يتم التحميل...

أحوال موسى(ع) من حين ولادته إلى نبوته

النبي موسى عليه السلام

إن موسى عليه السلام لما حملته أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعه و كان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن و لذلك لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون...

عدد الزوار: 760
تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن موسى عليه السلام لما حملته أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعه و كان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن و لذلك لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون إنه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون و أصحابه على يديه فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون و فرق بين الرجال و النساء و حبس الرجال في المحابس فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه و اغتمت و قالت يذبح الساعة فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى ما لك قد اصفر لونك فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي و كان موسى لا يراه أحد إلا أحبه و هو قول الله ﴿وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فأحبته القبطية الموكلة به و أنزل الله على أم موسى التابوت و نوديت ضعيه فِي ﴿التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ و هو البحر ﴿وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فوضعته في التابوت و أطبقت عليه و ألقته في النيل و كان لفرعون قصور على شط النيل متنزهات فنظر من قصره و معه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج و تضربه الرياح حتى جاءت به إلى قصر فرعون و أمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت و دفع إليه و لما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة و كذلك في قلب آسية و أراد فرعون أن يقتله فقالت آسية لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا و هم لا يشعرون أنه موسى و لم يكن لفرعون ولد فقال التمسوا له ظئرا تربيه فجاءوا بعدة نساء قد قتل أولادهم فلم يشرب لبن أحد من النساء و هو قول الله ﴿وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ و بلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت ثم قالت لأخت موسى قصيه أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فبصرت به عن جنب أي من بعد و هم لا يشعرون فلما لم يقبل موسى ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم و هم له ناصحون فقالوا نعم فجاءت بأمه فلما أخذته بحجرها و ألقمته ثديها التقمه و شرب ففرح فرعون و أهله و أكرموا أمه فقالوا لها ربيه لنا فإنا نفعل بك و نفعل و ذلك قول الله ﴿فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ و كان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون و يربي موسى و يكرمه و لا يعلم أن هلاكه على يديه و لما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس فقال الحمد لله رب العالمين فأنكر ذلك عليه و لطمه و قال ما هذا الذي تقول فوثب موسى على لحيته و كان طويل اللحية فهبلها أي قلعها فهم فرعون بقتله فقالت امرأته غلام حدث لا يدري ما يقول فقال فرعون بل يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا و جمرا فإن ميز بين التمر و الجمر فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا و جمرا فقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل عليه السلام فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر فاحترق لسانه و صاح و بكى فقالت آسية لفرعون أ لم أقل أنه لا يعقل فعفا عنه فقلت لأبي جعفر عليه السلام فكم مكث موسى غائبا عن أمه حتى رده الله عليها قال ثلاثة أيام قلت له أخبرني عن الأحكام و القضاء و الأمر و النهي أ كان ذلك إليهما قال كان موسى الذي يناجي ربه و يكتب العلم و يقضي بين بني إسرائيل و هارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجاة قلت فأيهما مات قبل صاحبه قال مات هارون قبل موسى و ماتا جميعا في التيه قلت أ و كان لموسى ولد قال لا كان الولد لهارون قال فلم يزل موسى عند فرعون في إكرامه حتى بلغ مبلغ الرجال و كان ينكر عليه ما يتكلم من التوحيد حتى هم به فخرج موسى من عنده و دخل مدينة من مدائن فرعون فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى و الآخر يقول بقول فرعون فجاء موسى فوكز صاحبه و قضى عليه و توارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فخلى سبيله و هرب و كان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة و هو الذي قال الله عز و جل ﴿وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ الآية و بلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي يلتفت يمنة و يسرة و مر نحو مدين و كان بينه و بين مدين ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقى منها لأغنامهم فقعد ناحية و لم يكن أكل منذ ثلاثة أيام شيئا فنظر إلى جاريتين في ناحية و معهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال لهما ما بالكما لا تستقيان فقالتا حتى يصدر الرعاء و أبونا شيخ كبير فرحمهما موسى و دنا من البئر فقال لمن على البئر أستسقي لي دلوا و لكم دلوا و كان الدلو يمده عشرة رجال فاستسقى وحده دلوا لابنتي شعيب و سقى أغنامهما ثم تولى إلى الظل فقال ﴿رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و الله ما سأل إلا خبزا يأكله ببقلة الأرض و لقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله فلما رجعت ابنتا شعيب قال لهما أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى و لم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهن اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا فجاءت إليه تمشي على استحياء فقالت له إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فقام موسى معها فسفقتها الرياح فبان عجزها فقال لها موسى تأخري و دليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فلما دخل على شعيب قص إليه قصته فقال شعيب لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحدى بنات شعيب يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين فقال لها شعيب أما قوته فقد عرفتيه بسقي الدلو وحده فبم عرفت أمانته فقالت إنه قال لي تأخري عني فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فهذه أمانته فقال له شعيب إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك فقال له موسى ذلك بيني و بينك أيما الأجلين قضيت فلا سبيل علي ثم إنه أتم عشرا قلت فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين أ يجوز ذلك قال إن موسى عليه السلام علم أنه يتم بشرطه فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى يفي فلما قضى موسى الأجل قال لا بد أن أرجع إلى وطني و أمي و أهل بيتي فما لي عندك قال شعيب ما وضعت أغنامي في هذه السنة من بلق فهو لك فعمد موسى عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منها بعضها و ترك بعضها و غرزها في وسط مربض الغنم و ألقى عليها كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السنة إلا بلقا فلما حان عليه الحول حمل موسى امرأته و زوده شعيب من عنده و ساق غنمه فلما أراد الخروج قال لشعيب أعطني عصا تكون معي و كان عصا الأنبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب ادخل في هذا البيت و خذ عصا من بين تلك العصي فدخل فوثبت عليه عصا نوح و إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم و صارت في كفه فأخرجها و نظر إليها شعيب فقال ردها و خذ غيرها فوثبت إليه تلك العصا بعينها حتى فعل مثل ذلك مرات فلما رأى شعيب ذلك قال له اذهب بها فقد خصك الله بها فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة و معه أهله أصابهم برد شديد و ريح و ظلمة و قد جنهم الليل و نظر موسى إلى نار قد ظهرت فأقبل نحو النار فإذا شجرة و نار تلتهب عليها فلما ذهب إلى النار يقتبس منها أهوت إليه ففزع و عدا و رجعت النار إلى الشجرة فالتفت إليها و رجعت إلى مكانها و رجع الثانية ليقتبس فأهوت نحوه فعدا و تركها ثم التفت و قد رجعت إلى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت نحوه فعدا و لم يرجع فناداه الله سبحانه ﴿يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال موسى فما الدليل على ذلك قال الله ﴿وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ قال ألقها فألقاها فصارت حية ففزع منها موسى و عدا فناداه الله ﴿أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير سمرة و ذلك أن موسى كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا فقال الله عز و جل فذلك برهان من ربك إلى فرعون و ملئه فقال موسى عليه السلام ﴿إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ.

الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام: كن لما ترجو أرجى منك لما لا ترجو فإنموسى عليه السلام ذهب يقتبس نارا فانصرف منها و هو نبي مرسل.

عيون الأخبار في حديث ابن الجهم قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز و جل ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ قال الرضا عليه السلام إن موسى عليه السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات قال هذا من عمل الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله إِنَّهُ يعني الشيطان ﴿عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ.

قال المأمون فما معنى قول موسى ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي.

قال يقول إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة ﴿فَاغْفِرْ لِي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي ﴿فيقتلوني فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ موسى عليه السلام ﴿رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى ﴿فَأَصْبَحَ موسى فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنك و أراد أن يبطش به فأراد أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما و هو من شيعته ﴿قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ.

قال المأمون جزاك الله خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون ﴿فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ.

قال الرضا عليه السلام إن فرعون قال لموسى لما أتاه فعلت فعلتك التي فعلت و أنت من الكافرين قال موسى عليه السلام ﴿فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ... الخبر.

إكمال الدين مسندا إلى أمير المؤمنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حضر يوسف الوفاة جمع شيعته و أهل بيته فحمد الله و أثنى عليه ثم حدثهم بشدة قتالهم تقتل فيها الرجال و تشق بطون الحبالى و تذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في ولد لاوي بن يعقوب و هو رجل أسمر طويل و وصفه له بنعته فتمسكوا بذلك و وقعت الغيبة و الشدة ببني إسرائيل و هم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتى إذا بشروا بولادته و رأوا علائم ظهوره و اشتدت البلوى عليهم و حمل عليهم بالخشب و الحجارة و طلبوا الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر و تراسلوه و قالوا كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحاري و جلس يحدثهم حديث القائم و نعته و قرب الأمر و كانت ليلة قمراء فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام و كان في ذلك الوقت حدث السن و قد خرج من دار فرعون يظهر النزاهة فعدل عن موكبه و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه و انكب على قدميه يقبلهما ثم قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز و جل فلم يزدهم إلا أن قال أرجو الله أن يعجل فرجكم ثم غاب بعد ذلك و خرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى و كانت نيفا و خمسين سنة و اشتدت البلوى عليهم و استتر الفقيه فبعثوا إليه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج إلى بعض الصحاري و استدعاهم و طيب قلوبهم و أعلمهم أن الله عز و جل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فقالوا بأجمعهم الحمد لله فأوحى الله عز و جل قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد فقالوا كل نعمة من الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة فقالوا لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرا فقالوا لا يصرف الشر إلا الله فأوحى الله إليه قال لهم لا تبرحوا فقد أذنت في فرجكم فبينا هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به و جاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه ما اسمك فقال موسى بن عمران بن وهيب بن لاوي بن يعقوب قال بما ذا جئت قال بالرسالة من عند الله عز و جل فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم و طيب نفوسهم و أمرهم أمره ثم فرقهم فكان بين ذلك الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة. وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: كان شعيب يزور موسى كل سنة فإذا أكل قام موسى على رأسه و كسر له الخبز.

أقول فيه إشعار باستحباب قيام صاحب المنزل على رأس ضيفه و أن يخدمه مثل هذه الخدمة و نحوهما مما يزيد عليها بمفهوم المخالفة و ما ينقص عنها بمفهوم الموافقة.

الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى و إنها لعندنا و إن عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها و إنها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع بها موسى عليه السلام و إنها لتصنع ما تؤمر به و إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون تفتح لها شعبتان إحداهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها و كانت من عوسج الجنة.

و عن أبي عبد الله عليه السلام: أن فرعون لما وقف على زوال ملكه على يد موسى عليه السلام أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه و أنه من بني إسرائيل فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود و تعذر عليه الوصول إلى قتل موسى بحفظ الله تبارك و تعالى إياه.

تفسير الإمام العسكري عليه السلام: قال الإمام قال الله تعالى و اذكروا يا بني إسرائيل ﴿إِذْ أَنْجَيْناكُمْ و أنجينا أسلافكم ﴿مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ و كان من عذاب فرعون لبني إسرائيل أنه كان يكلفهم عمل البناء على الطين و يخاف أن يهربوا عن العمل فأمرهم بتقييدهم و كانوا ينقلون ذلك الطين على السلالم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن لا يعبئون بهم إلى أن أوحى الله إلى موسى قل لا يبتدءون عملا إلا بالصلاة على محمد و آله الطيبين ليخفف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخف عليهم و أمر كل من سقط فزمن ممن نسي الصلاة على محمد و آله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه أي الصلاة على محمد و آله أو يقال عليه إن لم يمكنه فإنه يقوم و لا تقبله يد ففعلوها فسلموا فقيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده زوال ملكك فأمر بذبح أبنائهم فكانت الواحدة منهن تعطي القوابل الرشوة لكيلا تنم عليها و يتم حملها ثم تلقي ولدها في صحراء أو غار جبل و تقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله فيقيض الله ملكا يربيه و يدر من إصبع له لبنا يمصه و من إصبع طعاما يتغذاه إلى أن نشأ بنو إسرائيل و كان من سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل ﴿وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يبقوهن و يتخذوهن إماء فضجوا إلى موسى و قالوا يفترعون بناتنا و أخواتنا فأمر الله تلك البنات كلما رأى بهن من ذلك ريب صلين على محمد و آله الطيبين فكان يرد عنهن أولئك الرجال إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه فلم تفترش منهن امرأة بل دفع الله عز و جل عنهن بصلاتهن على محمد و آله الطيبين ثم قال عز و جل ﴿وَ فِي ذلِكُمْ الإنجاء الذي أنجاكم منهم ربكم ﴿بَلاءٌ نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ كبير قال الله عز و جل يا ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم و يخف بالصلاة على محمد و آله الطيبين أ فما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه و آمنتم به كانت النعمة عليكم أفضل و فضل الله عليكم أجزل.

قال الثعلبي في كتاب عرائس المجالس: مات الريان بن الوليد فرعون مصر الأول صاحب يوسف عليه السلام و هو الذي ولى يوسف خزائن أرضه و أسلم على يديه فلما مات ملك بعده قابوس بن مصعب صاحب يوسف عليه السلام الثاني فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى و كان جبارا و قبض الله يوسف عليه السلام في ملكه و طال ملكه ثم هلك و قام بالملك بعده أخوه أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان بن أراشة بن ثوران بن عمرو بن فاران بن عملاق بن لاوي بن سام بن نوح عليه السلام و كان أفجر من قابوس و أقام بنو إسرائيل بعد وفاة يوسف عليه السلام و قد نشروا و كثروا و هم تحت أيدي العمالقة و هم على بقايا من دينهم مما كان يوسف و يعقوب شرعوا فيهم من الإسلام حتى كان فرعون موسى الذي بعثه الله إليه و لم يكن منهم فرعون أعتى على الله و لا أطول عمرا في ملكه و لا أسوأ ملكة لبني إسرائيل منه و كان يعذبهم و يستعبدهم و صنفهم في أعماله فصنف يبنون و صنف يحرثون و صنف يتولون الأعمال القذرة و قد استنكح منهم فرعون امرأة يقال لها آسية بنت مزاحم من خيار النساء فأسلمت على يد موسى و لم يسلم من أهل مصر إلا ثلاثة آسية و حزقيل و مريم بنت موساء التي دلت موسى على قبر يوسف عليه السلام فعمر فرعون و هم تحت يديه أربعمائة سنة فلما أراد الله أن يفرج عنهم بعث موسى عليه السلام و ذلك أن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأخربتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك و يخرجك و قومك من أرضك و يبدل دينك و قد أظلك زمانه الذي يولد فيه فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل و جمع القوابل من نساء أهل مملكته فقال لهن اقتلن الغلمان دون البنات.

قال مجاهد لقد ذكر لي أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار ثم يصف بعضها إلى بعض ثم يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفن فتجر أقدامهن حتى إن المرأة منهن لتضع ولدها فيقع بين رجليها فتظل تطأه تتقي به حد القصب عن رجليها لما بلغ جهدها فكان يقتل الغلمان الذين كانوا في وقته و يقتل من يولد منهم و يعذب الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن و أسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رءوس القبط على فرعون فقالوا إن الموت وقع في بني إسرائيل و أنت تذبح صغارهم و يموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة و يتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها قالوا فولدت هارون أمه علانية آمنة فلما كان العام المقبل حملت بموسى فلما وضعته أمرها الله سبحانه بوضعه في التابوت و لفظه في الماء حتى أتي به إلى قصر فرعون و أتت به آسية إلى فرعون و قالت قرة عين لي و لك لا تقتله فقال قرة عين لك أما أنا فلا حاجة لي فيه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: و الذي يحلف فيه لو أقر فرعون أن يكون ابنه كما أقرت به لهداه الله تعالى كما هدى زوجته و لكن الله تعالى حرمه ذلك.

فلما آمنت آسية أرادت أن تسميه باسم اقتضاه حاله و هو موسى لأنه وجد بين الماء و الشجر و مو بلغة القبط الماء و شا الشجر فعرب فقيل موسى.

و عن ابن عباس: أن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس و عملوا بالمعاصي و وافق خيارهم شرارهم فسلط الله عليهم القبط يعذبونهم.

قال وهب بلغني أنه ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد.

و عن ابن عباس: أن أم موسى لما تقارب ولادتها و كانت قابلة من القوابل مصافية لها فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فأتتها و قبلتها فلما وقع موسى عليه السلام بالأرض هالها نور بين عيني موسى فارتعش كل مفصل منها و دخل حبه في قلبها و لما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته هذا الحرس بالباب فطاش عقلها فلفته في خرقة و وضعته في التنور و هو مسجور فدخلوا فإذا التنور مسجور و لم يروا شيئا و خرجوا من عنده فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى فأين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه و قد جعل الله النار عليه بردا و سلاما فاحتملته.

و عن ابن عباس قال: انطلقت أم موسى إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها ما تصنعين به قالت ابن لي أخبئه فيه و كرهت أن تكذب فانطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمرها فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه و جعل يشير بيده فلم يدر الأمناء فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه و أخرجوه فوقع في واد يهوي فيه حيران فجعل الله عليه إن رد لسانه و بصره أن لا يدل عليه و يكون معه يحفظه فرد الله عليه بصره و لسانه فآمن به و صدقه فانطلقت أم موسى و ألقته في البحر و ذلك بعد ما أرضعته ثلاثة أشهر و كان لفرعون يومئذ بنت و لم يكن له ولد غيرها و كانت من أكرم الناس عليه و كان بها برص شديد و قد قالت أطباء مصر و السحرة إنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد منه شي‏ء شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك و ذلك في يوم كذا من ساعة كذا فلما كان يوم الإثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل و معه آسية فأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فأخذوه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها للذي أراد الله أن يكرمها ففتحت الباب فإذا نور ما بين عينيه و قد جعل الله تعالى رزقه في إبهامه يمصه لبنا فألقى الله حبه في قلبها و أحبه فرعون فلما أخرجوه عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت فضمته إلى صدرها و قبلته فقال الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن هذا المولود هو ذلك الذي تحذر منه فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فوهبه لها.

و قال أهل السير لما بلغ موسى أشده و كبر كان يركب مراكب فرعون و كان يدعى موسى بن فرعون فركب فرعون ذات يوم و ركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف فدخلها نصف النهار و قد غلقت أسواقها و ليس في طرقها أحد و ذلك قوله تعالى ﴿عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فبينا هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلان يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل و الآخر من آل فرعون و الذي من شيعته يقال إنه السامري و الذي من عدوه كان خبازا لفرعون و اسمه قاثون و كان اشترى حطبا للمطبخ فتنجز السامري ليحمله فامتنع فلما مر بهما موسى عليه السلام استغاث به فقال موسى للقبطي دعه فقال الخباز إنما آخذه لعمل أبيك فأبى أن يخلي سبيله فغضب موسى فبطش به و خلص السامري من يده فنازعه القبطي فوكزه موسى فقتله و هو لا يريد قتله فأصبح في المدينة خائفا يترقب الأخبار.

فقيل له إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا فقال ائتوني بقاتله و من يشهد عليه فطلبوا ذلك فبينا هم يطوفون إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى و قد ندم على ما كان منه بالأمس و كره الذي رأى فغضب موسى عليه السلام فمد يده و هو يريد أن يبطش بالفرعوني فقال للإسرائيلي إنك لغوي مبين فخاف الإسرائيلي من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام فظن أنه يريد قتله فقال له يا مُوسى ﴿أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي... الآية.

و إنما قال ذلك مخافة من موسى و ظنا أن يكون إياه أراد و إنما أراد الفرعوني فتتاركا و ذهب إلى فرعون و أخبره بما سمع من الإسرائيلي فأرسل فرعون الذباحين و أمرهم بقتل موسى و قال لهم اطلبوه في الطرق فإنه غلام لا يهتدي إلى الطريق فجاءه رجل من أقصى المدينة من شيعته يقال له حزقيل و كان على تقية من دين إبراهيم الخليل و كان أول من صدق بموسى و آمن به.

و روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: سيأتي الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجار صاحب ياسين و علي بن أبي طالب عليه السلام و هو أفضلهم.

فجاء حزقيل فاختصر طريقا حتى سبق الذباحين إليه و أخبره بما هم به فرعون فذلك قوله ﴿وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ... الآية.

فتحير موسى و لم يدر أين يذهب فجاء ملك على فرس بيده عنزة فقال اتبعني فتبعه فهداه إلى مدين و كان مسيره ثمان ليال و لم يكن له طعام إلا ورق الشجر فما وصل إليها حتى جف قدماه و إن خضرة البقل تتراءى من بطنه ثم إنه اتصل بشعيب و بقي عنده المدة المشروطة فلما قضى أتم الأجلين و سار بأهله منفصلا من أرض مدين يؤم الشام و معه أغنامه و امرأته و هي في شهرها فانطلق في برية الشام عادلا عن المدائن و العمران مخافة الملوك الذين كانوا بالشام فسار غير عارف بالطريق حتى انتهى إلى جانب الطور الغربي الأيمن في عشية شتائية شديدة البرد و أظلم عليه الليل و أخذت السماء ترعد و تبرق و تمطر و أخذ امرأته الطلق و عمد موسى إلى زنده و قدحه مرات فلم تور فتحير و قام و قعد و أخذ يتأمل ما قرب و ما بعد تحيرا و زجرا فبينا هو كذلك إذ أنس من جانب الطور نارا فحسبه نارا ﴿فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً يعني من يدلني على الطريق و قد كان ضل الطريق فلما أتاها رأى نورا عظيما ممتدا من عنان السماء إلى شجرة عظيمة هناك و اختلفوا فيها فقيل العوسجة و قيل العناب.

فتحير موسى و ارتعدت فرائصه حيث رأى نارا عظيمة ليس لها دخان يلتهب من جوف شجرة خضراء لا تزداد النار إلا عظما و لا الشجرة إلا خضرة فلما دنا استأخرت عنه فخاف منها و رجع ثم ذكر حاجته إلى النار فرجع إليها فدنت منه ﴿ف نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى فنظر فلم ير أحدا فنودي ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فلما سمع ذلك علم أنه ربه و اقترب فلما قرب منه و سمع النداء و رأى تلك الهيبة خفق قلبه و كل لسانه و صار حيا كميت فأرسل الله إليه ملكا يقوي قلبه فلما رجع إليه رشده نودي ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ثم قال الله سبحانه تسكينا لقلبه ﴿وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ... الآية.

و اختلف في اسم العصا فقيل اسمها ما شاء الله و قيل غياث و قيل عليق و أما صفاتها و المآرب التي كانت فيها فقال أهل العلم كان لعصا موسى شعبتان و محجن في أصل الشعبتين و سنان حديد في أسفلها فكان موسى إذا دخل مفازة ليلا و لم يكن قمر تضي‏ء شعبتاها من نور مد بصره و كان إذا أعوزه الماء أدلاها في البئر فجعلت تمتد إلى قعر البئر و تصير في رأسها شبه الدلو و يستقي و إذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه.

فيخرج ما يأكل يومه و كان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغصنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها و أثمرت له من ساعتها.

و يقال كان عصاه من اللوز و كان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتها تنينان يتناضلان و كان يضرب بها على الجبل الصعب الوعر المرتقى فيفرج و إذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها و بدا له طريق يمشي فيه و كان يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن و من الأخرى العسل و كان إذا أعيا في طريقه يركبها فتحمله إلى أي موضع شاء من غير ركض و لا تحريك رجل و كانت تدله على الطريق و تقاتل أعداءه و إذا احتاج موسى إلى طيب فاح منها الطيب حتى يتطيب منها ثوبه و إذا كان في طريق فيه لصوص تكلمت العصا و تقول له خذ بجانب كذا و كان يهش بها على غنمه و يدافع بها السباع و الحيات و الحشرات و إذا سافر وضعها على عاتقه و علق عليها جهازه و متاعه و مخلاته و كساءه و طعامه و سقاءه.

و قال شعيب لموسى حين زوجه ابنته و سلم إليه أغنامه يرعاها اذهب بهذه الأغنام فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك و لا تأخذ على يمينك و إن الكلأ بها أكثر فإن فيها تنينا عظيما أخشى عليك و على الأغنام منه فذهب موسى بالأغنام فلما بلغ مفرق الطريقين أخذت الأغنام ذات اليمين فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فنام موسى و الأغنام ترعى فإذا بالتنين قد جاء فقامت عصا موسى فحاربته فقتلته و أتت فاستلقت على جنب موسى و هي دامية فلما استيقظ موسى عليه السلام رأى العصا دامية و التنين مقتولا فعلم أن في تلك العصا لله قدرة.

فهذه مآرب موسى فيها إذا كانت عصا فأما إذا ألقاها موسى عليه السلام فيرى أنها تنقلب حية كأعظم ما يكون من التنانين سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم و لها اثنا عشر نابا يخرج منها لهب النار يهب من فيها ريح السموم لا يصيب شيئا إلا أحرقه و كانت تكون في عظم الثعبان و خفة الجان و لين الحية و ذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع ﴿فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ و في موضع آخر ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فقال له اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ... الحديث.

و روي أن بنت شعيب لما قالت لموسى إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا كره ذلك موسى و أراد أن لا يتبعها و لم يجد بدا أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة و خوف فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى أعوذ بالله قال شعيب و لم ذاك أ لست بجائع قال بلى و لكن أخاف أن يكون هذا عوضا عما سقيت لهما و أنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بمل‏ء الأرض ذهبا فقال له شعيب لا و الله يا شاب و لكنها عادتي و عادة آبائي نقري الضيف و نطعم الطعام و التي تزوج بها موسى اسمها صفورة و الأخرى ليا.

و قيل: اسم الكبرى صفراء و اسم الصغرى صفيراء.


* النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-28