يتم التحميل...

النبي داود(ع) عمره ووفاته وفضائله وما آتاه الله تعالى

النبي داود عليه السلام

إن الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح ذو القرنين واسمه عياش وداود وسليمان ويوسف عليه السلام فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر...

عدد الزوار: 1392

الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات داود النبي عليه السلام يوم السبت مفجوءا فأظلته الطير بأجنحتها.

معاني الأخبار معنى داود أنه داوى جرحه بود.

و قيل: داوى وده بالطاعة حتى قيل عبد.

و عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح ذو القرنين واسمه عياش وداود وسليمان ويوسف عليه السلام فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر وكذلك كان ملك سليمان وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها.

تفسير علي بن إبراهيم ﴿يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي سبحي الله ﴿وَ الطَّيْرَ وأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ قال كان داود عليه السلام إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير معه والوحوش وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب.

قال الصادق عليه السلام: اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام.

و قوله أَنِ ﴿اعْمَلْ سابِغاتٍ قال الدروع و﴿قَدِّرْ فِي السَّرْدِ المسامير التي في الحلقة.

و قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى ﴿يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي قلنا للجبال يا جبال سبحي معه قالوا أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح فسبحت معه.

و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له.

و أما الطير فيجوز أن يسبح ويحصل له من التمييز ما سيأتي منه ذلك بأن يزيد في فطنته فيفهم ذلك.

و قال بعض المتأخرين يمكن أن يكون تسبيح الجبال كناية عن تسبيح الملائكة الساكنين به وبأن خلق الله الصوت فيه وعلى القول بأن للجمادات شعور.

قال مؤلف الكتاب نعمة الله الموسوي الحسيني أيده الله تعالى: إنا ذكرنا في كثير من مؤلفاتنا القول بأن الطيور والحيوانات لها نفوس ناطقة داركة وحكيناه عن كثير من قدماء الحكماء بالبراهين والدلائل والأحاديث المستفيضة بل المتواترة دالة على إدراكه وأن لها من الإدراك والشعور ما تزيد على كثير من الناس وظاهر الآيات شاهد به وكذلك في الأحاديث شهادة ودلالة على أن للجمادات نوعا من الإدراك والشعور تسبح لخالقه وتطيعه بلسان مقالها مثل لسان حالها حتى إن جماعة من محققي المفسرين وأهل الحديث قالوا إن إعجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان تسبيح الحصى بيده هو إسماع الحاضرين ذلك التسبيح وإلا فالتسبيح حاصل في الحصى وغيره ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. وقد أطلنا الكلام في هذا المقام في كتاب زهر الربيع وفي شرحينا على كتابي التوحيد وعيون الأخبار للصدوق.

قصص الأنبياء للفاضل الراوندي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: داود عليه السلام كان يدعو أن يعلمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق فأوحى الله إليه يا داود إن الناس لا يحتملون ذلك وإني سأفعل وارتفع إليه رجلان فاستدعا أحدهما على الآخر فأمر المستدعى عليه أن يقوم إلى المستدعي فيضرب عنقه ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك وقالت رجل جاء يتظلم من رجل فأمر الظالم أن يضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله وسلم رب أنقذني من هذه الورطة قال فأوحى الله تعالى إليه يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحق وأن هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه فأمرت فضربت عنقه فوداه بأبيه وهو مدفون في حائط كذ وكذا تحت شجرة كذا فأته فناده باسمه فإنه سيجيبك فسله قال فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحا شديدا فقال لبني إسرائيل قد فرج الله فمشى ومشوا معه فانتهى إلى شجرة فنادى يا فلان فقال لبيك يا نبي الله قال من قتلك قال فلان قال بنو إسرائيل لسمعناه يقول يا نبي الله فنحن نقول يا نبي الله كما قال فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن العباد لا يطيقون الحكم بما هو عندي الحكم فسل المدعي البينة وأضف المدعى عليه إلى اسمي.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان على عهد داود عليه السلام سلسلة يتحاكم الناس إليه وإن رجلا أودع رجلا جواهر فجحده إياها فدعاه إلى السلسلة فذهب معه إليه وأدخل الجوهر في قناة فلما أراد أن يتناول السلسلة قال له أمسك هذه القناة حتى آخذ السلسلة فأمسكه ودنا الرجل من السلسلة فتناوله وأخذه وصارت في يده فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام احكم بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به ورفعت السلسلة.

العياشي عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أهبط ظللا من الملائكة علىآدم عليه السلام وهو بوادي الروحا بين الطائف ومكة ثم صرخ بذريته وهم ذر فخرجوا كما يخرج النمل من كورها فاجتمعوا على شفير الوادي فقال الله لآدم انظر ما ذا ترى فقال آدم ذرا كثيرا فقال الله يا آدم هؤلاء ذريتك أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة كما أخذته عليهم في السماء قال آدم يا رب  وكيف أوسعتهم ظهري قال الله يا آدم بلطف صنعي قال آدم عليه السلام فما تريد منهم في الميثاق قال أن لا يشركوا بي شيئا فمن أطاعني أسكنه جنتي ومن عصاني أسكنه ناري قال يا رب لقد عدلت فيهم وليعصينك أكثرهم إن لم تعصمهم.

قال أبو جعفر عليه السلام: عرض على آدم عليه السلام أسماء الأنبياء عليهم السلام وأعمارهم فمر باسم داود فإذا عمره أربعون سنة فقالآدم عليه السلام يا رب وما أقصر عمر داود وأكثر عمري يا رب زدت داود من عمري ثلاثين سنة أ تكتب ذلك له قال نعم قال إني زدته من عمري ثلاثين سنة فأثبتها له واطرحها من عمري فأثبتها الله لداود ومحاها من آدم فذلك قوله ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فلما دنا عمر آدم هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه فقال يا ملك الموت قد بقي من عمري ثلاثون سنة فقال أ لم تجعلها لابنك داود وأنت بوادي الروحا فقال آدم عليه السلام يا ملك الموت ما أذكر هذا فقال يا آدم لا تجهل أ لم تسأل الله أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك قال آدم فأحضر الكتاب حتى أعلم ذلك وكان آدم صادقا لم يذكر فمن ذلك اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينو وتعاملوا إلى أجل مسمى لنسيان آدم عليه السلام وجحود ما جعل على نفسه.
أقول: في كثير من الأخبار أنه زاد في عمر داود ستين سنة تمام المائة سنة وهو أوفق بسائر الأخبار.

من لا يحضره الفقيه قال أبو جعفر عليه السلام: دخل علي عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكتونه فقال له علي عليه السلام ما أبكاك فقال يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ما هي إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي في سفرهم فرجعو ولم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا مات فسألتهم عن ماله فقالوا ما ترك مالا فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير فقال ارجعوا فردهم جميع والفتى معهم إلى شريح فقال يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء فحكى له فقال يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذ والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به قبلي إلا داود النبي عليه السلام يا قنبر ادع لي شرطة الخميس فدعاهم فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة ثم نظرأمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم فقال أ تقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل ثم قال فرقوهم وغطوا رءوسهم ففرق بينهم وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ورءوسهم مغطاة بثيابهم ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال هات صحيفة ودواة وجلس عليه السلام في مجلس القضاء واجتمع الناس إليه فقال إذا أنا كبرت فكبروا ثم قال للناس أفرجوا ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه ثم قال لعبيد الله اكتب قراره وما يقول ثم أقبل عليه بالسؤال فقال في أي حين خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم فقال في يوم كذ وشهر كذا ثم قال وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات قال إلى موضع كذا قال وفي أي منزل مات قال في منزل فلان بن فلان قال وما كان مرضه قال كذ وكذا قال كم يوما مرض قال كذ وكذا يوما قال فمن يمرضه وفي أي يوم مات ومن غسله ومن كفنه وبما كفنتموه ومن صلى عليه ومن نزل قبره فلما سأله عن جميع ما يريد كبر وكبر الناس معه فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه فأطرق يغطي رأسه ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ثم قال كلا زعمت أني لا أعلم ما صنعتم فقال يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ولقد كنت كارها لقتله فأقر ثم دعا بواحد بعد واحد وكلهم يقر بالقتل وأخذ المال ثم رد الأول فأقر أيضا فألزمهم المال والدية وقال شريح يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود فقال إن داود النبي عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم مات الدين فدعا منهم غلاما فقال يا غلام ما اسمك فقال اسمي مات الدين سمتني به أمي فانطلق إلى أمه فقال لها من سماه بهذا الاسم قالت أبوه قال وكيف ذلك قالت إن أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي وقالوا مات قلت أين ماله قالوا لم يخلف مالا فقلت أوصاكم بوصية قالوا نعم زعم أنك حبلى فما ولدت سميه مات الدين فسميته فقال أ تعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك قالت نعم وهم أحياء قال فانطلقي بنا إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم ثم قال للمرأة سمي ابنك عاش الدين.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا قال فبكى داود عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى الحديد أن لن لعبدي داود فألان الله له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألف واستغنى عن بيت المال.

بشارة المصطفى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى.

و قال صاحب الكامل كان داود بن إيشا من أولاد يهودا فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه عليهم.

فلما ملك جعله الله نبيا ملك وأنزل عليه الزبور وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح ولم يعط الله أحدا مثل صوته كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يأخذ بأعناقه وكان يقوم الليل ويصوم النهار ونصف الدهر فكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف وكان يأكل من كسب يده.

قيل أصاب الناس في زمن داود عليه السلام طاعون جارف يعني عاما فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلهذا قصده ليدعو فيه.

فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله ورفع الطاعون فاتخذوا ذلك الموضع مسجد وكان الشروع في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه وتوفي قبل أن يستتم بناؤه وأوصى إلى سليمان بإتمامه.

ثم إن داود عليه السلام توفي وكانت له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح ويقوم إلى عبادته فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا فقالت من أدخلك الدار فقال أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن فسمع داود قوله فقال أنت ملك الموت فهلا أرسلت إلي فأستعد للموت قال قد أرسلت إليك كثيرا قال من كان رسولك قال أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك قال ماتوا قال فهم رسلي إليك بأنك تموت كما ماتوا ثم قبضه.

فلما مات ورث سليمان ملكه وكان له تسعة عشر ولدا فورثه سليمان دونهم وكان عمر داود عليه السلام مائة سنة ومدة ملكه أربعين سنة.

نهج البلاغة: وإن شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه أيكم يكفيني بيعه ويأكل قرص الشعير من ثمنها.

أقول: في اللغة مزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور وقد أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه والوحش تسمعه فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته.

الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما وقف الموقف بعرفة نظر إلى الناس وكثرتهم فصعد الجبل فأقبل يدعو فلما قضى نسكه أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له يا داود يقول لك ربك لم صعدت الجبل ظننت أنه يخفى علي صوت من صوت ثم مضى به إلى البحر إلى جدة فرسب به في الماء مسيرة أربعين صباحا في البر فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة فقال يا داود يقول لك ربك أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر فظننت أنه يخفى علي صوت من صوت.

و عنه عليه السلام: قال قال داود النبي عليه السلام لأعبدن الله اليوم عبادة ولأقرأن قراءة لم أفعل مثلها قط فدخل محرابه ففعل فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب فقال له يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك فقال نعم فقال لا يعجبك فإني أسبح الله في كل ليلة ألف تسبيحة يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة وإني لأكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فأحسبه جائعا فأطفو له على الماء ليأكلني وما لي ذنب.


* النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-28