يتم التحميل...

برُّ الوالدين

ربيع الثاني

أولى الإسلام عناية خاصّة بالأسرة، وحدّد لها جملة من الحقوق، باعتبارها الأساس الذي ينطلق منه الفرد المسلم نحو المجتمع الذي هو الدّائرة الأوسع في حياته. وعندما نتكلّم عن حقوق الأسرة يأتي حقّ الوالدين في الدّرجة الأولى، فهذا الحقّ له من الأهمّيّة ومن المكانة، بحيث قرنه الله عزّ وجلّ في القرآن بحقّ طاعته وجعله تالياً له،

عدد الزوار: 685

نور الأسبوع: برُّ الوالدين


أولى الإسلام عناية خاصّة بالأسرة، وحدّد لها جملة من الحقوق، باعتبارها الأساس الذي ينطلق منه الفرد المسلم نحو المجتمع الذي هو الدّائرة الأوسع في حياته. وعندما نتكلّم عن حقوق الأسرة يأتي حقّ الوالدين في الدّرجة الأولى، فهذا الحقّ له من الأهمّيّة ومن المكانة، بحيث قرنه الله عزّ وجلّ في القرآن بحقّ طاعته وجعله تالياً له، وفي أكثر من آية، يقول تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...﴾.ويقول تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً، ويُفهم من ذلك أنّ الإحسان إلى الوالدين هو أحد مظاهر العبوديّة لله عزّ وجلّ. وبالتالي، عقوق الوالدين موجب لغضب الله وسخطه، ولو كان العاقّ من العباد الذين لا يتركون فرضاً واحداً. بل إنّ الله عزّ وجلّ في مورد آخر قرن بين شكره وشكر الوالدين.

قال الإمام الصادق عليه السلام: "برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم".وبالتالي عدم شكر الوالدين موجب للوقوع في الجحود والتّقصير، ولو كان لسان الإنسان لا يفترّ عن شكر الله عزّ وجلّ. يقول تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وقد جعل الإسلام حقّ الأمّ أعظم بمراتب من الأب، والسبب واضح، فالأمّ يقع عليها عبء الحمل والإنجاب وما يرافق ذلك من تعب وألم ومعاناة.ويقع عليها عبء الإرضاع والاعتناء بوليدها، وما يرافق ذلك من تضحية براحتها وعمرها. ويقع عليها عبء الاعتناء بمولودها حتّى يشبّ ويكبر ويعتمد على نفسه. وعن أبي عبد الله قال: "جاء رجل إلى النبيّ فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمّك. قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك. قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك. قال: ثمّ مَن؟ قال: أباك".

قال الإمام الصادق عليه السلام:"إنّ صلة الرّحم تهوّن الحساب يوم القيامة".

برّ الوالدين بعد موتهما
من الأمور التي قد يغفل عنها الإنسان هي إمكانيّة أن يبرّ والديه حتّى بعد موتهما. أنظر كيف يفتح الله عزّ وجلّ أبواب الرّحمة على عباده. إنّ برّ الوالدين بعد موتهما فيه رحمة لهما وللولد البارّ أيضاً. قال الإمام الباقر: "إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقّاً. وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارّ بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله تعالى بارّاً". وعن الإمام الصّادق عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله: "سيّد الأبرار يوم القيامة، رجلٌ برّ والديه بعد موتهما".

مساوئ العقوق
إنّ عقوق الوالدين يُعتبر من كبائر الذّنوب، والله عزّ وجلّ توعّد العاقّ لوالديه بالخلود في نار جهنّم. وفضلاً عن ذلك، فإنّ للعقوق آثاراً وخيمة حتّى في عالم الدّنيا. والنّصوص الشّاهدة على ذلك كثيرة. فعن رسول الله: "يقال للعاقّ إعمل ما شئت فإنّي لا أغفر لك".

وعنه أيضاً: "ثلاثة من الذّنوب تعجّل عقوبتها ولا تؤخّر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان".

وعن الإمام عليّ الهادي عليه السلام: "العقوق يعقب القلّة، ويؤدّي إلى الذّلّة".

وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة".

حقّ الأمّ
كان زكريّا بن إبراهيم نصرانيّاً مثل أبويه وسائر أفراد قبيلته، ولكنّ قلبه وضميره كانا يدعوانه للإسلام حتّى أسلم.

عندما حلّ موسم الحجّ، شدّ رحاله قاصداً البيت الحرام لأداء فريضة الحجّ الواجبة، وهناك ذهب إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: "إنّي كُنت على دين النصرانيّة، وقد أسلمت، فقال الإمام: أيّ شيء رأيت في الإسلام حتّى صار سبباً في إسلامك؟فأجاب: قوله عزّ من قائل: ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن*جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء.فقال الإمام: لقد هداك الله، ثم دعا بقوله: اللّهمّ اهده.ثمّ قال: سل عمّا شئت يا بنيّ.قال: إنّ أبي وأمّي وأهل بيتي على النصرانيّة، وأمّي مكفوفة البصر، فأكون معهم، وآكل في آنيتهم فسأله الإمام، أيأكلون لحم الخنزير؟فأجابه زكريا: لا، ولا يمسّونه.فقال الإمام: لا بأس، فانظر أمّك وبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها (بتجهيزها) ولا تخبرنّ أحداً أنّك أتيتني، حتّى تأتيني بمنى إن شاء الله. ذهب زكريّا إلى الإمام بمنى والناس قد اجتمعوا حوله وكأنّه معلّم صبيان، هذا يسأله وذاك يستمع إليه.

انتهت أيّام الحجّ، ورجع زكريّا إلى الكوفة، وقد أودع وصيّة الإمام الصادق في صندوق ذهنه وصمّم على تنفيذها، فأخذ يُلاطف أمّه ويُسبغ عليها من حنانه ويخدمها أكثر من ذي قبل.فقالت له ذات يوم: يا بنيّ ما كنت تصنع بي مثل هذا عندما كنت على دين النصرانيّة، فما الذي أراه منك منذ هجرت هذا الدين ودخلت في الإسلام؟فقال: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا.فقالت: أهذا الرجل نبيّ؟لا، ولكن ابن نبيّ.يا أمّاه، إنّه ليس بعد نبيّنا نبيّ، ولكنّه ابنه.يا بنيّ، دينك خير دين، اعرضه عليّ. فعرضه عليها، فدخلت في الإسلام، وعلّمها، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثمّ عرض لها عارض في الليل.فقالت: يا بنيّ، أعد عليّ ما علّمتني، فأعاده عليها، فأقرّت به وماتت بعد ذلك، فلمّا أصبح الصباح غسّلها المسلمون، وكان هو الذي صلّى عليها، ووضعها في قبرها".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

2012-03-20