قصة النبي داود(ع) مع أوريا
النبي داود عليه السلام
فروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور وأوحى الله عز وجل إلى الجبال والطير أن يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى يقوم وزيره لما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره...
عدد الزوار: 971
فروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور وأوحى الله عز وجل إلى الجبال والطير أن يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى يقوم وزيره لما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الأنبياء (عليهم السلام) نبيا نبي ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم في عبادتهم لله سبحانه والصبر على بلائه ولا يذكر داود فنادى داود عليه السلام ربه فقال يا رب قد أثنيت على الأنبياء بما قد أثنيت عليهم ولا تثن علي فأوحى الله عز وجل إليه هؤلاء عباد ابتليتهم فصبرو وأنا أثني عليهم بذلك فقال يا رب فابتلني حتى أصبر فقال يا داود تختار البلاء على العافية إني ابتليت هؤلاء فلم أعلمهم وأنا ابتليتك وأعلمك أنه يأتيك بلائي في سنة كذا في يوم كذ وكان داود يفرغ نفسه لعبادته يوما يقعد في محرابه ويوما يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم فلما كان في اليوم الذي وعده الله عز وجل فيه اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه فبينما هو يصلي فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من ياقوت أحمر ومنقاره من اللؤلؤ والزبرجد فأعجبه جد ونسي ما كان فيه فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على حائط بين داود وبين أوري وكان داود عليه السلام قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعره وغطت به بدنها فنظر إليها داود عليه السلام وافتتن به ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث أن يصيروا إلى موضع كيت وكيت ويوضع التابوت بينهم وبين عدوهم فإذا رجع عنه إنسان كفر ولا يرجع أحد عنه إل ويقتل فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بين يدي التابوت فقدمه وقتل فلما قتل دخل عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط.
و كان لداود عليه السلام حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية فقال أحدهما لداود عليه السلام ﴿إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيه وعَزَّنِي فِي الْخِطابِ﴾ أي ظلمني وقهرني فقال داود عليه السلام ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ﴾ إِلى نِعاجِهِ... الآية فضحك المستدعى عليه من الملائكة وقال حكم الرجل على نفسه فقال داود عليه السلام تضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم فاك قال فعرجا فقال الملك المستعدى عليه لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني ففهم داود الأمر وذكر الخطيئة فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه فلما كان بعد أربعين يوما نودي يا داود ما لك أ جائع أنت فنشبعك وظمآن فنسقيك أم عريان فنكسوك أم خائف فنؤمنك فقال أي رب وكيف لا أخاف وقد علمت وأنت الحكم العدل لا يجوزك ظلم ظالم فأوحى الله عز وجل إليه تبت يا داود فقال أي رب وأنى لي بالتوبة قال سر إلى قبر أوريا حتى أبعثه إليك واسأله أن يغفر لك فإن غفر لك غفرت لك قال يا رب فإن لم يفعل قال أستوهبك منه فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع تسبح علم أنه داود فقال هذا النبي الخاطئ فقال داود يا حزقيل تأذن لي أن أصعد إليك قال لا فإنك مذنب فأوحى الله تعالى إلى حزقيل يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته واسألني العافية فنزل حزقيل وأخذ داود وأصعده إليه فقال داود يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط قال لا قال فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عز وجل قال لا قال فهل ركنت إلى الدني وأحببت أن تأخذ من شهواته ولذاتها قال بلى ربما عرض ذلك بقلبي قال فما تصنع قال أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد فيه مكتوب فقرأه داود فإذا فيه أنا أورى بن سلم ملكت ألف مدينة وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف جارية فكان آخر أمري أن صار التراب فراشي والحجارة وسادي والحيات والديدان جيراني فمن رآني فلا يغتر بالدني ومضى داود حتى أتى قبر أوريا فناداه فلم يجبه ثم ناداه فلم يجبه ثم ناداه ثالثة فقال أوريا يا مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني قال يا أوريا اغفر لي خطيئتي فأوحى الله عز وجل يا داود بين له ما كان منك فناداه داود فأجابه في الثالثة فقال يا أوريا فعلت كذ وكذ وكيت وكيت فقال أوريا أ تفعل الأنبياء مثل هذا فناداه فلم يجبه فوقع داود على الأرض باكيا فأوحى الله عز وجل إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه فقال أوريا لمن هذا قال لمن غفر لداود خطيئته فقال يا رب قد وهبت لداود خطيئته فرجع داود إلى بني إسرائيل وكان إذا صلى قام وزيره يحمد الله ويثني عليه ويثني على الأنبياء (عليهم السلام) ثم يقول كان من فضل نبي الله داود عليه السلام قبل الخطيئة كيت وكيت فاغتم داود عليه السلام فأوحى الله عز وجل إليه يا داود قد وهبت لك خطيئتك وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل قال يا رب كيف وأنت الحكم الذي لا يجور قال لأنه لم يعالجوك النكير وتزوج داود عليه السلام بامرأة أوريا بعد ذلك فولد منها سليمان عليه السلام ثم قال الله عز وجل ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾.
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: أن داود كتب إلى صاحبه أن لا تقدم أوريا بين يدي التابوت ورده فقدم أوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات.
أقول: هذا الحديث محمول على التقية لموافقته مذاهب العامة ورواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم من جواز مثله على الأنبياء.
و الأخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا فلا مجال لتأويله إلا الحمل على التقية.
عيون الأخبار بإسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام فقال يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان فاطلع داود في أثره فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواه وكان قد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام الحرب فقدم أوريا فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوري وتزوج بامرأته قال فضرب على جبهته وقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقال يا ابن رسول الله ما كانت خطيئته فقال ويحك إن داود ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم مني فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب فقالا ﴿خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيه وعَزَّنِي فِي الْخِطابِ﴾ فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ﴾ ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له ما يقول فكان هذا خطيئة داود لا ما ذهبتم إليه أ لا تسمع الله عز وجل يقول ﴿يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...﴾ الآية فقال يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا قال الرضا عليه السلام إن المرأة في أيام داود عليه السلام كانت إذا مات بعله وقتل لا تتزوج بعده أبد وأول من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على أوريا.
و عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول فيما يقول الناس في داود عليه السلام وامرأة أوريا فقال ذلك شيء تقوله العامة.
و عنه عليه السلام: قال لو أخذت أحدا يزعم أن داود عليه السلام وضع يده عليها لحددته حدين حدا للنبوة وحدا لما رماه به.
العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بكى أحد بكاء ثلاثة آدم ويوسف وداود أما آدم فبكى حين أخرج من الجنة وكان رأسه في باب من أبواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا ذلك إلى الله فحط من قامته وأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه وإن كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه وأما يوسف فإنه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى به أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوم ويسكت يوما.
و قال الطبرسي اختلف في استغفار داود من أي شيء كان.
فقيل إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع والتذلل بالعبادة والسجود كما حكى الله سبحانه عن إبراهيم بقوله ﴿وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾.
و أما قوله ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ﴾ فالمعنى إنا قبلناه منه وأثبتناه عليه فأخرجه على لفظ الجزاء وهذا قول من ينزه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم ومن جوز على الأنبياء الصغائر قال إن استغفاره كان لصغيرة.
ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه أحدها أن أوريا خطب امرأة فأراد أهلها أن يزوجوها له فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه وقدموه على أوريا فعوتب داود على الحرص على الدنيا عن الجبائي.
و ثانيها أنه خرج أوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته فعوتب على ذلك بنزول الملكين.
و ثالثها أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها.
فلما قتل أوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك.
و رابعها أن داود عليه السلام كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينه وذلك مباح فمالت نفسه ميل الطباع ففصل بينهم وعاد إلى عبادة ربه فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب.
و خامسها أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيه ولا يحكم عليه قبل ذلك وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في وقت العبادة انتهى.
و قال الرازي بعد الطعن في الرواية المشهورة وإقامة الدلائل على بطلانه وذكر بعض الوجوه السابقة والكلام عليها.
روي أن جماعة من الأعداء طمعوا في أن يقتلوا نبي الله داود عليه السلام وكان له يوم يخلو بنفسه ويشتغل بطاعة ربه فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوروا المحراب.
فلما دخلوا عليه وجدوا عنده أقواما يمنعونه فخافوا فوضعوا كذبا فقالوا خصمان بغى بعضنا على إلى آخر القصة.
و ليس في لفظ القرآن ما يمكن أن يحتج به في إلحاق الذنب بداود عليه السلام إلا ألفاظ أربعة أحدها قوله ﴿وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ﴾ وثانيها قوله ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾ وثالثها قوله أَنابَ ورابعها قوله ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ﴾.
ثم نقول وهذه الألفاظ لا يدل شيء منها على ما ذكروه وتقريره من وجوه الأول أنهم لما دخلوا عليه لطلب قتله بهذا الطريق وعلم داود عليه السلام دعاه الغضب إلى أن يشتغل بالانتقام منهم إلا أنه مال إلى الصفح عنهم طلبا لمرضاة الله تعالى فكانت هذه الواقعة هي الفتنة لأنها جارية مجرى الابتلاء والامتحان ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام منهم وتاب عن ذلك الهم فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ القدر من الهم والعزم.
و الثاني أنه وإن غلب على ظنه أنهم دخلوا عليه ليقتلوه إلا أنه قدم على ذلك الظن وقال لما لم تقم دلالة ولا أمارة على أن الأمر كذلك فبئس ما عملت بهم حتى ظننت بهم هذا.
فكان هذا المراد من قوله ﴿وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّه وأَنابَ﴾ منه فغفر الله له ذلك.
الثالث أن دخولهم عليه كان فتنة لداود عليه السلام إلا أنه استغفر لذلك الداخل العازم على قتله.
و قوله فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ أي لاحترام داود عليه السلام وتعظيمه انتهى.
و قال البيضاوي وأقصى ما في هذه الأشعار بأنه عليه السلام وإن كان له ما لغيره وكان له أمثاله فنبهه الله بهذه القضية فاستغفر وأناب عنه انتهى.
و اعلم أنه لما ثبت عصمة الأنبياء عليهم بالبراهين والأدلة القاطعة وجب تأويل ما يكون ظاهره منافيا له.
و هذه الوجوه وإن كان يحصل بها الخلاص من القدح في شأن داود عليه السلام إلا أن المعول على ما في الأخبار الخالية من التقية1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-29