحر عظيم وأخبرهم القصة فتداولوه حتى انتهوا إلى فرعون.

و قال السدي بإسناده سار موسى عليه السلام بأهله نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف أمه وهي لا تعرفه وإنما أتاهم في ليلة كانوا يأكلون فيها الطفيشل نوع من المرق ونزل في جانب الدار فجاء هارون فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه فلما أن قعد تحدثا فقال له هارون من أنت فقال أنا موسى فتعانقا فقال له موسى يا هارون انطلق معي إلى فرعون فإن الله عز وجل قد أرسلنا إليه فقال هارون سمع وطاعة فقامت أمهما فصاحت وقالت أنشدكما الله أن تذهبا إلى فرعون فيقتلكما. فانطلقا إليه فأتيا الباب والتمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون وفزع البواب وقال فرعون من هذا الذي يضرب ببابي في هذه الساعة فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى أنا رسول رب العالمين.

و قال محمد بن إسحاق خرج موسى حين قدم مصرا على فرعون هو وأخوه حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الإذن فمكثا سنتين يغدوان إلى بابه ويروحان لا يعلم بهم ولا يجتري أحد أن يعلمه بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلعب عنده ويضحكه فقال له أيها الملك إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا زعم أن له إلها غيرك فقال أدخلوه فدخل موسى وهارون فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء فتحول خوفه أمن وكذا كل من يدعو بذلك الدعاء.

ثم قال فرعون لموسى من أنت قال أنا رسول رب العالمين فتأمله فرعون فعرفه فقال ﴿أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ... إلى آخر الآيات والمنازعات.

﴿فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره وأحدث حتى قام به بطنه في يومه ذلك أربعين مرة.

و كان فيما يزعمون لا يسعل ولا يصدع ولا تصيبه آفة مما تصيب الناس وكان يقوم في أربعين يوما مرة وكان أكثر ما يأكل الموز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج إلى القيام وكانت هذه الأشياء مما زين له أن قال ما قال لأنه ليس له من الناس شبيه فلما قصدته الحية نادى يا موسى اكففها عني بحرمة الرضاع وإني أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا ثم نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء مثل الثلج لها شعاع كشعاع الشمس فقال له فرعون هذه يدك فأدخلها موسى جيبه وأخرجها الثانية ولها نور ساطع في السماء تكل منه الأبصار فلم يستطع فرعون النظر إليها ثم ردها موسى وأخرجها على لونها الأول فهم فرعون بتصديقه وقال له هامان بينما أنت إله تعبد إذ أنت تابع لعبد فقال فرعون لموسى أمهلني إلى غد.

و أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن قل لفرعون إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددت شابا طريا فاستنظره فرعون. فلما كان من الغد دخل عليه هامان فأخبره فرعون بما وعد موسى فقال له هامان والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا فنفخ في منخره ثم قال له هامان أنا أردك شابا فأتاه بالوسمة فخضبه بها.

فلما دخل عليه موسى ورآه على تلك الحالة هاله ذلك. فأوحى الله تعالى إليه لا يهولنك ما رأيت فإنه لم يلبث إلا قليلا حتى يعود إلى الحالة الأولى.

و في بعض الروايات أن موسى وهارون لما انصرفا من عند فرعون أصابهما المطر في الطريق فأتيا على عجوز من أقرباء أمهم ووجه فرعون الطلب في أثرهما فلما دخل عليهما الليل ناما في داره وجاء الطلب إلى الباب والعجوز منتبهة فلما أحست بهم خافت عليهما فخرجت العصا من ثقب الباب والعجوز تنظر فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعة أنفس ثم عادت ودخلت الدار.

فلما انتبه موسى وهارون أخبرتهما بقصة الطلب ونكاية العصا فيهم فآمنت بهم وصدقتهما. قال الثعلبي قالت العلماء بأخبار الأنبياء أن موسى وهارون عليه السلام وضع فرعون أمرهما على السحر فأراد قتلهما فقال العبد الصالح حزقيل مؤمن آل فرعون أ تقتلون رجلا يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فقال الملأ من قوم فرعون ﴿أَرْجِهْ وأَخاهُ وابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ.

و كانت لفرعون مدائن فيها السحرة معدة لفرعون إذا أحزنه أمر.

و قال ابن عباس قال فرعون لما رأى سلطان الله في اليد والعصا إنا لا نغالب موسى إلا بمن هو مثله فأخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها العرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحرا كثير وواعد فرعون موسى موعدا فبعث فرعون إلى السحرة فجاء بهم ومعهم معلمهم فقالوا له ما ذا صنعت قال علمتهم سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمر من السماء فإنه لا طاقة لهم به.

ثم بعث فرعون فجمع السحرة كلهم وكانوا اثنين وسبعين ألفا.

و قال كعب كانوا اثني عشر ألف وقيل بضع وثلاثين ألف وقال عكرمة سبعين ألف وقيل ثمانين ألف واختار منهم سبعة آلاف واختار من أولئك سبعمائة.

و كان رئيس السحرة أخوين بأقصى مدائن الصفر فلما جاءهما رسول فرعون قالا لأمهما دلينا على قبر أبينا فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا إن الملك وجه علينا أن نقدم عليه لأنه أتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح ولهما عز ومنعة وقد ضاق الملك ذرعا من عزهم ومعهما عصا إذا ألقياها فلا يقوم لها شي‏ء تبلع الحديد والخشب والحجر فأجابهما أبوهما انظرا إذا هما ناما فإن قدرتما أن تسلا العصا فسلاها فإن الساحر.

لا يعمل سحره وهو نائم وإن عملت العص وهما نائمان فذلك أمر رب العالمين ولا طاقة لكما بهم ولا لجميع أهل الدنيا. فأتياهما في خفية وهما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا ثم واعدوه يوم الزينة وكان يوم سوق لهم وقال ابن عباس كان يوم عاشوراء ووافق يوم السبت أول يوم النيروز يجتمع الناس من الآفاق وكان بالإسكندرية فلما اجتمع الناس والسحرة جاء موسى متكئا على عصاه ومعه هارون فقال موسى للسحرة ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب أليم.

فقال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وقالوا لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله وكانوا قد جاءوا بالعصي والحبال تحملها ستون بعيرا فقال لهم موسى ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا تسعى ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فقال والله إن كانت العصيات في أيديهم فلقد عادت حيات وما يعدون عصاي هذه.

فأوحى الله إليه ﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى فألقى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم أسود مدلهم على أربع قوائم قصار غلاظ وهو أعظم وأطول من البختي وله ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه لا يضرب ذنبه على شي‏ء إلا حطمه ويكسر بقوائمه الصخور ويضرم حيطان البيوت نار ومنخراه تنفخان سموم وعلى مفرقه شعر كأمثال الرماح فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم وعصيهم وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس فابتلعتها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثيرا فانهزم الناس وتزاحمو ووطئ بعضهم بعضا حتى مات يومئذ خمسة وعشرون ألف وانهزم فرعون مرعوب وقد استطلق بطنه في يومه ذلك من أربعمائة جلسة ثم بعد ذلك إلى أربعين مرة في اليوم والليلة على الدوام إلى أن هلك.
فلما عاين السحرة ما عاينوا قالوا لو كان سحرا لما خفي علينا أمره ولو كان سحرا فأين حبالن وعصينا فخروا سجد و﴿قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وهارُونَ.

و كان فيهم أربعة شيوخ سابور عارور حطحط مصفا فلما آمن السحرة قال فرعون متجلدا ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ف قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ... فَاقْضِ ما أَ 2012-11-28