في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة
تراث الإمام
لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسيرته ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه صلى الله عليه وآله ما يلي: - " إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم.. ".
عدد الزوار: 301
لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسيرته ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه صلى الله عليه وآله ما يلي:
- " إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم.. ".
- " يا مسلم! اضمن لي ثلاثاً أضمن لك الجنّة: إن أنت عملت بما افترض عليك في القرآن فأنت أعبد الناس، وإن قنعت بما رُزِقت فأنت أغنى الناس، وإن اجتنبت ما حرّم الله فأنت أورع الناس...".
- " من صلّى الفجر فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس ستره الله من النار ".
ـ " حيثما كنتم فصلّوا عليَّ، فإنّ صلاتكم تبلغني ".
ـ جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله ومعها ابناها فسألته فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحد منهما تمرةً فأكلاها، ثم نظرا إلى أمهما فشقّت التمرة اثنتين فأعطت كلّ واحدة منهما شقّ تمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "رحمها الله برحمتها ابنيها ".
ـ ودعا صلى الله عليه وآله بهذا الدعاء: "اللهم أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني من بغى عليّ، وانصرني على من ظلمني، وأرني ثأري منه... ".
وأمّا ما يخصّ سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله ومكارم أخلاقه فقد اهتمّ السبط المجتبى بنشرها تارةً عن خاله هند بن أبي هالة التميمي ربيبِ رسول الله صلى الله عليه وآله وأخِ الزهراء من أمها; إذ كان دقيقاً في وصفه لحلية النبيّ صلى الله عليه وآله ومكارم أخلاقه، وممّا جاء في وصفه لمنطق الرسول صلى الله عليه وآله قوله: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداق، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم المنّة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئاً، ولا يذّم ذوّاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يستقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار بكفّه أشار بكفه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليُسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام...".
واعتنى الإمام المجتبى بهذه السيرة المباركة أيّما اعتناء، فسأل أباه المرتضى الذي كان ربيب الرسول وتلميذه وصهره وأخاه وشريكه في حمل أعباء الرسالة، وهو الذي لازمه من قبل بعثته حتى رحلته، وطلب منه أن يصف له سيرة رسول الله فأجابه أمير المؤمنين إجابةً تتضمن منهاجاً كاملاً للإنسان المسلم الذي يريد الاقتداء بسيرته صلى الله عليه وآله.
قال الإمام عليّ صلوات الله عليه: " كان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله جل ثناؤه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدّخر عنهم شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسّمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمّة من مسألتهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فإنّ من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواداً ولا يفترقون إلاّ عن ذواق، ويخرجون أدلة.. ".
قال الإمام الحسن عليه السلام: "فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟"فقال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخزن لسانه إلاّ ممّا يعينهم، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم، أو قال: ينفرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويوليه عليهم ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويسأل عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال عنده عتاب، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.. ".
قال الإمام الحسن عليه السلام: "فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر الله ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كلاًّ من جلسائه نصيبه، فلا يحسب جليسه أنّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قارنه في حاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلاّ بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع عنده الأصوات، ولا تؤبّن فيه الحرم، ولا تُثنى فلتاته، ترى جلاّسه متعادلين، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.. ".
قال الإمام الحسن عليه السلام: "قلت له: كيف سيرته في جلسائه ؟ قال عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله دائم السرور، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيَّس منه، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيّره ولا يطلب عثرته، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده، من تكلّم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى أن كان أصحابه ليستجلبوا منهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوّزه فيقطعه بنهي أو قيام.. ".
قال الإمام الحسن عليه السلام: " كيف كان سكوته ؟ قال عليه السلام: كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله على أربع: الحكم، والحذر، والتقدير، والتفكير.
فأمّا تقديره ففي تسويته للنظر بين الناس واستماعه منهم.
وأمّا تفكيره ففيما يبقى ويفنى.
وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يعصيه شيء ولا يستقرّه.
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمّته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة... ".
*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج4،ص 197-201.