كرمه وجوده
الشهادة
إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبى عليه السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت.
عدد الزوار: 227
إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبى عليه السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت.
فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوى ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل "لا" قَطّ.
وقيل له: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب: " إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة ". واجتاز عليه السلام يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام: " ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام: إنّي لأستحي أن آكل ولا أطعمه". وهنا رأى الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه على جميل صنعه، فقال له: "لا تبرح من مكانك، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط البستان الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه ".
وروي أنّ جارية حيّته بطاقةٍ من ريحان، فقال عليه السلام لها: " أنت حرّة لوجه الله، فلامه أنس على ذلك، فأجابه عليه السلام: أدّبنا الله فقال تعالى ﴿وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها﴾، وكان أحسن منها إعتاقها ".
ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشترى من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه. وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحى من ردّه، فقال عليه السلام له:" إنّي أدلّك على شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير يا ابن رسول الله ما هو؟ قال عليه السلام: إذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قال عليه السلام: قل له: "الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك"، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له: أكلامك هذا؟ فقال: لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة: صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى ".
لقد كان عليه السلام يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال.
*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج4،ص 36-38.